الفصل الخامس

ابدأ من البداية
                                    

( الوادي )

" كيف حالك يا عزيز ؟!! "
ابتسم عزيز بخفة محاولًا إخفاء توتره ثم غمغم ممازحًا :
" أعتقد أنك الأولى بالسؤال عن حالك "
أسبل ليث اهدابه ثم رد بهدوء :
" الحمد لله على كل حال يا عزيز .. والآن أخبرني عن الأمر العاجل الذي تريده مني "
قبض عزيز كفه وبسطه عدة مرات وأسلوب ليث المتحفظ معه على غير العادة يوتره ثم همهم بعد لحظات باندفاع :
" أنا أريد التقدم لإحداهن "
انفرجت ملامح ليث ثم هتف مبتسمًا :
" هل حُلت عقدتك أخيرًا ؟!! "
" أي عقدة ؟!! "
سأله عزيز مقطبًا باستغراب ليهمهم ليث متفكهًا :
" ترفض التعامل مع النساء طوال الوقت ، ترفض التقدم لإحداهن ، لا تنظر إليهن ، لا تعيرهن انتباهك ولا تتحدث معهن ... ماذا نُسمي هذا غير عقدة إلا إذا كان شيئاً آخر والعياذ بالله ؟!!"
ارتفع حاجبي عزيز ثم انقلبت ملامحه بقرف ليتمتم بعدها بضيق :
" هل أصبح رفضي للاختلاط دون رباط عيب بي وشك في ميولي ؟!! "
ضحك ليث ثم هز رأسه نفيًا بينما استطرد عزيز بحاجب مرتفع :
" كما أن طباعك لا تختلف عني كثيرًا .. لا تتحدث كما لو أنك متعدد العلاقات "
رفع ليث كفيه باستسلام ثم عاد لبداية الحوار مهمهمًا بابتسامة واسعة :
" حسنًا يا صديق ... هل اخترت العروس أم لا زلت في طور البحث ؟!! "
انتابه التوتر من جديد ثم قال باندفاع كاشفًا كل أوراقه :
" اخترتها وأنت تعرفها "
وهنا حل الصمت على ليث للحظات وكأن الرؤية باتت تتضح قبل أن يسأل بصوت جاد وخافت :
" من ؟!! "
أرتجف قلب عزيز فتنهد ثم هتف مرة واحدة :
" أختك .. الآنسة غالية "
المشاعر المتعاقبة على وجه ليث جعلته يضطرب ..
فبعد الصدمة حل غضب غريب ظهر في صوت ليث وهو يتمتم بحدة مفاجئة :
" ومن أين تعرف غالية حتى تطلبها للزواج ؟!! " 
ارتفع حاجبي عزيز بذهول ثم همهم ضاحكًا بتوتر :
" وكيف لي أن لا أعرفها ونحن جميعًا كبرنا سويًا !! "
لم يهتز ليث للحظة ولم تتغير ملامح وجهه وهو يسأل من جديد :
" ولما غالية بالتحديد يا عزيز ؟!! "
كاد عزيز أن يتحدث لكن ليث استطرد بعينين ناريتين :
" أنت مؤكد تعلم بظروفها كما يعلم الجميع ... لماذا وقع اختيارك على غالية ؟!! "
زفر عزيز وحاول أن يجد ردًا مناسبًا ثم تكلم بعدها بتصريح عاشق :
" ربما لأنها السبب في عزوفي عن الزواج طوال الأعوام الماضية "
اتسعت عينا ليث ثم همهم بنبرة من يوشك على الفتك بمن أمامه :
" أنت .......... "
قاطعه عزيز هاتفًا بحرارة لا تُخطئ :
" أنا أكن لها كل الاحترام يا ليث ، وحين أردت أن أتقرب منها جئت إليك قبل أي شأن ، قبل حتى أن اسألها عن رأيها "
أطبق ليث فكيه ثم قالها صريحة :
" عزيز أنت تعلم أن غالية لن تنجب "
" وأنا لا أريد أطفال "
والرد كان سريع حار بلا ذرة تردد مما أوصل مشاعره بوضوح إلى ليث الذي تمتم بملامح قاتمة :
" منذ متى ؟!! "
همهم عزيز بقلة حيلة وابتسامة خفيفة للغاية تداعب ثغره :
" توقفت عن حساب الزمن من وقت طويل "
زفر ليث محاولًا تمالك أعصابه ثم صمت لدقائق طويلة قبل أن يقول ببعض التروي :
" اسمع يا عزيز .. غالية أغلى عندي من أي شخص وأنا لا أستطيع أن أجبرها على ما لا ترغب به "
قطب عزيز ثم قال بوجل :
" ولما تضمن رفضها ؟!! "
" لأنها تدرك جيدًا أن شروطها ستكون مرفوضة من اي رجل لهذا هي عازفة عن الزواج بشكل عام "
اقترب عزيز بجلسته منه ثم قال بصوت قوي محاولًا اخفاء توسلات قلبه :
" يا ليث .. أنا أعدك أن كل طلباتها ستكون مجابة بإذن الله كما أنني أخبرتك برأيي في موضوع الإنجاب ، على الأقل اعرض عليها الأمر يا أخي "
" وما رأي عائلتك في هذا الأمر ؟!! .. هل أخبرتهم برغبتك ؟!! "
ألقى ليث أسئلته بتحدي ليفاجئ بعزيز الذي هدر فيه بتوتر بلغ ذروته :
" بالطبع يعرفون .. ماذا بك يا ليث لما ترفض الزيجة بهذا الإصرار ؟!!! "
هدر فيه ليث بدوره :
" لأنني لا أريد لها أن تُؤذى بكلمة ولا احد يضمن عزوفك عن الإنجاب طوال العمر خاصةً وأن هذا حقك الطبيعي "
صرخ فيه عزيز بحنق :
" سأعطيها كافة الضمانات ، لا تتدخل أنت .. فقط وافق وقف جواري يا رجل "
كتم ليث ضحكة كادت تشق طريقها إلى شفتيه حين دقق في ملامح عزيز الحانقة بطفولية ثم قال بعد صمت جعل عزيز على وشك لكمه :
" سأخبرها وفي النهاية الرأي الأخير لها "
قفز عزيز من فوق مقعده ثم عانق صاحبه بخشونة هاتفًا بضحكة متوترة :
" حبيبي أنت والله "
أبعده ليث بحدة قائلاً بوجه جاد :
" إذا رفضت لن يُفتح هذا الموضوع مرة أخرى "
" ستوافق .. بإذن الله ستوافق "
هتف بها عزيز بأمل كبير وكأن قلبه هو من يهتف بها وليس لسانه .. !
عائلته وافقت
وانتزع موافقة ليث وإن كانت على مضض
والآن دورها
هي من بقيت
رهانه الأكبر
حلمه الأجمل
غالية قلبه التي سيفعل المستحيل حتى يحظى برضاها فينال مبتغى العمر .
______________ 

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن