"السبت 18/3/2022
أشرقت شمس اليوم من جديد بعد حرب الضروس التي اخوضها كل ليلة بمفردي، أستيقظ في الصباح مرددة بداخلي "محاولة جديدة يا ندي فلتصمدي"، انصهرت كل ملامح الصمود أمام نيران الحياة وصراعاتها التي لا تنتهي، تحملت المعاناة و معاملة الجواري ووكلت أمري لله، أرجو منه العوض وأسير على نهج صلواته؛ لتغذي روحي بشعلة أمل، إلى أن انطفأت انوارها واحرقت ما تبقى بداخلي، فأين النجاة و مصيري سيصبح بعد 30 يوم في بيت رجل لا أحبه! ؛أنه ضابط شرطة يحمل الشر بألوانه كالسم نظرته، و منذ أن وقعت عينه عليّ عندما كنت في إحدى حفلات رجال عمل خالي و قد حدث ما لم أقبل حدوثه و ما بوسعي شيء لأفعله، و ليس بيدي قرار و لا للساني كلمة ينطق بها ؟ كأنني دمية بخسة وضعت في سوق رقيق و قد حان الوقت اللعب بها، قُتلت طفولتي من لحظة ولادتي بوفاة والدتي، و شيعت روحي جنازتها من بعد رحيل أبي، و قد أتى الوقت لجسدي أن يُلقى بقبر واقعه المرير.
أما اليوم سأذهب لشراء بعض الأجهزة و الأدوات المنزلية مع عقرب دار خالي أنها زوجته، امرأة سليطة اللسان حادة الطبع يبدو أنها خلقت حقا من ضلعه و عجينة قسوته، و من قرارة نفسي اتمنى لو ان القدر ينتشلني من هذا العذاب للأبد و أجد روحي بين أحضان أمي و أبي.الساعة 6:30 مساءً
لقد وقفت دقات الساعة في تلك اللحظة التي اقتربت فيها لأدفع ذلك الباب الزجاجي الضخم لبيع وشراء المعدات الكهربائية، لم أكن أعلم أنه ليس مجرد باب لمحل بل أن باب قلبي الذي كان يُفتح مُتخليًا عن كل وعودي لنفسي باستحالة فتحه والسماح لغريب اقتحامه، كان المكان مكدس بالعملاء والقلب وضع به السهم من أحدهم دون إنذار؛ شاب مميز يمتلك وسامة رجولية و قامة صهباء علقت فؤادي يترنح ف الهواء، ليس بجمال فز و معياري بل ذلك البريق الذي استفز خلجات نفسي و مفاتيح خزانة أنوثتي،، يجلس على حافة مكتب العمل يبدو أنه يعمل بهذا المكان لأنه يرتدي يونيفورم كبقية طاقم العمل.. دخلت انا وزوجة خالي و هي تنظر هنا وهناك أما أنا فكأنني فقدت جميع الحواس! حتى وجدته يقترب منا تظهر على ثغره ابتسامة تحية تزين لحيته السوداء محاولا مساعدتنا، لكننا لم نوفق ف تلك اللحظة، و كانت نظراته لي دافئة تود الاقتراب لكن أمامه وشاح يمنعه، و بدون مقدمات قدم رقميه بحجة أن هناك تخفيضات و من خلال تلك الأرقام يمكنني متابعته على حساب الواتس اب ليخبرني عن التخفيضات والأجهزة الحديثة؛ فوافقت و بنفس اللحظة لم تعترض زوجة خالي فشعرت حينها ان هذا الأمر لم ينتهي هنا فحسب..
مرّ يومين لم يغادر عقلي للحظة واحدة في الواقع لم يغادر قلبي أيضًا، احتلني بنظرة و اعتقلني بابتسامة، كيف للمرء ان يظل سجينًا هكذا بكل تلك البساطة!، أحاول طرده من افكاري و لا استطيع هناك قوة خفية لا أدرك مغزاها، إلى ان تذكرت أرقامه فقررت ان أدخل لمحادثته بحجة الأجهزة و هكذا.. تحدثنا بطريقة رسمية بحته تحت اطار العمل جذبني رزانته و أسلوب كلامه، احترامه و اتزانه بين الكلمات، فنحن في زمن قل قليل أن تجد شاب يحترم عمله و لا ينساق للتسلية مع الفتيات، حاولت ابعاده عن عقلي فلم أجد سببًا لما يحدث و لا يصح ان يحدث فأنا سأكون في ذمة رجل آخر خلال ايام..
حتى وجدت رسالة منه؛ أن اليوم بمناسبة عيد الأم 21/3 ستكون هناك تخفيضات كبيرة في الأسعار، فرحت و ابتسمت لأنني سأراه مجددا سأنظر لعيناه خلسة، لا أعلم إن كنت نسيت فعلا أمر زواجي بذاك الضابط الغليظ أم أن قلبي يتناسى ليسكن إلى ذلك الغريب الذي اقتحمني دون سابق إنذار، كان الشعور بالأمان بجواره لو لبضع دقائق يكفي لطمأنينة مائة عام، أخبرت زوجة خالي بهذا الحديث و لم تمانع ووافقت لأنها تريد الخلاص مني بأي ثمن خاصة لاعتقادها أنني أقف عاقبة لها في طريق زواج بناتها ظنا منها أنني جميلة و احجب عنهم رؤية الخاطبين!
فكانت هذه المرة قد توفقنا و طالت فترة تواجدنا بالمحل تأملت تصرفاته و لغة جسده، كان نشيطًا محبا لعمله ملمًا بالعملاء يجذب هذا وهذه، كاريزما تواجده بمفردها قد جعلتني اجزم أنني و قعت في شباكه للأبد، فأنا لم أجرب الحب منذ قبل ذلك لم يدخل حياتي أحد من قبل و ما مررت به بحياتي كافيًا ليجعلني بمفردي لا أقبل بوجود أحد، لكنه مختلف!
الأيام تمر ويقترب موعد الزفاف وقلبي يعتصر وعقلي مشحون بذلك الغريب الذي غزى روحي و احتلني عنوة، أصلي و اقيم الليل ارتل القران و اتشبث بحبال الله المتينة بأن يخرجني من ضيقي إلى متسع تدبيره، لا اعلم كيف وكل الدلائل حولي تخبرني بأن خلاصي من هذا الزواج مستحيل، و في يوم استيقظت على صراخ زوجة خالي و تعيب في أنني فتاة منحوسة و بحظي الفقر و الموت، حتى علمت بان ضابط الشرطة الذي تقدم لخطبتي قد تعرض للقتل في كتيبته هو وبقية زملاءه من قِبل مجموعة إرهابية..
ساءت حالتي رغم فرحة قلبي بالخلاص إلا أن كلمات تلك المرأة السليطة جعلتني اتشكك في حالي هل أنا بالفعل الموت يترصدني و يتعقب كل من يقترب مني؟ حاولت أن أخرج أفكاري السامة هذه والتصقت بجدار غرفتي كالعادة وحاولت أن اخلد للنوم هربًا من واقعي، لكن في بعض الأحيان تنام من واقعك إلى أن تجده ينتظرك في جولة أحلامك..
رأيت بالمنام ذلك الغريب؛ رؤية مليئة بالألغاز سأحتفظ بها و لا أبوح عنها هنا بين أوراقي، لكنها ظلت تشغل أفكاري وتدور بين ممرات عقلي و بعد فترة وجيزة رأيت له حلمًا آخر أشد غموضًا و مشاهد تحتاج التفسير، ماذا أفعل؟ هل أخبره؟ لكن ماذا إن ظن أنني أكذب وأريد التحدث معه بتلك الحجة الرخيصة و الأمر ليس هكذا؟ حاولت تناسي الأمر مرات عدة كل مرة كان يأتيني هذا الغريب بلغز أقوى حيرة من سابقتها، يا تُرى ماذا يحدث معه كي تصلني جميع هذه الرسائل ليّ، و كيف أخبر شخص ملتزم مثله ليس بيننا معرفة او سبيل نقاش سوى أنني عميلة كنت لديه و انتهى الأمر هنا، و بعد مدة قررت أن احسم الأمر و أنهى هذا الصراع متمنيه أن تنتهي معه ألغاز أحلامه، فبالتأكيد الأمر ليس عاديًا!! تواصلت معه و أخبرته و تلقيت ردة فعل ليس كما توقعتها -ردة فعل باردة- و ما توصلت له أن لا شيء يجعله يلتفت أو يثير اهتمامه سوى عمله هو فقط من يسيطر على أفكاره، و رغم ذلك حاولت أن اتقرب له أن اتفهم ما يجول بخاطره و ما يحدث له، و هناك شيء بداخلي يجذبني له ليس بأعجاب و ليس بما يسمى الحب، لا بلى كأنه مغناطيس و كنت أنا من تحمل بداخلها جميع المعادن، لكن التجاهل و اللامبالاة منه صدمت كرامتي و جعلتني اتساءل لما فعل معي هكذا؟ هل ظن أنني اختلق الحجج لأحادثه؟ ماذا يظن نفسه ليعاملني هكذا؟ و كأنه ألقى جميع ما فعلته طيلة سنوات عمري من تقدير نفسي و رفعة شأني بين الجميع في الدرك الأسفل، تشككت في حالي و ما يحدث معي شعرت بالخوف من الجميع فهو اول ما بادرت للاقتراب منه، أرى جميع الرجال هكذا لا يستحقون التقدير، أعلم ان الجميع يختلفون في الطباع، لكن ما حدث أنني أرى الجميع هو، أنام و عقلي يفكر به أجده في أحلامي استيقظ على ابتسامته و ترسم على شفتاي ابتسامة مقابلة له دون إرادة مني، نسيت معاناتي و قلقي و معاملة من حولي لي، أصبحت كلماتهم لا تمر على ممرات سمعي فأنها مشغولة بنبرة صوته و عذوبته، و ما زاد الأمر و سكب التعلق بقلبي مرارة كنت ألقاه كلما خرجت لمناسبة أو تقديم عمل، و كأن الأماكن تتحالف لتجمع رؤيانا، أما هو فكانت عيناه تتهرب مني تخشى أن تلتقي بي حتى لا تقع في فخي و تبوح بما دثرته برودة أفعاله، توتره و اضطرابه عن مواجهتي صدفة تعترف لي بصكوك واضحة أن ما يشعر به قلبي يحدث له أيضًا ولكن لكبريائه سلطة أعظم؛ ولربما لديه أسباب قوية خاصة به و لا يريد اخباري بها، شخص غامض غريب الأطوار قيدني بغلال لا أدرك معالمها و لا أسبابها، أصبحت متيمة به، اخشى الخروج حتى لا اتعرقل بلمحة منه و تلح عيناي كل لحظة لنظرة منه، و تمنيت لو أن المرور تعطل ذاك اليوم الذي رأيتك به، لاختصر لي عمرًا من الوجع، فما فائدة شعوري لك هذا وأنا كالجار الثامن لا تشملني الوصية..
حاولت التخلص منه و نسيانه بالأشخاص و الهوايات، بالمشي و التسوق، بفنجان القهوة و الحلوى، فعلت جميع ما يجعله ملقي خارج رصيف قلبي و نسيت أنه يمتلك مدينة روحي بأكملها!، الشعور بالتجاهل و الرفض مؤلم؛ جعلني اتصدق سرًا عن كل من رفضتهم و اذقتهم مرارة التجاهل رغم عدم تعمدي ذلك و كنت أخشى حينها على قلبي من السقوط في بئر أحدهم، و ها أنا رغم جميع محاولات حمايتي استطاع أحدهم هدم حصون قلبي على عاتقي.
كانت تمر الأشهر و هو لا يمر أبدًا، حتى جاء ( علي) شاب و سيم، على قدر كبير من الأخلاق يعمل مهندس بشركة معمارية خاصة، حاول التقرب مني بشتى الطرق يفعل كل ما تتمناه أنثى من بوادر الاهتمام و نظرات العشق، و كنت أنا من ترى هذا الاهتمام ثقيل على روحي ماذا لو كان إسلام بدلا منه يغرقني بتفاصيله و يخشى ان يفقدني هكذا!!، و هل كنت سأقع سجينة في حبه أيضًا أم أن السر يقبع في الحرمان؟ لكن جميع محاولات صدي له أدت للفشل و مثلما يقولون في المثل الشعبي الشهير «الزن على الودان أمرّ من السحر»، و هذا ما حدث وافقت على خطبتي منه، أقنع نفسي أن أمر هذا الغريب انتهى و أنني استحق الحب و التقدير، و علي شخص جميل طيب مهذب، و لم أدرك وقتها أن محاولة الوقوع في الحب صعبة هكذا، و أن هذا الأمر لا يحتاج للمحاولة بل هو شعور لا إرادي كالمخدر اللحظي، حقيقة هو يمتلك جميع الصفات الحميدة لكنه لم يستطيع أن يمتلك قلبي ، مرت شهور وأنا معه بعقلي فقط الذي لا يرى معضلة او سببا لتركه، ما أسوأ أن يأتيك الشخص الصحيح في الوقت الخطأ، لماذا لم يأتي مسبقًا قبل أن يفقد قلبي عذريته مغتصبًا إيّاه ذاك الغريب دون مجهود، هو ليس سيئًا إنما أنا المُستهلكة، يقتلني الشعور بالذنب، لم يعد الأمر متوقفًا على كوني أحبه أم لا أصبح الأمر الآن أنني استغليته لأنسى أخر! وأنني رغم ما بذلته لإقحامه قلبي رُغمًا عني إلا أنني ما زلت مُقصرة، تعلقت بوجوده واهتمامه، ولكن شتان بين الحب والتعلق وبين هذا وذاك هناك قلب يحترق وروح تُستغل.
و في يوم وقفت لنفسي مواجهة لها أحدثها بصوت مسموع: ما الفرق بينك وبين إسلام الآن، بل أنك الأسوأ أتستغلين من أحبك صدقًا كفاكِ ظلمًا له، علي يحتاج لمشاعر لكلمات حب تسند قلبه من مشقات الحياة وانا لا امتلكها له فقلبي و مشاعري مع هذا البعيد الذي ما زلت أحمل تجاهه الأمل، و انتظر منه كلمة في رسالة، أو مفاجأة يأتي بها القدر لي حاملًا به إلى منزل خالي يتقدم لخطبتي!، أشعر أني خائنة في كل مرة أراقب حسابه، اقرأ تعليقاته لأصدقائه وأعيدها مرارًا و تكرارًا، وأعرف أن ما أفعله خطأ و غباء من أتعلق بشيء وهمي هكذا لكن مَن منّا له سلطة على قلبه؟ لو كان سهلا لانتهت جميع العلاقات بكل سهولة و لم يتألم أحد البته.
اتصلت بعلي و اخبرت خالي أن شبكته على الطاولة سيأتي بعد أذان المغرب وتعطيه له دون مقدمات أو كلمة واحدة وإلا سأفعل هذا أنا و لا يهمني تهديداتك ككل مرة بإلقائك لي في منتصف الطريق او تحت اوتوبيس نقل أنا لست خائفة من الموت او التشرد فكلاهما أعيشه كل يوم في بيتك، و عندما سمع خالي كلماتي هذه كالذي صعق بماس كهربي لم أتحدث معه بهذه الطريقة في يوم و لم اعارضه على شيء أبدا، و هو ينظر لدموعي تتساقط بغزارة و انا منهارة أمامه فقد فاض بي، ولم يتحدث بكلمة واحدة و كأن ثورتي سلبته الأحرف و غلاظته إلى أن خرجت و تركته، و بالفعل أتى علي وكان يثور غضبًا معه يحاول أن يفهم لما هذا، لم يحدث سببًا ظاهري لفعلتي هذه، لكن ما الذي يمكنني أن اخبرهم به لدي عاشق؟، لا و ليس فقط امتلك بقلبي عاشق وهمي صامت، اخشى ان استيقظ في يوم و أدرك أأنه كان شبح متنكر في هيئة شاب سرق سلامي و رحل. "
***
أنت تقرأ
ندى..《قصة حقيقية واقعية》
Short Story《قصة حقيقية》 لفتاة و شاب تبادلوا أدوار الحياة لكل واحد منهم قلب يعشق سواه.. كما يكتب الأقدار على قلوبنا تعشق من ليس لنا و ما لنا لا تهواه.
جميعًا نمتلك محاولة أخيرة تجاه كل شيء أحببناه بشدة.
ابدأ من البداية