بقيت فريال علي حالها ساعات طويله، متألمة مجهدة وظل يحيي يحوم حولها حاملاً صغيرته التي تبكي، فلا دواء حسن من حال فريال، ولا رضعة صناعية سدت جوع الصغيره.. فاضطر إلى طلب مساعدة عايده للصغيرة فقد تعبت من البكاء وفريال حاولت ان تتمالك نفسها وتحملها عنه واكنها لم تستطيع، فما كان من محاولاتها إلا أن زادت عليها التعب، فاسود وجهها اكثر وازرقت شفتاها،واغمضت عينيها وغاصت في النوم هرباً من الألم.

أخذت عايده الصغيرة من يحيي وحملتها بين يديها، وقامت بتنظيفها وتبديل ملابسها، واخذت تتاملها فكم كانت جميلة وملامحها هادئة لا تشبه ايا من يحيى او عايده!
ولا تعلم لماذا شعرت بأن قلبها رف لهذه الصغيرة بمجرد أن حملتها، هل لانها اشتاقت للاطفال الصغار، أم لأنها تمنت كثيراً ان تنجب إبنة ولكن الله لم يرد لها ذلك؟
لا تعلم سبب هذه الرفرفات ولكنها ضمت البنت على اية حال وتجاهلت كل الأسباب.
أما مديحه فارتدت ملابسها وخرجت من المنزل متجاهلة كل مايحدث حولها وذهبت لتسرق لنفسها بعضاً من الوقت مع حبيبها السري الذي عادت لتعيش معه مراهقتها من جديد حيث محادثات الغزل عبر الهاتف لا تنتهي والشوق دائم والتسلل دون علم أحد واللقاء في الخفاء يجعل من الأمر متعة لها مذاق خاص وشعور لا يوصف.

اخيراً عادت عايده من ثباتها وأول من سألت عليها إبنتها "كارمن" حيث تلفتت حولها ولم تجدها ويحيى كان يجلس على الاريكة مرتدي نظارته وغارق في الاوراق والحسابات..
- يحيي كوكي فين؟
ترك الأوراق من يده ونزع نظارته وقام اليها يطمئن على حالها:
- متقلقيش كوكي مع مرات عمها اديتهالها تسكتها لما معرفتش اتصرف معاها ولسه رايح مطمن عليها لقيتها نايمه وعايده قاعده جنبها.. سيبك من البنت وطمنيني عنك. انتِ بقيتي احسن دلوقتي؟

هزت عايده رأسها بالايجاب ورت عليه بوهن:
-الحمد لله.. روح يايحيي هاتلي حاجه مسكره اشربها أو اكلها حاسه بهبوط، واتأكد إن الولاد اكلوا، وشوف مديحه موجوده في البيت ولا خرجت ولو موجوده بتعمل ايه.
يحي بزهق:
- يافريال قولتلك سيبك بقى من دا فين ودا بيعمل ايه وراح فين وركزي الفتره دى على صحتك لانك تعبانه وكل مادا وبتتعبي قولتلك الناس موجوده وكل حاجه تتأجل لوقت تاني بس صحتك اهم.
فريال بنفاذ صبر:
يوووووه.. يااخي متعصبنيش بقى واسمع اللي بقولهولك انا تعبانه لوحدي.
يحيي:
-طيب حاضر حاضر رايح اهو بس متتعبيش نفسك الزعل والعصبيه غلط عليكي.
- ابقى هات كوكي وانت جاي.
- حاضر هجيبها.
وخرج ينفذ اوامرها دون ادني محاولة جدال أخري لجعلها تستريح وتريح قلبها، فأي محاولة معها تاتي بنتائج عكسية.

اما في البادية...
الشيخ منصور:

-يا آدم تعالا هنا.. هادي دارك من هنا وقادم اللي هتعيش فيها وتبات فيها وتسيب خيمة الصغار .. في النهار معاهم تمرح وتسرح وتسعى وترعى ومن بعد العصر تعود لدارك هادي تاخد دروسك وتضل وتستذكرهن زين لين مايركزن في مخك. وماتطلع الا تخلص كل شي، لو فيه سامر اخرج مافي سامر تجلس بدارك بروحك وتدرس..
ادم:
-ازاي انام فيها لوحدي اخاف.
هدر به قصير..
ويش قولت ياولد؟ تخاااف؟! هادي الكلمه ما اريدها تتنطق على لسانك ابد ولا ينجاب طاريها، الخوف ماانخلق للرجال، الخوف بس للحريمات وانت رجال ماتهاب شي.
آدم:
طيب سالم بس يبات معايا دا صاحبي وانا مقدرش استغنى عنه.
منصور:
- لا.. بروحك تبيت، اولادنا مايسكنون الديار ويدارون خلف الحيطان .. مااريد وليد من اهل البدو يعتاد عيشة الحيطان ويلين عضمه وينعم جلده مايتحمل برودة الجو ولا رياح الشتا وامطاره.. اترك كل حي جسمه ياخد اعلى عيشته
انت تسمع كلامي وماتجادل.. وسالم طول النهار معك بس الليل ماحد يشاركك بمطرحك ولا فرشتك، ودارك  ماحد يدخلها ولا يشوف ايش بيها فهمت.. والحين روح شوف ويش عندك وغدوه لستاذ جاي ليعطيك اول دروسك جهزلي حالك.
هز آدم رأسه وانصرف من أمامهم وهو يتمتم في سره علي قراراتهم التعسفية، وذهب ليبحث عن سالم فوجده واقف بجوار خيمة العمه مكاسب  هو ورابح يتحدثان مع معزوزه التي تحمل اختها وتهدهد فيها والإخرى تصرخ دون توقف
اخبرهم بما قاله له الشيخ واخذهم وذهبا للمرعى فهذا وقت رعي الاغنام حتي يعودوا بهم قبل حلول الظلام

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفWhere stories live. Discover now