[ الفصل التاسع عشر ]

Start from the beginning
                                    

في أثناء ذلك الصمت الثقيل أراد الغاضبُ أن يرد عليه أن يزيد النارَ حطباً حتى يبرد حرّته.. لكنْ لم يحصل أي شيء !  ..
وبقي الصمتُ سيدَ المكان .

هل جربَ أحدكم يوماً أن يكون في قمة العصبية وأنه الصحيح فيما يقوله ثم في لحظة يهوي ويَسكنْ لأنّه تذكرْ شيئا كان هو السبب في فعلِ من أمامه ! .
هذا ما حصل معه في تلك اللحظة فقبلَ أن يقدمَ على خطوة أخرى مغفلةُ بشعوره الكاسح .. حتى استرجعت ذاكرته أول يومِ قدمَ فيها ومرت كشريط أعيد في ثواني قليلة .

تقدم نحوه ما إن استحضر ما قاله له حينها ..  وكأنما كلٌ غضبه قد امتصَُ جميعه وَ خُتِم .
أول ما فعله هو أن أمسك بشعيراتِ رأسِه حتى يجعله يلتفُ نحوه وينظرُ إليه يريد أن يتأكد إن كانْ له سببٌ في فعله .. وقلبه يتمنى ألف مرة أنْ يكونَ مخطئاً . 

نظراتٌ باردة كان أول ما رأها في عينيِه الزرقاوين الداكنة ..
نظرَ إلى هيئته  .. ملامحه الجامدة التي لا تبالي بغضبه .. ولا يظهر بها أي تأثر بما هوَ فيه .
نطق بصوتٍ جهوري وكأنما يقومُ باستجوابه .
ـ هل حقاً لم تمسَ المال الذي دفعتُ به في تلك البطاقة وأبقيتها لتلك الحشرتين ! .
نظرة صامدة وصادقة هي كل ما رأى انعكاسها  فعرفَ من خلالها أنه أوفى بوعده ..

لم يتوقع ذلك .. لقد كانَ مجردَ هراء تفوه به حتى يضيق عليه الخناق في تلك المقابلة .. حتى أنّه نسي الأمر برمته .
لم يجعله ذلك يتأثر حتى وإن كان فعل ما قال له وصدقَ به ،
فقد اشترط عليه في أول يوم كنوعٍ من الضغط والتحدي أن يعمل لديه وأن يكونَ المال للطفلين الصغيرين اللذينَ جاؤوا معه ولن تمسَ يده منه شيء .

أرخى أصابعه يديه التي كان تشدّ عليه .. ونطقَ وهو ينظرُ لحالته المزرية والتي لا تزال تحافظ بكل صلابة على هدوئها .
ـ لتجمع مالك أيها الحثالة .

رفع رولند أصابع يديه يخلخل بها شعره حيثُ المنطقة التي شعرَ بأنها ستنتزع ..  وتابع التقاط  بقية المال الذي تناثر .
فما أجمل الصمت في حرمِ الجدال .. ستقي نفسك من مساوئ الكلام وسيجعلَ كل مشاحنة .. تختفي تدريجياً .

ما إن انتهى من ذلك تحت نظراتِ من أمامه حتى  أخذ بكل حكمة يعدّ المال و يقدرَّ مستحقه خلالَ الأيام المنصرمة .. مستعيناً بما أخبره العامل الآخر من مستحقات مرتبه التي يحصل عليها .. وبما أنه لم يمر شهر كامل على عمله هنا لذا فمرتبه سيكون أقل بكثير ..
أخذ وريقات قليلة من فئات المال ووضعها في يده اليمنى استقام واقفاً والتفت إلى حيثُ سيده  .
أظهر له مستحقه وأخبره بنبرة لا يشوبها شيء .
- هذه مستحقاتي أما البقية ..فهي ليست لي ولا أملك حقاً في امتلاكها.
وضع بقية المال الوفير التي رمى بها وأعادها  بإدخالها في جيبِ بنطاله قائلاً بنبرة رخيمة .
- لم أنسى أنك تكره أن يلمسك أحدهم لذا لم أضعها في يدك   .

خادمي كانَ صديقي !!Where stories live. Discover now