حينها أنقلبت نظراته من الاندهاش للجحوظ المتمعّن المُحفز للإنتقام ..
والتي آثارت وعى قائده الذي أسرع يهتف بتحذير :
- بقول يا "عمر" شاكيين مش متأكدين عشان متخلطتش الأمر بموت أخوك "ياسين" .. أه نعم ظروف موته غامضة لينا لغاية دلوقت.. حتى المعلومة الوحيدة اللي وصلنا ليها بأنه كان على علاقة ببنت ليل قبل وفاته .. لسه متأكدناش منها ولا من وجود البنت دي فعلا .. ولا أن الموضوع كله مرتبط بالمنظمة ولا لا ..انتكست رأسه ثم تنهد بعمق معقبًا :
- وأنا من أمتى يا فندم بقحم مشاعري الخاصة أو ظروفي العائلية في شغلي ..تراخت معالم قائده بابتسامة هادئة، أعقبها متمتمٍ بفخر:
- عارف يا فهد المخابرات المصرية ١٠١، دي دايمًا نظرة القيادات العليا كلها ليك ورؤيتهم أنك الأفضل على الأطلاق لتولي أصعب المهام على الساحة في الوقت الحالي ..أردف بتقديرًا جليل :
- شكرا يا فندم ده شرف ليّ ..أخفى قائده بذر تحكم ضئيل الحجم ضوء الغرفة، وهمَّ بفتح جهاز عرض شرائح لينعكس محتواه على لوحة العرض أمامهما، فتتوالى عرض صور لأفراد وأماكن تبعًا، ترافق سرده :
- ندخل في شرح مفصل وحيوي للمهمة .. "مرتضى الجهيني" تسعة وخمسين عام مهاجر مصري غير شرعي إلى الأراضي الإيطالية بعد أن ترك زوجته وابنته حديثة العهد خلفه منذ ما يقارب الخمسة والعشرين عام .. اكتشفنا مؤخرا للأسف أن المنظمة الصهيونية دي احتضنته بعد كام سنة من معاناة أي مهاجر داخل البلاد هناك.. ومع مرور السنين والشغل معهم اثبت لهم الولاء لدرجة أنه بقى مسئول قدامهم عن العمليات التهربية اللي بتدخل مصر .. الموضوع فتح معاه والفلوس عرفت طريقها ليه وبالتالي بعت جاب زوجته وبنته واستقر للابد هناك .. المنظمة من قبل ما يجندوه هو وغيره معهم كانت بتعتمد على زراعة المواد المخدرة داخل البلاد هنا وخاصة على حدودنا الشرقية في مدينة طابا مع حدود فلسطين المحتلة، ولما بفضل الله تم اكتشاف مخططهم وإبادته من جنود الجيش البواسل في العملية المعروفة أعلاميًا بأسر الرائد طيار "حمزة حسين الألفى" أكيد كلنا نعرفها ..أومأ برأسه صامتًا يسترعيه مهتمًا على الاستكمال، والذي استطرد قائلا :
- في الأواني الأخيرة لحظنا أن شرطة الداخلية بجميع أنواعها المختصة كشفت عن كمية كبيرة من المخدرات دخلت البلد، غير برضه ظهور أنواع متطورة من الأسلحة في الأسواق الغير مشروعة وده اللي اثار شكوكنا وخلانا نتفحص ونتحرى الأمر .. وبالتالي عرفنا كل المعلومات اللي قولتها ليك من البداية .. مش بس كده قومنا بزراعة طرف لينا حوالين "مرتضى" واللي قدر يأكد لينا معلومة مهمة، أن في عملية كبيرة جدا بل وقد تكون أكبر عملية هتدخل البلد بيخططوا ليها كرد على تربصنا لشغلهم ..
طبعا اكيد عرفنا محتواها بس المحير أمتى وفين طرفنا مقدرش يفيد بده كله للأسف لأنه في مكانه بعيده متسمحش ليه بتقصى صحة الخبر أكتر من كده أو حتى يلاقي ملف الصفقة ويصوره وبالتالي نعرف المعلومات اللازمة ..استنشق الكثير من الهواء داخل رئتيه حرره بزفره عميقة متابعا في السرد ما أن أقتحمت الشاشة امامهم صورة لإمرأة شقراء بملامحها الأوروبية ..
"راشيل" تلاتين عام يعني من سنك يا "عمر" .. واحده من أفضل عملاء المنظمة في الأواني الأخيرة واللي زرعتها مع "مرتضى" في علاقة جواز ومسكن عشان تراقب ولاءه وسير أمور وأهداف عملهم على أكمل وجه .. وده طبعا بعد وفاة زوجته ..
طرفنا قدر يفيدنا بمعلومة حيوية تانية وقعت في أيده .. وهي أن بنته بتعمل محاولات هروب شبه شهرية من بيته عشان ترجع لجد والدتها اللي موجود حاليًا في مصر وطبعا والدها رافض ده نهائيا لدرجة أنه بدأ يعين لها حراسة خاصة مخصوص عشان تراقبها..
البنت دي اسمها "مرام" واحد عشرين عام، وللاسف منمتلكش صورة شخصية ليها لأنها من النوع المغلق والغامض شوية ..
البنت دي هتكون سبب زرعك لمخابرتنا جوا القصر والفرصة الوحيدة عشان نقدر نوصل لاي معلومة تفيدنا في العملية المنتظرة ..
ولكن خطتنا مش هنقدر نبدءها في إيطاليا مباشرة عشان لازم ليها تخطيط ممتاز وحبكة كويسة جدا لأن عدونا مش سهل التعامل معه .. واللي شجعنا على كده أن طرفنا أكد أنهم بيقوموا بعمليات صغيرة عشان ترهقنا وتفقد تركزنا .. وأن قدمهم سنين على تنفيذ مخططهم الكبير أقل شئ خمس سنوات لتعويض الخسارة اللي لحقت بيهم من الكشف المستمر لبضاعتهم من شرطتنا ..
أحنا هنا هنستغل شخصية أخوك "ياسين" الله يرحمه وخاصة أننا أخفينى خبر موته عن العلانية لغاية لما شرطة التحقيق توصل للحقيقة بأن نسبة الهيروين اللي ظهرت في دمه بسب فعل فاعل اقحمها غصب عنه في جسمه للتخلص منه وبالتالي نبدأ نشك بنسبة عالية في المنظمة أنها هي اللي صفته .. أو تأكد أنه قضاء وقدر ناتج عن أدمن اخوك للمخدرات برغبته وبالتالي المنظمة متعرفش عن شخصيته شئ ويبقى الخطة وجب تنفذها فورا ..
بداية الخطة هتكون أنك طبعا اترفدت من الشرطة وبعد معاناة هتدخل مصحة ويتم علاجك .. هتلتحق كحرس خاص في شركة عادية واطرفنا طبعا هتوصلك بطرق ملتوية لصديق مرتضى الصدوق ومن كبار رجال الأعمال داخل البلد هنا "مراد كاظم" ونحاول نعمله قضية اغتيال عادية مجهول فاعلها، ومتفبركة مننا تكون انت عالم بيها وتنقذه منها عشان تكسب ثقته وبالتالي يرشحك لهدفنا المنشود ..
طبعًا أحنا متوكلين على الله في العملية دي ثم عامل الحظ اللي يخلي مرتضى يحتاجك في نفس المدة الزمنية اللي وضعناها قبل تنفذهم هما لعمليتهم ..عاد لحاضره على وقع خمسة أعواما تذبذب في أذنه بأيامها ولياليها المنصرمة ..
خمسة أعوام يحمل طوالهم هوية شقيقه وذكرى موته المؤلمة امام عينيه كظله، بعد أن بعثر التحقيق حقيقة فاجعة، والتي أكدت على ترسيب المادة المخدرة في دماء أخيه منذ مدة تسبق وفاته وعدم حداثتها .. ليقفل التحقيق على موت طبيعي نتيجة الأدمان ..عبارة قفلت معها قلب الأم الذي انفطر للأبد وقلبه أيضًا ..
خمسة أعوام تتلاعب بهما وبخطتهم على أوتار الحظ حتى سار عمره الأن على مشارف عامه الخامس والثلاثون ..
والمفاجأة الكبرى لهم جميعًا بنهايتهم هو انضمام عامل الحظ لكفتهم فأثقلتها بتوفيقٍ من الله، وحسم الأمر أخيرا لاستمرار مخططهم، حين علموا بأن تلك الشرسة صاحبة الست والعشرون عاما الأن مازالت مستمره بنضالها كما هي ..
من أي نوع من النساء هي بنضالها هذا ؟!.. ولما ترغب في هجر والد يحمل بين طيات صدره عشق يفوق الوصف ؟!
الكثير من الاسئلة تجوب خاطرة كفضول ولن يسترعى اهتمامه للبحث عن أجابتهم .. فالمهم والأهم هو تحقيق هدفه المنشود دون موانع وعراكيل من أي مخلوقًا كان ...
-------------------------
اقتباس جديد 2
ابدأ من البداية