عندما تتذكره تظل تتسآل إن كان لازال محبطًا يائسًا أم استرد ثقته وطبيعته!  وإن كان استرد ثقته وطبيعته هل يشارك في تلك المهمات العسكرية التي تسمع عنها عبر الأخبار؟
وإن شارك معهم ترى هل لازال على قيد الحياة أم.... ؟
وإن كان على قيد الحياة ترى هل لازال متيّمًا بجمال عبد الناصر؟ منصتًا لكل خطاباته بكل شغف!

ترى ما هذا السؤال؟!
فلازال الجميع يلتف حول المذياع أو التلفاز لحظة خطابه، ينصتون بكل اهتمام وشغف لا يتحدثون أو يتحركون، كأن على رؤسهم الطير!

هكذا كان بالفعل جمال عبد الناصر، حتى بعد سيطرة مراكز القوى في نظام الحكم وحدوث الفوضى والخلل الذي سبّب تلك الهزيمة، لكنه مازال بداخل قلوب المصريين وحاضرًا معهم، فمما لا شك فيه أنه كان لعبد الناصر نوع من الكاريزما والحضور الطاغي.

دعونا نتوقف عند عبد الناصر، فحدث الهزيمة والاحتلال كان تأثيره عظيمًا عليه، ربما لأن اللطمة كانت شديدة القوة فأيقظته ليرى كَمّ تلك الفوضى ويعيد حساباته من جديد، وبالفعل كان من وقتها يبذل مجهودًا كبيرًا في إدارة شئون الجيش، إعادة تعبئته وتسليحه.

لكن...

تأثّرت صحته بشكل واضح فبدأ المؤشر يهبط لأسفل، وزادت إصابته بالنوبات القلبية الحادة، خاصةً وقت واقعة (بحر البقر) فقد ضربت قوات العدو مدرسة بحر البقر الإبتدائية وقد دُكت فوق رؤوس أطفالها من التلاميذ، ولُطخ كل شيء بدماءهم البريئة، ترى ما ذنبهم؟!

حتى تفاجأت مصر كلها في سبتمبر ١٩٧٠ بخبر وفاته إثر أزمة قلبية حادة كما شخّصها طبيبه الخاص.

كم كانت صدمة وفاجعة لكل المصريين وقتها !

وهاهو الراحل محمد أنور السادات يلقي النعي وهو في حالة من الانهيار:

«فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها، رجلًا من أغنى الرجال، رجلًا من أغلى الرجال، وأشجع الرجال، وأخلص الرجال، هو الزعيم جمال عبد الناصر.»

وها هو تُسمع أصوات النحيب وترتفع...

حالة من الحزن العام تسود البلاد  فتشعر حتى بحزن الأرض، السماء ونهر النيل، بل البلد بأكملها، فقد كان قلبها جمال عبد الناصر وقد كفّ عن النبض.

حتى الأسكندرية، تلك العروس قد لبست الحداد بدلًا من الأبيض، ومشى الحزن على شاطئها وتشاطره ثورة الأمواج.

وترى أنهار من البشر من مختلف البلدان تزحف كالنيل ببطءٍ وأسى غامرة كل ما في طريقها.

فقد أشرق من مجلس قيادة الثورة و ها هو سيغرب ليبدأ موكبه الأخير، وأُسدل الستار على ذلك البطل.

وها هم الجميع يودعوه باكين مرتفعًا نحيبهم:

«الوداع يا جمال يا حبيب الملايين، الوداع يا جمال يا حبيب الملايين، الوداع يا جمال يا حبيب الملايين!»                                                                                                                 
لم ننكر شعبيته وحالة حب شعبٍ لحاكمه لم يتكرر، وإن كان هناك من لم يحبوه وانتقدوه، وهذا شيء معتاد فلن تجد شخص يتفق عليه الجميع خاصةً لو كان الحاكم.

خاصةً وأن أي حاكم هو بشر ونظامه مجرد نظامًا وضعيًّا بشريًّا فوارد أن يخطئ ويصيب وأيضًا لا يرضا به الجميع.

عبدالناصر لم يكن مجرد رئيسًا لدولة ولا مجرد حاكم يخطئ ويصيب، بل كان حالة خاصة في زمانه، عاشها وافتقدها المصريون وغير المصريون، استمرت حتى مع تعاقب الأجيال، يظهر هذا عند الإستماع لإحدى خطبه الرنانة حتى ولو جملة واحدة منها، هناك شعور غريب رغم أننا لم نعاصره ولم نكن أحد أبناء ذلك الجيل! أو لم نكن من مؤيديه!

و مع ذلك لم يحبه الكثير، وهذا أمرٌ لا شيء فيه، فلن تجد شعب يتفق على حاكمه أو نظام الحكم مئة بالمئة، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم قائد في التاريخ بلا منازع ولم يتفق عليه الجميع!

إذن فاحفظوا هذه الكلمات جيدًا لأنها معنا منذ أعوام وأعوام، وستظل معنا...

[قد نختلف على الحاكم ونظام الحكم، لكن لابد ألا  نختلف على  أوطاننا.]

Noonazad

( رواية نور)       By: NoonaAbdElWahed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن