الفصل الثامن عشر

ابدأ من البداية
                                    

تحدث وتحدث ولم يشعر بنفسه قد غفا الا عندما استيقظ صباحا وهو يشعر براحة نفسية لم يسبق له ان شعر بها.. فأدرك انه اخيرا تحرر من ماضيه، وأصبح مجرد ذكرى حزينة ومريرة في حياته..

فأمه كانت امرأة مذهلة ومحبة ولم تكن كما ظنها دوما، وأباه احبه فعلا رغم معرفته الحقيقة.. فأدرك انه قادرا على الحب والعطاء دون الشعور بالمرارة والأسى.. لذا أيقن ان لا مزيد للتلكأ او الحيرة فأتى اليها مستعدا هذه المرة، سيخبرها بحبه ويعتذر منها على كل ما فعله معها، على إهانتها وجرحها، وعلى عدم الانتباه لعذابها تلك الليلة..

فجأة لمح الابتسامة على شفتيها، فشعر بالتردد... هل يناسبها ابتعادها عنه؟ هل هو الوحيد الذي يشعر بالانهيار وتحطم القلب هنا؟؟

هل عليه ان يكون أنانيا من جديد ويذهب اليها ليطلب منها ان ترجع لحياته مرة اخرى؟؟ أظَنَ فعلا انه إن تخلص من اطيافه فسوف تقبل به بالتأكيد؟؟؟ لا بد انه كان مغرورا حقا...

لكنه لم يسمح لنفسه بالتراجع، فتستحق هي هذه الخطوة، سيطلب منها ان تنسى الماضي ليبدآ معا حياة جديدة.. وبخطوات بطيئة واثقة توجه اليها..

لم تكن هي من انتبهت له اولا، بس تلك الطفلة التي تجالسها، كانت تبدو طفلة في العاشرة من عمرها وتبدو على وجهها علامات التمرد والعصيان، فوقفت بحدة مما جعل ايف تلتفت اليه لتراه..

لم يفقد شجاعته هذه المرة فقال:" صباح الخير ايف".

راقبها تقف بتردد لتنظر اليه بحيرة، وقبل ان تجرؤ على التحدث، وضعت تلك الطفلة يديها على خصرها قائلة بغضب يجعلها تبدو اكبر من عمرها:" الا يكفيك ما سببته لها من الم وعذاب؟ فماذا تفعل هنا؟".

لم يكن منتبها لها بل كان مشدودا لتلك الواقفة تراقبه والدموع التي تسكن مقلتيها دون ان تسمح لها ان تنهمر، فداعبه الأمل، هي لم تكن سعيدة بعيدا عنه..

اقترب منها اكثر، وابتسم بخفة حين وقفت تلك المتمردة في طريقه قائلة:"انا متأكدة انك انت السبب في بكاءها هذه الأشهر، اذهب من هنا..".

فأمسكت بها ايف من ذراعها لتديرها نحوها قائلة:" هيا حبيبتي، اهدئي، وانت تعرفين انني كنت ابكي فقط لأنني كنت اشتاق لوالديّ".

ادرك ان ايف ترفض الاعتراف بمدى عذابها بعيدا عنه، فتذكر وعدها تلك الليلة حين أخبرته انها ستكون نقطة قوته ولن تسمح لنفسها ان تلتفت الى الوراء.. فَكَرِهَ نفسه على أنانيته وغروره السابق، كيف أمكنه ان يؤذيها لتلك الدرجة دون ان يضع اعتبارا لوجعها؟!

فسمع الصغيرة تقول بحدة:" هذا ليس صحيحا، انا اشتاق لوالديّ ايضا، لكنني لا ابكي مثلك، كما انني سمعتك تقولين لتونيا انك تشتاقين له وأنك تبكين لأنك بعيدة عنه".

لطالما احببتك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن