صوت من الماضي

ابدأ من البداية
                                    

كان شوكت النمر يقطن في احد البيوت المتهالكة في منطقة شعبية وحارة كانت أشبه بمقر للكلاب الضارية ومقبرة لجثث القطط المتعفنة !
اقتحم حسام شقته الآيلة للسقوط وكسر الباب الذي كان نصفه مكسور من الاساس وأمسك تلك الجثة صاحبة الرائحة الكريهة التي كانت نائمة على فراش تحولت ملآته البيضاء للون البني من شدة القذارة وجذبه من ياقته وهو يصرخ في وجهه قائلا
" فين الفلوس الي سرقتها يا ابن الـ....؟"
لم يستوعب بعد شوكت النمر ما يدور حوله وهو يفرك عينه ويقول ببرود
"  فلوس ايه ؟.. انا مش فاهم حاجة انت مين ؟"
صوب اليه حسام لكمة جعلته يفيق من نومه ثم قال لعساكره
" فتشوا الشقة "
سقط شوكت على الارض من اثر لكمة حسام ثم قال
" يفتشوا مين يا سعادة البيه ؟.. انا معملتش حاجة "
قال حسام بانفعال
" امال فين الفلوس الي سرقتها من قدام البنك انت والي كانت معاك ؟"
قال شوكت بتصنع لقلة الحيلة
" بنك ايه وفلوس ايه ؟.. انا واحد على باب الله ومحلتيش حاجة يباشا "

خرج احد العساكر وهو يحمل نقودا في يده ويقول لحسام
" لقيت دول في الحمام يا حسام بيه "
رمق العسكري شوكت ثم أردف
" كان مخبيهم في السيفون !"
صوب حسام لكمة اخرى نحو شوكت وقال بغضب يملأ وجهه
" يعني مش كفاية حرامي وكمان كداب "
أشار حسام الى العساكر قائلا وهو يمسح الدم الذي لوث يده
" خدوه على البوكس !"

في قسم الشرطة كان حسام ممسكا بملف يحتوي تقريرا عن حياة شوكت النمر قبل ان يلتفت اليه ويقول باستهزاء
" طب ما انت اتسجنت قبل كدة وسرقة بردو "
قال له شوكت والدماء يغطي وجهه من اثر لكمات حسام
" ياما في السجن مظاليم يباشا "
رمقه حسام بنظرة غضب ثم قال
" انت لو معترفتش على الي كانت معاك هتشيل الليلة كلها لوحدك !"
قال له شوكت راجيا
" يباشا والله معملت حاجة ، الفلوس الي لقيتوها عندي دي مش بتاعتي دي بتاعت واحد صاحبي "
قال حسام
" وصاحبك ده هيشيل عشر آلاف جنيه عند واحد حرامي زيك "
قال شوكت مدافعا عن نفسه
" والله العظيم انا ما حرامي "
زفر حسام ثم قال
" شكلك عاوز تدوق الحلو بتاعنا "
أشار الى اخد العساكر ثم قال
" خده يا مصيلحي ذوقه الحلو الي عندنا !"
هنا انتفض شوكت وهو يقول بخوف
" لا ، لا خلاص انا هقول لسعادتك على كل حاجة ، بلاش الحلو والنبي "
ضحك حسام بسخرية وقال
" شكلك مجربه كتير قبل كدة ، اتفضل سمعني "
قال شوكت بشفتين مرتعشتين
" انا كل الي عملته أني ساعدتها  وهي اديتني حقي العشر آلاف دول ، بس مش انا الي سرقت ، هي الي خططت كل حاجة وطلبت مني ااجرلها العربية وانا كنت مجرد سواق معاها مش اكتر والله يباشا "
قال حسام بضيق
" والله انتوا شوية زبالة ، يوم ما تيجوا تسرقوا تقوموا سارقين واخد على قد حاله محلتوش حاجة "
أردف شوكت مدافعا
" منا قولتلك يباشا انا مليش ذنب في حاجة هي الي عملت كل ده "
ضرب حسام سطح المكتب بكفيه وقال بانفعال
" اسمها ايه وساكنة فين ؟؟"
قال شوكت بذعر
" اسمها مودة ، بس محدش يعرفلها عنوان ، اصلها مش عايشة مع اهلها دي بتزورهم من وقت للتاني وخلاص "
قال حسام بغضب
" عنوان اهلها فين ؟"

وقف حسام امام أمها وأختها الصغيرة في منزلهم المهترئ الذي لا يقل بشاعة عن منزل شوكت ثم قال
" فين مودة ؟"
شهقت أمها ووضعت يدها على صدرها وقالت
" عاوزين ايه من مودة ؟.. انا بنتي معملتش حاجة "
قال حسام بغضب حاول كتمانه
" بنت حضرتك حرامية وسرقت ٣٠ الف جنيه  ومطلوب القبض عليها !"
قالت المرأة بانفعال
" انا بنتي مش حرامية ولا يمكن تعمل كدة ابدا "
لم يعقب حسام على كلام المرأة وقال موجها حديثه الى العساكر
" فتشوا الشقة "
عاد العساكر بعد دقائق قبل ان يقول احدهم
" فتشنا البيت كله وملقناش حاجة "
كاد حسام يخرج  من الشقة لولا ان لاحظ أخت مودة وهي قادمة من غرفة ما وكانت تركض ويبدو على وجهها الذعر ، لم ينتظر حسام كثيرا وانطلق نحو الغرفة التي خرجت منها للتو وأخذ يفتش في كل جزء فيها بعناية شديدة ، ثم أزاح الدولاب فوجد ما كان يتوقعه
الشقة كانت في الدور الأرضي وكان هناك نافذة خلف الدولاب  يمكن لأي احد الهروب عن طريقها ، لم يفكر حسام كثيرا وقفز من النافذه فوجد نفسه في الحارة الضيقة المجاورة قبل ان يلمح خيالا اسودا يركض في نهاية الحارة
خطوات حسام كانت سريعة ولكنها كانت تسبقه بالكثير ، ركض خلفها عبر الشوارع والأزقة كلما حاول ان يقترب منها كانت تضع أمامه العقبات كبائع الخضروات والسيدة العجوز التي تحمل صينية بالكاد تمر من الحارة ، هي كانت تحفظ هذه الأماكن جيدا وتستطيع عبورها بكل سلاسة ولكنه ابن الحي الراقي وايا كانت خبرته بالعمل لن يكون كمهارتها
عندما وجد حسام انها بدأت تسبقه بالكثير بل بدأت تختفي كليا من أمامه لم يكن أمامه سوى ان يرفع مسدسه ويصوبه ناحيتها غير معقبا باي جزء ممكن ان يصيبها الرصاص
حاولت جاهدة ان تستمر بالركض مع تلك الرصاصة التي اصابتها ولكنها لم تستطيع وسقطت أرضا مغشيا عليها
اقترب منها حسام ورفع شعرها وتلك القبعة التي كانت ترتديها ليقف مذهولا أمامها غير مصدقا ما تراه عينه
لحق به العساكر اللذين جاءوا واتصلوا بالإسعاف

في المستشفى وقف حسام ينتظر خروج مودة من العمليات وهو يحدث نفسه غير مصدق ما رأته عيناه
" لا ، لا مستحيل تكون هي .. متغيرتش كتير نفس شعرها ونظرة عينها الي كانت بتبصلي بيها قبل ما تغمضها نفس ملامحها الرقيقة .. معقولة كل ده وهم !!.. جوايا شعور بيقولي انها هي ، عادي يعني ممكن تكون غيرت اسمها ، فعلا ممكن تكون غيرت اسمها بس معقول تكون غيرت اهلها .. ايه الي انت بتفكر فيه ده يا حسام ، انا اكيد اتجننت !"

انتظر حسام حتى خرجت من العمليات واستعادت وعيها ولكن الطبيب لم يسمح له ان يراها فعين هناك اثنين من العساكر وأمر عسكري ثالث بان يجمع له اكبر قدر من المعلومات عنها !
عاد الى بيته بعد يوم شديد الإرهاق ، صافح زوجته مريم وتناول طعامه وجلس يداعب ابنه الصغير قبل ان يعود الى غرفة مكتبه ليعبث بين اوراقه طويلا باحثا عن شئ ما
قلب الغرفة باكملها رأسا على عقب حتى وجده اخيراً ذلك الدفتر الصغير وكأنه وجد قطعة من روحه
أسترخي على كرسيه المريح قبل ان يفتحه ليقرأ ما فيه من الكلمات المخطوطة بيده عندما كان صغير ... وكأنه فتح شرفة من شرفات الماضي !

هنزل الجزء التاني اول ما التفاعل يوصل لـ١٠٠
متنسوش تقوليلي رايكم في الكومنتات ♥️

شرفات الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن