اناتولي (مكتملة)

PART17(ذكريات من الماضي)

"الخامس من نوڤمبر عام 2015"

ذكرياتنا إمّا لهيب يشتعل بالنفس نتمنى خموده أو إطفاءه، وإمّا نور نستضيء به في القادم من أيامنا، وإما زلزال يُحطّم نفوسنا ولا نستريح معه.."

أحياناً تراودنا في الحياة ذكريات رائعة ومؤلمة في الوقت نفسه وأحياناً نبكي من شدة ألمها أو من فرحها..

يا لها مِن ذكريات.. ذكريات تأخذنا إلى عالم بعيد تشمله الألغاز.. الألغاز التي لا‌ نعرف إلى أين تأخذنا..
هل تأخذنا إلى الذكريات المؤلمة أم إلى الذكريات الجميلة والتي تبقى في الذاكرة..

لا‌ تنسى حتى الذكريات المؤلمة لا‌ تنسى لأنها تكون ذكرى حزينه تتعلق في الأذهان فعندما نحاول نسيان الماضي.. يأتي أحد ما ويذكرنا بها.. فنقوم بالبكاء

ذكريات الأمس مؤلمة بعد حب أندفن بين سراب الخيانة ورحل إلى عالم أخر وذكريات تعتصر القلب ويلتهب من جمرها العمر.

كم من الصعب أن تكون ذكرى مفرحة لك.. كل شيء فيها مفرح عندما تتذكرها تحس بأنك تعيشها من جديد.. بكل فرحها ومرها ومن ثم تكتشف أن تلك الذكريات كانت مجرد أكاذيب..

عندما تصبح ذكرياتك محطمة تحتاج إلى أعادة ترميم رغم أنها ستُهدم مرة أخرى حينها ستدرك أن الفرح هو أساس الحزن وأن كل شيء سعيد لا بد أن يكون له شيء يقلب تلك السعادة إلى حزن..

فلكل شيء في حياتنا حتى الحب بل أصبحت أدرك أن الحب بات محمل بالأحزان أصبح ذكريات محطمة..

حتى ذكرياته الفرحة تبكينا.. تبكينا لأنها رحلت.. أو لأنها كانت بالأحرى مجرد أوهام أو أنه كان خداع.. فأصبحنا حتى نكره أن نتذكرها لكن أمور كثيرة تذكرنا بها..

حتى أبسط الأشياء لا تغيب عن بالنا نود لو أنها شيء ملموس نحرقه ونرمي رماده لكن للأسف ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فالذكريات لا يمكن أن تنسى أو يمحيها العمر حتى ولو أحرقت قلوبنا.. يبقى لها أثر يسكن الألم بالقلوب نحأول أن نحرقها بذكريات أجمل منها.. نبنيها من جديد لكن عبثاً..

فرمادها ما زال له أثر ولا يستطيع أحد أن يميحه أثر يعيد كل تلك الذكريات التي تسكن قلوبنا.. وكأنها لم تحرق.. كأنها الأن كانت.. حطمت تلك الذكريات.. لكن بات هدم أثرها مستحيل وأعمارها أيضاً مستحيل.. حتى نسيانها أو تجاهلها أصبح من المستحيلات..

لهذا التاريخ ذكري مؤلمة لقلبي فهذه كانت اول مره اقع في الحب..ومِثل كل حب يكون مليء بالصعوبات والكثير من التضحيات..

كان علي الإختيار بين حبي وصديق عمري..ما ذنبي أن قلبي اختار فتاة يحبها صديقي،لا أنكر انني كنتُ انانيٌ في الكثير من المرات لكن في النهاية قررت التراجع لأجل سعادته،ففي النهاية هي إختارته ايضًا..

اكتشفت أنني الشوكة التي تعيق جريان الأمور بسلاسة
لذلك إخترت ان اكون الصديق الوفي لهما عِوضاً عن ان اقف حاجز في طريق سعادتهما..

كان كل شيء مثالي،الجميع يحضر للزفاف بساعدة
ماهي إلا ساعات قليلة ويصبح الإثنان شخص واحد..

إختارني صديقي لأزفه بسيارتي،لازلت اذكر تعابير وجهه السعيدة التي إمتزجت بشيء من الخجل وهو يطلب مني ذلك.

راودني حلم من أحلام اليقظة خاصتي وانا أراني جالس بجوارها ويتم عقد قراننا..شعرت وكأن كل شيء حقيقي..
لكن عندما عُدت إلي أرض الواقع شعرت بشعلة قلبي تنطفئ..

وافقتُ بسرور علي طلب صديقي وكان كل شيء مثالي...مثالي بطريقة غريبة..
هل هو الهدوء ما قبل العاصفة!

في طريقنا نحو بداية حياة جديدة لأحدهم..وقع حادث مؤلم تسبب بنهاية مأساوية لشيء لم يبدأ بعد...

ليتني متُ انا وعاش صديقي...ليتني لم اوافق منذ البداية علي طلبه...ليتني...بماذا يفيد الندم

غمامة الحزن خيمت علي قلوبنا جميعا..تحول الزفاف إلي جنازة تحمل روحان تعاهدا ألا يفترقا..

لم تستطع تحمل نبأ موته..كانت الصدمة اكبر من أن يستوعبها قلبها الرقيق فلحقت به.

فتحت عيني داخل حجرة من حجرات المشفي وقبل أن يدرك احد إستيقاظي وقع علي مسمعي همسات وعبارات جميعها توجه إلي أصابع الإتهام..هل حقا كنت السبب في الحادث..

لا اذكر سوي مشاهد متقطعة مثل شاحنة ضخمة ظهرت أمامنا فجأه بسرعة جنونية.. إنقلاب السيارة..وصوت سيارة الإسعاف..

اشعر كأنه حلم سيء علي الإستيقاظ منه في الحال..
احتاج إلي يد توضع علي كتفي تخبرني أن كل شيء علي مايرام..

ظللت اعاني من اضطراب ما بعد الصدمة 6 اشهر كاملة حتي بدأ يصبح اقل شدة مع مرور الوقت،لكن كما هو معروف عن هذه الإضطراب فهو يؤدِّي بالمرضي إلى إلقاء اللوم على أنفسهم أو الآخرين عمَّا حدث. كما أنَّ الشعورَ بالذنب شائع أيضًا؛ فعلى سبيل المثال، قد يشعرون بالذنب لأنهم نَجوا بينما لم ينجوا الآخرون. وقد لا يشعرون إلا بالمشاعر السلبية فقط، مثل الخوف أو الرعب أو الغضب أو العار، وقد لا يكونون قادرين على الشعور بالسعادة أو الرضى أو الحب.

بجانب العلاج كان الدعم النفسي عامل فعال في تحسن حالتي مع وجود اصدقائي وعائلتي بجانبي،بدأت استعيد عافيتي جيداً.

بالطبع لم انسي ما حدث لكن حاولت التعايش مع هذا الذنب حتي ان كان يقلتني.

رغم إجتماعهم علي انه لا ذنب لي فيما حدث وان ما حدث كان مقدر له ان يحدث،إلا اني لا يمكنني الكف عن لوم نفسي.

آمنت دائما بمجيء إحداهم لتنتشلني من ضياعي وتجمع شتات نفسي، فتاة تحبني بصدق واحبها..هل اصبح هذا كثير عليٌ...

إنتهيت من سرد مأساتي لأنظر داخل عيناها لأول مرة منذ بدأي الحديث.

"في الواقع كنت قلق من أن أري نظرات الشفقة أو السخرية داخل عينها لكن تفاجئت بشلالات من الدموع تبلل خديها مع وجهها الاحمر وتعابيرها الحزينة.

هل تشفقين عليٌ..؟

"أردف بإحباط بينما يتحاشي النظر لها مجددًا"

لم تنطق بشيء واكتفت بضمه بين زراعيها والتربيط علي ظهره ، أخبرته ان كل شيء انتهي وأنه بخير الأن..

مرت ثوانِ تلاها دقائق لم يشعر بها سوي بالدفء بين أحضانها..

نطق "احمد" أخيرًا بأسي ليكسر حاجز الصمت الطويل:

"نظرتك ليا إتغيرت بعد ما سمعتي حكايتي.."

إبسمت "نور" دافنة رأسها بين أحضانه أكثر:

"أكيد اتغيرت ، حبي ليك زاد نص متر.."

ضحك "احمد" بصخب ثم أردف ممازحًا:

"نص متر بس! هو كان كام متر؟"

رفعن "نور" رأسها تنظر له بجدية مصطنعة:

"هجمع الإحداثيات واقولك"

أضاق "احمد" عينيه ينظر لعينيها التي تبتسم بمكر ثم قال بأعين ضيقة:

"هو انتِ غيرتي الموضوع ولا انا بتهيقلي!"

تنهدت "نور" بعمق ثم تمسكت بيده تضغط عليها بقوة قبل أن تتحدث:

"عارفة انك قلقان ومش مصدقني وفاكر ان نظرتي ليك إتغيرت ، احمد اللي حصل كان قضاء وقدر والحمدلله انك خرجت منها سيلم، حتي لو مكنتش انت اللي سوقت العربية كان ده اللي هيحصل برضو لأنه عمره كده ومكتوب انه ينتهي بالطريقة دي."

أخفض "احمد" رأسه بحزن ثم قال بأسي:

"بس انا..انا كنت السبب في موت روحين كان لسه ساعات ويكونوا شخص واحد.."

نظرت له "نور" بهدوء ويدها تمسد خده بحنان:

"مش انت السبب يا احمد ، بطل تلوم نفسك الأعمار بيد الله ، وانت كان ممكن تموت بس لسه ليك عمر..

قوم معايا نخرج وتشوف النور تاني ،حبستك في البيت كده هتزود حالتك."

أخفض "احمد" رأسه بحزن قائلاً:

"بس انا مش عاوز اخرج.."

زمت شفايها بتذمر ثم قالت:

"هتفضل قالق اهلك وإصحابك عليك كده كتير، وكمان سايب شغلك وحياتك، و..وسايبني انا كمان.."

كانت نبرتها محبطة في أخر حديثها فشعر باللوم يغمره ، ليبتسم لها بحب قائلاً:

"أنا اسف يا نوري مش هسيبك تاني ابداً.. ، سيبي إيدي بقي عيب احنا لواحدنا"

أنهي حديثه ينتزع يده من بين يدها بينما يضحك علي ملامح وجهها المصدومة والتي تناست تمامًا أنها تجاوزت الحد وأقتربت منه بهذا الشكل لتتوتر ملامحها أكثر ، ثم قالت بينما تتهرب بنظراتها عنه:

"الله هو انا جيت جمبك..أصلا انت اللي غلطان."

ضحك بصخب وكاد يچاكرها في الحديث لكن بسمته تلاشت ليردف بقلق.:

"إستني في زعيق تحت..ده صوت عمر.."

شهقت "نور" بصدمة عندما تذكرت أنها تركت "ملك" في الأسفل لتنتفض قائلة:

"روحنا في داهية.."

________________________

اتمني يكون الاسلوب وطريقة السرد عاجباكم💙
اللي عنده تعليق او سؤال او تعديل اتمني يقوله في الكومنتات🌻