ما هذا اليأس الذي تحيا فيه ؟!!!!
هل يُعقل أن يكون هناك في هذا العالم من يفكر مثلها ؟
ما هي نظرتها عن الحياة ؟ كيف ترى حاضرها و مستقبلها بناءًا على ماضيها ؟
لربما لو لم يكن لديها ذلك الماضي القاسٍ لكانت عاشت الآن حياة طبيعية كسائر البشر... لكنها لم تكن طبيعية، هي نفسها.. لم تكن طبيعية أبدًا
لطالما كانت شخصية غامضة، منطوية على نفسها، لا تجيد التواصل مع الآخرين، و مع الوقت أصبحت لا تريد، فما الذي جنته من مخالطة الناس سوى الآذى النفسي !
طمع الرجال فيها و محاولاتهم المستمرة لإستغلالها أمرًا بديهي، و لعلها تدرك السبب في هذا.. فهي الفتاة اليتيمة البالغة من العمر عشرون سنة، و الفائقة الجمال التي تعيش مع أمها العليلة في شقة مترفة بحي راقي وحدهما
لا عائلة و لا أقارب يظهرون في الصورة منذ دهور، فقط بعض الجارات اللاتي يلوكنها بألسنتهن غيرةً و حقد على اللاشيء الذي تمتلكه _ سوى جمالها بالطبع _ مما شجع بعض المتطفلين السفلة و عديمي الأخلاق بالتطاول عليها كلما خرجت من منزلها سواء باللفظ أو الإحتكاك المباشر
و مع ذلك لم تتوقف عن محاولات التصدي لهم و إيقافهم عند حدودهم بإرادة من حديد، كانت تعرف أنها تقاوم عبثًا، لكنها كانت ترى في مقاومتها لمصائبها سببًا للحياة، فإذا لم تقاوم لتنشغل عن التفكير في مآساتها فسوف تتجه حتمًا للإنتحار، إذ ليس من السهل أبدًا أن تعيش نفس الصراع المحتدم كل يوم ليلًا و نهارًا
ذلك الصراع الذي يخبرها بأنها وحيدة، منبوذة حتى من أقرب الناس إليها.. و ستظل هكذا للأبد، لن يقترب أحد منها و كأنها تحمل وباءًا مميتًا، و لكن أليست كذلك فعلًا ؟ ... إنها تكاد تشعر به... تكاد تشعر بالعار الذي وصمت به منذ سبعة أعوام تقريبًا، رغم عدم تأكدها التام من الأمر
لكن تكفيها نظرة الإقرار الخرساء في عينيّ أمها، متى رأتها.. يتبدد بداخلها كل أمل بالإنكار !!!!
-و لماذا لم تذهبي إلى عملك اليوم ؟ هل لي بأن أعرف سبب هذا التقاعس يا آنسة !
إلتقطت أذنيّ "فرح" هذا السؤال من خلفها أثناء وقوفها داخل المطبخ ذي الطراز الأمريكي و هي تعد بعضًا من القهوة ...
أمسكت بالدلة التي فرغت من الغليان حالًا و أخذت تصب السائل الغامق بكوبان من الزجاج الشفاف، حملتهما فوق صينية من النحاس المصقول و إلتفتت نحو ضيفتها و صديقتها اللدودة "غادة شكري" قائلة بإبتسامتها الرقيقة :
-تعرفين أن التقاعس ليس من شيّمي يا صديقتي الحلوة. لكن لا أخفي عليك سرًا. اليوم غلبني النعاس بحيث لم يحسن جرس التنبيه المزعج الذي أهديتني إياه أن يوقظني !
و ضحكت و هي تمشي صوبها على مهل
لم تكن "غادة" صديقتها فحسب، إنما أيضًا تكون معلمة لغة الإشارة التي تشرف على حالة أمها منذ عامين تقريبًا، و رغم قصر المدة التي عاشرت كلًا منهما الأخرى خلالها، إلا أنهما سرعان ما إندمجتا و تولدت بينهما مشاعر تكاد تضاهي صفة الأخوة ...
-عزيزتي أنا لا آرى إلا أن دلالي لك مؤخرًا قد أفسدك بالفعل لم أكن واهمة ! .. قالت " غادة" ذلك و هي تكز على أسنانها مغتاظة
ردت "فرح" عليها بنعومة و هي تضع الصينية فوق طاولة صغيرة أمامهما :
-و إن لم أحصل على الدلال منك أنت فمن عساه يقدمه لي ؟ أدامك الله لي يا غادة. يا أختي
و جلست بآريحية إلى جوارها فوق تلك الآريكة الواسعة المريحة و التي تختلف كليًا عن باقي أثاث الشقة الثمين، و كأنها أُختيرت بذوق شخصًا آخر يهوى البساطة و الرقة لا البهرجة و المظاهر الشاذة الكاذبة ...
-أتظنينني طفلة و مديحك هذا سوف يسكتني ! .. غمغمت "غادة" بحنق
قهقهت "فرح" قائلة :
-لا والله. لم أعني هذا أبدًا
غادة بحزم : إذن فلتكفي عن الضحك أولًا !
أومأت "فرح" موافقة و هي تتمالك نفسها من أجل صديقتها كي لا تضحك... مرت ثوان و الأخيرة تراقبها بملامحها المكفهرة هذه، حتى تأكدت من سكونها التام
نظرت في عينيها بقوة و هي تقول بجدية :
-ما الأمر فرح ؟ ما الذي يحدث لك هذه الأيام ؟ بل ما الذي يحدث لك منذ عرفتك ؟ ألم يحن الوقت لكي تبوحي لي ؟!!
فاجأتها "غادة" بهذه الأسئلة إلى حد أعجزها عن الرد في البادئ، لكنها ما لبثت أن رسمت إبتسامة صغيرة على وجهها و هي تقول بهدوء :
-أبوح لك بماذا غادة ؟ أنا جيدة. لا أواجه أي مشكلة إطمئني .. و أكملت بمزاح :
-إنه لم يكن سوى يوم قررت أن أتخذه عطلة. أم أنك حننت لتقمص دور الطبيبة النفسية التي تمنيت أن تكونيها كما أخبرتني ؟ لو كان الأمر كذلك فأنا أوافق أن أصير فأر التجربة من أجلك فقط !
غادة بحدة : توقفي يا فرح. أنت لا تتحدثين مع فتاة مراهقة كفاك تهرب مني
تلاشى مرح "فرح" الزائف في هذه اللحظة و هي ترد عليها بضيق :
-و ماذا تريدينني أن أقول غادة ؟ لا أفهمك. أنا حقًا بخير. ما الذي دفعك إلى ظن أشياء كهذه ؟!!
كانت تشيح بوجهها كالعادة حين يحمى بينهما وطيس الكلام، لتفاجئها "غادة" للمرة الثانية و هي تمد يدها لتمسك بذقنها و تدير وجهها نحوها مجددًا ...
-تريدين معرفة دوافعي ؟ .. تمتمت بهدوء شديد
و لما لم تحصل على رد منها تابعت :
-لن أقول لك إنكارك الدائم لوجود خطب ما بحياتك. و لكن تكفيني تلك النظرة المكسورة.. الملبدة بدموع تآبى الظهور للملأ. لا آراها في عينيك فقط. بل في عينيّ أمك.. عدم إستقرار كلتاكما لا يخفى علىّ فرح !
لا شك أنها لو واصلت الضغط عليها أكثر من هذا فستنفجر أمامها مجهشة بالبكاء، و لو حدث ذلك لن تتركها الأخيرة قبل أن تنتزع منها الحقيقة كلها ..
أنقذت "فرح" نفسها من الوقوع في شِراك صديقتها و هي تقول مسرعة دون التخلي عن إبتسامتها :
-غادة. لا أنكر إمتناني لإهتمامك الصادق بي. لكن صدقيني.. أنا لا أخفي عليك شيء. بل أنت صديقتي الوحيدة و لا أعرف سواك و لا أثق إلا بك. تأكدي أنك على دراية تامة بأسرار حياتي
غادة بسخرية : و لكني حتى اليوم لم أسمعك تحكي لي سرًا واحدًا !
فرح و هي تضحك :
-إذن فأنا أعدك منذ الآن أن الآتي من حياتي كله بأسراره و غير أسراره سيكون كتابًا مفتوحًا لك وحدك.. ما رأيك ؟
رمقتها "غادة'' بنظرة مستاءة، لكنها فضلت تغيير الموضوع قبل أن تشتبك معها مجددًا ...
-ما سبب تخلفك عن الذهاب إلى العمل اليوم ؟ و جدي لي عذرًا أقوى من الكسل و النوم فأنا أعرفك جيدًا لست كسولة على الآطلاق
فرح بجدية : لا هذه المرة يجب أن تصدقيني. أقسم لك أن النعاس قد غلبني. كنت أعاني الآرق منذ يومين و البارحة أخيرًا سقطت بالنوم. لم أستيقظ إلا عندما أتيت أنت قبل قليل !
-فرح.. يجب أن تنتبهي لنفسك أكثر يا عزيزتي. فأنت قد فشلت في دراستك. على الأقل لا تفشلي في عملك !
فرح بإمتعاض : أنت تضخمين الأمور كثيرًا ! .. و أكملت بإبتسامة مشرقة :
-ما رأيك بوجبة برجر سريعة ؟ لم أتناول فطوري بعد و يمكنني طلب المطعم لن يتآخر في التوصيل !
زفرت "غادة" قائلة :
-سأفقد عقلي يومًا ما بسببك. تعرفي ؟ أعتقد أن جلستي مع أمك ستكون أفيد لي أكثر من رفقتك الآن. بالإذن يا حلوة !
و قامت من مكانها و هي تضربها بوسادة صغيرة في وجهها الضاحك ...
راقبتها "فرح" مبتسمة و هي تمر من أمامها قاصدة غرفة السيدة "ناهد".. تنفست بعمق مفكرة... ترى ماذا تفعل الآن ؟ بعد أن قررت أن تأخذ هذا النهار عطلة
و غدًا الجمعة عطلة أيضًا، يا لها من فرصة عظيمة للإستجمام و تجديد النشاطات.. و لكنها لا زالت تجهل ماذا عليها أن تفعل ؟!!!
ربما تنتظر " غادة" بعد أن تفرغ مع أمها و تخرجا معًا، تتناولا الغداء في مطعم البيتزا الجديد بنهاية الشارع، و من ثم تذهبا إلى صالة السينما لمشاهدة فيلم الرسوم المتحركة الذي يعرض حصريًا بالآونة الأخيرة
عجبًا !
فهي لا زالت تحب أفلام الرسوم المتحركة.. أتراه نوعًا من أنواع جلد الذات الذي تلجأ إليه كلما ضاق صدرها !!!!
إرتعدت "فرح" في هذه اللحظة عندما رن جرس الباب فجأة ...
نهضت على الفور و ذهبت لتفتح ..
كان شابًا في أواسط العشرينيات، يرتدي حلة رسمية و يبتسم بتهذيب و هو يمثل أمامها ...
-صباح الخير ! أهذا منزل السيدة ناهد عبد الحي ؟!
عبست "فرح" قائلة :
-نعم.. من تكون أنت ؟
الشاب محافظًا على إبتسامته اللطيفة :
-أنا أُدعى حسن. أعمل كسائق لدى السيد هاشم الباردوي. السيد أرسلني لأسلم تلك الدعوة للسيدة ناهد شخصيًا ! .. و مد يده بمظروف صغير أنيق الشكل
إزداد عبوس "فرح" عندما طرق سمعها كُنية ذاك الـ"هاشم"... إنه من عائلة "البارودي" إذن، من عائلتها !!!
ما الذي ذكرهم بها الآن ؟ هل كانوا يذكرونها أو يعرفوا بوجودها أصلًا ؟!!!!
-السيدة ناهد مريضة وطريحة الفراش منذ مدة ! .. هتفت "فرح" بصلابة
-أنا إبنتها. و إذا كنت لا تمانع يمكنك تسليم الدعوة لي أنا. لأنها أحوج ما تكون قادرة على مالاقاتك بنفسها
أجفل الشاب من طريقة "فرح" و اللهجة العدائية التي تخاطبه بها.. لكنه سلّمها الدعوة في الأخير، إذ لا يتعارض هذا مع تعليمات "هاشم"، فقد أخبره أن السيدة "ناهد" تعيش برفقة إبنتها، و ها هي إبنتها تقف أمامه خلف باب الشقة و كأنه درع يحميها منه و من غيره !!!
-شكرًا ! .. قالتها "فرح" بإبتسامة سخيفة ثم أغلقت الباب بوجه الشاب المسكين
عادت "فرح" إلى الداخل و هي تحمل ذلك المظروف في يدها، جلست في الصالون القريب و أخذت تقتطع جزءًا من المظروف لفتحه.. أخرجت منه ورقة صغيرة مطوية، و فتحتها بلا تردد !
______________________________
كان قد شمر عن ساعديه.. و طفق يغير لإبنته الحفاضة، و ينظفها بيديه و يعطرها و يقمطها فوق سطح مكتبه الضخم، كل هذا تحت أنظار والدته المشدوهة ...
و مرة أخرى تطلعت السيدة "چشم" حولها ثم نظرت له قائلة بذهول :
-أنت حقًا لا تُصدق يا إبني !!
رجل مثلك و في مركزك و مستواك الإجتماعي. عندما يكون بإمكانك توفير أفضل جليسة أطفال لإبنتك لا تآبى إلا أن تصطحبها معك في كل مكان تذهب إليه حتى هنا.. في شركتك و داخل مكتبك !!!
إبتسم "هاشم" و هو يمسح يديه في منديل ورقي رطب، ثم يحمل إبنته على ذراعه و يمضي صوب الصالون الصغير وسط غرفة المكتب حيث تجلس أمه ...
-تعرفين أنني لا آتمن أحد على إبنتي يا أمي ! .. قالها "هاشم" و هو يجلس مقابل أمه
وضع الصغيرة على حضنه مضيفًا بصوته الهادئ :
-أفضل أن أقوم أنا بجميع الواجبات التي تحتاج إليها. و صدقيني لا أجد مشقة في هذا بل أنا ممتن لكل لحظة أقضيها برفقتها
چشم بعتاب : تقول أنك لا تآتمن أحد عليها !
حتى أنا هاشم ؟ جدتها و أمك ؟!!
هاشم بلطف : لا تسيئي فهمي چشم هانم. أنا لا أقصد ما وصل إليك.. كل ما في الأمر أنني أعشق سيرين بجنون و لا أطيق أن تغيب عن ناظريّ طرفة عين
و رفع الصغيرة قليلًا ليقبّلها على خدها المكتنز بقوة
كركرت "سيرين" ضاحكة عندما دغدغها أبيها بلحيته، بينما تقول "چشم" عابسة :
-يسعدني أنك تهتم بها و تحبها إلى ذلك الحد. لكن يتحتم علىّ إخبارك أن هذه التصرفات المبتذلة لا تليق برجل مثلك
هاشم ضاحكًا ملء فمه :
-أنا أبتذل ! و فيما يتعلق بإبنتي ؟! كما تشائين .. ثم قال بجديته المعهودة :
-و الآن هل لي بأن أعرف سبب زيارتك الكريمة لي يا أمي !
زفرت "چشم" يائسة من أفعال إبنها و تصرفاته كافة، لكنها تحدثت في الأخير ...
-لقد مر إسبوعًا حتى الآن. و قد قلت يوم وفاة جدك أن هناك وصية سيتم فتحها في وجود جميع أفراد العائلة و العائلة تنتظر كما ترى. هل تجعلهم ينتظرون أكثر أم ماذا !
تنهد "هاشم" قائلًا بفتور :
-لا أكره في حياتي سوى شيئان. الكذب و الثرثرة المستمرة .. و أردف بنفاذ صبر :
-قولي لهم أن يتحلوا ببعض الصبر. فأنا لا أمرح و لا يعجبني الأمر عالقًا كما هو. قلت أن جميع أفراد العائلة يجب أن يكونوا مجتمعين و ما زال بنقصنا إثنان
چشم بشيء من الإنفعال :
-و كم ترانا سنصبر على تفضل زوجة خالك و إبنتها بالمجيئ إلينا ؟ رأيت بنفسك أننا لم نمانع بإستقبالهما و أنني سعيت بكل جهدي لأقنع البقية بهذا القرار. و أنت بعثت لهما بتلك الدعوة فهل جاءك منهما حتى الرد ؟ لا أعتبر هذا إلا تجاهل و إستخفاف بنا !
هاشم بخشونة : لا ندري موانع الناس و ظروفهم. لعل هناك ما أعجزههما عن الرد
-و إلى متى علينا أن ننتظر ؟!!
مسد "هاشم" على رأس إبنته و هو يقول بصرامة :
-لن يطول إنتظاركم. لا تقلقي.. فهذه المرة سأذهب لهما بنفسي !
______________________________
ما أن أعادت "فرح" كأس الماء إلى صينية الطعام مجددًا، حتى أشارت لها أمها بيدها لكي تكف عن إطعامها المزيد
أومأت "فرح" لها متفهمة ...
إلتقطت منديلًا قماشيًا من جوارها و طفقت تمسح لها فمها، كانت "ناهد" ترمقها بنظرة مفعمة بالحب و الحنان، بينما ملامح "فرح" دائمًا أمامها إما عابسة أو جامدة
إنما الآن كانت ساكنة، هادئة كبركة راكدة... حملت الصينية لتضعها جانبًا فوق طاولة محاذية، ثم أخذت تعدل الوسائد خلف ظهر أمها
و إستوت جالسة على طرف السرير من جديد ...
-ألا تريدين الإطلاع على أخر الأخبار ماما ! .. تمتمت "فرح" بصوت خفيض
قطبت "ناهد" حاجبيها و أشارت لها بالموافقة، لتقول الأخيرة.. بعد برهة صمت :
-لقد وصلت لنا دعوة.. الإسبوع الماضي. لقد ترددت كثيرًا قبل أن أخبرك بشأنها. بل أنني وددت لو أمزقها و ألقي بها في مكب النفايات.. لكن. أظن أن من حقك أن تعرفي على الأقل !
قرأت "فرح" التساؤل في عينيّ أمها قبل أن تفعله مستخدمة لغة الإشارة التي تعلمتها جيدًا من "غادة" ...
إبتسمت "فرح" و هي تقول لها ببرود :
-تريدين معرفة من أرسلها. صحيح ؟ إحزري ! .. و أعلنت فجأة :
-إنهم آل البارودي.. عائلة أبي. أتصدقين ؟!
إتسعت أعين "ناهد" بصدمة، لتؤكد "فرح" لها :
-لقد أرسل لنا فردًا منهم يُدعى هاشم.. تعرفين ماذا قال في رسالته بالضبط ؟ على كل لقد كانت رسالة قصيرة و مقتضبة جدًا. إلا إن فحواها بدا هام جدًا جدًا !
و أخرجت الرسالة من جيب سروالها المنزلي، ثم ألقت بها في حجر أمها قائلة بقسوة مفاجئة :
-لقد عزمت العائلة الكريمة على إعطائنا إرث أبي يا ماما. بعد عشرة أعوام من موته.. أخيرًا سيلقوا لنا بعض من الفُتات تصدقًا على روحه. بالطبع.. ألم نكن الجزء الحقير منه و الذي فرض عليهم ؟ و كيف السبيل إلى تطهير سيرته بالكامل ؟ بالصدقة طبعًا !!
كانت "ناهد" قد أمسكت بورقة الدعوة و بدأت تقرأها بالفعل، حتى سكتت ثورة إبنتها مؤقتًا، تطلعت إليها و هي تخاطبها بلغة الإشارة ...
ليحمّر وجه "فرح" و هي تقاطع حديثها الصامت هذا بغضب جم :
-أتمزحين معي الآن ؟ خيرًا لك أن يكون ذلك مجرد مزاح. و لتعرفي أنه حتى لو كان كذلك فهو مزاح ثقيل لن يعجبني. أنا لن أذهب إلى هناك. و لن أقابل أيًّ منهم. هؤلاء الأثرياء الأوغاد لا أتشرف بهم كما لم أتشرف يومًا بحمل لقب عائلتهم.. لا أنا و لا أنت ستتطئ قدمانا هذا المنزل. و إن أحببت أنت الذهاب إليهم فأنا أعدك بأنك لن تجديني بجوارك عندها. سأختفي من حياتك للأبد سيدة ناهد.. تصبحين على خير !
و هبت من مكانها قبل أن تسنح للأخيرة أيّ فرصة للرد، أخذت صينية الطعام و خرجت من الغرفة صافقة الباب خلفها
لتبقى "ناهد" ساهمة في إثرها بعينان دامعتان، و قبضتها قد إعتصرت ورقة الدعوة إلى حد كاد يتلفها !!!!!! ............... !!!!!!!!!!!!!
يتبع ...