-4-
إن التاريخ الإسلامي في حاجة لان يتحرر من التقديس ويكون كغيره من البحوث خاضعاً للنقد والتحليل والشك والرفض كما تخضع المادة لتجارب العلماء حتى يستقيم ويزدهر ، ويؤتى ثمراً ممتعاً .
إن السلطات السياسية في تلك العصور أخذت على المؤرخين أن يضعوا التاريخ تحت تصرفهم فلا يكتبون إلا ما فيه تأييد للسلطة السياسية، وبذلك فقد حفل التاريخ بكثير من الموضوعات التي تكلف أصحابها على وضعها وجعلها جزءاً من تاريخ الأسلام، وقد شوهت واقعه، وحادث بكثير من بحوثه عن الواقع .
إن الأقلام التي تناولت كتابة التاريخ الإسلامي في عصوره الأولى لم تكن نزيهة ولا بريئة على الأطلاق فكانت تخيم عليها النزعة المذهبية أو التزلف إلى السلطة الحاكمة، فلابد إذن أن يخضع لمجاهر الفحص وأضواء الدراسة والنقد .
لا أحسب أن هناك خدمة للأمة أو عائدة عليها بخير تضارع نشر فضائل أئمة أهل البيت (ع)، وإذاعة سيرتهم ومآثرهم فإنها تفيض بالخير والهدى على الناس جميعاً ففيها الدروس الحية، والعظات البالغة التي تبعث على الإستقامة والتوازن في السلوك، وهي من أثمن ما يملكه المسلمون من طاقات ندية حافلة بالقيم الكريمة والمثل العليا التي هي السر في أصالة هذا الدين وخلوده .
وحياة الإمام الحسين (ع) من أروع حياة الائمة الطاهرين، فقد تخطت حدود الزمان والمكان، وتمثلت فيها العبقرية الإنسانية التي تثير في نفس كل إنسان أسمى صور الاكبار والتقدير، فقد تجسد في سيرته ومقتله أروع موضوع في تاريخ الإسلام كله، فلم يعرف المسلمون ولا غيرهم من القيم الإنسانية مثل ما ظهر من الإمام على صعيد كربلاء، فقد ظهر منه من الصمود، والإيمان بالله، والرضا بقضائه والتسليم لأمره ما لم يشاهده الناس في جميع مراحل تاريخهم، وكان هذا الإيمان الذي لا حد له هو الطابع الخاص الذي امتاز به أهل بيته وأصحابه على بقية الشهداء، فقد أخلصوا في دفاعهم لله، وأخصلوا في نضالهم للحق، ولم يكونوا مدفوعين بأي دافع مادي، فالعباس (ع) روحي لهُ الفداء
الذي كان من أقرب الناس للإمام الحسين وألصقهم به لم يندفع بتضحيته الفذة بدافع الإخوة والرحم، وإنما أقدم على ذلك بدافع الإيمان، والذب عن الإسلام، وقد أعلن سلام الله عليه ذلك فيما أثر عنه من رجز ظل يهتف به وينشده شعاراً له في تلك المعركة الرهيبة بعد أن يرى القوم يمينه قائلا :
والله إن قطعــــــتم يميني * إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق يقــيني * نجل النبي الطاهر الأمين
ومعنى ذلك بوضوح - أن تضحيته لم تكن مشفوعة بأي دافع من دوافع الحب أو العاطفة، أو غيرها من الأعتبارات التي يؤول أمرها إلى التراب، وإنما كانت من أجل الذب عن دين الله، والدفاع عن إمام من أئمة المسلمين فرض الله طاعته وولاءه على جميع المسلمين .
وكثير من أمثال هذه الصور الرائعة الخالدة في التاريخ الإنساني ظهرت من الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وهي - بحق - من أثمن الدروس عن الإيمان والوفاء والتضحية في سبيل الله، وأن أية بادرة من بوادر يوم الطف لترفع الحسين وأهل بيته وأصحابه على جميع شهداء الحق والعدل في العالم .
لقد رفع الإمام الحسين عليه السلام راية الإسلام عالية خفاقة، وحرر إرادة الأمة العربية والإسلامية، فقد كانت قبل واقعة كربلاء حثة هامدة لا حراك فيها، ولا وعي، قد كبلت بقيود الحكم الأموي، ووضعت الحواجز والسدود في طريق حريتها وكرامتها، فحطم الإمام بثورته تلك القيود، وحررها من جميع السلبيات التي كانت ملمة بها، وقلب مفاهيم الخوف والخنوع التي بكانت سائدة فيها إلى مبادئ الثورة والنضال .
لقد علمت نهضة الإمام على تكوين الحس الإجتماعي، وخلق الشخصية الإجتماعية، فقد أنطلقت الأمة كالمارد الجبار - بعد تخديرها - وهي تنادي بحقوقها، وتعمل جاهدة على إسقاط الحكم الأموي الذي جهد على اذلالها وأستعبادها، وهي تقدم القرابين تلو القرابين في ثورات متلاحقة حتى أطاحت بذلك الحكم، واكتسحت مشاعر زهوه وطغيانه وجبروته .
لقد كانت ثورة أبي الاحرار عليه السلام من أعظم الثورات التحررية في الأرض، فقد حملت مشعل النور والفكر في الأرض وسجلت شرفاً للإسلام،
وشرفاً للإنسانية،
وأعطت الدروس المشرقة عن العقيدة
التي لا تضعف،والإيمان الذي لا يقهر
وستظل مصدر عز وفخر وشرف للمسلمين في جميع أجيالهم .
الحُسين (عليه السلام) هو مصدر الحب والسعادة
وأخته عقيلة بني هاشم زينب جبل الصبر
السيدة الصديقة الصغرى بنت رسول الله
(صلى الله عليه وآلهِ وسلم)
فوالله لَوْلَا حَاءُ الْحُسَيْنِ وَ بَاءُ زَيْنَبَ لَمَا خُلِقَ الْحُبّ .
︎ ︎ ︎
والله بقت جثت حسين تضوي إعله التراب،
وأنتقل نور الحٌسين بتربته،
وهسٌه كلمن يسجد بتربة حسين،
تنزل الجنٌة تختمه بكَصته .
وسلاماً على الحُسين حتّى يفنَى بنَا الزمَن ♡.
👇🏻