لَا تَتْرُكِينِي وَحِيدًا شَرِيدًا
أُرِيدُ يَدَيْكِ لأَحْمِلَ قَلْبِي
أَحِنُّ إِلَى خُبْزِ صَوْتِكِ أُمِّي!
أَحِنُّ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ.
أَحِنُّ إِلَيَّ.. أَحِنُّ إلَيْكْ.
_ محمود درويش.
____________________𓆃
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒
⟬ مـاليـكـا ⟭
دلفت للمصعد بعدما وصلت ودلف خلفي مراد ثم ضغط الزر على رقم آخر طابق الذي هو كان المفترض أن نتزوج به ثم وقف وغطى بظهره لوح الأزرار حتى لا أقوم بتغيرها، زفرت بضيق مما يفعله وزجرته بنظرة غير راضية.
- مش هخرج، اقفل الباب علشان أنزل.
قلتها بنبرة جامدة لا تحمل النقاش عندما وصل المصعد للطابق المنشود وترجّل مراد خارجه ووقف ممسك بالباب حتى أخرج.
مسح مراد وجهه بكفّ ثم قال لي برجاء:
-معلش علشان خاطري هوريكِ حاجة.
ذعنت له بعدما نفخت بضيق، ففتح باب شقته على مصراعيه وأشار لي بالدخول ففعلت ذلك وانتظرني هو بالخارج حتى لا نكون بمفردنا بالشقة.
تفحصت كل شيء بها، قام بتجديد معظم الأشياء على الطريقة التي رغبت بها والتي تجادلنا مرارًا بشأنها، ألوان دهان الحائط، نوع الأرضية المستخدمة، تركيب بعض الإضاءة في عدة مناطق، كما صمّم غرفة خاصة لملابسي التي تشاجرنا بشأنها وكنا على وشك فسخ خطبتنا من أجلها.
شعرت بالحزن الشديد وكأن الدنيا أظلمت فجأة بفعل غيمة من السحب الملبدة تمطر فوق رأسي ممتزجة بسمفونية من أصوات صخب الرعد مع اهتزاز ومضات النور التي تسطع وتظلِم بفعل البرق.
لماذا لا يشعُر المرأ بقيمة ما تملكه يده إلا بعد أن يفقده؟
لماذا يجب عليه أن يئن ألمًا يصرخ ندمًا يشعُر بمرارة الفقدان اللاذعة حتى يتعلم ؟
لماذا يتجاهل التحذيرات التي تومض أمام وجهه كَكشاف سيارة قادمة تجاهه في عتمة الصحراء؟
لماذا؟
لماذا مراد؟
لماذا دائما تأتي متأخرًا عندما تقتل كل سبل الخلاص داخلي؟
خرجت من جديد دون نطق شيء وأتجهت ناحية الدرج لن انتظر المصعد سأهرب الآن.
جذبني مراد من حقيبة يدي دون أن يلمسني، ونظر لي نظرة تضج بالحزن وقال بهدوء:
- ماليكا .. أنا لسه بحبك.
عدت له بجسدي وحرّكت رأسي بالنفي وقلت له بانفعال:
- إنت مش بتحبني إنت عايز تمتلكني، معتبرني ملكيتك الخاصة، مش قادر تصدق إني سبتك، مش قادر تصدق إني قدرت اتخطاك وانساك، مش قادر تصدق إني عادي عايشة منعيرك ومبسوطة، عايز ترجعني ليك تاني بأي طريقة علشان تتدمرني وتكسرني وترجع ترمم كل اللي إنت نيلته علشان تكسرني تاني .. أنا مش لعبة يا مراد تشكلها على مزاجك .. أنـا مـش لـعـبـة.. انساني وعيش حياتك زي ما أنا نسيتك.
أتجهت للدرج سريعًا بعدما انتهيت من حديثي وقبل أن أهبط سحبني من يدي ودلف بي شقته التي مازالت مفتوحة وأغلق الباب بقدمه وسط صدمتي من ما يحدث ثم ثبتني بالحائط ووضع يده الأخرى فوق فمي وقال:
- انتِ مسبتليش حل تاني يا ماليكا علشان ترجعي.
رفعت يدي لإزالة يده والدفاع عن حالي لكن عندما تقابلت نظراتنا سقطت يدي جانبي ثم تجمدت كلوح من الثلج
فقدت كل حواسي، تخدرت نفسيًا بالكامل، كنت أشعر بمهرجان مضيء من المشاعر المتضاربة في آن واحد، الخوف الشديد، غضب شديد، ضعف، كره، عدم التصديق، الدهشة، أمل، حب، رجاء.. كيف؟
إنه مراد لن يفعل بي هذا، إنه أكثر شخص أشعر معه بالأمان.
يتركني ويعود يتلاعب بي نفسيًا لكن.. لكنه لن يؤذيني هكذا.
لا لن يفعل بي هذا؟
أحقًا ستفعل بي هذا؟
أشعُر أن قلبي كَجُندي جريح يُجرجِر خلفه قدمه المصابة، يبحث عن مَلاذ يتفادى به الضربات الهادرة من الحرب المُشتعلة، حتىٰ أَضحى داخل حقل ألغام ودهس بِقدمه على إحدى المُتفجرات؛ يمكنني سماع صوت الانفجار المُدوّي، والشعور بِأشلاء قلبي الذي تمزّق، تتخبط بجدران جسدي من الداخل.
سمعت مرارًا أن الخيانة تُمزّق نياط القلب، لم أكن أُدرك الأمر، لكن الآن ألفظ أنفاسي الأخيرة.
ليست كل الخيانة أن يخونني مع امرأة أخرى، جرّبت اليوم نوع أشد من الخيانة، وهو خيانة الثقة والأمان الذي ضعته به.
لقد خانني الرجل الوحيد الذي ظننته يومًا لن يؤذيني.
تقابلت نظراتنا لوقت لم أستطع تحديده حتى أغمض عينه ببطء وظهر الألم باد على محياه قبل أن يبتعد عني ويتجه للباب مع همهمته بالأستعاذ من الشيطان الرجيم بشكل متواصل ثم جلس متهدل الأكتاف بنظرة شاردة فوق مقعد خشبي متهالك جانب الباب الذي فتحه على مصرعيه.
تنفست الصعداء واستعدت رابطة جأشي بعدما عاد وعي إليَّ وشعرت بأن رأسي على وشك الانفجار عندما صدح صَفير صوت إبريق الغضب عندما وصل لدرجة الغليان.
تقدمت تجاهه بعنف رفع نظره لي قبل أن أنزل فوق وجنته بصفعة أخرجتها بكل ما أوتيت من قوة ثم سمعت صداها يدج بجدران الشقة ثم قلت بصراخ:
- انت فاكر إن انت كده كنت هترجعني ليك غصب عني .. إنت كنت هتقتلني .. كنت هموت.. روحي كانت هتسبني وتمشي يا مراد، عمري ما كنت هقدر أرجع تاني.
قلت آخر كلمة بنبرة مرتعشة ثم أمسكت حقيبة يدي وضربته به عدة مرات بعنف، واستطردت:
- أنت كنت فاكر إنك هتقدر عليَّ، كنت هقتلك يا حقير.. حيوان.. بكرهك.
قلتها بصراخ ثم بصقت في وجهه وركضت من أمامه هبطت لشقة خالتي عزة وارتميت بين ذراعيها وانفجرت في البكاء.
____________________𓂀
بعد ساعة من محاول إيقاف خالتي عن البكاء عندما تحول الأمر لها بعدما أخبرتها بشأن العمل وانتقالي للسكن، لم أخبرها بما فعله ابنها مراد.
ماذا سوف أخبرها؟
كيف يمكنني أن أقول لها ابنك مزقني؟
كيف أقول لها ما الذي حاول أن يفعله بي حتى أتوسل إليه ليتزوجني؟
ما الذي ستشعر به عندما تعلم إن ابنها كان سيدمر الأمانة التي تركتها أمي في حمايتها؟
منذ وفاة أمي وهي تفعل كل شيء لتعويض غيابها عني، تقف في صفي ضد الجميع، دائمًا كانت وبقيت أمي الثانية الذي أذهب لها عندما تضيق بي الدنيا وتضغط على صدري لتخنقني، لن أخبرها شيء حتى لا يتألم قلبها أو يحدث لها شيء سيء، قد لا يتحمل قلبها ذلك.
خرجت من شقة خالتي وجدت مراد يجلس على الدرج منكس الرأس كطفل فعل مصيبة ما ينتظر عقاب أمه.
رفع رأسه فقابلت نظراتي عينه المحمرة من أثر البكاء، أشحت نظري عنه وهبطت للأسفل إلى شقتي.
تبًا لك مراد .. وتبًا لقلبي.
ليتك لم تتغير مراد
ليتك بقيت ذلك الصديق الذي ترعرع رفقتي.
ليتك تثق بحالك أكثر.
ليتك لم تراني ندًا لك.
ليتك لم تخاف من شخصيتي بسبب نجاحي.
تبًا لك مراد، لقد كنت قوية لأنك بجانبي.
كنت أعلم إنك هنا، لذا لا داعي للخوف.
لن أقول ليتني ما أحببتك، ربما لو لم أمر بهذه التجربة لكنت شخصًا آخر، يضعنا الله بتجارب لتقوم بتغيرنا حتمًا، تهدم أُسس مترسخة داخلنا وتخلق أسس داخلنا تكبر تكبر كطفل في رحم أمه.
الآن أنا أعلم قيمة حالي، و أعلم ما هي مواصفات الشريك الذي أتمناه.
"اللهم أرزقني زوجًا صالحًا عابدًا لك يصُب عليَّ الحب صبًا، أفضل مما أتمنى"
رددت ذلك الدعاء وأنا أدلف إلى شقتي لجمع أغراضي حتى أذهب، لن أبيت يومًا آخر هنا.
دلفت أولًا إلى غرفة أمي مررت نظراتي فوق كل شيء بها بتمعن دقيق، لم أُغير شيء بها منذ وفاة أمي، حتى أقراص الدواء الخاصة بها مازالت فوق الكومود، أقوم فقط بتنظيفها ثم أعيد كل شيء إلى موضعه.
لا يوجد سبب في رغبتي بالذهاب من هذا البيت أكثر من أنني لا أستطيع البقاء هنا دونها، كل شيء يذكرني بها وهو مؤلم بشدة لقلبي.
مؤلم كأنني أقف على شاطئ خلّاب تتأنق مياهه كلآلئ تحت أشعة الشمس الزاهية، أخطو فوق الرمال الناعمة بين البحر والأشجار المتراقصة في الجهة الأخرى، أنظر لكرة اللعب البلاستيكية الملونة التي تنتظر من يمرح بها؛ لكنني بمفردي.
لا يوجد أحد معي.
أسمع فقط صوت أنفاسي الممزوجة بحفيف الأشجار بفعل الرياح وأمواج البحر.
يتحول ذلك الجمال الخلاب الأصوات الرائعة إلى سيمفونية أصوات مرعبة.
أتجهت ناحية الخزانة وقمت بفتحها ثم تحسست ملابسها بأناميلي، اشتقت إليكِ أمي.
منذ غيابك وأنا لا أنتمي لأي شيء، أنظر للعالم حولي بغرابة لعينة، أشعر وكأنني طفلة صغيرة تاهت وسط الجموع بعد أن تركت يد أمها، و لا تستطع أن تعود للمنزل، فقط تبحث بين وجوه الجميع عنها بنظرات مذعورة.
شكرًا أمي على ضمك لي بأحلامي، كنت أعلم إنك لن تتركيني.
اخترت عدة قطع من ملابسها حتى آخذهم معي، وضعهم على الفراش بغرفتي ودلفت للشرفة لأودع النيل، آه كم سأشتاق لك.
حسنًا في الواقع مراد على حق، أعلم أنني بعد فترة ما سوف أعود أنا فقط أحتاج لقضاء مدة من الزمن بعيد عن هذا البيت فقط للتغيير و لملمت شتات قلبي.
أمسكت الدفتر الكبير أحمر اللون ذو الأسلاك المعدنية وكتبت به جميع المشاعر السلبية داخلي، وسببت مراد جميع السبات التي أعلمها على الورقة.
ليتني لم أكتفي بالصفعة، ليتني كسرت عظامه.
هل أصعد وأكمل عليه أم فكرة سيئة؟
تبًا! ويجلس يبكِ دموعًا، كان يجب أن تبكِ دمًا مراد.
سحقًا لك على ما فعلته بي، كيف سأثق برجل ما بعد فعلتك البغيضة.
مزقت الورقة لقطع صغيرة مهترئة ثم وضعتها بالمنفضة الفخارية وأحضرت القداحة ثم قمت باشعال الأوراق وعلقت نظراتي بها أثناء تحولهم إلى رماد.
شعرت ببعض التحسن فهذه طريقتي المفضلة في إخراج الطاقه السلبية الكامنة داخلي حتى لا يبقى شيء سئ بالداخل.
صدح صوت هاتفي ليعلن عن مكالمة لي عن طريق أحد المواقع الألكترونية فعلمت إنه عمي، لقد توقعت ذلك من مراد.
- مرحبًا عزيزتي.
قالها عمي الأكبر بلغة إنجليزية ذات لهجة أمريكية بنبرة محببة، لا أذكر آخر مرة تحدث العربية، ربما نسى كيف تنطق؛ رددت له التحية وتبادلنا الإطمئنان عن بعضنا البعض ثم قال بعد ذلك:
- أخبرني مراد بشأن العمل هل ترغبين في مال أكثر يمكنني أن أبعث لك المزيد.
- لا عمي المال يكفيني الحمد لله، فقط أرغب بالعمل.
قلتها بنبرة هادئة فمنذ وفاة أبي يقوم عمي بتحويل نصيب أبي من شركتهم المشتركة إلى حسابي حيث إن كان أبي يعمل معهم بالخارج قبل أن يتوفاه الله وأنا بسن ثلاث سنوات، فعادت بي أمي إلى الوطن وتركت إلى أعمامي العمل يديروا هم، ومن وقتها يدخل إلى حسابي الأرباح.
- عمي لماذا لم تأكل ورثي ونجرجر بعضنا في المحاكم؟
قلتها بمزاح بعدما تذكرت الأمر لأقوم بتغير دفة الحوار، ضحك بخفة بعدها قال بنبرة مازحة:
- في الواقع فكرت في الأمر ثم ذهبت للنوم وقررت عندما استيقظ أن أسرق نصيب أبيكِ لي ثم حلمت بنبوءة ... ظهرت لي ساحرة وأخبرتني عندما تكبر ابنة أخيك سوف تبحث عنك ثم تقتلك بطريقة بشعة، فأعرضت عن الفكرة.
- يا الله عمي! يمكنك أن تصبح كاتب فانتازيا.
قلتها بنبرة تحمل أثر ضحكاتي تعقيبًا على حديثه السابق، ابتسم بسمة هادئة وقال بنبرة محببة:
- حسنًا عزيزتي لا مانع لدي في عملك لكن لا تتركِ المنزل فأنا أشعر بالأمان لوجودك هناك رفقة عزة.
تنهدت بعمق قبل أن أشرح له سبب رغبتي في ترك المنزل حتى أتعافى قليلًا ثم بعد ذلك سوف أعود من جديد، لكنني أحتاج بعض الوقت.
- لما لا تأتي لنا لبعض الوقت ثم تعودي.
- سأفعل ذلك بأذن الله، لكن سوف أجرب هذا أولًا، الحياة تصبح أجمل ببعض المغامرة عمي.
قلت آخر جملة بنبرة مازحة فحرّك رأسه بقلة حيلة لإنه يعلم أنه لن يستطيع إقناعي بالأمر ثم بعد ذلك بقليل أغلق المكالمة.
أمسكت دفتر الملاحظات الصغير ذو الغلاف السميك المزخرف بكلمات إنجليزية بارزة "أحلام وإنجازات" فتحته ومررت أصابعي على الآية المكتوبة في أول صفحة
❰ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ❱
لقد أحضرت لي أمي هذا الدفتر وكتبت تلك الآية به، إنها من أكثر الآيات المحركة لي.
فقد كان الله قادر على فعل كل شيء، قادر على إسقاط البلح لها، وكانت هي ضعيفة، ليست تلك الهزة التي سوف تجعل البلح يسقط.
لكن الله أراد منّا الأخذ بالأسباب.
أعلم لماذا كتبتها لي أمي حتى لا أظل أبكي وأطلب من الله أن يخلصني من حالتي تلك وأنا لا أفعل شيء؛ بل يجب فعل شيء ولو بسيط لمساعدة حالي وبفضل الله وبالدعاء سيتحول ذلك الفعل البسيط ليُحدث تأثير عظيم، لذا بدأت التعافي.
قلبت الصفحة وقرأت ما خطتت بها
خطوات طائر العنقاء⏌ مــاليـكـا ⎾للتعافي من الأكتئاب:
- أفعلي الاشياء المحببة حتى لو لم تشعري بشغف تجاهها كالسابق. (تم)
- الاستيقاظ مبكرًا والتعرض للشمس. (تم)
- عدم الأذعان لأفكار العزلة والتحدث مع الاخرين (تم)
- ممارسة الرياضة فإنها كالسحر مفعولها كأقراص مضاد الاكتئاب " عشرة دقائق كبداية" (تم)
- تفريغ المشاعر السلبية على أوراق لتحريرها ومن ثَمَّ احراقها (تم)
- تعلم مهارة جديدة، لزيادة شعوري بالسيطرة على زمام أمور حياتي "تعلم اللغة الأسبانية" (تم)
- الفراغ مثل ثقب أسود يجذب جميع الآلام والأفكار السلبية، يجب قتله. "البحث عن عمل" ( )
خطوت كلمة "تم" بين الأقواس الفارغة ثم تذكرت تلك الفترة التي تلت وفاة أمي؛ تركت كل شيء أفعله وبقيت بالمنزل فقط، لا أفعل أي شيء، لا أضحك ولا حتى أبكي.
فقدت كل المشاعر داخلي، لم يكن موجود سوى الفراغ.
تركت كل شيء أحبه لأنني لست على ما يرام وقلت عندما أصبح بحالة جيدة سوف أفعله لكن كان هذا خاطئًا كان يجب فعل تلك الأشياء لإنها سوف تجعلني أشعر ببعض التحسن.
لكن عندما استيقظت المرأة المحاربة داخلي وقفت في وجه الاكتئاب وحاربت .. وفزت.
لقد فزت .. قتلت الحزن.
يمكنني الشعور بالسعادة من جديد.
قمت من مجلسي وصفقت لي بصخب وفخر من حالي ودرت حولي نفسي بسعادة طالب تخرج للتو من الجامعة؛ يجب شراء شيء حتى للاحتفال.
عدت للداخل وحضّرت حقائبي بعدما أخذت الأشياء الأكثر أهمية ووضعتها أمام الباب حتى يضعها مراد بالسيارة ثم دلفت إلى غرفة أمي من جديد نظرت لها باشتياق من الآن ثم خرجت من الشقة.
- إلي اللقاء يا امي.
___________________𓂀
توقف مراد بالسيارة أمام مخبز الحلويات القريب من منزلي وترجل منها بعدما طلبت منه ذلك ليحضر كعكة كبيرة لأحتفل بها وللتعرف إلى النساء بالسكن.
تذكرت إنني لم أحضر شاي أخضر معي فنظرت حولي على مكان يمكن شراء منه الشاي ثم توسعت جفون عيني عندما رأيت سيارة تُبطئ من سرعتها ثم تحرش شاب بداخلها بفتاة تمشي جانب الطريق، ثم زاد من سرعة السيارة.
قفزت لمقعد السائق وأدرت السيارة وأسرعت خلفه حتى اقتربت منه وأنا أضرب مِزمار السيارة له بصخب حتى يتوقف، فأسرع من قيادته عندما لاحظ ذلك فلحقت به بغضب شديد وعلى حين غرة صدمته من الخلف لكنه لم يتوقف فزيدت من سرعتي أكثر حتى بِِتّ بجانبه ثم حككت باصطدام جانب سيارتي بسيارته عدة مرات حتى باتت سرعة سيارته تنخفض أثناء اقترابه ناحية الرصيف في الجهة الأخرى ثم توقف عندما أصبحنا بمنطقة زِحام، فترجلت من سيارتي وفتحت باب سيارته بعنف وضربته بزجاجة العطر الخاصة بسيارة مراد في وجهه مما أدى لنزيف أنفه.
خطوت في طرقات مركز الشرطة أمشي جانب مراد الممسك بالشاب يجره من تلابيب ملابسه، وأنا أتعلق بذراع الفتاة حتى تُقدم محضر ضده رغمًا عنها، فقد كانت ترفض ذلك لكنني صرخت بوجهها وقلت:
- ما هما بيعملوا كده علشان كل البنات بتسكت، إنما لو كل كلب فيهم لقى واحدة تقف ليه هيفكر ألف مرة قبل ما يعمل كده.
حسنًا ربما كان عليَّ النقاش بطريقة أكثر هدوئًا وتحضرًا.
دلفت لحجرة الضابط "راشد" بعدما قابلنا العسكري ورشدنا إليه، نظر لي وتقطبت ملامحه وضيق جفنيه وقال وهو يعد على أصابع يده بعدما رفعها جانبه:
- سرقة، قتل، نصب.
- تحرش.
قلتها بنبرة جامدة وأنا أنظر للرجل الذئب بتقزز، وقف الضابط من مجلسة بسرعة كمن لدغته نحلة ودنا من الذئب وصفعه بعنف، فأرتج جسد الشاب واصطدم بالجدار خلفه بترنح ونزل خط دماء صغير جانب فمه من أثر قوة الصفعة ثم هجم عليه الضابط ووضع رقبته بين قبضة يده ورفع جسده للأعلى بعدما حزّ جسده في الجدار خلفه وهو ممسك برقبته فتدلت قدم الشاب من الأسفل.
تبًا إنه قوي للغاية، لم يظهر ذلك من هيئته.
- بتتحرش بمرات أخويا يا روح أمك .. ده أنا هعمل منك بُفتيك.
نظرت بتساؤل للفتاة المشدوهة بجانبي بعدما نزلت يدها المضمومة لصدرها جانبها بغير إرادة منها من أثر ما شاهدت؛ لم تخبرني إنها زوجة أخيه .. مهلًا مهلًا.
تبًا إنه يقصدني أنا.
- مش أنا، بيها هي.
قلتها مسرعة وأنا أشير ناحية الفتاة بعدما فهمت مقصده، فنظر راشد للفتاة قبل أن يترك راشد الرجل الذئب الذي فرك موضع رقبته الحمراء حيث تطبعت أصابع راشد فوقها وكأنها وشم بعدما تركه ببطء قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه.
- رضوان .. أنا عايز أحلى حفلة استقبل تتعمل على شرف الـ** النهاردة.
قالها راشد للعسكري بنبرة عالية منفعلة وهو يشير ناحية الرجل الذئب، فأمسكه العسكري من ملابسه من الخلف وسحبه للخارج وكأنه يسحب شاه للذبح.
- خربوش شاي؟
قالها الضابط راشد وهو ينظر لي بابتسامة هادئة متسائلًا بعدما رفع يده جانبه وصنع أصابعه على شكل كوب.
___________________________𓂀
خرجنا من مركز الشرطة بعدما جاء والد الفتاة وأخذها، وقف مراد أمام سيارته التي تحطمت من جديد وهو واضع يده على جبهته وكأنه يندب حظه، أمسكت الضحكة التي كادت تنفلت من بين شفتيّ المذمومتان وصعدت للسيارة بهدوء.
- مرات أخوه ها.
قالها مراد بعد أن نظر لي بطرف عينه بعد صعوده للسيارة والتحرك بها، أمسكت هاتفي أتصنع العبث به بلامبالاة حتى لا أرتكب جريمة وأقتله.
- أنتِ مرتبطة بأخوه علشان كده مش عايزة ترجعيلي؟ طيب هو البيه مجاش يخطبك ليه هو البيت ملهوش زفت باب؟
قالها بنبرة منفعلة عالية وهو يضرب على مقود السيارة بعنف عدة مرات، تنهدت بعمق وتخيلت حالي ألقي ماء على لهيب الغضب داخل حتي أخمدها وقلت بهدوء بدون تحويل نظري عن الهاتف:
- أنا مقدرة إن كان نفسك تكون مخرج وتصنع أفلام بس معلش هحبط طموحك أفلامك مبتذلة، فبلاش تخليني بطلة هذا الإسفاف وشوفلك واحدة تانية تلعبه.
انبسطت ملامحه وأرتخى جسده المتحفز وفك قبضة يده الممسكة بالمقود بعنف حتى عاد الدم لأصابعه بعدما تحولت للون الأبيض من شدة الضغط عندها ربط الأحداث داخل رأسه.
إذا كنت على علاقة بأخيه لماذا سوف أعطيه رقمه لمتابعة الرجل؟
حلّ الصمت حتى وصلنا للسكن وأنزل الحقائب من السيارة ثم حملها وصعد بها حتى الطابق المنشود وأنزلها داخل الشقة.
- أنا آسف .. على اللي حصل.
قالها مراد قبل أن أغلق الباب بنبرة متهدجة وهو ينظر للأعلى حتى يتماسك ولا يبكِ، أخرجت صوت ساخر من فمي وقلت:
- أسف دي تتقال لو دوست على رجلي يا مراد.
- كنت مشوش، مش قادر أصدق أنك هتمشي وتسيبيني بجد، مش عارف أنا عملت كده إزاي، حاولي تسامحيني، أفتكري ليا حاجة حلوة.
قالها بنبرة متهدجة وهو ينكس رأسه للأسفل، تنهدت بعمق وقلت بنبرة حاولت جاهدة أن تكون عادية دون بكاء:
- إنت كسرت حاجه جوايا مش عارفة هقدر أصلحها إزاي، مبروك يا مراد كسرت كمان الأمان اللي كنت بحسه في وجودك، على الرغم من كل حاجة كنت عارفة إني لو احتاجتك هلاقيك، هتدافع عني لو حد أذاني.
صمت عندما شعرت أنني سوف أبكي، تذكرت كل تلك المرات التي اختبأت بها خلف ظهره عندما شعرت بالخوف، كل مرة ركضت بها تجاهه عندما ضايقني أحدهم.
كان هو ملاذي الآمن الذي أحتمي به.
لم يكن لدي أب لكن كان لدي مراد.
لا أستطيع تذكر شيء من طفولتي سواه، لقد كان في جميع تفاصيل حياتي.
- لو حسيتي إنك عايزة تمشي بليل كلميني هاجي أخدك.
قالها بهدوء وهو يمسح دمعة فرت من عينه رغمًا عنه بواسطة أنامله، قلّبت عيني بسخرية وقلت:
- طفلة أنا هعيط في نص الليل وأقول ودوني لماما.
حرك رأسه بالنفي وأخرج صوت من فمه يدل على لا قبل أن يقول:
- هتقولي ودوني لبابا، كلمي بابا هيجيلك علطول.
- امشي يا مراد، امشي قبل ما أخبطك بحاجة أدخل فيك السجن وإنت متستاهلش.
- مش قادر أسيبك هنا وأمشي ، أنتِ بنتي يا ماليكا انا اللي مربيكِ.
قالها بنبرة هادئة بعدما نظر لي بتمعن على غير عادته فهو يغض بصره عني دائمًا تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة تهكمية.
- اللهم لا شماتة، أنا شمتانة بصراحة بحاول مبقاش شمتانة بس مش قادرة امشي يا مراد والنبي أنا تعبانه لوحدي أصلًا.
قلتها بعدما تذكرت ما كان يحدث بيننا عندما كان يتركني بالأيام لا يتكلم معي ولا يجعلني أراه عندما يغضب مني، كنت أصعد لشقة خالتي حتى أطمئن عليه يتصنع النوم ولا يخرج من غرفته حتى تتم فترة عقوبتي، وبالأساس هو الذي كان الخاطئ.
أغلقت الباب بعد إنهاء حديثي حتى يذهب، مع أنني أشك في ذلك، أعتقد إنه سوف يبيت بالسيارة اليوم أسفل البناية، استدرت على مهل حتى صارت وجهتي الشقة وجدت عيون خمس فتيات مصوبة نحوي بتفحص دقيق والابتسامة تعلو شفتيهم.
- غريب الحب مين فاهمه؟!
- هو الحلقة الجديدة من المسلسل أمتي.
- في حد يرفض النعمة، افضلو كده اتبطروا على النعمه لحد ما تزول من وشكوا.
- والنبي يا أنسه لو الواد الحليوة ده ميلزمكيش ادهوني.
قالوها تباعًا فنظرت لهم بتيه فأنا مازالت استوعب وجودهم ومشاهدتهم كل ما حدث، اقتربت مني الأخيرة وقالت بابتسامة هادئة:
- بس يا بنات علشان متزعلش .. متزعليش منهم هما بيهزرو معاكي، أنا نُهى.
قالت جملتها الاخيرة وهي تمد يدها لي بالسلام فعانقت كفها بخاصتي بابتسامة بعدها تعرفت على باقي الفتيات وجلسنا نتثامر مع بعضنا البعض قبل أن نحتفل بتخلصي من الأكتئاب في جو من المرح.
أنا من الأشخاص الاجتماعية لدي أصدقاء كثيرين فتيات بالطبع أنا لا أعرف رجل في حياتي سوى مراد، لكنني لست قريبة كثيرًا من أحد، الجميع يخبروني كل شيء عنهم، عندما يشعروا بالحزن يأتون إليَّ لكن أنا على النقيض لا أقول شيء لا يعرفه الجميع فأنا شخص مغلق.
يجب عليَّ العمل على هذا حتى أكون أكثر ثقة وانفتاحًا.
_______________________________𓂀
بعد انتهاء جلستي مع الفتيات دلفت إلى غرفتي حتى أخرج أغرضي من الحقائب شعرت السرور لحصولي على غرفة بمفردي فأنا لم أتعود على مكوث أحد معي قط.
علّقت ملابسي بالخزانة بعدما تحممت وارتديت منامة مريحة ورششت الغرفة بأكملها بماء الورد ثم وضعت كوب ماء به بعض الملح الخشن والخل في مكان ما بالغرفة لسحب الطاقة السلبية، تعلمت هده الطريقة من خبيرة طاقة في برنامج يذاع على التلفاز.
لا أعلم هل هي فعّالة فعلًا، أم أنني أشعر بالتحسن الإيحاء وتصديقي لذلك.
لا يهم، المهم إنني أشعر بتحسن، لإنها في كلتا الحالتين أدت مهمتها.
أخرجت الإيطار الذي يحمل صورة أمي بابتسامتها المشرقة داخله ووضعتها على الكومود.
وبالأخير أخرجت الميدالية الذهبية التي حصلت عليها في آخر بطولة لي في الكاراتيه، مررت أناملي فوق حوافها الذهبية الدائرية البارزة.
في طوال رحلة مسيرتي في هذه الرياضة حصلت على الكثير من الميداليات والجوائز لكن هذه مميزة، لقد تركت مراد من أجلها.
حدث هذا قبل أن تمرض أمي مباشرة حينما تم اختياري للسفر إلى بطولة العالم في الكارتيه وقتها أعترض مراد ولم يقبل بسفري وحدي بسبب عدم قدرته على السفر في ذلك الوقت، لأن ماهر أخيه كان مسافر في عمل بمحافظة أخرى وزوجته كانت في بداية شهور حملها، فلم يستطع مراد ترك الجميع والسفر معي فقرر هو لي أنني لن أشارك.
لكنني كنت أرغب بتلك الميدالية بشدة، لقد كان أبي يمارس هذه الرياضة منذ صغره، كانت تجري بدمه لكنه تركها بعدما حدثت له إصابة منعته من شغفه.
كنت أرغب في الفوز والذهاب له وإخباره إنني فعلتها من أجله، كان هذا السبب الرئيسي لممارستي هذا النوع من الرياضة القتالية من الأساس.
لكن مراد لم يرى ذلك، كيف لي أن أسافر بمفردي؟
هل جُننت؟!
- يا أنا يا سفر البطولة دي .. أختاري.
كانت هذه جملته التي خرجت من فمه لينهي النقاش الذي دار بيننا قبل أن يصعد لشقته ويتركني مدمعة العينين منقبضة الصدر، متحشرجة الصوت بسبب نقاشي الطويل معه واختناقي من أفعاله، كانت هذه طريقته في إجباري على كل شيء يريده عندما أُصر عليه بشدة.
كنت في النهاية أذعن له حتى نبقى معًا، أقنع حالي إنه يحبني ويخاف عليَّ؛ لكن تلك المرة أختارت نفسي، لقد سئمت منه، سئمت من كل شيء، قررت أن أتركه يمضي.
وقبل سفري بيوم قالت لي أمي بعدما جلست بجانبي واسندت رأسي على موضع قلبها بحنان أثناء تربيتها على شعري.
- أنك تاخدي قرار يوجعك شوية لكن هتقدري تتغلبي عليه أحسن ما تكملي في علاقة تخليكِ تعيسة طول عمرك .. عارفة إن الموضوع صعب وعارفة إنك مش قادرة بس أنا معاكِ ومش هسيبك وبأذن الله هنقدر نتخطاه مع بعض.
كانت أمي غير راضية عن علاقتي بمراد لأنه يُحزنني لم تخبرني لكنني كنت أعلم ذلك فهي رفضت عقد قرآننا الذي ألح عليه مراد مِرارًا في كل مرة يطلب ذلك.
سافرت بعد ذلك للبطولة بقرار صارم، أنني لن أعود لمراد من جديد، ماليكا التي سافرت ليست تلك التي عادت.
لم يكن الأمر سهلًا.
أذكر نوبة بكائي الشديدة في الحجرة قبل المباراة.
إمساكي هاتفي المضاء على صورته.
أذكر تمزق نياط قلبي.
اختناق حنجرتي.
فكرة العودة وعدم الخروج إلى المباراة والأعتذار له التي تواردني بكثرة.
أذكر صرختي العالية التي حاولت كتمان صوتها عن طريق وضع ذراعي فوق فمي بين شفاهي والضغط بها قبل أن أقوم بمحو كل شيء بالهاتف ليعود وكأنه جديد ومسح دموعي بعنف بطرف أكمامي.
والخروج إلى المباراة والفوز.
كانت هذه آخر مباراة قبل أن أعتزل الكاراتيه، كان حلم أبي وحققته له.
أشعلت شمعة برائحة اللافندر لتهدئة أعصابي كان اليوم عصيب بعض الشيء، ثم أخرجت الدفتر الذي أسجل به الأشياء الإيجابية مع الذكريات التي تجمعني بأمي حتى تظل معي للأبد ولا أنساها قط، وكتبت الأشياء الجيدة التي حدثت لي اليوم بشأن الوظيفة والاحتفال، ثم أغلقت الدفتر ووضعته بدرج الكومود جانبي.
أحضرت الرواية التي بعثت لي أمس عن طريق أحد طلاب أمي القدامى وقررت قرأتها قبل النوم، شقت ابتسامة هادئة وجهي عندما قرأت توقيعه على أول صفحة داخل الرواية (سارق التوت) بعدها اتسعت ابتسامتي الممزوجة بالحزن أكثر عندما قرأت الأهداء.
" إهداء إلى من علمتني حروف الكلمات.
إلى من آمنت بي دائمًا.
إلى من قالت لي ذات مرة إنني سوف أصبح كاتب روائي مشهور عندما قال لي الجميع إنني فاشل ولا أنفع بشيء.
أ/ عبير كامل
رحمك الله أمي الغالية "
يزداد إفراز هرمون الدوبامين في جسدي عندما أرى من يزال يتذكر أمي.
أمي محبوبة للغاية من طلابها، عندما كانت بالمشفى لم يمر يوم وإلا قام بزيارتها أحدهم.
أتذكر يوم جنازتها، لقد حضر الكثير، وبكى الكثير.
لم تكن أمي وحدي، بل أم الجميع.
كانت أمي تهتم بتعليم طلابها، تعطيهم دروسًا إضافية مجانية، بيتنا كان لا يخلى من الطلاب شعرت حينها إنني بمدرسة.
لم أكن أشعر بالغيرة بل كنت أشعر بالفخر بإنها محبوبة هكذا؛ منذ صِغري علمتني أمي أن الخير والحب هو ما سيبقى عندما يفنى الإنسان ويذهب إلى رب رحيم.
لم أفهم وقتها ما قالته بشكل صحيح؛ لكن الآن وبعد ما رأيت الجميع يبكي لأجلها، يدعو لأجلها، يكرمونني لأجلها؛ فهمت.
إنني أتجنب الذهاب إلى أماكن عمل طلاب أمي بسبب ما يفعلونه، إنهم يعطوني كل شيء دون مقابل.
لقد تقدم لي معظم طلابها عندما رحلت حتى بهتموا بي لكنني رفضت الجميع بالطبع، كان قلبي مازال متعلق بذلك الوغد.
حتى ذلك الكاتب يبعث لي جميع رواياته بدون مقابل لإنه يعلم حبي للقراءة كنا نتشارك هذه الهواية، كان يبقى لدينا طوال النهار كنت أطلق عليه "سارق التوت" لأنه يسرق التوت من الشجرة الحديقة على الرغم من محاولات أمي بأقناعي إنه ليس بسارق لأنها تعلم بالفعل بشأن التوت لكن لم أقتنع بذلك فقد كان يتسلق الشجرة كاللصوص.
تبًا! إنه من يكتب الرسائل فهو صديق مراد كذلك.
كيف لي أن لا ألحظ ذلك؟
حسنًا لا يهم، بدأت قراءة الرواية الرائعة باستمتاع أثناء سماعي حركة الفتيات بالخارج.
آه كم كنت اشتاق لوجود شخص آخر معي بالمنزل، وصدوح الأصوات من حولي غير صوت هاتفي أو تلفازي الذي يظل يعمل طوال اليوم حتى أشعر أنني لستُ بمفردي، وهناك صوت آخر غير صوتي
_____________________________𓂀
(بعد مرور شهر)
دلفت إلى مكتب عامر خطوات مسرعة حتى أرى ماذا يريد ثم أعود للفتيات من جديد، تبًا إنهن يخرجنني عن شعوري، إنهن كسولات بشكل غير مصدق، يتعاملن مع المصنع وكأنه من أملاك أبيهم.
يا الله، نحن نأتي متأخرين ساعة عن العمل يوميًا، وعامر يتجاهل ذلك وكأن العمل بالمصنع آخر همه.
كل شيء هنا مريب بشكل غريب، لا أعلم ماذا يدور هنا لكن هناك شعور داخلي يقول إن هناك شيء غير مريح بالمكان.
الرجال أشعر وكأنهم رجال عصابات، والفتيات يبدو وكأنهن تم اختيارهن بعناية، جميعن ليس لديهن أهل أو هاربات بسبب مصيبة ما.
تبًا ماليكا يجب أن تتوقفي عن قراءة روايات الجريمة لقد سلبت عقلك.
- ما تقعدي يا بنتي هتتكلمي وإنتِ واقفة.
قالها عامر وهو يشير ناحية المقعد أمام المكتب الخاص به، خرجت عن شرودي بعدما هززت رأسي وكأنني أضبط تتردد الأرسال لثبات البث حتى أراه من خلال مقلتيَّ بوضوح وجلست.
- أنا هطلب منك طلب بس متفهمنيش غلط.
قالها عامر بنبرة هادئة وهو يفتح قداحته ويغلقها بطريقة متوترة مما يجعلها تصدر صوتًا عاليًا يشعرني باستفزاز أخفيته وراء ابتسامة صغيرة مطمئنة له كي يكمل حديثه:
- أنا من وقت ما شوفتك وحاسس بمشاعر غريبة، تقريبًا كده يا ماليكا أنا بحبك.
قالها بنبرة متوترة بعدما رفع ذقنه للأعلى للبحث عن هواء ثم تنهد بعمق.
لم أتفاجئ فهو يحاول التقرب مني وفتح باب للحديث بيننا أغلقه بوجهه منذ عملي هنا بالمصنع، أنا لا أسمح باقتراب الرجال منّي.
- بصراحة أنا عايز ارتبط بيكِ.
- أنا مليش في الحورات دي، لا رسمي لا بلاش.
قاتها بنبرة جامدة تعقيبًا على حديثة السابق بعدما تحفز جسدي ونهضت من مقعدي في نية للخروج، فوقف عامر وقال مسرعًا بعدما مد يده في الهواء ليوقفني:
- مين قال إننا كده مش هنبقى مخطوبين يعتبر مخطوبين.
- إنت شايفني عيلة في ثانوي؟
قلتها وأنا أعقد ساعديَّ أمامي بعدما أخرجت صوت ساخر من فمي ونظرت له نظرة أخبره بها أنني لستُ غبية.
تنهد عامر بعمق بعدها قال بنبرة جدية:
- من الواضح إنك فهمتيني غلط علشان أنا راجل محترم ومش بتاع حوارات، أنا مقولتش إني مش جي أتقدملك، أنا بطلب منك فترة تعارف بس لحد ما أظبط حالي وأجي أكتب الكتاب علطول، بلاش نسميها مرتبطين خليها أصدقاء.
هممت برفض ما قاله لكن ضرب برأسي مراد، إذا تقدم لي عامر ما الذي سوف يفعله؟
ماذا إذا كان عامر شخص سئ؟
إذا تمت خطبتي على عامر بخير وتركته سوف يسخر مني.
يسخر من أختياراتي، سوف ينعتني بالفاشلة.
سوف يجعلني أعود للمنزل، وربما يجعلني أعود له بعد مهاتفة أعمامي.
أنا ليس لدي طاقة لمحاربة كل ذلك والوقوف أمام الجميع، فأنا مرهقة .. متعبة .. مبعثرة.
يجب أن أعلم أكثر عن عامر قبل خطبته.
〈 البدايات التي لا ترضي الله نهايتها لن ترضيك 〉
- ماليكا.. إنتِ روحتي فين.
خرجت من شرودي على صوت عامر الحائر فحركت رأسي بهدوء بعدما تنهدت بعمق ومسحت وجهي وقلت بنبرة حاولت أن تخرج ثابتة:
- تمام خلينا أصدقاء مؤقتًا لكن أكيد في حدود بنّا.
〈 أنتِ كبرتِ دلوقتي مبقاش ينفع إنتِ ومراد تفضلوا أصحاب، مفيش صحوبية بين ولد وبنت 〉
تهللت أسارير عامر وشقت ابتسامة واسعة ملامحه الهادئة أظهرت أسنانه وقال بسعادة:
- أكيد، أنا مبسوط جدًا بموفقتك، أن شاء نكون لبعض.
- بعد إذنك لازم ألحق البنات.
قلتها بابتسامة مصطنعة وأنا أهرب من أمامه للخارج بخطي واسعة، دلفت للمرحاض على الفور، أشعر بنبضات قلبي ترتفع، الأفكار تعصف داخل رأسي وكأن تسونامي ضرب جمجتي بغتة وأغرق كل شيء داخله.
〈 حرمّها الله لأنها تؤلم القُلوب ماليكا 〉
حسنًا أمي، لن أفعل شيء خاطئ، لن أتحدث معه في الهاتف، لن أخرج معه بمفردي حتى تتم خطبتنا، سوف أتعامل معه كما كنت أتعامل مع مراد.
نعم، لن أفعل شيء خاطئ.
فتحت صنبور المياه ونثرت الماء على وجهي بعدها أغلقت الصنبور وحاولت تنظيم أنفاسي المتسارعة مع إغلاق قبضة يدي مع الشهيق وبسطها مع الزفير.
كررت الأمر حتى شعرت بالتحسن وركضت إلى الكاسولات بالخارج.
أعلم إنهن تركن العمل ليتناولن الإفطار للمرة التي لا يعلم عددها إلا الله.
____________________________𓂀
_ قولتلكم إن الموضوع مش صدفة، دي صورة البنت اللي اختفت من أسكندرية نفس الموصفات.
قالها ذلك المدعو أنس الجندي صانع المحتوى في أحد المقاطع وهو يظهر صورة الفتاة التي أختفت جانب باقي الفتيات، بعدها أغمض عينه ببطء فظهر الحزن على محياه قبل أن يفتح عينه ويقول:
_ أنا مش عارف أعمل حاجة غير نصيحة صغيرة، لو إنتِ بنت عيد ميلادك يوم ١٤ في الشهر متنزليش من بيتك، خليكِ محمية هناك أفضل.
- اخلصي يا ماليكا بقى الله، مش دي كاتبتك المفضلة.
قالتها نهى بتذمر لتقاطعني عن إكمال المقطع بعدما نفخت أوداجها بضيق من أجل اقناعي بالذهاب معها لعيد مولد الكاتبة شهد المُهيري.
فهي تقيم حفلة عيد مولدها ببيتها ودعت جميع من بالمجموعة الخاصة بها ونهى ترغب بالذهاب ليس لأن شهد كاتبتها المفضلة بل - ولا أعلم كيف حدث هذا- فهي في علاقة مع أحد أبناء عمومتها يدعى "تركي" وترغب في الذهاب لرؤيته.
زفرت بضيق وقلّبت عيني قبل أن أترك الهاتف فوق الكومود ونهضت من مجلسي بضيق، أنا اجتماعية لكن ليس إلى درجة الذهاب لحفل فتاة لا أعرفها، هذا غير شعوري بالحزن.. تبًا.
الفتيات الصغيرات يختفين؛ هناك قاتل متسلسل طليق.
أرتديت تنورة مصنوعة من الحرير بيضاء اللون بها نقاط سوداء على شكل جلد الفهد، قميص بلون النبيذ الغامق، وحِذاء جلدي أسود ضخم ذو رقبة عالية برباط أسود.
نظرت لحالي بتمعن قبل أن ابتسم بهدوء؛ أبدو أنثى بالكامل.
أخبرني مراد العديد من المرات أنه يشعر وكأنه يخطب صديقه الذكر بسبب ملابسي التي تتكون من بنطال واسع للغاية، قميص ذو رسومات واسع كذلك وطويل حيث لا يظهر مني شيء؛ لكنني لم أكن ألقي له بالًا.
أستطيع فعل الاثنين مراد، لكنك لم تعرف أبدًا كيف تتعامل معي.
تنهدت بعمق قبل أن أتحرك للخارج، من حسن حظي أن بعضًا من صديقاتي ذاهبات للحفل لذا لن يكون الأمر مملًا أو محرجًا بشدة.
بعد نصف ساعة توقفت السيارة التي طلبتها أمام منزل أو بالأحرى قصر الأميرة النائمة التي تقطن به شهد.
- مكنتش أعرف إن شهد بنت الملكة إليزابيث.
قالتها إحدى صديقاتي بمزاح ونحن نعبر من خلال بوابة المنزل، سمعت صوت شعبي تطلقة النساء المصرية خرج من فم نهى بعدها تمتمت بصوت وصل لي بسبب قربها مني حيث إنها تتعلق بذراعي:
- لا يا حبيبتي دي أثار، بايعين نص أثار البلد.
- مش لازم يكون شغلهم مشبوه يعني علشان تبقى غنية.
قلتها لنهى بنبرة مدافعة عن شهد خافتة حتى لا يصل للجميع، فاخرجت نهى صوت ساخر من فمها وقالت بصوت خفيض في أذني بنبرة جدية:
- بتكلم بجد دول من أشهر منظمات بيع الأثار.
توسعت حدقتي عيني وأنا أتجه للداخل بعدما أشار لنا شاب يرتدي ملابس سوداء لمكان الحفل، فظهرت أمامي لعبة مِزْلَقَةُ هوائية كبيرة الحجم ولعبة دائرية تستخدم للقفز فوقها "ترامبولين"، طاولة كبيرة موضوعة الهدايا فوقها وأخرى فوقها العديد من الحلوى والطعام، أشخاص يرتادوا أزياء كرتون "minions" ذو الشخصيات الصفراء الصغيرة التي تتحدث بلغة غريبة ويرتدوا بذلة الزرقاء من قماش الدنيم، ويرقصون دون موسيقى!
شعرت وكأنني بحفل ميلاد طفلة في الواحد والعشرين من عمرها.
رأتنا شهد التي ترتدي فستان أزرق غامق مثل فستان الشخصية الكرتونية "ميردا" فإنها تشبهها بحد كبير فهي صهباء، ركضت تجاهنا بابتسامة واسعة ثم ضمتنا كلًا على حدى بقوة شعرت بتكسير عظامي أسفلها ثم سحبتني من يدي تجاه الأخريات الجلسات على مقاعد يتثامرن وتصدح أصوات ضحكاتهن من الخارج.
شعرت بالارتياب وأنا أتحرك لأنضم لبقية الفتيات عندما مررت أمام إحدى الشخصيات التي ترتدي الأزياء الغريبة بسبب نظرة الدمية المرعبة وحركات جسدها البطيئة عندما تحركت رأس الدمية مع خطوتنا ببطء شديد مع تثبيتها لنظرتها تجاهّنا التي تبدو وكأن الشخص الذي داخلها قاتل متسلسل ما، وكان يرتدي زي الشرير من "المينيونز" بلونة البنفسجي والبذلة السوداء.
- فين ليو يا شهد.
قالتها الفتاة التي تدعى "آلاء" والتي سبق وتشاجر معها فارس بعدما جلسنا وتعارفنا على بعضنا البعض وساد جو من المرح بيننا، تجهم وجه شهد وقالت لها بنبرة مازحة وهي تضيق عيناها في مكر:
- شكلي أنا وإنتِ هنخسر بعض.
ضحك البعض بخفة على ما قالته بعدها ارتفعت ضحكات الجميع أكثر عندما أسارت ناحية الدمية المخيفة لتدل على أن ليونار هو الذي يرتديها، فقد كان يخيف الجميع، بعدها ابتعدت شهد لتستقبل فتيات قدمَت للتو.
أخبرت نهى آلاء أن شهد وليونار مرتبطين ببعضهم البعض فهي خرجت معهم ورأت كيف يتعاملون مع بعض، هذا غير ما تقوم شهد بنشره على مواقع التواصل فليونار يظهر بهم جميعًا.
في الواقع آلاء لم تكن تكن شيء إلى ليونار لكن نظراتها رفقة فتيات أخرى كانت مثبتة تجاه شاب آخر يدعى "خوفو" الذي كان يقف على بعد قليل منّا يرتدي بنطال أسود وقميص قطني بأكمام بنفس اللون ويقبع فوق كتفه طائر "عُقاب" ضخم بفرد جناحيه، حسنًا هو حقًا وسيم بملامحة الشرقية.
كانت نظرات خوفو موجه ناحية فتاة سمراء جميلة ترتدي فستان بلون الليمون وخِمار أبيض منقوش، تضع فوق عينها عِصابة أثناء لعبها رفقة العديد من الأطفال حيث تحاول إمساكهم مع ارتفاع ضحكاتهم جميعًا.
رمشت بأهدابي عدة مرات بسبب دهشتي، أعلم هذه الفتاة، إنه تدعى "ريحان" كانت من طالبات أمي وتسكن في مكان قريب من منزلي، وهي كذلك معلمة الروضة التي يدرس بها "فريد" حفيد خالتي عزة من ابنها ماهر، إنه يحبها بشدة يتحدث عنها طوال الوقت.
- تسابقني العيونُ إليك جَريا
أقول : تمهَّلي ! وتقولُ : هيَّا.
قالها ليونار بصوت عالٍ بعدما خلع غطاء رأسه وهو ينظر تجاه خوفو فصدحت ضحكات فارس الذي وقف جانبه يرتدي مثله وأكمل بيت الشعر المقتبس:
- وما أدري أعيني من عصَتْني
أمَ أني كنتُ يا عيني العصيَّا.
اقترب الاثنين من خوفو الذي نظر لهم وكأنه على وشك خنقهم بين قبضتي يده، فتظاهر فارس إنه يرتدي سماعة طبية عن طريق إمساك شيء وهمي ورفع يديه الاثنين ناحية أذنه ليضعه بها بعدها أنزل يده وأمسك السماعة الوهمية ووضع أصابعه فوق موضع قلب خوفو، بعدها بدأ جسد فارس بالتحرك للخلف والأمام كأن دقات القلب تهزه قبل أن يترنح فجأة للخلف اندفاع ووقعه بين ذراعيّ ليونار الذي تلقفه قبل أن يسقط بعدما أصدر ليونار صوت انفجار عاليًا من فمه وكأن هناك قنبلة وهمية انفجرت بداخل صدر خوفو.
نظر الجميع ناحيتهم بسبب ما حدث فنظر لهم خوفو والشياطين تتراقص بمقلتيه أثناء إنزاله يده ناحية بنطالة وفكه لحِزامه بهدوء، فركض الاثنين بعيدًا بسرعة بعدما أمسك فارس كف ليونار يجره خلفه، فلحق بهم خوفو وصدح صوت صرخاتهم ممتزجة بصوت الطائر الذي طار خلف صاحبه.
- هما دول البنات اللي بيشتموني في الكومنتات، سيبوني عليهم.
قالتها فتاة دلفت للتو بنفعال صارخ وهي تندفع بجسدها كالرصاصة تجاه الفتيات بطريقة لا تبشر بالخير فعادت نظرات الجميع لها بعدما كانت محلقة خلف الاثنين، امسكت بها "عاليا" زوجة عبد الرحمن من خصرها لتمنعها من الانقاض عليهم.
لم أكن أفهم ما فعله الفتيات معها حتى لاحظت ملامحها التي تشبه وصف الشخصية المتلاعبة برواية شهد، شعر أسود قصير ذو خصلة بيضاء بمنتصف غرتها، عيون سوداء واسعة، بيضاء البشرة.
- سيبوني خلاص هسامحهم عشان هما ضيوف .. بس اللي هتشتمني تاني.
قالتها الفتاة التي علمت إنها تُدعى "جميلة" بنبرة هادئة ثم تحولت إلي نبرة تهديد وهي ترفع إصبع سبابتها بتوعد وهي تبتر عبارتها أثناء نظرتها لهم نظرة مخيفة، بعدها أنفرجت شفتاها عن ابتسامة واسعة بعدما خُطفت أنظارها ناحية طاولة الهدايا حيث وقف المدعو "باسل" يضع هديته فوق الطاولة رفقة الباقي بعدها ارتدي فوق وجهه القناع الأزرق مثل الجميع.
- عليا الطلاق مربة فراولة، يا ويلي من عيونه .. دي عيون ولا أعاصير.
قالتها الفتاة التي تدعى جميلة بطريقة فجّة تشبه الشباب جعلت عيوني تتوسع في محجريهما وهي تنظر ناحية باسل الذي تحرك وهو يرقص على أغاني وهمية في رأسه بعيدًا عنًا.
- لما عمي صالح يجي صفريلي.
وجهتها جميلة إلى عاليا وهي تركض في الأتجاه الذي ذهب به باسل بعدها اعتذرت شهد من الجميع وأخبرتهم إنها تمزح فقط.
- العاقل الوحيد في ولاد عمي هو نيلان، قولتلكم يا جماعة شخصية ولاد معي مش زي رواياتي.
قالتها شهد بنبرة ضاحكة عندما أحتلت الدهشة ملامح بعض الفتيات التي نظرن إلى خوفو الذي عاد من جديد يتراقص وهو يغني أغنية شعبية قديمة مع عبد الرحمن الذي خرج للتو من المنزل.
خطى عبد الرحمن ناحيتنا وهو يحمل في يده طبق به بعض الشطائر وأعطاها إلى زوجته دون أن ينظر لنا لكن قبل أن يذهب من جديد أوقفته الفتيات وشكرته على ما يقدمه ثم سألن البعض منهن على عدة أشياء.
- ماليكا؟! .. ماليكا سعد الدين صح؟
قالها عبدالرحمن بعدما نظر تجاهي نظرة عابرة وهو يشير ناحيتي بتساؤل فحركت رأسي بالإيجاب، وشعرت بالارتياب من نظرات زوجته التي ضيقت عينيها ونظرت لي بتفحص وانتفخت أوداجها عندما تقدم عبد الرحمن مني لكن ملامحها هدأت عندما صفق لي بابتسامة واسعة ثم قال:
- عاش يا بطل.
لماذا صار الجو حار فجأة؟
شعرت بالخجل الشديد واشتعال وجنتي لكن حمدًا لله أنني لست من الفتيات التي تحمر وجنتاها عندما تخجل، تبقى بشرتي حِنطية كما هي.
- اعتزلتِ ليه؟
قالها عبد الرحمن بعد أن تبادلنا السلام بود، ابتسمت بهدوء بعدها شرحت له إنه لم يكن حُلمي منذ البداية فقد كان حلم أبي وحققته وعندما وصلت لنهاية الطريق برز سؤال في رأسي.
ماذا بعد؟
كان الأمر أشبه عندما تظل طوال حياتك تحلم بتسلق جبل أفرست وتظل تتدرب وتتدرب حتى تفعلها وعندما تصل إلى القمة وقد حققت هدفك الذي طالما سعيت من أجله، تشعر بالخواء.
ماذا بعد؟
جلست مع حالي في مرحلة التعافي من الاكتئاب وحاولت فهم شيء لم أكن أفكر به من قبل.
ماذا تريد ماليكا؟
ماذا تحب ماليكا؟
صدقًا لم أصل لذلك بعد لكنني أجرب العديد من الأشياء حتى أصل لشغفي الحقيقي.
- وإنت اعتزلت ليه مطلعش شغفك؟
قلتها له بنبرة مازحة قليلًا ببسمة هادئة، تحركت ما يطلق عليها تفاحة آدم بمنتصف عنقه دليلًا على ابتلاع الغصة في حلقة وقال بابتسامة حاول جعلها هادئة لكن الحزن تراقص بها كفنان يتمايل جسده بإبداع على إيقاع أوتار الألم:
- الملاكمة بتجري في دمي مقدرش أبعد عنها، دلوقتي بدرب أختي "وعد" هتدخل البطولة قريب إن شاء الله.
- وعد الألفي أختك؟!
قلتها بتساؤل بنبرة مندهشة فهذه الفتاة بارعة بحق أنا من مشجعيها، حرك رأسه بهدوء قبل أن تقاطعنا عاليا زوجته بقول وهي تشير ناحية المزلقة:
- أنا عايزة اتزحلق ما تشيلني أنا مش قادرة الحمل تاعبني.
أخرج عبد الرحمن صوت ساخر من فمه وهو ينظر لها بعدما رفع حاجبه للأعلى بعدها قال بها بقلة حيلة وهي يضم أصابعه مع بعض مع تحريك يده:
- إتقي الله.
- ما تشيلها يالا وإنت ساكت ولا عايز تتعلق.
قالها عم شهد (قاسم) الذي جاء للتو يمشي جانب أبيها وهو يحمل بيديه زهور زرقاء زاهية من نوع "أغابانثوس" أو ما يطلق عليها زهرة الحب ومد يده لها وهو يغني بمرح:
- شهودة ياولا أهي جاتلك ياولا .. لعبيه ياولا وشقيه ياولا.
أخذت منه شهد الزهور وهي تتراقص بجزعها العلوي بطريقة مرحة والسعادة تتراقص بمقلتيها، بعدها قال لها بمشاكسة:
- اليوم هو الذكرى الحادية والعشرون من اِصابتى بالجنون، فمنذ أن وقع بَصري عليكِ سُلب عقلي.
وضعت شهد يدها على جبهتها بخجل أثناء صدوح صَوت تهليل وصفير وتصفيق من جميع الشباب في الخلف.
- بحبك اوي.
قالتها شهد بنبرة محببة إلى عمها فمرر أبيها نظراته بينها وبين أخيه وعقد ساعديه أمامه بعدما تجهم وجهه وقال بتذمر:
- وأنا؟!
- إنت حبيبي.
قالتها شهد وهي تقبل وجنته بعدما ضحكت بخفة فتهللت أسارير أبيها وانبسطت ملامحه بعدها ذهب تجاه ليونار الذي وقف على بعد قليل منّا ووضع ذراعه حول كتفه بطريقة مريبة فنظر له ليونار بتحفز قلق قبل أن يتبادلوا أطراف الحديث، الذي ظهر به ليونار وكأنه يلقنه شيء ما.
عاد أبيها من جديد بعدما ربت على كتف ليونار وأخرج زهرة بيضاء من جيب حِلته واقترب منها وهندم ثيابه وقال بهدوء:
- اليوم هو الذكرى الحادية العشرون من اِستشهاد قلبي، فمنذ وقع بصري عليكِ انفجر من شدة الخفق.
- مقهـوريــن من الملك.
قالها عمها قاسم لأبيها وهو يعدل من جاكيت حِلته بغرور مصطنع بعدما هلل جميع الشباب على ما قاله أبيها، فضحك الجميع على ما يحدث بينهم وعلى غيرة أبيها الواضحة.
_ فــــار.
صرخت بها إحدى الفتيات بذعر وهي تقفز فوق المقعد الذي كانت تجلس فوقه وهي تشير ناحية فأر أبيض يقبع جانب قدم الطاولة ينظر للجميع بخوف فانتشر الهرج بين جميع الفتيات وصدحت الصرخات من أفواههن مع ركض البعض ووقوف البعض فوق المقاعد.
- ريــري مش أنا قولتلك متنزليش من جيب بابا ها ... كده خوفتي البنات، قولي sorry يلا.
قالها أحد الشباب غريبي الأطوار من أبناء عمومة شهد بعدما أمسك بالفأر ووضعه فوق كفه ورفع إصبعه له بتهديد أثناء الحديث وكأنه يُلقن أبنه درس ما.
هدأت صرخات الفتيات بعد أن ابتعد بعدما أخبرنا بأعتذار للفأرة وما لبثت الفتيات الهبوط من فوق المقاعد حتى أرتفعت الصرخات بحدة أكثر مع توسع أعين الجميع مما شاهدن.
كان يخطوا تجاهنا شاب أسمر البشرة ذو شعر مجعد طويل نسبيًا علمت فيما بعد إنه يُدعى "يعقوب"، ويخطو حزوه نمر أبيض كبير الحجم، لكنه توقف في منتصف الطريق وركض للناحية الأخرى بعدما أخرج المدعو صالح سلاحًا من ملابسه وركض خلفه وهو يطلق عليه النيران، مما أدي لارتجاف الفتيات من الصوت ومن ما يحدث!
إنه يطلق عليه الرصاصات!!
- محدش يخاف يا بنات دي نمرة أليفة.
قالها ليونار بهدوء بعدما صدحت صرخات الفتيات من جديد حيث تقدم النمر ناحيتنا ووقف جانب ليونار بعدما ركض يعقوب بعيدًا عنه وهو يداعب جسده بهدوء.
كيف يمكن أن يكون النمر أليفً؟
تبًا، هل دلفت لمشفى أمراض عقلية أم ماذا؟
- بلقيس سَلّمي على شهد قوليلها كل سنة وإنتِ طيبة.
قالها ليونار بعدما اقترب من شهد وهو يشير للنمرة تجاهها فرفعت بلقيس ذراعها تجاه شهد التي مدت يدها وسلّمت عليها بحبور.
هدأ الوضع قليلًا وعادت الفتيات من جديد جلسن على مقاعدهن لكن بتحفز ممتزج بارتياب.
- حد عايز يتصور مع بلقيس.
قالتها شهد بحماس وهي تنظر لنا بابتسامة واسعة، وقفت ثلاثة فتيات ليلتقطن الصور مع النمرة فانتشرت الضحكات من جديد على آلاء التي كانت ترتجف وهي تقف جانب بلقيس حتى تلتقط معها صورة قبل أن يذهب ليونار ويأخذها معه.
لا أعلم حقًا كيف تعاملت شهد مع هذا الموقف ببساطة، ولم تشعر بالخجل أو برغبة في شق الأرض وابتلاعها بسبب عائلتها الغريبة، لو كنت محلها لفعلت ذلك لكن لم يظهر أي ضيق بعينها بل كانت تنظر لهم بسعادة.
- ما تخلي عند أهلك دم وتزحلقني، إنت مش شايفني حامل ومش قادرة أتحرك، أعملك حاجة بعضلاتك دي شوية.
قالتها عاليا لزوجها عبد الرحمن بصراخ وهي تضربه بعنف في صدره بقبضة يدها، ضحك عبد الرحمن بخفة قبل أن يتنهد بعمق وحملها وصعد بها الزلاقة الهوائية، ثم تجمد في موضعة وسقط فكه عندما وصل للأعلى ونزلت عاليا من فوق ظهره ثم قامت بعدة قفزات عالية مارحة قبل أن تنزلق للأسفل.
- تاني.
قالتها عاليا بصوت عالٍ ليصل لزوجها بالأعلى بعدما أمسكت ظهرها بتعب، رفع عبد الرحمن يده للأعلى في تضرع إلى الله قبل أن يمسح وجهه ثم ينزلق ويحملها ويصعد بها من جديد.
- جدي المُهيري بيقول اتخلقت النساء علشان تدلع، تعالىٰ أدلعَك.
قالها هارون والد شهد بعدما حمل زوجته فريدة وأتجه بها ناحية الزلاقة ليصعد بها ويلعب معاها، فقال ليونار الذي عاد من جديد بعدما تجهم وجهه وتشنجت شفته العلوية.
- يا إلهي ليتني أصبت بالصمم، لقد طَعَن شِعار العائلة حتى خارت قواه وسَقط قتيلًا .. سحقًا!
____________________ 𓂀
بعد نصف ساعة عادت الفتاة المدعوة جميلة وجلست سريعًا جانب عاليا التي جلست متعبة بعد فرغها من اللعب، أنزلت جميلة أكمام فستانها القشدي الرقيق بعدما كانت ترفعهم لمنتصف مرفقها ثم هندمت شعرها المبعثر ونظرت ورائها بقلق حيث دلف رجل تتخلل الخصلات البيضاء شعر رأسه يمشي بوقار وجانبه ثلاث نساء واحدة كبيرة تبدو في العقد الخامس أو السادس واثنتين قريبات من سني.
علمت أنه أبيها حيث يتقارب الشبه بينه وبين أخيه صالح، لكنه غير مريح نفسيًا نظرته بها شيء مُرهب للقلوب على عكس أخيه.
تقدم رائف الذي دلف معهم بسرعة ناحيتنا ووقف أمام عاليا وأعطاها القردة المدعوة لوزة ثم بحركة خاطفة أخرج محرمة من جيبة وأعطاها إلى جميلة، فمسحت طلاء شفاهها النبيذي بعدما غطّى رائف الرؤية عن أبيها بجسده.
- مش قادر تأخره شوية.
تمتمت بها جميلة بصوت خفيض وصل لي بسبب جلوسي بالقرب منهم، فأخرج رائف (المامبا الحامي لأمها) صوت ساخر من فمه وقال:
- هأخره أكثر من كده، ده أنا قولتله بلبس لوزة كان هيعمل مني طاجن بامية، أنا عارف إن موتي هيكون بسببك
_ مش دي لوزة.
قالتها آلاء بمرح وهي تشير ناحية القردة، فضحكت شهد وأخذتها من عاليا أعطتها لها حتى تلعب معها بعد ذهاب رائف.
تقدم ليونار بعد نصف ساعة وهو يدفع طاولة بعجلات دائرية تقبع فوقها كعكة كبيرة الحجم بعدة أدوار دائرية مشكلة على هيئة كتب مُرتصة جانب بعضها البعض وكأنها مكتبة دائرية وفي القمة تجلس دمية تشبه شهد ممسكة بكتاب تقرأ به.
توقف ليونار ثم نظر لها بابتسامة واسعة قابلتها هي بشهقة مذهولة عندما وقع بصرها على الكعكة وعيون متأججة من الحماس.
- طيوري الأعزاء وعصافيري الأوفياء تحت رعاية أستاذنا الطاووس، اجتمعنا هنا لفرفشة النفوس وتجديد المعزّة والوداد لأخيكم العزيز أبو الفصاد.
قالها بطريقة عملية بنبرة ضاحكة وهو يشير ناحية شهد، بعدها رفع يده للأعلى كأشارة فدلف جميع الشباب من ورائه وبدأوا بالغناء مع بعضهم البعض.
- يا لا حالا بالا بالا هنوا أبو الفصاد
هيكون عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد
هنوا ابو الفصاد ..هيه.
بعد انتهاء الجميع من الغناء قفز من فوقهم بغتة شاب بحركة أكروباتيه بعدما كان يقف في الخلف علمت بعد ذلك إنه فارس، حيث إنه كان يرتدي زي هدهد بعدما بدل ما كان يرتديه بعدها بدأ الغناء مغيرًا صوته وهو يمثل كلمات الأغنية.
- وأنا الهدهد
وناوى على حبك أسير
يا أبو عقل ناصح حير ملايين
طول عمرك مأوح ويا الصيادين
اسمك سهل جدًا
على بق الأولاد
هنو ابو الفصاد .. هـيه
- يا لا حالا بالا بالا هنوا أبو الفصاد
هيكون عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد
هنوا ابو الفصاد.
قام بغنائها الجميع مع بعضهم البعض، مررت شهد نظراتها عليهم جميعًا والدموع تلمع في مقلتيها بسبب تأثرها مما يفعلونه من أجلها، ثم قالت لهم بشجن:
- أحبكم جميعًا أخوتي الأوغاد.
وضعت شهد الشموع في الكعكة حتى نحتفل معاها ثم شرعنا في الغناء لها قبل أن تُطفئ الشموع، وبعد ذلك تقدم منها المدعو نيلان وهو يحمل طنجرة كبيرة سوداء ملتف حولها شريط أحمر وقال لها:
- قاعد مع طنط أم عبد الرحمن من إمبارح بلف فيهم، كل سنة وإنتِ طيبة فيلي الصغير.
قالها بابتسامة واسعة وهو ينظر لها بحنان أب، فأخذت شهد منه الطنجرة وفتحتها ونظرت داخلها حيث تقبع لفافات من "ورق العنب" مرصوصة جانب بعضها البعض بتناغم، فبرقت عينها بوميض انبهار والسعادة تراقصت بمقلتيها كراقصة باليه محترفة قبل أن تشهق عاليًا.
- الله يا "باني" بحبك اوي، دي أحلى هدية جاتلي في حياتي.
قالتها بسرور وهي تحتضن الطنجرة بعدها أمسكت إحدى الفافات ووضعتها في فمها بتلذذ، فأخرج ليونار صوت ساخر من فمه بعدما نظر للكعكة الضخمة بجانبه.
- تبًا لكِ، للجحيم أنتِ ولنساء العائلة.
قالها ليونار بنبرة حانقة قبل أن يجلب صندوق هدايا وورود من مكان ما خلف الطاولة وحمل فارس صندوق هدايا خشبي كذلك لكن حدث شيء غريب، حيث أخذ صالح الورود من بين أصابع ليونار وأعطاها لفارس بعدما زجرة بنظرة متهكمة ثم ودفعه ناحية شهد التي تنشغل بالطنجرة الذي تقبع بين أصابعها.
أعطى فارس الهدية إلى شهد التي أخذتها منه بخجل ظهر على صفحة وجهها بعدما أحتل اللون الوردي وجنتها، ثم فتحت الصندوق وأخرجت منه مجموعة روايات لم تنزل السوق بعد لا أعلم كيف حصل عليها، ثم أخرجت خنجر ذو مقبض ونصل أسود اللون، مقبضه مُرصع بحجر أسود كبير بحواف ذهبية ورأس صقر فرعونية متمثلة في حورس ومنقوش كلمات بالهيروغليفي صغيرة على جانب النصل بالطول بيضاء اللون.
تبًا من الشخص الذي يجلب خنجر هدية إلى ابنه عمه؟
شعرت بشيء غريب بين نظرات أبيها وعماها، نظرات تتقلب بين التوجس والحذر والقلق وكأنهم ينتظروا شيء ما.
- حلو اوي بجد يا فارس، شكرًا.
ظهر الإحباط في أعين أبيها وعماها ثم ابتسم فارس بهدوء قبل أن يفسح المجال لليونار ليتقدم منها بابتسامة واسعة رسمها بعدما تلاشت ابتسامته بعدما حدث اثناء ترقبه ما سيحدث مثل الجميع، مد يده لها بالصندوق التي أخذتها منه بحماس طفل يفتح علبة لُعبة جلبتها له أمه ثم أخرجت حدوة حصان، نظرت شهد له سريعًا بعينين ملتمعتين.
- اسمه "برق" كل سنة وإنتِ طيبة صغيرتي المدللة.
قالها ليونار بنبرة محببة قبل أن يرتعد ويعود للوراء خطوة متعثرة بعدما أهتز جسده عندما نظر إلى أبيها هارون الذي توسعت عينه في محجريها وبرزت عروقه وشعرت وكأنه على وشك إخرج بخار من أذنه قبل أن يركضت خلف ليونار الذي سبقه وهو يصرخ:
- يا إلهي .. أنقذني .. صغيرتك أنت، سحقًا.
- صغيرة مين يابن نفرتاري القرعة .. حلق عليه يا خوفو.
قالها هارون إلى خوفو ليمسك بليونار الذي كان يركض ورائه حول الطاولة الخاصة بالهدايا، تقدم خوفو من الناحية الأخرى من الطاولة وحاصروه.
- يا إلهي أنت عار على المامبا.. أقتُلني عماه ليتني أتخلص منه.
قالها ليونار وهو يرفع ذراعيه في استسلام بعدما نظر تجاه نيلان الذي كان يأكل من لفافات ورق العنب بتلذذ وهو يشاهد ما يحدث بهدوء.
- بابا استني أشوف الحصان بعد كده أقتله.
قالتها شهد بسرعة قبل أن يمسك أبيها ليونار بنبرة متذمرة، نظر لها ليونار بتشنج.
- تبًا هل اطفأتم الشموع من دوني.
قالها رجل دلف للتو بلغة إنجليزية ذات لهجة وهو ينظر لهم بضيق ويرتكز على رشاش ضخم عن طريق مسكه لفوهته بينما هو يقبع بالأرض.
يتبع..
__________________
للتذكير: اللهم أعزني من شر نفسي والهمني من أمري رشدًا.
★ متنسوش التصويت (vote)
رأيكم في الفصل؟
تفاعلوا معايا علشان دي حاجة بتفرحني✨
شكرًا لكل البنات القمرات اللي بتعمل فوت🤍
كل المعلومات عن الأكتئاب والطاقة السلبية والتعامل مع القلق معلومات صحيحة بعد بحث استشارة معالج، بتمنى تساعدكم.
إلى اللقاء: أزال الله همومكم جميعًا.