الفصل الحـادي عـشـر
ومـن دون مقدمـات وجـدت نفسها هي من أسفـله .. هو من يطـل عليهـا بهيئتـه الشامخـة ..
كالعـادة عينـاه السوداء الحادة كسيـف مميت تختـرقهـا، وزفـرات الهواء الخشنـة تلفـح صفحة وجههـا الأبيض ..
لتغلق عيناهـا خشيةً من تلك النظـرات التي تهـدم أي ثبـات داخلهـا !!
تشكـل هجومًا عنيفًا على خصوصيتهـا في الثبات والأستقلال امامـه !!
بينمـا هي في دائـرة ذاك الأقتـراب الخطـر، وما يعنـي أن دقاتهـا تُبطئ بخوف رويدًا رويدًا !!!!!
قطـع ذاك الصمت صوتـه الأجش وهو يسألها :
_ كنتِ بتعملي إية ؟
رفـعت كتفيـها قليلاً تحاول إختلاف البرود :
_ كنت آآ كنت بس بجيب الهدوم المش نضيفة عشان داده فاطيمـا هي اللي طلبت مني، غير كدة والله مكنتش طلعت صدقني وبعدين انا مش مستغنية عن آآ ..
قاطعهـا بجدية خبيثة :
_ هشش افصلي شويـة، وبعدين حد قالك إن الهدوم عليا ولا إية ؟
همسـت ببلاهة :
_ أكيد لأ يعني
رفـع حاجبـه الأيسر يسألهـا :
_ امـال إية
مدت يدهـا تحاول دفعـه متابعة بتلعثم :
_ طب آآ ابعد بقا لو سمحـت
سألها بعبث :
_ ولو مابعدتش ؟
ولا تعرف ما جعلها تتحـداه بقولها :
_ هقـول لخالتو جميلة ودادة فاطيما، الصقر حابسني في اوضـة
كادت تنطـلق منه ضحكة خافتة على تلك الطفلة التي بين يديـه .. والان ادرك سبب انجـذاب الجميـع لها
روحهـا التي تأسرهـم بخيوط طيبتها وحنانهـا !!!
واجاب بجدية مصطنعة :
_ قولتلك أنا الصقر، مابخافش من اي حد غير اللي خلقني
اومـأت مسرعة بتوتر انتهى من افتراشه على ملامحها التي كانت هادئة :
_ طيب انت اصلا مفيش حد زيك، ممكن تبعد عشان لو حد شافنا هتحصل حاجة مش كويسة ابداً
مـط شفتيـه وهو يردف :
_ معنديش اي مشكلة عادي يعني هما متعودين على كدة
ووغـزة في قلبها جعلتها تسأله :
_ اية ده، يعني متعودين يدخلوا يلاقوك مع واحدة في اوضتك !!!؟
ولاحـت ذكـرى تقبيله للفتـاة جالبه معها " نكد " فطري للأنثى - المصرية - في اوقات التوتـر !!!!
اقتـرب اكثر ليداعب انفهـا بأنفه مشاكسًا :
_ وإنتِ مالك اتضايقتِ لية ؟
هـزت رأسها نافية :
_ لا خالص وانا مالي اصلاً
اقتـرب رويدًا رويدًا، وكاد يلتهم شفتاها فأبعدت رأسها على الفور لتتفاداه فارتكزت القبلة على رقبتهـا البيضـاء التي ظهرت أسفل حجابها !!!!
وشعـرت انه صـك ملكية لها إهانة ابدية !!
ثم دفعته بكامل قواها المختزنـة، وابتعد هو بأرادته فنهـضت وكادت تسير إلا انه اوقفهـا :
_ هو انا قولت لك تمشي ؟
أمـر جديـد يقيدهـا دون إرادتهـا .. قيـده كلمة منه !!!! ولكن كلمة ملغمة بالتهديد المعهود في نبراتـه ..
فألتفتت له متساءلة بخجل وضيق معًا :
_ نعم في حاجة تانـي ؟
غمـز لها بطرف عينـاه متابعًا :
_ ماخدتيش الهـدوم
ابتسمت نصف ابتسامة محرجـة من الأرتباك الذي فرض مقاليده على ذاكرتها فأنساها ما أتت له !!
ولأول مرة يبادلها الأبتسامة الهادئـة !!!!!
معجـزة ستدون في تاريخهما معًا
" الصقـر يبادلها الابتسامة ؟!!!!!! "
إلتفتت تأخذ الملابس مسرعة متلعثمة، لتسمع صوته الجاد وهو يدعك رأسه :
_ اعمليلي كوباية قهوة يا سيلا لو سمحتِ
اعترضت هادئة :
_ مينفعش قهوة على الريق كدة
هـز رأسـه نافيًا بنفس وتيرة الهدوء :
_ لأ انا مش لسة صاحي، صاحي من بدري بس كنت بشتغل وغفيـت في النوم
اومـأت موافقة :
_ حاضر
ثم إستدارت تغادر، تركتـه متعجبًا من حالة الهدوء تلك !!
والأعجـب " الصقر يبرر لشخصًا ؟؟!!!!! "
ضرب رأسه برفق هامسًا لنفسه :
_ في إية فوق من امتى وانت بتبرر تصرفاتك لحد !!!!
**********
دلـفت رقيـة إلى غرفتهـا بهدوء، إرهـاق يتلبسهـا من نومتهـا على الأريكة في المستشفى بجوار جدهـا ..
بالطـبع السبب إصرارهـا على البقاء..
لم تفعل شيئ وفجأة وجدت مجدي يضيئ النـور جالسًا على طرف الفـراش !!
نظـرت له بذهول للحظـات قبل أن تسألـه ببلاهة :
_ مجدي إنت هنا ؟
سـؤالها بالرغـم من سذاجتـه، إلا انه وصلـه مرافقًا بالصدمة وعدم الرغبة !!!
فنهـض يقول بسخرية :
_ أية مكنتيش متوقعة أني اجي ولا أية ؟
ونفسهـا الثائـرة الغاضبة ...
كرامتهـا كزوجة وانثى عاشقـة، هي من نطقـت بحـروف كستها بالحدة والسخرية :
_ اه مكنتش متوقعة ولا عايزة اصلاً
طحظت عيناه بصدمة فلم تعطيه فرصو للرد وقالـت :
_ اصل عرفت ان صباحيتك النهاردة صح مبروك
للحظـة كان سيتهاون أمام الحزن الذي قرأه بين سطـور عيناها ...
سينسى كالعادة ويتغاضى ليأخذهـا في رحلة جديدة من العشق يعلمها فيها حروف الأبجدية !!
ولكـن كلمات والدته تـرن في اذنيه كأجراس تأمره ببدء الحرب واخذ الثأر !!
فبادلها بنظرات قاسية وهو يردف مزمجرًا :
_ انا حر اجي وقت ما اجي عشان اشوف مراتي، واه كانت صباحيتي عاجبك ولا مش عاجبـك ؟!
لا تصـدق ذاك الجبـروت والبـرود الذي يضعهم امامها كغـلاف لعيناه المبررة !!!!!
ولكنها الاخرى اومأت ببرود :
_ اه مش عاجبني، وبعدين خلاص مبقاش من حقـك
واصطنـع عدم فهم مغزى عبارتهـا الذي كان يظهر بكل وضوح وهو يسألها :
_ يعني أية ؟
رفعـت كتفيها مجيبة ببرود :
_ مش معقول الحاجة الوالدة ماقالتلكش ولا اية، تؤ تؤ ماتقوليش انها اتكرمت وكانت بتحافظ على بيت ابنها اللي هي عايزه تخربه اصلاً
كـز على أسنانه بغيظ وقال محذرًا :
_ رقية أعرفي لكلامك عشان مش همسك أعصابي اكتر من كدة
وجـدتهـا كحلقـة امامهـا مفتوحـة لتدلف فيها لتحرقه اكثر كما احترقت هي
ولكنها لم تلحـظ أنها من الممكن أن تُحرق هي، وصاحت فيه مشيرة :
_ لا مش هراعي، مش هراعي ومش هعرف لكلامي زي ما انت ماراعتش شعوري لما روحت اتجوزت عشان تخلف، ماراعتش أن انا كمان اكيد نفسي اخلف، ماراعتش أن كل ده بسببك اصلاً انت بس، أنت اللي حرمتنا إحنا الاتنين من الحق ده
إتسعـت حدقتـا بصدمة !!!!!
توقـع جرحهـا وحزنهـا منه، ولكن لم يتوقع ذاك العمق الذي يجعلها تُسبب الاسبـاب بشكل خاطئ - من وجهة نظره -
فسألها هامسًا بصدمة :
_ أنا السبب !!! اللي يشوفك يقول إن انا فضلت اصلي وادعي ان ربنا يجعلك مابتخلفيش ؟!
وهي الاخـرى لم تصـدق ما قالتـه .. تركـت لجـام غضبها قليلاً فكادت تحرق نفسها بهذا الغضب قبله !!!!
ويا ويلها أن علم أنها تأخذ - مانع للحمل - بأستمرار !!!!!!؟
هـزت رأسها نافية بيأس :
_ خلاص على العموم الكلام مابقاش ينفـع يا مجدي
تغاضى عن كلامهـا وهو يسألها بغضب اعمـى لإهانة والدتـه :
_ ثم أنك ازاي تعملي مع امي كدة، وهي في بيتك كمان ؟!
اجابته دون تردد بحماقة :
_ وأنت كنت عايزني اعمل اية، ده كويس جدًا إن معملتش اكتر من كدة كمان
وعندمـا تتكاثـر الصدمة عليك في شخصًا كنت تعتقـده شيئً كامل ما به سوى ثقوب صغيرة !!!
وتتفاجئ أن تلك الثقـوب اصبحـت حفـرة واسعة .. وجدًا !!
تزداد رغبتك في حرق ذاك العشق لتظهر رائحته إن كان له رائحة !!!!
أشار لها بيده مذهولاً :
_ يعني إنتِ بتقولي ادامي عادي ومش هامك أن دي امي ؟!
اومـأت بكل بـرود :
_ ايوة لان انا مغلطتش كنت باخد حقي
وكلاً منهم يرى من قالب معيـن ..
هي لم تهيـن والدته من الأسـاس
وهو يراها تتفاخـر بإهانة والدتـه امامه !!!
وعُقـد لسانه فلم يجـد سوى الصفعة ردًا على إهانة تردد صداها عليه هو !!!
ولم تجد هي سوى الصراخ في وجهه باهتيـاج :
_ طلقني يا مجدي، طلقني انا مستحيل اعيش معاك
اومـأ بأنفعال :
_ هطلقك يا رقية لإن انا مابقتش عايز واحدة بتهين امي ومابتخجلش من غلطها !!!!!!!!!
*********
ركـض ياسيـن لسيارتـه منطلقـــًا لدار الأيتـام !!!
ألف فكرة وفكرة مخيفة وردت على عقله فجعلته يسـرع اكثـر كطيـر يرغب التحليق ليلحـق بما تبقى من الأمل !!
قلبـه يعتصـر بخـوف حقيقي، يعتصر بعصابة مميتة تشكلت على هيئة جملته السابقة للمرضة :
_ أقفلوا عليها الباب وأنا جاي
لعن لسانه في تلك اللحظة ..
يا ليتـه لم يخبرها بأغلاق ذاك البـاب !!
يا ليتـه لم ينطقهـا ويأسرهـا مع وحوشها الخيالية فلا تجـد من تختبئ خلفه
فتُفضل حافة الموت لتختفي خلفها ومـعها !!!!!
وصـل امام الدار فترجل من سيارته وقدماه تتحرك نحو الداخل تلقائيًا ..
وجـد سيارة الأسعاف امام الدار ..
فازداد قلقـه اضعافًا !!
دلـف ليجـدهم يحملـوها متجهين لسيارة الأسعـاف ..
ظل يمسح على شعره عدة مرات وهو يرى صفحـة وجهها الأبيض اصبحـت شاحبة كشحـوب الموتى ..
الدمـاء تغطي يدها اليمنى !!!!
وشفتاها الورديـة اصبحت كزهرة ذبلت !!!
شفتاها فقط ..
اصبحـت هي شخصيًا زهـرة لم تجـد حارسـها فاختارت الذبـلان طريقًا إجباريًا !!!!!!!؟
واللوم لنفسه لا يتركه فيلتف حوله كسلاسل حديدية تخنقـه ..
اتجه لسيارة الأسعاف، فسأل الطبيب بوجه واجم :
_ هينفع أركب معاهـا ؟
سأله بهدوء :
_ بصفتك ؟
اجابه بأسف :
_ الدكتور النفسي بتاعها، بس ضروري أكون معاها
اومـأ الاخر مشيرًا لها :
_ طيب يلا بسرعة عشات بتنزف
استقـل السيـارة معهم وتلقائيًا امسـك يدهـا، وهو جالس لجوارها يهمس بأسمها بحزن وضيق :
_ نادين، أنا اســف
ولكن بالطـبع لا من مجـيب، سمـع فقط همسـه صدرت بصعوبة :
_ ســ سلـيم !!!!!
بالـرغم من صدمتـه .. من تعجبه وأندهاشـه، إلا ان جزءً من الاطمئنـان طاف بخلده، على الاقل هي بخير الان !!!!
مـاذا عسـاه أن يفعل ؟!!
اخـرج بهاتـفه ليتصل بتلك الممرضـة، والتي اجابته بسرعة :
_ ايوة يا دكتور ياسين ؟
_ مين سليم اللي بتقول أسمه ؟
_ اخوهـا يا دكتور
_ اخوها ازاي ؟!!!!
_ اللي جابها هنا يعني قصدي
_ على العموم مش وقته، أتصلي بيه وعرفيه اللي حصل خليه يجي على المستشفى
_ على اي حال هو هيعرف لأنه صاحب الدار، لكن حاضر هاتصل بيه حالاً
_ سلام
_ مع السلامـة
اغلـق الهاتـف وهو يتنهـد بقوة ..
يسأل نفسه بحيـرة لمَ شعـر بفتيـل حارق داخله يشتعل من همستها تلك ؟؟؟!!!!!
**********
جـلـس سليـم مع جميلة في مربـع اسرارها - حديقة المنزل الواسعـة - يرتشـف القهـوة بهدوء في الهواء الطـلق ..
عله يفـرغ عقلـه من تساؤلات كثيرة متشابكة بعقله لا تتركـه !!!
نظـر لخالته التي كان حالهـا لا يختلف عن حاله كثيرًا وقال بهدوء :
_ بقولك إية يا خالة
حانـت منها إلتفاتـه منتبهة، ليسألها :
_ متعرفيش داريـن هنا في الأقصـر ولا لا
رفعـت كتفيهـا مجيبـة بلامبالاة :
_ لا والله معرفش، ده انا حتى مابكلمش امها بقالي شوية كدة
عقد ما بين حاجبيه بسخرية غير مقصودة :
_ لية يا خالة مش دي اختك وبنت اختك الأمورة اللي دبستيني في خطوبتها
قهقهت جميلة متابعة :
_ لا صدقني يا سليم البنت مش وحشة، هي بس محتاجة شوية تظبيط وانا متأكدة أنك انت اللي هتعمل كدة
اومـأ بغرور لا يصطنـعه ..
كلامـها يشبـع غزيرتـه الرجولية الحادة المتكبـرة !!!
وإرتشـف من القهوة قائلاً :
_ اه طبعاً هو انا اي حد، ده انا سليم الصقر
ووجدت حنينها لأستسلامه هو من يسأله :
_ لأمتى يا سليم ؟
إلتفت لها بهدوء :
_ لأمتى اية ؟
اكملت بتنهيدة :
_ لأمتى هتفضل تقـول سليم الصقر، إنت مش سليم الصقر، ليك اسم عيلة يا حبيبي
عائـلة !!!!
كلمة وضـع عليها - غبارًا - من النسيـان عن عمـد !!
كلمة كرهها حرفيًا ولم يعد يريد حتى تدخلها ولو بلفظ في حياته !!
وأردف بعنـف وهو يترك قهوتـه :
_ لأ يا خالة، اسمي سليم الصقر بس، وأن كنتِ بتحبيني فعلاً ماتجبيش السيرة دي ادامي تاني
وكالعـادة كادت تعتـرض، ولكن قاطعتهـا رنات هاتـف سليم
التي وكأنها شعرت بدقاتـه التي كادت تتوقف من كثرة الأنفعـال !!!!
ليجيـب سليـم بجدية :
_ الوو نعم
وحدق امامه وهو ينهض :
_ نعممممم، انا جاي حالاً
واغلـق الهـاتف ليهـرع لغرفته ركضًا لتبديل ملابسـه والاتجـاه للمستشفى دون ان يشرح حتى لخالته التي سألته بقلق !!!!
***********
أمـام المنـزل .. بمسافـة متوسطـة الى حدًا ما، كـانا رجـلان ملثمـان، ذوي عضلات مفتولة وملابـس سـوداء توازي حلكـة قلوبهـم الخاضعة تحت حـب الأموال وطاعة من يعطيها لهم !!!
رفـع احدهم الهاتف يجيب :
_ ايوة يا باشـا
_ انتوا فين، وشوفتوه ولا لا
_ اهوو خارج ادامي يا باشـا
قالها وهو يراقـب بعينـاه سليم الذي خرج لتوه من المنزل مسرعًا فأمره الاخر :
_ تدخلوا براحة وبدون مشاكل محدش يحس بيكـم
فتابـع الاخر مؤكدًا :
_ حاضـر يا باشـا حاضر
_ تخلصوا اللي امرتكم بيه وتمشوا علطول
_ اوامـرك
_ بس لو حد حس اوعوا تستسلموا ليه وخلصوا عليه هو كمان
_ اكيد يا باشا
_ خلص واديني خبر
_ حاضر يا باشـا تحت امرك
أغلـق الهـاتـف وهو ينظـر لصديقه هامسًا بخبث :
_ يلا يابني، قتلة تفوت ولا حد يموت !!!!!!
*********
يتــبـع