‏The Mafia Challenge

By prettyoneo

35.6K 2K 651

"لا تكوني ساذجة، إيلين. أنت تعرفين أنني لست الوحيد الذي يرغب فيك. هناك شخص آخر يشعر بنفس الشغف." "هل تقصد...؟... More

introduction
الفصل الأول "عشق محظور"
الفصل الثاني"الشاب من البحر"
الفصل الثالت "مسدس"
الفصل الرابع "تجمع خطير للعواطف"
الفصل الخامس "القدر"
الفصل السادس "سوف أجدك عاجلاً أم آجلاً"
الفصل السابع "خطيرة على القلوب"
الفصل الثامن "ملعونة"
الفضل التاسع "حبل أفكاري"
الفصل العاشر "أنا معك"
الفصل الحادي عشر "المنطقة المحظورة"
الفصل الثاني عشر "جميلتي"
الفصل الثالث عشر "محل ثقة"
الفصل الرابع عشر "أحمق"
الفصل الخامس عشر "عصابة الدم"
الفصل السادس عشر "شجار"
الفصل السابع عشر "لست أبنه"
الفصل الثامن عشر "موعد عشاء فاشل"
الفصل التاسع عشر "قرار غبي"
الفصل العشرين "باريس"
الفصل الواحد والعشرون "لعين"
الفصل الثاني والعشرون "إطلاق نار"
الفصل الثالث والعشرون "اسرار تتجاوز القوانين"
الفصل الرابع والعشرون "مجنون آخر"
الفصل الخامس والعشرون "الجميلة النائمة"
الفصل السادس والعشرون "كارثة"
الفصل السابع والعشرون "الحياة قطار سريع"
الفصل الثامن والعشرون "فاتنتي"
الفصل التاسع والعشرون "يريده ميتًا"
الفصل الثلاثون "التصادم بين المافيا والعواطف"
الفصل الواحد والثلاثون "بط صغير وحكاية غير مألوفة"
الفصل الثاني والثلاثون "الليل الوردي"
الفصل الثالث والثلاثون "لقاء تحت النجوم"
الفصل الرابع والثلاثون "الرصاصة والذئب"
الفصل الخامس والثلاثون "سطوة الحب"
الفصل السادس والثلاثون "لقاء في الظلام"
الفصل السابع والثلاثون "جروح الصداقة"
الفصل الثامن والثلاثون "مفاجآت قاتلة"
الفصل التاسع والثلاثون "لا يوجد مكان آمن"
الفصل الاربعون "كشف أسرار ليونيد"
الفصل الواحد والاربعون "الحقائق المشوشة"
الفصل الثاني والاربعون "عندما تتحول الحياة رأسًا على عقب"
الفصل الرابع والاربعون "غموض في البراد"

الفصل الثالث والاربعون "أنفاسٌ محجوزة"

397 23 5
By prettyoneo

"كانت الأنفاس تتلاشى في الهواء، محجوزة بين الألم والأمل، كأنها تنتظر الحرية لتتنفس من جديد."

جلست في زاوية الغرفة على كرسي متهالك، لم أختر الموقع بل أُجبرت عليه من قبل شاب ذو عيون بنية ساحرة، بشرته حنطية وشعره الأسود كالليل. يبدو أن العديد من الكدمات وآثار الضرب تغطي وجهه، وإحدى عينيه كانت متورمة قليلاً.

وجدته جالسا أمامي بتحديق يقربه من روحي، كأنه ينتظر شيئًا ما بصبر. يمسك بسيجارته منذ نصف ساعة، يطلق دخانه ببطء متجها نحوي، تلك النظرة في عينيه تأتي كاللهب المتلاعب بجسدي، لم يفارق وجهي بأنظاره منذ اللحظة التي وطأت فيها الغرفة.

"هل أنت على علم بأن آريس سيقضي عليك إذا شاهدك تفعل هذا؟" هكذا تحدث الشاب ذو العيون الزمردية والشعر الذهبي، وهو جالس على الكنبة، وجهه موجه نحو المعتوه الجالس أمامي.

الشاب ذو العيون البنية لم يهتم لتلك النظرات وظل يحافظ على اهتمامه بي. ثم جاء شاب آخر بعيون عسلية جميلة، ليرمي نظرة في اتجاهي ثم نحو الشاب الجالس أمامي.

الرجل الحنطي، ذو الوجه المثير للاشمئزاز، نظر إلي بتكبر ونفث الدخان بغضب. وتحدث الشاب ذو العيون العسلية قائلاً: "هل تعلم أن ليونيد لن يوافق على ما تقوم به، صحيح؟، مارك"، وكأنه ألقى اسم مارك بحقد من بين شفتيه.

"توقف، كايل"، همس مارك بصوته الهادئ.

"احتفظ بهذا الكلام حتى تلتقي بليونيد، عندها قل له كل ما تود قوله! قل له انك تريد التقرب منها" رد كايل بتأكيد.

"أنا لا أحاول التقرب من أحد، حتى إن كنت أفكر في ذلك! فليس لليونيد أي دور في هذا الأمر"، صاح مارك بغضب واقترب مني، وأمسك وجهي بقوة وجعلني أقترب منه.

"أنا قادر على فعل ما أشاء، هل تفهم ذلك؟" قال بصوت مكبوت وهو يضغط على وجهي بيده، وأغمضت عيناي بألم.

"لا تقترب منها!" صاح كايل ثم دفع مارك بعيدًا عني.

مارك نهض بقوة واقترب مني بعنف، ولكن كايل تصدى له ووقف أمامي ليمنعه من الاقتراب.

"لن تلمسها بأي شكل من الأشكال!" صاح كايل بغضب، ثم دفع مارك بقوة عندما حاول التقدم نحوي.

احتضنت ظهر كايل بكل قوتي، كالقطة الصغيرة التي تحتمي بين ذراعيها. كان هو الأمل الوحيد الذي بقي لديّ.

فجأة، انفتح باب الغرفة بقوة، وظهر آريس يدخل بسرعة، يليه ليونيد وماثيو الذي بدا وكأنه تعرض لضربة قوية على عينه.

ليونيد عقد حاجبيه ونظر بغضب نحو كايل، "ما الذي يجري هنا؟" قال بصوت مرتفع، واقترب منا وأبعدني عن كايل، وجعلني أقف بجانبه.

"كان مارك يزعجها، وأخبرته أنه لن يعجبك هذا، لكنه استمر، رأيت أنها تشعر بالضيق بسببه، فتدخلت"، تحدث كايل بثقة مفرطة في كلماته.

"لم يطلب أحد منك التدخل!" صرخ مارك مجددًا، هذا الولد لا يعرف سوى الصراخ.

"هل ما قاله كايل صحيح؟" توجه لمارك، كنت أحاول أن أستغل الفرصة لسحب نفسي والهروب، بدأ مارك في محاولة الدفاع عن نفسه أمام ليونيد.

وفي حين أن ليونيد رماه بعيون مشتعلة مثل فوهة بركان على وشك الانفجار، نظرت حولي ورأيت الشاب ذو العيون الخضراء يجلس على الكنبة متابعًا الوضع بانتباه.

كان آريس يتحدث مع ماثيو ويبدو أن ماثيو يستشيط غضبًا، وفي الوقت نفسه، كان مارك وكايل يتجادلان أمام ليونيد الذي يراقبهم بينما يضع يديه بثقة في منتصف جسده.

الجميع مشغول، لذا فكرت في أن هذه هي فرصتي الوحيدة للهرب.

ركضت بعيدًا ثم حاولت فتح الباب، ولكنه كان مغلقًا بإحكام. فجأة، سادت الغرفة هدوءًا شديدًا، اضطربت وأغمضت عيناي بقوة.

يا الهي، كم أنا حمقاء.

ببطء، استدرت ويدي لا تزال تمسك بمقبض الباب، كان الجميع يحدقون بي بدهشة، كما لو كانوا يراقبون شبحًا يظهر أمامهم.

عيناي تجوب الحضور بحذر، حتى وقعت على ليونيد الذي يمضغ العلكة بصمت ويرمقني بنظرات غامضة. شعرت بالرعب يسري في عروقي، كأنني أمام وحش مخيف ينتظر لحظة الهجوم.

حاولت أن أظهر ثقتي وجرأتي بقولي "أريد أن أخرج من هنا"، لكن صوتي ارتعش وكأنه يعكس الخوف الذي يسيطر علي.

عيناه الآن أصبحت هادئة مجددًا، كأنها تترجم كلماتي بدقة وترصد كل حرف أقوله. ولكن لا يزال الغموض يلف حوله، فلا أستطيع تفسير تلك النظرات المبهمة التي تختفي وراء ابتسامته الغامضة.

وفي لحظة مفاجئة، بمجرد انتهائي من جملتي، لاحظت أن أنظار الجميع تتجه نحو ليونيد. وهو بدوره، وضع يديه في جيوبه بثقة ورفع رأسه بغرور متجاوزًا كل الحدود. كان يبدو كالملك الذي يحكم على عرشه.

"تعالي"، صدحت تلك الكلمة في الهواء، وكأنها تحمل بين حروفها قوة لا تقاوم. ثم، بخطوات واثقة، انصرف ليونيد نحو إحدى الغرف.

كنت داخلي أرفض الذهاب، لا أرغب بأي حالٍ في مواجهته. كيف يجرؤ على التحدث معي بهذه الطريقة؟! الخوف يتسلل إلى كل خلية في جسدي، لكن الكبرياء يتحدى تلك المشاعر المرهقة. ربما كان من الأفضل البقاء في الغرفة مع الآخرين، بينما أكون بعيدة عن ليونيد وحده.

تنفست بعمق، حاولت تجاوز الخوف والقلق، ثم اتكأت على الباب. كانت تلك اللحظة تحمل شعورًا غامرًا من الراحة والانتصار الصغير. رغم نظرات الجميع التي تتجه نحوي، إلا أنني لم أكن أهتم بتلك الانتباهات.

وفجأة، جاءت لي تلك الفكرة المفاجئة، منذ متى يحصل الطلاب على مكان كهذا في الثانوية؟! كانت تلك الغرفة تبعث على الدهشة والتساؤلات، وكأنها عالمٌ مختلف تمامًا عن الحياة اليومية في المدرسة.

"انه ينتظرك!" تحدث ذو الشعر الذهبي.

نظرت إليه بعيون مليئة بالحقد وقلت بصوت هادئ: "لن أذهب إليه".

ثم نقلت نظري إلى آريس وصرخت بغضب: "أنت! إذا لم تفتح هذا الباب اللعين، أقسم أنني سأحرص على أن لا تحصل على كلمة واحدة من اليسا".

عيناه اتسعت بصدمة ونظر الجميع إليه، وعلامات الاستفهام تملأ وجوههم.

"إليسا" تحدث مارك بنبرة لعوبة ووجه نظراته إلى آريس الذي تحولت نظراته إلى غاضبة.

أدركت الآن أن مارك هو الحقير في المجموعة.

فتح ليونيد باب الغرفة التي دخل إليها بقوة ثم خرج واتكأ على الباب بهدوء شديد وسألني بصوت هادئ وجهه نحوي: "ألم أخبرك أن تأتي؟".

بصدمة عميقة، نظر الجميع نحوه، ثم تحولت أعينهم إلى وجهي.

"أنا لا أرغب في رؤية وجهك ليونيد أبدًا"، قلدت نبرته بسخرية، ثم رفعت صوتي بشكل متحدٍّ: "افتح الباب الآن!"

ابتسم بنكران وشرارة مكر في عينيه.

هذا الرجل مثير للاشمئزاز! شعرت بالغضب يتصاعد في أعماقي كالحمم البركانية.

"أنت حقير يا ليونيد!"، صرخت بغضبٍ هائل، ثم ركلت بقوة المنضدة الصغيرة التي كانت أمامي، فسقطت التحفة التي كانت عليها وتحطّمت أمام أعيني.

اندهش الجميع بصدمةٍ عارمة، ثم التفتوا نحو ليونيد الذي لا يزال يمضغ العلكة ببرودةٍ تشبه جليد ألاسكا القارس.

"هذه هي المرة الأخيرة التي سأتكلم فيها بهذا الأسلوب"، قال بصوتٍ هادئٍ، واستطعت سماعه بفضل الهدوء الذي اجتاح المكان.

"تعالي إلى هنا"، قال بنظرةٍ حادة ومتجهةٍ نحوي.

"تحاول أن تظهر نفسك كشخصٍ قوي ومسيطر هنا؟ تستحق التصفيق حقًا!"، صفقت بسخريةٍ ثم أشرت إليه بإصبعي "لا تحاول حتى! يمكنك التصرف بهذه الطريقة مع فتاةٍ أخرى ولكن لا تفكر حتى في ذلك معي!".

اقتربت من آريس الذي كان ينظر إلي بصدمةٍ وربما بخوفٍ.

أخذت المفتاح من يده ثم اقتربت من الباب وفتحته. كنت على وشك الخروج لولا أن شخصًا ما أمسكني وحملني كأنني كيس بطاطس. "اتركني أيها السافل المنحط!"، صرخت على ليونيد.

وكان يضغط على فخذاي بيديه بقوةٍ تجعلني عاجزة عن تحرير نفسي، كنت أركل وأتحرك بشكلٍ عشوائي ولكن جسده القوي كالصخرة يمنعني من الهروب.

دخل إلى الغرفة ثم أغلق الباب بركلةٍ قوية ورماني فوق السرير.

لساني ابتلعته عندما رأيته يقترب من الباب ويغلقه بالمفتاح، ثم يضع المفتاح في جيبه معبرًا عن سيطرته الكاملة.

استدار ونظر إليّ ثم رفع حاجبيه بتعابيرٍ تدل على تساؤله الساخر والمتعجب في الوقت نفسه.

قلبي يرتجف وحلقي يجف وأشعر وكأنني أسقط في هاويةٍ لا نهاية لها.

"ما الذي ستفعله؟" سألته بصوتٍ متقطع وأنفاسٍ
متقطعة، وكأن الخوف يتسلل إلى كل كلمة أنطقها.

ابتسم بسخرية ثم حرك رأسه بالنفي، واقترب مني وجلس بجانبي.

"هل أنتِ غبية أم ما شابه؟" همس بسخرية، كما لو أنه يستمتع بإيذائي.

عضت شفتي بقوة، وتدفقت الدموع من عيناي بغزارة. "دعني أخرج" همست بصوت مكسور، ولكنه رفض بتصميم، واستمر في النظر إلى عيناي الممتلئتين بالدموع.

"لا يمكنني حلوتي" أخبرني ببرود، ثم وضع يده الباردة على شعري. أغمضت عيناي بخوف شديد، وتساقطت دموعي بحرية على خدي.

"هل تظنين حقاً أنني سأؤذيك؟" همس ببطء، وكأنه يريد أن يثبت لي أنه ليس كذلك.

ابتعد عني ببطء، ونظر في عيناي بترقب. أومأت بصمت.

ضحك بخفة ثم قال "لهذا أنتِ غبية"، اقترب وجهه من وجهي بشكل مخيف، كأنه يحاول إرهابي. "لا يُسمح للخوف بالتسلّل إلى قلبك عندما تكونين بجانبي."، تابع بهدوء مرعب "هل تفهمين؟".

مسح دموعي بلطف، ونظر إلي بترقب، وأنا أحاول جاهدة التوقف عن البكاء.

لا أعلم كم مر من الوقت، لكنه كان كافياً لتهدئة روحي المضطربة.

"في حضوري، يجب أن تشعري بالأمان والثقة وليس الخوف."

"اجعليني كالمرساة التي تثبتك بقوة"، همس بصوت هادئ.

شعرت وكأنني أُغرق في بحر عينيه الزرقاوين، وهو يحدق بي بسكون غريب. عيناه كانت جذابتين... جذابتين للغاية.

فجأة، توقف عن مضغ العلكة ونظر إلى الأفق، وكأنه يستحضر شيئًا ما.

"هل كان يجب عليكِ قول ما قلتِه؟"، سألني.

"هل كانت الوترة التي استخدمتها سيئة إلى هذا الحد؟" تبسمت بلطف.

همّ بتفكير لحظة ثم تبسم هو الآخر.

"حسنًا، كان تصرفك سيئًا أيضًا حينما قلتِ 'تعالي' بتلك الطريقة"، أخبرته، ثم عبست ونظرت بعيدًا.

"لم تعجبك النبرة التي استخدمتها؟"، سألني وهو يبتسم.

"نعم"، رديت بنظري نحوه، اتسعت ابتسامته بشدة، ثم استقام وأبعد مرفقيه عن ركبتيه.

"لا تقلق"، تحدث هو بغرور متمايل.

"ينبغي عليك أن تعتذر"، أخبرته بينما ارتبطت أصابعي معاً، وألقيت نظرة عميقة في عينيه.

"أنتِ تأتي أولاً"، تحدث هو بثقة متألقة.

"لا، عليك أنتَ أن تعتذر، ثم سأقدم اعتذاري بعدها"، أخبرته بهدوء متأنق، ثم تحركت بسلاسة لتنظيم خصلات شعري على كتفي برقة.

"هل تعتقدين أنني غبي؟"، سأل بسخرية، "أعتذر، وسأحبك"، أجبت بود، ورفع حاجبيه بدهشة، وثم قال "حقًا؟" بسرعة.

"أنا لست من النوع الذي يعتذر بسهولة"، انكمشت شفتيه بامتعاظ.

"حتى لو كان لأجلي؟"، تحدثت برقة وأنا ابتسم.

نظر إلى عينيّ، ويبدو وكأنه يبدأ في الاستسلام، فظهرت نظراته هادئة بشكل ملحوظ، ووضعت يدي بلطف على وجهه، ثم تلمست خصلات شعره الأسود ورجعتها للوراء بأنامل تعبق بالرقة.

اغمض هوا عيناه.

"أزعجتني تصرفاتك اليوم ليونيد" همست ثم تابعت برقة "لقد لكمت ماثيو بدون سبب" اندفع وقال "لا يمكنه الاقتراب منك وما جعلني اشتعل غضباً هوا خوفك عليه بعد ان-".

"آش" وضعت إصبعي على شفته فتوقف عن الكلام وحدق نحو عيناي.

"آريس اجبرني على الحضور هنا، ليونيد، ومارك ازعجني عندما امسك بوجهي." اخبرته بهدوء ثم ابعدت يدي عنه ونظرت للأرض وكانني مكسورة القلب.

"لم أتوقع أن تسمح بمعاملتي بهذا الشكل"، تابعت بصوت هادئ، "كنت أبدأ أثق بك"، رفعت عينيّ نحوه.

نظراته كانت مليئة بالعاطفة، "لم أسمح لأي شخص بالاقتراب منك، إيلين، أتعهد بحمايتك بحياتي"، تابع قائلاً "لن أسمح لأحد بالاقتراب منك حبيبتي"، وضع يديه بلطف حول وجهي.

ثم اقترب من جبيني وقبله.

"ألا تعتذر؟"، سألته بصوت متمتم، فابتسم ثم رد "لا تظني أنني لا أعلم بما تفعلينه، إيلين، إنها فقط من مميزاتك التي تعجبني".

ضحكت بلطف ثم وضعت يدي برقة على فمي.

ابتسم ثم استمر في مضغ العلكة، وكأنه كان يعرف بدقة ما يفعله وما سأفعله.

"أريد وعدًا منك"، أخبرته بصوت هادئ، ثم اقتربت لأجلس بجانبه بوضعية ساق على ساق.

"أي شيء من أجلك"، همس بينما تبادلنا النظرات.

"لا تلكم أي شاب مجددًا فقط لأنك رأيته يتحدث معي"، تغيّرت نظرته في لحظة واحدة، وقال بغضب "لا".

بعد لحظات من التحديق في عينيّ، قال "لماذا لم تخبريني بأنك ابنة أرسيني بريتزكر؟" شعرت وكأن الأرض تزلزلت من تحت قدمي، وكأن الزمن توقف عن الجري، ولم أستطع أن أصدق ما سمعته.

كانت عيناي مفتوحتان بشدة وأشعر بالصدمة، بينما ينظر إلي بهدوء ينتظر إجابتي.

"أنا..." لم أعرف كيف أجيبه، عيناي امتلأت بالدموع، "لما كذبتي، إيلين؟" سألني.

أخذت نفسًا ثم قلت بتوتر، "كنت خائفة"، واصل بالنظر إلي وكأنه ينتظر المزيد، "لم أخبر والدي عنك لأني كنت خائفة من أن يؤذيك إذا عرف عنك، كنت خائفة من أن تخاف أنت منه إذا عرفت أنني ابنته".

"أنا أخاف؟ من آرسيني؟" ضحك بسخرية.

"لماذا لا تفعل؟" سألته بصوت متسائل، لكنه تجاهل سؤالي وقال بصوت حازم "لا تخفي عني شيئًا آخر، إيلين".

"حسنًا"، رددت بقلق وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن أسأل "هل تعرف باريس؟" اشتعلت عيناه غضبًا بمجرد ذكر اسمه، "زعيم المافيا هنا؟" سألني، فأومأت بالإيجاب.

"نعم، أنا أعرفه"، تحدث ببرود، "إنه ابن عمي"، أخبرته بصوت هامس.

لم يبدو مصدومًا، "ماذا أيضًا؟" سألني.

لا يمكنني أن أخبره بأن باريس يحبني!

"أنا وهو أصدقاء مقربون منذ الابتدائية"، تحدثت بصوت مرتجف.

وقفت متأملة لألقي نظرة عليه، "أفهم أنك تريد الابتعاد عني"، حاولت التحرك للخروج ولكن توقفت عندما تكلم مرة أخرى.

"هل لهذا أخبرتني أن البقاء بجانبك يشكل خطرًا عليّ؟" سألني.

"نعم،" أجبت بهدوء وبدأت بأخذ خطواتي نحو الباب.

"أريدك." قال بصوت واثق، وللحظة سمعت خطواته خلفي، إلى أن اقترب بسرعة ودفع ظهري لألتصق بالباب، وهو يحيط بي بيديه التي وضعها بجوار رأسي من الجانبين.

حرك إحدى يديه ووضعها بلطف على خصري.

ثم جذبني نحو جسده لألتصق بصدره. لألمح في عيناه شهوةً ملتهبة، لم أتمكن من فهم الوضع وهمست بصوت متردد: "أنا لا أفهم."

"ما الذي لا تفهمينه من كلمة 'أريدك'؟" همس بهدوء.

في تلك اللحظة، لم يكن هناك سوى وجهه الذي اقترب بثقة مطلقة، وشفتاه تقترب ببطء، كل حركة كانت كافية لإحداث اهتزاز في جسدي.

وعندما لامست شفتاي أخيرًا، شعرت وكأن الزمن توقف، وتبددت كل الأصوات حولي.

كانت تلك القبلة بمثابة تأكيد لكل ما شعرت به، وكأنها ترجمة لكلمات لم تعد تستطيع شفتاي أن تنطقها.

بينما ابتعدت قليلًا، شعرت بالفراغ يمتلئ بكل الشوق الذي تركه في قلبي من تلك القبلة. كانت نظراته تتبدل بين الحنين والعاطفة، وكأنه يحمل مليون كلمة لم تعد تستطيع شفتاه أن تنطقها.

ثم، قبل أن ألمح حتى فكرة ابتعاده، شعرت باندفاعه المفاجئ نحوي. لم تكن لدي وقت للتفكير، فقبل أن يتحرك أي منا، اجتمعت شفتينا مجددًا في قبلة تحمل في طياتها جميع الشغف والحنان الذي يمكن أن يحمله القلب.

أصطدم جسدي بالباب برفق عندما ابعد هوا يده عن الحائط ليحيط خصري بكلتا يديه، كان يقبلني بشغف.

لم يكن سيتوقف...

هذا يجب ان يتوقف...

طرقات على الباب، قاطعت تلك اللحظة العاطفية وجعلتني أدفع ليونيد بعيدًا، ونظرت إليه بعيون مرتابة.

"تجاهلي هذا فقط"، قال بانزعاج، رفع يده ببطء لتلامس خدي، وبينما ارتفع نبض قلبي، اشتعلت شرارة العشق في عينيه.

"لا، يجب علي أن أذهب"، همست بصوت خافت ثم ابتعدت.

"أحترم رغبتي"، تحدثت بهدوء بينما طرق الباب مجددًا.

أومأ ليونيد بصمت، ثم سأل، "هل هناك أحمر شفاه على شفتي؟" ابتسمت، ثم اندفعت بضحكة خجولة.

"اليوم لم أضع أحمر شفاه"، أخبرته وحاولت الابتعاد نحو الباب، لكن قبضة ليونيد على ذراعي منعتني.

"ماذا الآن؟"

"سأفتح، يمكنك الذهاب إلى هناك لحظة"، أشار إلى زاوية في الغرفة.

"لكن-"

"لا توجد ترددات معي! انطلقي ولا تترددي"، تحدث بحزم مع نظرات حازمة، مما جعلني ألتزم الصمت وأتجه إلى حيث طلب... حسنًا، كان أمرًا.

فتح الباب ليظهر وجه مارك، بدا مذعورًا، اقترب من ليونيد وهمس شيئًا بجوار أذنه.

"لا داعي للقلق"، تحدث بثقة وابتسم.

"يبدو أن صديقك يبحث عنك"، تحدث بسخرية مع نظرة منزعجة تجاهي.

"شكراً له"، اقتربت من الباب وتخطيته بسرعة، لم يمنعني أحد من الخروج، رغم أنهم نظروا نحوي بريبة قبل خروجي.

تنفست الصعداء بعد إغلاق الباب خلفي، ثم فقط بعد أن ابتعدت خطوة واحدة، فتح الباب مجددًا بينما استدرت.

كان ماثيو، عيناه تلمعان كأشعة الشمس المتسللة خلف الغيوم، وملامحه توضح الندم، وبدا وكأنه يتمنى شيئًا ما في داخله. اقترب مني ووضع يديه على ذراعي.

"أخبريني، هل-" خرجت حروفه مبعثرة وصوته مهزوزًا، ثم توقف عن الكلام فجأة وابتلع ريقه.

هز رأسه بالنفي ولمعت عيناه بشدة أكبر، ثم قال "أيلين، لا أستطيع أن-" توقف عن الحديث عندما فُتح الباب من خلفه.

كان ليونيد، الذي سحبه إلى الداخل، ثم ابتسم إلي بلطف وأغلق الباب بهدوء.

هذا غريب...

ما الذي يريد ماثيو قوله لي؟...

أقتربت من الغرفة بخطواتٍ حذرة، لكن صوت باريس جمدني في مكاني، كأنه قوة خارقة تمنعني من المضي قدمًا.

"أين كنتِ؟" اخترق صوته العالي الهدوء في الممر، وكأنه يتسلل إلى أعماقي. الجميع ذهبوا لفصولهم، وبقيت فقط أنا وهو في الممر الفارغ.

"بحثت عنك في كل مكان في الثانوية ولم أجدك" تحدث بثقة، وهو يقترب مني بثبات. تحركت عيناي لتقع عليه، ولم أستطع إخفاء إعجابي بأناقته المعتادة.

ويتحرك بثقة مطلقة، ويضع يديه بثبات في جيوبه. "كنتُ في غرفة الفنون" أخبرته بصوت خافت، حسنا لست اكذب! كنت في غرفة الفنون قبل الاستراحة، اقترب مني بشكل لافت، ونظراته الثاقبة تستقر على وجهي.

"آه حقًا؟" قال بإنكار ورفع حاجبه بتساؤل. ابتلعت ريقي بصعوبة، ثم أومأت بالإيجاب، "إذًا لم تكني هنا؟" اشار للغرفة التي بها ليونيد ورفاقه.

حركت رأسي بالنفي، وأعلنت بصمت عن غيابي.

استرخت عيناه وسيطر الهدوء عليه، ثم أخرج يديه من جيوبه ببطء، واقترب مني بثبات. وضع يديه حول جسدي، يضمني بقوة.

لم أتحدث ولم أبادله، أنا فقط وقفت في مكاني، مستسلمة لقربه ولحضنه.

"كيف كان يومك؟" حاولت الابتعاد بخجل، ولكنه شدني بقوة أكبر، كأنه يريد أن يجرفني إلى عالمه الخاص.

"ليس جيدًا" همس بصوتٍ هامسٍ وكاد صوته يتلاشى في الهواء.

"دعني أرى ملامحك الجميلة" قلت بصوتٍ خافتٍ ومرح، وكأننا نلعب لعبةً سريةً بيننا.

سمح لي بأخذ بعض المسافة وابتسمت شفتاه بلطف، ووضعت يدي على خده الدافئ فأغمض عينيه برغبةٍ مطلقة.

"كيف حال أندريه؟" كنت مترددةً في السؤال، لكنني لم أستطع أن أتحمل الصمت.

"جيد" أجاب بهدوء ولا يزال يحتفظ بعينيه مغلقتين.

فتح عينيه ثم في لمحةٍ بسيطةٍ، كانت شفتاه تلامسان شفتيّ.

كنت مصدومة...

ما اللعنة!

دفعته بقوة مما جعله يتراجع خطوتين للخلف، كان يحدق نحوي بصدمةٍ عميقةٍ.

"أخبرتك ألا تقترب مني!" صرخت بغضبٍ غير مسبوق.

حاولت تمالك أعصابي ثم قلت له بصوتٍ خافتٍ "نحن أصدقاء وهناك حدودٌ بيننا، أرجو منك احترامها".

نظر بانزعاجٍ واضحٍ ثم قال "هل لا تزالين مجذوبةً نحو ذلك المدعو روديون؟"

"هل يهم هذا الآن؟" قلت بغضبٍ ملحوظٍ ونظرت إليه بعينين مشدوهتين.

"نعم، يهمني! أنتِ ملكٌ لي، إيلين" خرجت كلماته بغضبٍ مشتعلٍ، فكان فكه مشدودًا.

"لستُ قطعةً خشبيةً يمكنك أن تدعي أنني لك، باريس" تابعت قائلةً "أنا لستُ ملكًا لك ولن أكون أبدًا" شددت على كلمة "أبدًا".

وهو يضغط بقوة على قبضة يده، اشتعلت النيران في عينيه الزمردية، اقترب مني بخطى سريعة، وجرّ ذراعي بينما يسير.

"إلى أين نتوجه؟" سألته بينما لا زال يجرني خلفه.

"باريس!" صرخت باسمه، ولم يلب سؤالي.

فتح باب المسرح بقوة، ثم دفعني برفق نحو الداخل وأغلق الباب وراءه.

شعرت بأنه يتنفس بقوة تحت ضغط الغضب، لكنه استطاع بصعوبة أن يتحكم في أعصابه المشتعلة ويبقى هادئاً كالبركان الذي يخفي في جوفه الانفجارات العنيفة.

اتكأ على الباب للحظات.

الأضواء الأرضية كانت مشتعلة في المسرح، والإضاءة كانت خافتة لدرجة صعوبة رؤية أي شيء..

استدار باريس وأمسك بذراعيّ، دفعني نحو الحائط.

"ما اللعنة التي تفعلها؟"

"ما اللعنة التي أفعلها؟" صرخ بغضب، ثم بدأ يهز جسمي بقوة: "ما اللعنة التي تفعلينها انتِ؟"

كنت خائفة ونظرت إليه بعينين مندهشتين.

"ماذا؟" سألت بصوت مرتجف، ودموع تملأ عينيّ.

"إنك تلعبين بالنار، وستندمين-" توقف فجأة عن الكلام.

تراجعت يداه بتردد عندما ابتعد عني، وفتح فمه كأنه ينوي الكلام، ثم فجأة توقف وقال بصوت متردد: "آسف، أعتذر إذا شعرتِ بالخوف، لم أكن أقصد ذلك. أنا هنا لحمايتك، لا لإثارة الخوف في قلبك."

همست بينما انزلقت دمعة من عيني: "دعني أذهب."

لكنه ضمني بقوة إليه، كأنه يرغب في أن يحتجزني في قلبه، ثم همس في أذني: "أدرك أن موقفي أثار الخوف في قلبك، ولكن أرجوك، امنحيني فرصة لأثبت لك أنني لست تهديدًا، بل أنا الشخص الذي سيحميك بكل قوته."

همست بكلمات خائفة: "أنت زعيم مافيا باريس."

أجاب بثقة: "أعلم، لكنك يمكنك الوثوق بي. لن أسمح بأن يصل إليك أذى أو يتعرض لك أي خطر."

انزلق رأسه بعيدًا عن كتفي، ووضع إحدى يديه على خدي، مرر إبهامه بهدوء، وعيناه تحديق في عيني بإضاءة خافتة.

همس بصوت منخفض: "اللعنة." ثم ابتسم.

ابتسامته أدت إلى ابتسامة على شفتي، وعيناه تبدو كأنهما تبرقان بسحر الإضاءة الخافتة التي تتساقط عليهما.

"لماذا تلعن؟" همست بصوت منخفض، ثم حركت وجهي قليلاً لليمين.

ابتسامته اتسعت، ثم اقترب من أذني وهمس قائلاً: "لأن الفتاة التي أخبرتني قبل ساعتين أنها معجبة بي هنا".

عيناي اتسعت لثوانٍ، ثم دفعته بعيداً عني ونظرت حولنا.

فعلاً، ظهرت فتاة من فوق المسرح وقفزت واقتربت من باريس وهي تحمل شيئاً في يدها.

توقفت للحظة عندما رأتني واقفة بجانبه، ثم اقتربت بهدوء وابتسمت له.

"مرحباً" قالت لي بابتسامة، فرددت الابتسامة وقلت "أهلاً".

"أنا جوليانا" تحدثت ومدت يدها لتصافحني.

صافحتها بلطف ولازلت مندهشة من كلمات باريس.

نظرت إليه... كان يحدق بها بهدوء، عيناه تلتهم تفاصيلها.

ثم أعدت نظري إلى جوليانا، كانت فتاة جميلة.

"أنا إيلين"، قلت.

"تشرفت بمعرفتك إيلين، أخبرني باريس عنك"، قالت وتراجعت لتقف بجواره.

ثم التفتت لتنظر نحوه، وابتسمت له باتساع. هناك ابتسامة خفيفة تراقصت على شفتيه عندما لمح ابتسامتها.

"أحضرت لك شيئاً" أخبرته ووضعت يدها على ذراعه، فسارع هو بإخراج يده من جيبه.

"ما هو؟" سألها بينما تحركت يدها للاسفل على طول ذراعه لتمسك يده في النهاية.

هذا كان مفاجئاً حتى بالنسبة لي، ولكنني شعرت بشيء سيء.

"إنها قطعة شوكولاتة" أخبرته برقة، ثم اقتربت منه وقبلت خده، وضعت قطعة الشوكولاتة في يده ثم أمسكت بيده الأخرى.

"هل يمكنني الحصول على ربع ساعة من وقتك؟" سألته بينما تحركت يدها التي تمسك بخاصته يميناً ويساراً.

نظر هو نحوي، فأخبرته مع ابتسامة: "يمكنك الذهاب معها، كنت سأعود للمنزل على أي حال".

نظرت نحوي بابتسامة، ثم نظرت إلى عينيه وبادلها النظرات.

"بالطبع" ابتسم بعد أن قال ذلك.

شعرت بالاضطراب عندما شاهدته يتبادل النظرات مع الفتاة الأخرى، كأنني أشعر بأن هناك شيئًا يتلاشى بين يدي. حاولت تجاهل تلك المشاهد، ولكنني لم استطع إخفاء الشعور بالاستياء والخيبة.

"عن إذنك إيلين" قالت هي ثم مشت معه خطوة لتخرج من المسرح، وابتسامة لا تفارق شفتيها.

نظر إلى ملامحها بابتسامة، هل يحبها؟

شعرت بالقلق وهو يتسلل إلى قلبي عندما شاهدته يهتم بها، شعرت بأنني أفقد مكانتي في قلبه.

لكن أليس هذا ما أردته أنا منذ البداية؟

كنت أتمنى أن يبتعد ويجد فتاة أخرى، والآن أشعر بالحزن.

أخذت خطوة وكنت سأذهب وأخذه لأتحدث معه، لكنني توقفت.

تذكرت فجأة وأنا أنظر إليها وهي تأخذه، رأيتها مع الفتاة التي كانت تواعد الفتى المشهور في الثانوية.

"أنتِ صديقة جولييت صحيح؟ الفتاة التي كانت تخرج مع أنتوني؟" سألتها بابتسامة.

توقفت في مكانها ثم نظرت نحوي بدهشة وقالت: "نعم، إنها صديقتي" ثم تابعت بملامح قرف على وجهها وهي تنظر بعيداً "لكنها تركته الآن، لقد كان حثالة على أي حال" عادت ابتسامتها ثم قالت بحماس: "إنها معجبة بليونيد الآن"

فتحت فمي بصدمة... رائع، إحداهما تريد باريس والأخرى تريد ليونيد.

"هي معجبة بليونيد؟" سألها باريس بهدوء.

"نعم" نظرت نحوه ثم اختفت ابتسامتها وقالت بجدية "أنا أحاول إقناعها منذ فترة أنه ليس جيدًا لها."

"لماذا؟ أليس هو الشاب ذو العيون الزرقاء والشعر الأسود؟" سألتها بابتسامة.

"نعم، إنه وسيم!" ضحكنا، ثم أكملت هي بابتسامة، "لكنه زعيم العصابة المنافسة لباريس، وأنا صديقته، لذلك سيكون هذا غريبًا قليلًا، تفهمين؟"

شعرت بقلبي ينقبض بشدة عند سماعي هذا، كأنني أشعر بشيء يشبه الحرقة في صدري. كنت أعلم أنني لا أمتلكه حقًا، ولكنني لم أستطع السيطرة على مشاعري المتضاربة.

ليونيد كذّب أيضًا... لم يخبرني أنه زعيم عصابة.

ابتسمت هي ثم غادرت معه، عقدت يداي ثم اتكأت على الحائط وأنا أراقب أضواء المسرح.

ذلك الحقير قد كذب.

انفتح باب المسرح، مما جعلني أنتفض، لكن شعرت بالراحة عندما رأيت الشخص الداخل.

كانت عيناه الزرقاوتان تلمعان في الظلام، كأنهما نجمتين مشعتين. تجولت نظرتي على وجهه الجذاب، وشعرت بالدهشة لدى رؤية شفتيه التي تحمل بعض الدماء، ربما بسبب شجار قد تعرض له. كانت تلك الدماء تضفي على ملامحه لمسة من القوة والغموض.

دخل بثقة وثبات، خطواته كانت هادئة ومتناغمة، وكل حركة له كانت محسوبة ومتماسكة. كان يبدو كالفارس الشجاع الذي يخوض معركته الأخيرة.

لم أكن أرى سوى وجهه وأنا أحاول فهم ما يدور في داخله. كانت عيناه تنظر إليّ بتركيز شديد، كأنه يحاول قراءة أعماق روحي. شعرت بالترقب والتوتر، ولكن في نفس الوقت، كانت هناك شرارة تتوهج في داخلي.

شعرت بنبض قلبي يتسارع عندما نظرت إليه، كأنني فقدت القدرة على التنفس للحظة واحدة. كنت اشعر بمزيج من الإثارة والخوف والأمل في آن واحد، فقد كنت اعرف أنه يحبني ويرغب في البقاء بجانبي، ولكنني كنت اشعر بالتردد والشك في قدرتي على تلبية تلك الرغبة.

رأيته يقترب مني بخطوات ثابتة وواثقة. كنت أرى في عينيه بريقًا يشع منهما.

قطبت حاجبيّ ثم أشرت بإصبعي في الهواء، وبينما اقترب ببطء، ضرب إصبعي صدره فتوقف هو.

"ماذا؟" سأل بابتسامة.

"حقاً؟ ماذا؟" نظرت إليه باستغراب ثم عقدت يدي مجددًا.

"لقد كذبت" همست بينما أنظر نحوه بخيبة أمل.

"ما الذي كذبت بشأنه؟" نظر بدهشة.

"ظننت أنه يمكن لنا أن نكون معًا" همست بيأس.

حقًا، هذا مخيب للآمال، ظننت أنه جيد.

"ما الذي فعّلته؟" سأل بصوت مرتفع.

"ظننت أنك شخص جيد" أخبرته وشعرت بحرقة في صدري.

"ماذا!" صرخ ثم اقترب مني وأمسك بخصري.

"أنت زعيم عصابة!" صرخت ثم حاولت الابتعاد، لكنه لم يسمح.

"أنا لم أخبرك أنني لست زعيم عصابة! لذا تقنيًا، أنا لم أكذب إيلين" همس.

"لم تخبرني أيضًا" همست بينما أنظر إلى عينيه.

كانت كالمخدر.

"لم تكني لتبقي معي لو أخبرتك" تابع، "افهم أنك لا تريدين أن يكون لشريك حياتك علاقة بأنشطة غير قانونية."

"يكفيني والدي والأحمق باريس" أخبرته ثم نظرت بعيدًا، وضحك هو لسبب ما.

نظرت إلى عينيه وشعرت بابتسامته تتلاشى ببطء، وقلتُ بصوت مهزوز: "أعتقد أنك تستحق الكثير من الاهتمام، ليونيد. هناك شخص آخر يشعر بالإعجاب تجاهك، ويجب عليك أن تعطيه فرصة للتعبير عن مشاعره أيضًا." ثم قبلت خده وابتعدت.

أثارت كلماتي استغرابه، فقلت بابتسامة مرتبكة: "لا يمكنني أن أكون معك وأعلم أن جولييت تحبك أيضًا."

قاطعني قائلاً: "لا تكوني ساذجة، إيلين. أنت تعرفين أنني لست الوحيد الذي يرغب فيك. هناك شخص آخر يشعر بنفس الشغف."

"هل تقصد...؟" سالت بصوت متردد.

وفي لحظة مفاجئة، أقر بذلك قائلاً: "نعم، أقصده. لقد أدركت للتو أننا نتنافس على قلبك. لكن اعلمي أنني لن أستسلم بسهولة."

وبصوت ثابت، ردت: "لا تتوقع أن أكون جزءًا من صراعكما. أنا لست مجرد جائزة تتنافسان عليها."

ابتسم بتملك وقال بثقة: "لا يهمني إن كان يريدك، أنا الذي أريدك وسأحصل عليك."

شعرت بالتناقض في مشاعري، أرغب في الابتعاد عن هذا العالم الظلمة ولكن في الوقت ذاته أشعر بجاذبيته القوية وسحره. وفي لحظة مفاجئة، اقترب مني برفق، ومرر يده حول خصري بدقة فائقة، مثيرًا توترًا ممتعًا في جسدي ويقلب عالمي رأسًا على عقب.

كنت انظر لعيناه...انه جميل...جداً...

عيناه تحملان بريقًا ساحرًا، يجذبني إليهما كالمغناطيس، وجماله يتسلل إلى أعماق قلبي ويحرك أوتاره برقة.

شعرت بلمسة شفتيه الناعمة وأنا أستقبل قبلة حميمة، جعلتني أفقد السيطرة على نفسي.

تبادلنا القبل، وكانت هذه المرة الأولى التي أُقبل بتلك الطريقة.

جسدي تحرك بينما كان يقبلني، وارتطم ظهري بالحائط، لكنني لم أكن معارضة حقًا.

حركة يده على خصري... الضغط الذي وجدته لاستجابتي... الطريقة التي قبلني بها... شعرت أنني سأصبح مهووسة... كان يبدو وكأنه قطعة من القمر.

شعرت بحركة حولنا في المسرح، فابتعدت عن شفتيه، وعندما ابتعدت، هز رأسه بالنفي ونظر إلي بعينيه الناعستين.

كان يلهث بشدة...

حاول العودة لتقبيلي، فوضعت يدي على فمه.

"أعتقد أنني سمعت شيئًا" همست له، ثم نظرت حولنا.

عيناه تراقبان المكان بحذر وأصبحا أكثر اهتمامًا.

ابتعد عني ثم تقدم ليقف أمامي واستطاعت عيناي رؤيته يسحب مسدسًا من سرواله من الخلف.

"لا أقبل فكرة أنك زعيمٌ م-"

"آش"

"أهلاً" كان شابًا يبدو في مثل عمري.

وجه ليونيد مسدسه نحوه.

"واو، يا رجل، دعنا نهدأ" رفع يديه في الهواء.

"ما الذي تفعله هنا؟" سألته أنا وكنت سأخرج من خلف ليونيد لكنه منعني بذراعه.

"آخ" طأطأ رأسه بخجل ثم نظر يساره.

"كنت أحاول البحث عن مكان هادئ لأكتب لكن قاطعني دخول إيلين مع باريس ثم أنتَ و... اللعنة" تابع بصراخ "ظننت أنكم ستخرجون بعد دقائق قليلة لكن لم تفعلوا، لذا كنت أحاول الخروج".

"يا... اخرج فقط" تحدث ليونيد بينما يهز مسدسه بغير مبالاة والشاب خرج بينما يمر وينظر لنا.

استدار ليونيد ليكون مقابلي ولكن نظرنا كلانا إلى باب المسرح رغم أن ذلك الشيء خرج.

لمحته بطرف عيني ثم التفت لأنظر إلى عينيه، ابتسمت لكنه لم يبادلني كعادته.

"كنت مع باريس هنا؟" سأل بينما يخطو ببطء باتجاهي.

لم أتحرك من مكاني، لم أكن خائفة هذه المرة.

"نعم" همست.

"هل أنت غاضب؟" سألته برقة ثم اقتربت ووضعت يدي على كتفيه.

"جداً" همس ووضع جبينه ضد جبيني.

"غاضب لدرجة انني قد أجعلك تفقدين أنفاسك" همس.

"كيف؟" سالت وبمجرد ان فعلت وضع يده على رقبتي وتفاعلت شفتينا كالمغناطيس، يجذبان بعضهما البعض بقوة لا يمكن تجاهلها.

دفعته بقوة، وألقى نظرة عليّ بينما يلتقط أنفاسه، ثم ارتفع جانب شفته الأيسر بابتسامة خبيثة. أبقيت عيناي متأملة فيه بينما اقترب من الباب وخرج.

عدت إلى المنزل، وبمجرد دخولي، أخبرني والدي أنه يجب أن نذهب إلى بيت جدي لسبب مهم.

بدأت في تجهيز نفسي في حوالي الساعة السابعة.

الفستان الذي اخترته عبارة عن فستان يتميز بقصّة طويلة وأنيقة تلامس أرضية الغرفة بأناقة.

يتميز بتصميم أنيق وجذاب، حيث يكون بسيطاً ولكنه مثير في الوقت نفسه. الفستان بلا أكمام وبقصة ملتصقة بالجسم حتى الخصر، ثم يتسع قليلاً ليصل إلى الأرض. يكون الظهر مفتوحاً بشكل مثير، مع تطريزات فاخرة من اللؤلؤ والكريستال تضفي لمسة من الفخامة.

القماش من نوعية عالية ولامعة قليلاً، مما يعطي للفستان مظهراً أنيقاً وجذاباً. انه  باللون الأسود بامتياز، مما يضفي على مظهري لمسة من الغموض والأناقة الكلاسيكية.

وضعت أقراطاً طويلة من اللؤلؤ وحذاء بكعب عالٍ بنفس اللون لإكمال الإطلالة الأنيقة.

هذا الفستان يبرز جمالي وأنوثتي بشكل مذهل، اظن انه يجعلني أبدو كأميرة ساحرة.

ثم أبدأ في وضع أحمر الشفاه، ينزلق اللون الأحمر الداكن على شفتي بأناقة مثيرة، يضفي لمسة من القوة والجاذبية على ملامحي. أتأمل نفسي في المرآة وأرى كيف تبدو الألوان المظلمة والتفاصيل الغامضة تتناغم بشكل رائع مع بشرتي البيضاء.

بعد ذلك، أستعد لوضع بعض الكونسيلر لإخفاء الهالات السوداء حول عيني، وتوحيد لون بشرتي.

ثم أخذت عطراً فاخراً ورششته برفق على بشرتي، مما يضيف لمسة نهائية من الأناقة والجاذبية. وعندما استعد للخروج، امر بمرآة كبيرة والتقط نظرة سريعة على إطلالتي المذهلة قبل أن اخرج إلى بيت جدي.

فتحت باب غرفتي بلطف وخرجت، ثم أغلقته خلفي بصمت. استدرت ورأيت ماتياس يغلق باب غرفته أيضًا، كان يرتدي ملابسًا يومية، لكنه بدا أنيقًا وجذابًا. لقد كان دائمًا أنيقًا في طريقة ارتداء الملابس.

أخذ خطوة ثم توقف عندما لاحظ وجودي، ابتسم لي ثم بدأ في التحرك نحو السلالم، وعيناه لا تزال تراقبني بانتباه. ابتسمت لأنني شعرت بثقة أكبر، فقد ابتسم السيد مغرور بسبب مظهري الجميل.

شعرت بالسعادة وتنفست بعمق، ثم عبست وقلت لنفسي: "آه، لا أعلم حتى من سيكون هناك، هل مظهري هذا جيد بما فيه الكفاية؟" حاولت تهدئة نفسي وإقناعها بأنني أبدو رائعة، ثم بدأت في النزول على الدرج ووجدت أمي ترتدي فستانًا أنيقًا وتبدو جميلة كالعادة.

"كم أنتِ جميلة!" قلت لها وأنا أبتسم، ابتسمت بسعادة واقتربت مني وعانقتني بقوة. "آه، يا صغيرتي الجميلة، لقد كبرتي كثيرًا"، قالت وابتعدت قليلاً ووضعت يديها على كتفي. ثم عبست بلطف وقالت: "أنتِ أجمل شيء صنعته في حياتي"، قبلت خدي بلطف فضحكت واقتربت منها وعانقتها.

رأيت والدي يخرج من المطبخ وهو يأكل قطعة كعكة بالشوكولاتة، نظرت إلى أمي وعندما وقعت عيناه علينا ابتسم لنا بينما لا يزال يمضغ. ضحكت أنا وأمي على مظهره، فقد بدا وكأنه طفل صغير، لكنه لا يزال وسيمًا في بدلته السوداء الأنيقة.

"ما الذي فعلته لأحصل على عائلة جميلة مثل هذه؟" قال واقترب منا وضمني وأمي بقربه.

"أبي، ستلطخ فستاني بالشوكولاتة، أبتعد!" تذكرت ثم دفعته.

"آه، هل حقاً؟" سألني بمرح، ثم نظر إلى الكعكة في يده. ابتعدت أمي عنه واقترب هو مني بخطوات صغيرة وأنا أعود للخلف.

"لا تفعل ذلك!" حذرته واستمر في الابتعاد عنه بسرعة. ركضت واستمر في الركض وهو يلحقني.

ضحكت بينما يركض خلفي. "أمي، ابعدي زوجك!" صرخت بمرح.

"الشوكولاتة ستدمر فستانك هوهوهو" جعل صوته غليظًا بشكل مضحك، فضحكت بصخب ثم تعثرت وسقطت على الأرض.

استدرت لأراه، توقف هو عن الركض ثم قال وهو يبتسم بمرح: "توسلي أو سأنتقم منك بكعكة الشوكولاتة!"

"لا، يا كعكة الشوكولاتة، أنا لم أفعل شيئًا، أرجوك لا تفسد فستاني الجميل" تابعت بمرح، "لقد اشتراه لي والدي الذي أحبه جدًا" رفعت كتفي بدلال.

عبس بطفولية ثم اقترب مني. "لا تلطخ فستاني!" صرخت فتوقف، ثم رفع يديه في الهواء. "كعكة الشوكولاتة تتراجع، أنا أريد معانقتك فقط".

"اغسل يديك أولاً" أخبرته مع ابتسامة، ووضع كعكة الشوكولاتة وغسل يديه، ثم اقترب وعانقني.

"أرسيني!" صرخ ماتياس باسم والدي من الخارج.

ابتعد أبي عني بسرعة. "ماتياس!" صرخ بينما يخرج مسدسه ويتجه نحو الباب.

فتح الباب ودخل ماتياس قائلاً: "إنه هنا."

"من الذي هنا؟" سألت أنا وأنا أقف وأعدل فستاني.

نظر كلاهما نحوي.

اقترب ماتياس من والدي وهمس في أذنه ثم ابتعد عن أبي.

تبادلا النظرات كرسالة بينهما ثم نظر كلاهما نحوي مجددًا.

ما الذي يحدث؟










































- "في عتمة الليل، تعلقت الأنفاس كأنها تتأوه من الحزن المحجوز، تنتظر الفجر لتستعيد حقها في الحرية."











































انتقضت بقوة في مكاني عندما انفتح الباب بحدة، وبمجرد فتحه، اجتمعت حشود الرجال المسلحين خلف أبي. اندفع ماتياس نحوي بخطى سريعة، وأبي كان يوجه مسدسه نحو الباب ويبتسم بشر. خطى الرجل على الجانب الآخر من الباب بخطوة، ورأيت بوتًا فخمًا بلون أسود... كان سيدخل.

كنت على وشك أن أرى من سيدخل... لولا ماتياس الذي انطلق ووضع يده على خصري، ودفعني بعيدًا عن ذلك المكان المتوتر.

كنت على وشك الكلام، لكن ماتياس قاطعني ببرود مزعج قائلاً: "لا يمكن". انفتح فمي بصدمة وانخفضت حاجباي، "ما الذي لا يمكن؟ لم أتكلم بعد!" نبهته بغضب بينما نستمر في المشي سوياً.

كانت الأجواء كأننا نتجول في قلب المنزل.

"أعلم ما ستقولينه"، تحدث ببطء وصوت واثق كعادته.

"حقاً؟ وماذا كنت سأقول؟" سألته بسخرية بينما وقفنا أمام باب عملاق باللون الذهبي، يشبه خزنة.

بدأ بإدخال رمز في لوحة مغطاة بأرقام ورموز، ويبدو أنها باللغة الألمانية.

وجدت نفسي محاطة بالظلام الدامس الذي لف الممر الضيق الذي يؤدي إلى البيت. كانت الإضاءة خافتة، تتسلل بصعوبة من بين الظلال المتلاطمة، تاركة الباب الذهبي يتألق ببريق خافت يضفي عليه طابعًا غامضًا وجماليًا.

المقبض الدوار الكبير كان يبدو أكثر بريقًا في ظلام الليل، مثل نجمة وحيدة تتلألأ في سماء مظلمة. لم يكن هناك أي صوت سوى خفقات قلبي المتسارعة.

انفصل عني ثم قام بدوران الشيء الموجود في الوسط، كانت الحركة غريبة حقاً، لا يمكن لشاب مثله - بنية جسده - أن يدير ذلك! - إنه مهتم بتمارينه الرياضية ويتمتع بجسمٍ مشدود ومتناسق - الباب كان يبدو أنه يحتاج إلى شخص ضخم لفتحه... ولكنه فعل ذلك بسهولة.

"ترغبين في معرفة ما يحدث يجب عليّ أن أخبرك من هو الشخص الذي دخل." تحدث بثقة مفرطة، وقف بجانبي، وبدأ يأخذ يدي برفق، ثم نظر بعيون متلهفة نحوي.

"كيف؟" سألت بدهشة.

ابتسم وقال: "يمكنني قراءة أفكار الفتيات الجميلات"، ثم غمز نحوي بنبرة غامضة.

"لماذا لا تخبرني؟" سألته وأنا أحدق في عينيه.

تنفس بهدوء ونظر نحو الباب الذي انفتح أمامنا، وأنا أحدق به بدهشة، كيف يمكن له أن يكون بهذا القدر من الغموض؟

دفع ماتياس بلطف بيدي ليدخل، وبينما كنت أسير خلفه وأحس بيده التي تمسك بي، تساءلت إن كنت أستمتع بتلك اللحظة أم أكرهها.

وبمجرد دخولنا، وضع ماتياس رمزًا وأغلق الباب بقوة هذه المرة، مما جعلني أشعر بالفزع بشدة.

"اطمئني، لا شيء سيحدث لك طالما أنا هنا. افتحي عينيك وانظري إلى الأمام، أنا بجانبك وسأحميك." كلماته ترتسم في أذهاني بينما يضع يده الدافئة بلطف على خدي. فتحت عيناي ببطء ووجدت نفسي أنظر إليه، ابتسامته تشق طريقها بينما يلتقط نظرتي. "أنا الشخص الذي يمكنك الاعتماد عليه".

"هيا بنا"، خطواته تبعد عني لحظة ثم يستأنف سيره، يديه تختبئ في جيوبه. يتوقف ويديه يتحركان ليجذبان نظري.

تقدمت بحذر حتى وصلت إلى جانبه، ابتسمت بخجل وواصلت السير خلفه. نسيت كل ما حولي بينما مشينا في الطريق الضيق، السجاد الأحمر يمتد بأناقة على جانبي الممر، وفي نهايته، باب من حديد.

فتح الباب عندما وصلنا، دعاني بلطف لأدخل أولاً. تجاوزت العتبة وألقيت نظرة على الغرفة، بساطتها جمعت بين الرقي والجمال بطريقة تجذب القلب.

دخل ماتياس الغرفة وأغلق الباب خلفه بحرص، ثم تجول فيها قليلاً قبل أن يترنح ويستلقي براحة على الأريكة الناعمة، مع وضع إحدى قدميه بلا اكتراث فوق الطاولة الزجاجية التي كانت أمامه.

توجهت بنظري نحو الأشياء المتناثرة في الغرفة، فوجدت طاولة صغيرة في الزاوية مزدحمة بلعبة تركيبية، وعلى رفها العلوي وجدت صورة لطفل صغير يضحك بجوار رجل وامرأة.

انحنيت لألتقط نظرة أفضل على الصورة، لمست بلطف صورة الطفل البريء ثم اندفعت بضحكة خفيفة.

شعرت بتوجهه نحوي، ولما وجدت عينيه تراقباني، سألته برقة: "هل هذا الطفل أنت؟"، ثم لفتت نظري نحوه ورأيته يتجه نحوي بابتسامة خجولة.

ضحكت مرة أخرى، ثم عُدت عيناي للتحديق في الصورة.

"ما المضحك في الصورة؟" سأل، وبينما وقف واتجه نحوي، غمزت بنبرة طريفة وقلت: "كأنك تستطيع قراءة أفكاري".

ضحك بصوت عذب، ثم التقت نظرته بالصورة مرة أخرى، ونظرت أنا أيضاً بدهشة إلى تلك اللقطة المميزة.

"يبدو أن موهبتي تتلاشى"، تحدث بصوت هادئ، نظرت إليه بابتسامة وقلت: "آوه، وما الذي جعلك تفقد تلك القدرة الخارقة؟".

"حسنًا..." تظاهر بأنه يفكر بينما يلتفت إلى الأفق، ثم نظر إليّ مرة أخرى وقال: "أعتقد أنها تعمل فقط مع الفتيات الجميلات"، وأرخى حاجبه مبتسمًا بشكل مرح.

عبست بنكهة من الطفولة وقلت: "نعم، للأسف، مهاراتك لا تنفع مع الفتيات الجميلات و الجذابات في الوقت نفسه، لذا لن تفهم لماذا ضحكت"، رفع حاجبيه بدهشة ثم اندفع بضحك عفوي.

عندما هدأت ضحكته ونظر نحوي، قمت بإشارة نحو اللعبة وقلت بلطف: "هل يمكنني فتحها؟"، ابتسمت بلطف، وألقى نظرة مترددة نحوي قبل أن يعود بنظره إلى اللعبة ويعود بعدها ليراقبني.

تقدم إلى الطاولة ورفع الصورة، أخذ اللعبة ووضع الصورة فوق الطاولة مرة أخرى.

امتدت يدي لأخذ اللعبة منه، ثم اتجه نحو المكتب وانحنى، يبدو وكأنه يبحث عن شيء، لكنني لم أكن مهتمة حقًا وركزت مجددًا على اللعبة.

نظرت بعيني حين كنت على وشك التحول لأُلقي نظرة على صورة أخرى، معلقة فوق رف عالٍ، وجدت الصورة تظهر نفس الطفل من الصورة السابقة، ولكن هذه المرة كان برفقة طفل آخر يبدو أنه في نفس عمره، كانا يبتسمان بسعادة متناغمة، كل منهما يضع يده برفق على كتف الآخر.

وبجانب الطفل من الصورة الأولى، وقف ذلك الطفل جميل، يتمتع بشعر بني يتدرج بنعومة وجمال، وبشرة فاتحة تتلألأ بالنضارة والحيوية.

الصورة بدت لطيفة ومليئة بمشاعر الدفء والسعادة.

في نهاية النظرة إلى الصورة، شعرت بدفءٍ يمتلأ قلبي، وكأن للصورة روحًا تنبعث منها تمنح البهجة. توقفت للحظة وتساءلت في داخلي: "من يكون الطفل الآخر؟" ربما كان هذا اللقاء هو بداية قصة جميلة من الصداقة أو ربما تجسيد لذكريات جميلة مع احبائه.

انتقلت وجلست على الأريكة، فتحت العلبة وألقيت نظرة على إحدى القطع.

أنا ماهرة جدًا في ألعاب التركيب.

أفرغت محتويات العلبة على الطاولة وبدأتُ في ترتيب القطع، اقترب ماتياس وجلس بجانبي. كان يحمل جهازًا غريبًا وثقيلًا، يشبه الحاسوب لكن بتصميم يبدو مختلفًا تمامًا.

وضع الجهاز على الطاولة وبدأ في الضغط بسرعة على الأزرار، تجاهلته وركزت مجددًا على اللعبة.

توقف فجأة ثم وضع يده على ذقنه وتركيزه كان واضحًا وهو ينظر إلى الشاشة.

عُدت إلى تركيب القطع، لم أشعر بمرور الوقت وكنت غير مهتمة بما كان يفعله الشخص المزعج بجانبي. أوقفت محاولة حل اللعبة لأن تصادم الأفكار كان مزعجًا لدرجة أنني لم أتمكن من التفكير.

لمح ماتياس إلي حين لاحظ عدم تحركي.

"هل سيكونون بخير؟" هممت بهمس، ثم نظرت إلى عينيه بترقب. ابتلع ريقه قليلاً قبل أن يجيب بإيجابية هادئة.

"والدي ووالدك قادرون على التعامل مع الوضع، وأنا هنا لدعمهم"، قال بصوت هادئ ورفع زوايا شفتيه ببطء.

"كيف يمكنك دعمهم من هنا؟" سألته بصوت منخفض، بينما انصرف نحو الحاسوب على الطاولة. أشار إليه، ورأيت مجموعة من الأكواد الملونة والغامضة.

ضغط زرًا على اللوحة وظهر مربع فيديو على الجانب، يظهر فيه عدد من الرجال يتحركون بتنظيم. "هناك حوالي ثلاثمئة رجل يتبعونا، يحاصرون المكان"، قال بهدوء.

ضغط زرًا آخر وظهرت سيارة سوداء كبيرة، وكانت أبوابها مفتوحة مع رجلين مسلحين يجلسان بداخلها.

"لديهم أربعين سيارة فقط، لن يقوموا بأي حركة مشبوهة لأنهم يعلمون أننا لن نتساهل. هذه منطقتنا ونستطيع الحصول على دعم إضافي، إنها لعبة خاسرة لهم ولن يبدؤوا بالتحرك الأول".

نظرت إلى عينيه بخوف، وكان والدي بالداخل وكل ما لديه يعتمد على الخارج.

رفعت حاجبيه بينما ضغط على زر آخر، ظهر بث مباشر لوالدي يجلس مقابل رجل في عقده الخامس، لم يكن والدي مسلحًا ولم يكن لديه حراس، وكذلك الرجل الآخر. كنت خائفة للغاية من ما قد يحدث لأبي.

عضت شفتي السفلية، وعندما طرقت فكرة موت والدي عقلي، تأثرت ودمعت عيناي.

"بضغطة زر مني، سأنهي حياة ذلك الرجل"، ابتسم وأضاف، "لا تقلقي، أعدك أن كل شيء سيكون تحت السيطرة"، تبادلنا النظرات للحظة، وفجأة شعرت بأن قلبي يهدأ وتتبدد مخاوفي.

عندما رن هاتفه، اتسعت ابتسامته تدريجياً وانعكست على وجهه بينما يلتقط نظري قبل أن يقطع التواصل البصري ويستخرج هاتفه من جيبه. "نعم"، قال بعدما وضع الهاتف على أذنه، "في طريقي"، أضاف بحماس وابتسامة جانبية.

شعرت أن الزمن تباطأ عندما نظرت إلى ضحكته، خاصةً الناب الحاد الذي برز مع ابتسامته، يشابه ناب ذئب.

أغلق هاتفه وعاد الهدوء إلى أفق الزمن في نظري، ثم قال، "يمكننا الخروج، كل شيء تحت السيطرة"، وقف وتقدم نحو الباب، تبعته وفتح الباب لنخرج سويًا.

أثناء سيرنا في الممر، لم تكن خطواتنا سريعة أو بطيئة جدًا. عندما وصلنا إلى الباب الذهبي، وضع ماتياس الرمز في المكان المخصص له ثم فتح الباب.

عندما فتح الباب، اقترب ماتياس وأمسك بيدي، نظرت إليه بدهشة، لكن نظره كان باردًا ثم تحرك للأمام، دفعني لمواكبته.

تخطى الممر الذي كنا فيه سابقًا وأدخلني في طريق آخر. بدأت يده تتسارع في الحركة مع كل خطوة نحو الجدار، حيث كان يُحجب الممر، كان يبدو وكأنه لا يرغب في أن أرى ما وراءه.

"لماذا لا نمشي من هناك؟"، سألته بصوت هامس، لكنه تجاهل سؤالي واستمر في المشي. "لماذا نخرج من الباب الخلفي؟"، سألت مجددًا بينما فتح باب المنزل الخلفي.

سحب يده للأمام ودفعني للخارج، التقيت بوجهه الذي كان يتكئ على الباب بيد ويضع يده الأخرى على البار.

بينما كنت أنظر إلى عينيه بلا فهم، ترقبت منه الإفصاح عن معلومة واحدة تكفّل بتفريغ تداخل أفكاري، قبل قليل قال بأن كل شيء تحت السيطرة، وتساءلت في نفسي ما الذي سيحدث.

زفر بعنف مع توجه نظره نحو عيناي، تخطى عتبة الباب ليقف أمامي، ووضع إحدى يديه في جيوبه، كانت عيناه تركز على عيناي، ثم رفع إحدى يديه مشيرًا إلى مكان ما.

لمحت حيث كان يشير، ووجدت ثلاث سيارات سوداء فاخرة وعدد من الرجال المسلحين يحيطون بها.

"والداك ينتظرانك هناك"، صرح بصوت هادئ، ثم خفّض يديه التي كان يشير بها، نظرت إليه بتساؤل، "هل أنت واثق؟"

ابتلع ريقه وقلب حاجبيه مع إعادة تركيز نظره على عيناي، "أنا دائمًا واثق"، ابتسم بثقة، وبعدما أستسلمت بيأس، استدرت للانطلاق نحو الاتجاه الذي أشار إليه.

انحدرت ببطء وبانسجام عبر السلم الذي كان يطل على البحر الداكن، حيث تلألأت نجوم الليل في الأفق البعيد.

كُنتُ أرتدي فستاني الأسود الطويل الذي بدا وكأنه يتلاعب بظلال الليل.

وبينما انزل عبر الاربعة درجات، اعتمدت على مسند الدرج لثبيت خطواتي في ظلام الليل.

عندما وصلت إلى الأسفل، وجدت نفسي وسط هدوء الليل، حيث يلامس صوت الأمواج الهادئة شواطئ البحر.

أثناء سيري بكعبي العالي وفستاني الطويل على الرمال الناعمة، شعرت بالحيرة حين اقترب ماتياس مني بخطوات هادئة.

توقفت فجأة ونظرت إليه بدهشة، وسألته بتساؤل صامت في عيني عن سبب وجوده هنا. أجاب بابتسامة خافتة، معبراً عن رغبته في مرافقتي إلى والدي الذي ينتظرني على الشاطئ.

استغربت من هذا السلوك الغير معتاد لماتياس البارد والمغرور، ولكنني وافقت بصمت وواصلت مسيري بصعوبة على الرمال الباردة.

شعرت بألم بسيط في أقدامي بسبب الكعب العالي والصعوبة في المشي على الرمل، نظر ماتياس إلي بينما نمشي.

كنت أرفع فستاني بصعوبة وأمشي في الرمل بصعوبة أكبر، توقفت وتوقف ماتياس أيضاً.

رفعت قدمي لأنزع الكعب وبالفعل فعلت ذلك، وامسكته، ثم عدت للمشي وأحمل فستاني.

"سأموت قبل أن أصل إلى هناك! لماذا يضع السيارات بعيداً جداً؟" همست أحدث نفسي، زفرت بغضب بينما أمشي.

سمعت ضحكة خافتة تنبعث من ماتياس، لكنها اندمجت بسرعة مع الرياح المنعشة التي تلامس وجهي.

نظرت إليه بتفاصيله الصامتة والجذابة، ثم تحولت نظرتي نحو أفق البحر اللامتناهي، حيث تلتقي أمواجه بسماء مليئة بالنجوم المتلألئة.

"مضحك حقاً"، قلت بسخرية.

فجأة شعرت بنفسي ترتفع عن الرمل، "إذا استمررنا على هذا النحو، سنصل هناك بعد أسبوع" سخر ماتياس بصوت هادىء بينما حملني برفق بوضعية العروس.

وضعت يداي على كتفيه، ونظرت نحو ملامح وجهه بتركيز.

وصلنا إلى السيارات، وقف وهو يحملني برقة، وعندما طلبت النزول، وضعني برفق على الأرض كما أرادت.

خرج والدي بخطوات ثقيلة من إحدى السيارات، ولمحت عبوسًا في وجهه وهو يلقي نظرة حادة نحو ماتياس. "لماذا أنتما هنا؟"، تساءل بصوت مكتوم مليء بالغضب، بينما كانت محاولاته للحفاظ على هدوئه واضحة.

"ما الذي تعنيه؟ أرسلت لي رسالة تطلب مني إحضارها إلى هنا"، تحدث ماتياس بغضب متقهقر، وارتفع رأسه بكبرياء متصنع. وضع والدي إحدى يديه على صدره والأخرى تداعب حاجبيه، "حسنًا، لا مشكلة"، أجاب ثم جعل يديه في جيوبه وتوجه ببطء نحو ماتياس.

"خذها إلى البيت واحرص على حماية الفتيات، سنخرج معًا، نحتاج إلى مناقشة"، تحدث والدي بهدوء، حينما نظر ماتياس بعنف نحو عينيه، ثم زفر بغضب.

ألقى ماتياس نظرة علي ثم توجه نحو البيت مرة أخرى، "هيا"، اقترب مني لكنني سحبت يدي بسرعة، حينما انتبه والدي الذي كان على وشك صعود السيارة.

نظر والدي إلي بدهشة، وأخبرته: "أحتاج إلى معرفة الحقيقة، أبي. لا أستطيع التظاهر بأن كل شيء طبيعي بعد رؤية هذا." تحوّلت نظراته إلى برودة تامة، وكانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها تلك النظرة في عينيه.

"عودي إلى البيت"، همس بإهمال، ثم توجه نحو السيارة بخطوات بطيئة. فقط بعد خطوتين، سقطت جثة رجل مشوه الوجه من إحدى السيارات.

انحنيت للوراء وسقطت على الرمال، اقترب والدي بسرعة وانحنى أمامي، محاولاً حجب رؤيتي عن الرجل الملقى على الأرض.

"يبدو أننا لن نستطيع المضي قدمًا اليوم"، همس بيأس، ثم لامس خدي برفق. دفعت يده بسرعة وقمت بالوقوف، نظرت بعيون واسعة نحو الرجل قبل أن أتراجع وأبتعد بسرعة.

لا أستطيع تذكر كم مرة تعثرت بسبب الرمال، لكن كانت كثيرة جدًا.

وقعت على الرمال بقوة، وشعرت كيف اندفع الماء البارد والرمل باتجاه فستاني، يغمره ويتلطخ بالرمال الرطبة.

شعرت بضغط شديد في صدري، وقلبي ينبض بشكل متسارع، كأنه يحاول الهرب من داخلي. وضعت يدي المرتجفة على صدري في محاولة يائسة لتهدئة نفسي، لكن لم تكن هذه المحاولة كافية. كانت الأنفاس تتعثر في حلقي، وكانت دموع الخوف تتدفق بدون توقف من عيني.

كنت مشدودة ومرعوبة، ولم أكن أدري ما يحدث لي. كل ما كنت أشعر به هو الارتجاف والعزلة والضعف. وبينما كنت أحاول تهدئة نفسي، لم أجد سبيلاً للتخلص من هذا الشعور المرهق الذي يجتاحني.

شاهدت ماتياس يقترب بسرعة نحوي، ولم أستطع إلا أن أبكي بشدة وأخذ الهواء بصعوبة. كانت دموعي تنهمر بلا توقف، وكان قلبي ينبض بشدة في صدري، مما جعلني أشعر بالضياع والارتباك.

ركض بسرعة نحوي، وجلس أمامي على الرمال. وبينما كنت ألتفت إليه بعينين ممتلئتين بالخوف، بدأ يتحدث بكلمات رقيقة ومهدئة، يحاول تهدئة روعي وإعادة الهدوء إلى قلبي المضطرب.

"استنشقي ببطء، وأخرجي الهواء برفق. سأساعدك في التنفس بشكل صحيح."
صوت هادئ يعانق الهواء، ونفس يمتص السكينة من حوله. بعدها، امتدت يده بلطف نحوي، تلامس كتفي برقة، تهدئةً لروعي.

"أنا هنا معك، لا تخافي، سأظل بجانبك حتى تشعري بالأمان."

كلماته تسللت إلى داخلي، تطفئ العواصف وتحميني. خوفه عليّ لم يكن سريعًا لكنه كان قويًا، هادئًا وثابتًا.

وفي لحظات تلك المحاولة للتهدئة، شعرت بالحماية والاهتمام يلفاني. تخفت الأعراض تدريجيًا، تعود دقات قلبي إلى سكينتها.

سألته بصوت هامس: "ما الذي حدث؟" عيناي تسألانه، مليئتان بالتساؤل والحيرة. أجاب برفق وليونة: "نوبة ذعر، لا تقلقي، أنا هنا معك." كلماته الدافئة تخفف وطأة الرهبة في قلبي.

تسيل الدموع دون إذن، فأضع يدي على فمي لكبت شهقاتي وأخرى على قلبي، "لا بأس"، ينزل رأسه، يبعد شعري، ينظر في عينيّ، يبتسم بلطف.

"أشعر بالغثيان، ماتياس. لا أستطيع أن أكون جزءًا من هذا." همست بصوت متقطع، نظرت إليه.

"سأكون إلى جانبك في كل لحظة، لا تترددي في الاعتماد عليّ لأي شيء تحتاجينه." قال بهدوء مطمئن، كانت كلماته تشكل ملاذاً وحماية لي في تلك اللحظة الصعبة.

لم أشعر بالراحة، شعرت انني أغرق في بحر.
انغمست في أحضانه، وابتعدت يديه عن جسدي، كنت أبكي بشدة، وكانت نبضات قلبه السريعة تعكس حالتي النفسية المضطربة. ببطء، نزل إحدى يديه ثم وضعها برفق على ظهري، بينما وضعت الأخرى بلطف على شعري.

"لم يكن يجب عليك رؤية ذلك" همس بصوت خافت.

أغمضت عيناي واستسلمت للأمان بجانبه.

فتحت عيناي ببطء، وكانت الأضواء تتسلل من خلال الستائر المغلقة. كان ماتياس يقف هناك، ينظر إلي بعناية.

كانت الغرفة مظلمة، ولكن حضوره أعطاني الطمأنينة.

كانت عيناه السوداء تحتضن الكثير من الأسرار والألم. "اهدئي"، همس بصوتٍ مهدئ حين اندفعت بسرعة لأجلس.

كان ينحني قليلاً ليكون أقرب من وجهي، وكأنه يحمل في عينيه الكثير من الأمل والحذر في نفس الوقت.

"كنت أحاول وضعك في سريرك، سيكون ذلك أكثر راحة لك"، قال بلطف. أنا لم أكن متأكدة من كيفية وصوله إلى هنا، لكنني لم أكن أرغب في الاعتراض. كان يعرف كيف يهدئ الأرواح المضطربة.

ابتلعت ريقي وأخذت نفسًا عميقًا. "لا أريد أن أنام، سأغيّر ملابسي". كانت كلماتي تتدفق بسرعة، وكنت أعلم أنه لا يمكنه البقاء هنا.

"ارفعي صوتك إيلين، لا يمكنني سماعك"، همس بينما يجعل وجهه مقابلاً لوجهي. كانت عيناه تحدق في عمق روحي، وكأنه يحاول قراءة أفكاري. "لا أريد أن أنام الآن، سأقوم بتغيير ملابسي أولًا"، أجبت بثقة.

"سأخرج إذاً"، همس، بدا وكأنه يتحدث مع نفسه وليس معي. استقام بظهره ثم مشى مقتربًا من الباب بخطوات هادئة. خرج من الغرفة وأغلق الباب بلطف خلفه. كنت وحيدة مرة أخرى، لكنني لم أشعر بالوحدة. كان لدي شيء آخر يشغل تفكيري، وكان اسمه ليونيد.

وقفت ثم ذهبت لخزانتي ابحث عن ملابس يمكنني النوم فيه.

وجدت نفسي وقد وقعت عيناي على خزانة ملابسي المليئة بالأزياء الفاخرة والألوان الزاهية. لكن في هذه الليلة الخاصة، كانت الأمور تتخذ منحىً مختلفًا. كان الكابوس الذي عصف بي خلال النهار ليس مجرد سيئًا، بل كان مرعبًا بحق، وكانت احتياجاتي للراحة ملحّة.

وبينما كنت أستعرض الملابس، لفت انتباهي قميص ساحر في خزانتي، يجسد جمال السماء في ليلة صافية، حيث تتلألأ نجومها ويتألق قمرها على خلفية سوداء عميقة. لم يكن هناك تناغم أروع من ذلك مع سروالي الأسود الواسع قليلًا.

وبعدما ارتديت السروال والقميص، جلست على حافة السرير ورفعت قدمي لأضعها فوق السرير، ثم لففت ركبتي إلى صدري ولفت يدي حول ساقي.

نظرت خارج النافذة إلى السماء الجميلة، حيث كانت النجوم تلمع بوضوح في هذا البحر من السماء مقارنة بما كانت عليه في بيتنا.

تذكرت فجأة أن لدي امتحان في مادة الفيزياء غدًا، ولم أدرس شيئًا حتى الآن، شعرت بنوبة من القلق الشديد. قفزت من مكاني بسرعة مذهلة، لدرجة أنني تعثرت وسقطت بجانب السرير.

ثم أخرجت كتابي ورميته بجوار المكتب، وفتحت الضوء الموجود فوق المكتب لأبدأ في الدراسة بجدّية. لم أكن أحب الضوء الساطع أثناء الدراسة، فقد أفضل الإضاءة الأرضية في أيام الدراسة العادية.

جلست على الكرسي بتركيز، ثم فتحت الكتاب، وأنا أتأمل في كمية المادة التي يتعين عليّ دراستها قبل المدرسة. "يا له من وقت ضيق! كيف سأنهي كل هذا في الوقت المتاح؟" همست بينما أقلب صفحات الكتاب بسرعة.

بدأت أشعر بضغط الوقت، لم أكن أعتقد يومًا أنني سأصل إلى هذه الدرجة من الإجهاد. لو كانت أي فتاة أخرى في موقفي، لن تدرس أبدًا! لقد رأيت جثة رجل للتو، هل يجب علي أن أفكر في الدراسة في هذا الوقت؟

"لا أشعر بالراحة بدون الدراسة"، همست بينما عدت لفتح الكتاب من البداية.

ضبطت موقتًا ليحسب مدة الوقت اللازم للدراسة قبل أخذ راحة بسيطة، ثم انخرطت في الدراسة. على الرغم من عدم فهمي للمادة، إلا أنني بذلت جهدًا للبحث عن مقاطع فيديو على يوتيوب توضح المفاهيم بشكل أوضح.

يجب على معلمي يوتيوب الحصول على المزيد من الدعم المالي، فأنا لا أعتقد أن جميع المعلمين في المدارس يستحقون المبالغ التي يتقاضونها سنويًا.

عندما انتهى الوقت، كنت على وشك الانهيار والبكاء، ففتحت باب غرفتي ببطء وخرجت متوجهة نحو المطبخ.

كنت بحاجة إلى شيء يبقيني مستيقظة أو يمنحني البهجة على الأقل، فاخترت تحضير كابتشينو. وضعت الحليب على النار وبدأت في الانتظار، متأملة في الوقت ذاته. دموعي بدأت تتدفق بشكل كبير، يومي كان سيئًا بكل المقاييس.

باريس معجب بجوليانا، وجولييت واقعة في حب ليونيد، وأنا هنا واجهت يومًا صعبًا بالفعل، فأنا لم أدرس بعد لامتحان الفيزياء، ورأيت جثة رجل ميت.

واو، إنه يوم سيء بشكل رائع، سأضعه في خزانة الأيام السيئة. لم ألاحظ أن الحليب الذي وضعته على النار كان سيفور إلى أن سمعت الصوت فأغلقت النار بسرعة. "آوف، كيف يمكنني الاستمرار؟" كانت أفكاري تتجه نحو الفيزياء بشكل مزعج.

"ما الذي تحتاجين لإنهائه؟" سمعت صوت ماتياس يخترق الهدوء خلفي، فمسحت دموعي بسرعة واستدرت لأراه. "آه، أنا..." ترددت في الإجابة بينما ألقيت نظرة دهشة نحوه.

كان شعره مبللاً ويرتدي شورتًا أسود وقميصًا أبيضًا، اقترب مني بخطى هادئة.

"لدي امتحان في الفيزياء ونسيت أن أدرس، يجب علي إنهائه الآن"، أخبرته بصوت هادئ وألقيت نظرة نحو عينيه. "آها"، قالها ثم ابتسم بلطف.

بعد لحظات، سألته، "أين يمكنني العثور على كوب الكابتشينو؟"

وقف ماتياس قليلاً، يلقي نظرة سريعة حول المطبخ، ثم نظر نحوي وقال بانتباه، "ربما يكون في الخزانة العلوية على اليسار."

وأثناء بحثي في الخزانة، شعرت بأنني بحاجة إلى التركيز للتغلب على التوتر الذي كان يسيطر عليّ تجاه الامتحان المقبل.

تحركت بأناقة وثقة في المطبخ، بدأت بإخراج الكوب وتنظيفه بدقة قبل استخدامه. لمست جانب الكوب البارد بأصابعي، وشعرت بالراحة وأنا أستعد لتحضير مشروبي المفضل.

أخذت الظرف من درج الطعام حيث وضعته مسبقًا، فتحته بحركة ماهرة وسكبت محتواه داخل الحليب الذي كنت أقوم بغليه.

أثناء تحضيري للكابتشينو، كنت ألاحظ بعناية حركة الحليب والظرف، محاولاً ضمان امتزاجهما بشكل متساوٍ للحصول على تجانس مثالي في المذاق.

شعرت بالراحة والسكينة وأنا أستمتع بكل خطوة من عملية التحضير، بينما كنت ألتفت بين الحين والآخر لأرى ماتياس وهو يراقبني بانتباه. على الرغم من برودته وتحفظه، إلا أنني كنت متأكدة بأن هناك شيئًا ينتظرني خلف تلك النظرات الهادئة.

"لماذا لا تنام؟" سألته وأنا أقوم بتحريك الحليب في الكوب.

"لم أستطع"، أجاب بصوت هادئ.

أظل القمر يتسلل من خلال الزجاج، حيث كانت إحدى جوانب المطبخ مصنوعة من الزجاج وتطل على البحر.

"آها"، همست وعدت للتركيز على الكوب.

كان ينظر إلي بتركيز، مما أثار بعض التوتر لكني قررت أن أواجهه، فبادلته النظرات، وبالرغم من تحديه، لم يبعد نظره، بل استمر في التحديق بثقة.

عدت للنظر إلى الكوب وفي تلك اللحظة قام بالتحرك وصب كوبًا من الماء، ثم شرب ونظر إلي.

رفعت الكوب من الطاولة للمغادرة، لكنه قال: "إذا احتجت لمساعدة في الفيزياء، يمكنني مساعدتك"، فلقد نظرت إليه، وكان يركز بعينيه بثبات أثناء النظر إلي.

كنت في حاجة ماسة لأي مساعدة في هذه المادة الصعبة، لكني لم أكن مستعدة للحصول على المساعدة من ماتياس.

"شكرًا لك، سأخبرك إذا احتجت للمساعدة"، قلت بابتسامة وانتقلت الابتسامة لوجهه، ثم استدرت ومشيت باتجاه الدرج لأصعد إلى غرفتي.

انهيت قراءة الكتاب وأغلقته بلطف، لم تكن حالتي النفسية مناسبة للتمعن في آخر الصفحات. اقتربت من باب غرفتي وأنا أفكر في والدي وكل ما حدث.

تساءلت لماذا كان ذلك الرجل هنا؟ وعلى الرغم من ذلك، فالرجل الميت الذي رأيته لم يكن شبيها بالرجل الذي كان يجلس مع والدي في الغرفة عبر شاشة ماتياس.

اتكأت على الباب وأخذت نفسا عميقا، ثم أغلقت عيني بينما تفكرت في الأحداث.

بعد دقائق، فتحت عيني وانفصلت عن الباب للتوجه نحو سريري.

استسلمت للتعب ودعوت جسدي يسقط برفق على السرير، ثم أغمضت عيني بسلام.





































?

عندما اقترب الظل المجهول بصمت مقتحمًا غرفة أيلين النائمة، انعكست أشعة القمر الخافتة على وجهه الملتحف بالظلال، مما أضفى على ملامحه غموضًا لا يُفكَّ. وقف بجانب السرير بلا صوت، كأنه جزء من الظلام الذي احتضن الغرفة بأكملها.

ببطء متناهي، رفع جهاز الكاميرا بيديه المغطاة بقفازات سوداء، وتوجه بعدسته نحو الفتاة النائمة. تراقبت عيناها بلا وعي، وجسدها مستسلم لأعماق النوم الساحرة. انعكست وجوه الأحلام والأشواق على محياها، مُعلنة عن عالمٍ سريٍّ لا يُدركه سوى عقلها المغمور بالعمق.

لكن لم يكتفِ الظل المجهول بتصوير الفتاة وحدها، بل استهدف لوحات الفن المعلقة على جدران الغرفة. بينما تجولت عدسته فوق اللوحات، تحول الغموض في عينيه إلى اهتمام شديد، كمن يفتش عن شيء محدد يختبئ في الزوايا المظلمة للوحات.

بينما كانت أيلين تسبح في بحر الأحلام، اندمجت صورها مع لوحات الفن، كأنها جزء لا يتجزأ من هذا العالم الساحر. وفي هذا الزمن الموازي بين الواقع والحلم، استمر الظل المجهول في جمع ذكرياته المُختطفة، بينما يُعبِر عن روعته بصمت مرعب يُحكمه الغموض الساحر.

بينما كان الظل المجهول يستعد للانصراف بعد جمع غنيمته من الصور والذكريات، تحرّكت يده برفق نحو وجه أيلين النائمة. لمس أطراف أصابعه الباردة برفق خديها، كمن يلامس نعومة الزهور في فصل الربيع.

وفجأة، انطلقت رائحة الزهور والياسمين لتملأ الغرفة، وكأن الهدوء الذي اجتاح المكان أعاد ترتيب أحلامها بلطف. انبعثت ابتسامة خفيفة على شفتيها، كما لو كانت تعلم بوجوده بينما كانت مستلقية في عالم الأحلام.

لم يكن لمسه سوى لحظة صامتة في عالم من الظلمات والصمت، لكنها كانت كافية لتضفي الدفء والراحة على قلبها النائم.

بعد أن أنهى جمعه للذكريات والصور، انزلق الظل المجهول برشاقة نحو النافذة المفتوحة. لم يصدر سوى همس خفيف مع هبوب الرياح، كمناداة من الليل ليعلن وجوده ورحيله بدون أثر.

بلطف متناهي، اخترقت قدميه حاجز النافذة ودخلت الهواء الليلي المنعش، معززًا الشعور بالسكون والهدوء الذي احتضن اللحظة. وبينما انغمست ظلاله في أعماق الظلام، اختفت صورته كما لو كانت مجرد حلمًا تلاشى بعد صباح جديد، وبهدوء يتلاشى الغموض الذي أحاط بوجوده.

مرحبًا بالجميع!

أتمنى أن تكونوا استمتعتم بالقصة حتى الآن!

بدايةً، أودّ أن أرسل تهانيّ القلبية والدعوات الصادقة لكل قارئ عزيز يستمتع بمغامرتي الروائية، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

هذا الشهر المبارك يأتي محمّلاً بالرحمة والبركات، وفي هذه الأوقات الجميلة، أريد أن أعبر لكم عن حبّي وامتناني العميق لكل لحظة تقضونها مع قصصي وشخصياتي.
أسأل الله أن يمنّ عليكم بالخير والنجاح في كل خطوة تقومون بها، وأن يجعل هذا الشهر المبارك فرصة للتقرب منه ومن بعضنا البعض.

رمضان كريم ومبارك عليكم جميعاً، ولنتمتع سوياً بأجواءه الرائعة بأفكاره المباركة وروحانيته الساحرة.

أرغب في شكركم على دعمكم وعلى وقتكم الذي قضيتموه في القراءة. أود أن أعرف آراءكم وأفكاركم حول الفصل، لذا لا تترددوا في مشاركتها معي.

بالإضافة إلى ذلك، أود أن أطلب منكم التصويت على الفصل إذا أعجبكم، على الرغم من أنني أريدكم أن تعلموا أنه ليس هناك واجب بذلك.

دعمكم ومشاركتكم يعني الكثير لي، وأنا ممتنة لكل واحد منكم يخصص الوقت للتصويت.

أتمنى أن تستمتعوا بالقراءة وأتطلع بشوق إلى دعمكم المستمر! شكرًا لكم!

أحبكم جميعاً~

من تريدون ان تكون الاحداث من وجهة نظره في الفصل القادم؟

Continue Reading

You'll Also Like

997K 39.4K 43
مَاذَا سَتَفْعَلُ عِنْدَمَا تَكُونُ حَيَاتُكَ مُهَدَّدَةً بِـ الْأَذَى! وَهُنَاكَ خَطَرٌ يَحُومُ حَوْلَهَا؟ عِنْدَ السَّاعَةِ 12:00 لَيْلًا وَعِنْدَ...
227K 15.1K 39
عمليه اغتيال تنفذ بأحد بأبن اڪبر شيوخ العشائر في محافظه ميسان جريمه بشعه تنفذ بحق هذا الشاب الحكيم القاتل غامض ومجهول الهويه والمثير للريبه اڪثر...
27.2K 1.2K 57
منكب من أطلع ورد دون انكان... الياخذ ثاره أبد ما يرجع منكب🦅☠️
11M 890K 44
ماذا لو كان الدم هو لونها المفضل..؟ 𝐓𝐇𝐄𝐘 𝐒𝐀𝐘 𝐌𝐀𝐅𝐈𝐀 𝐈𝐒 𝐌𝐘 𝐌𝐈𝐃𝐃𝐋𝐄 𝐍𝐀𝐌𝐄!