غُربة

By AyaMedhat956

2.9K 187 274

غُربة، غُربة أرواح تاهت بدروب الحياة، أرواح تغربت و ضاعت خُطاها تقودها نحو المجهول و الخوف يسكنها، أرواح لم ت... More

المقدمة
١-محاربة
٢-طيف الأحباب
٣-صفعات
٤-أنا و الغريب
٥-أسيرة الظلام
٦- أرض الغُربة
٧- مُخادعة
٨- نيران مُشتعلة
٩- أخي الحبيب لا تحزن
١٠- أبي
١١- غريب بموطني
١٢-وحش كامن
١٣- عالم مُخيف
١٤-ساذجة بعالم متغطرس
١٥- فريسة
١٦- مفاجأة غير متوقعة
١٧- طعنة خذلان
١٨- طريق مُظلم
١٩- قلوب بريئة
٢٠- عيونها شمس
٢١- وعود من القلب
٢٢- طفلة بريئة
٢٣- أمي الأمان
٢٤- عوض من الله
٢٥- نظرية الفراشة
٢٦- مالك القلب
٢٧- حياة تُباع
٢٨- ماذا أصابك أيها العصي؟
٢٩- رحل نور منزلنا
٣٠- لم تعد الديار دياركِ
١- الصبر يا الله (الجزء الثاني)
٢- أثق بك (الجزء الثاني)
٣- لأجلكِ تخان العهود (الجزء الثاني)
٤- شبيه الروح (الجزء الثاني)
٥- أعتذر منك يا أخي (الجزء الثاني)
٦- ملاكم ثائر (الجزء الثاني)
٧- وكر المجانين (الجزء الثاني)
٨- أي نسخة أنت؟ (الجزء الثاني)
٩- فريد (الجزء الثاني)
١٠- ضحية (الجزء الثاني)
١١- في هويد الليل (الجزء الثاني)
١٢- يا مهَوِّن (الجزء الثاني)
١٣- حياة (الجزء الثاني)
١٤- أحببتكَ أيها الغريب (الجزء الثاني)
١٦- غريب عن موطنه (الجزء الثاني)
١٧- فراق الأحباب (الجزء الثاني)
١٨- الغريب القريب (الجزء الثاني)
١٩- ميار الأسيوطي (الجزء الثاني)
٢٠- البريئة المظلومة (الجزء الثاني)
٢١- عودة الروح (الجزء الثاني)
٢٢- نسخة جديدة (الجزء الثاني)

١٥- الغائب الحاضر (الجزء الثاني)

29 4 7
By AyaMedhat956

" لا تتخلي عن حنو قلبكِ و لو نعتكِ الجميع بالبلهاء، هذه صفة نادرة و لا يتمتع بها الجميع و لا يستطيع كل من لديه تلك الصفة منحها للآخرين فإن كنتِ حنونة و حنانكِ يفيض منكِ على الجميع هذه ميزة لا تتخلي عنها".
والدتكِ.

"من بين ستات العالم و الدنيا ملفتش خيالي إلا خيالك..فستانك الإسود و براءتك و هدوء تفاصيلك و جمالك..لما بتدخلي على أي مكان بيبان إنك مختلفة بجد..أميرة من الحواديت تايهه و قاعده بوقارك و في حالك..و عليكِ عيون سبحان الله قمرين زي البدر الكملان..لما بتضحكِ كل الدنيا بتتحول فجأة لخير و أمان..الشاعر لما يشوف حاجة و يكتب عنها بيغرق فيها فأنا هنا بتكلم فعلاً جد..بتكلم جد الجد كمان...كتبتلك بلاش تبصلي في عنيا عشان الشوق ممكن يبان..و استهدى بالله في الجمال و التقل لا ترد البيبان..و اسمحيلي لو مرة ألمحك و أستسمحك تقبل تكون نور العيون و معايا على مر الزمان..نفسي الستات كلها تلبس زيك..تلبس فستان فضفاض زيك و تعيش بهدوء و سلام زيك و تحب الكل...إنتِ الإنسانه اللي تطلي فالشمس تطل..بتحبي الشِعر و شكل البحر و أغاني بهاء سلطان و الليل..بتحبي الخير و ركوب الخيل...ملهاش في الناس و حضورها خفيف و أخرها تروح تشرب كوكتيل أو تمشي شوية في أي مكان..من الآخر ملهاش في الإنسان و حضورها قليل بس إن طلت طلتها في أي حضور بتبان و رقيقة كمان.. موهوبة كمان بتحب الديكورات و الألوان..لسه مكبرتش مع الدنيا بعد المآساه...مبتتغيرش و حلاوتها في خوفها من الله..لسه بمبدأها بتتعامل من يوم ما اتخلقت في الدنيا و بتضحك من رحم المعاناة".
(فارس قطرية).

انقضت بديعة على إبراهيم تضمه بسعادة حتى أنه تأوه من جرحه و لكنه ضحك بسعادة كما نورة و قد نجح بإسعادها حقاً و تحقيق حلمها فيما تحدث إبراهيم يوجه حديثه لنورة و قد ابتعدت عنه بديعة تطالع الأوراق بين يديها بابتسامة و قلبها يتراقص فرحاً:
- و إنتِ يلا بقى كفاية قعدة و نكد، إنتِ مش اتفقتي مع رامي إنك هتنزلي تدربي و تتمرني و تروحي تقدمي و تعلمي اسكيت و فروسية، مستنية إيه و متقوليليش عشان حياة، كلنا هنا موجودين مش هتوقفي حياتك عشان حياة، كفاية شايلاها طول الوقت و بتتحججي بيها، خلينا نساعد بعض و نسهل الدنيا، متخلنيش أندم إني مطاوعك و سايبك رافضه حد يساعدك في مراعيتها عشان مضايقكيش بس لحد كده و كفاية المفروض اتعلمنا بقى و مش هنعيده تاني و نوقف حياتنا و نضيعها و نفضل واقفين مكانا..هننظم الوقت و حياة كلنا موجودين هنشيلها معاكِ و ابدأي بقى حياتك.

طبقت نورة على شفتيها فهي بالفعل تختلق الأعذار و مازالت خائفة ثم تحدثت تبوح له:
- خايفه يا إبراهيم..خايفه مقدرش، خايفه منجحش، خايفه مقدرش أتعامل مع الناس برضه..أنا لسه بخاف.

- كلنا بنخاف يا نورة بس مينفعش نفضل في مكانا مستسلمين و بعدين إنتِ ليه مش شايفه اللي إنتِ وصلتيله..بذمتك إنتِ نورة اللي اتعرفنا عليها في الأول؟..إنتِ اتحسنتِ كتير و بقيتي بتتعاملي مع الناس و كنتِ مبسوطه بالتجمعات في رمضان و العيد و اتعرفتي على ناس جديده، ده إنتِ اتصاحبتي على شهد و كنتِ مبسوطه يوم ما روحنا نفطر معاهم و هزرتِ و ضحكتِ مع الحاج إسماعيل و نزلتي كذا مرة مع شهد اشتريتوا حاجات و روحتي زورتي الحاج لوحدك..يا نورة إنتِ بقى ليكِ حياة و بدأتِ تكوِّني علاقات، أه بتبقي متوتره لسه بس بدأتِ تتعودي و تتعاملي على راحتك أكتر حتى معانا هنا، أنا مبقتش أحس إنك بتتوتري خالص وسطنا و بقيتي بتتعاملي عادي جداً..متقلليش من نفسك عشان إنتِ فعلاً قوية و قادرة تعدي كل ده و عندك قوة إنتِ مش عايزه تشوفيها..نورة إنتِ مستوعبه إنك اتجرأتي و دافعتي عن ماما حتى و إنتِ خايفه قدرتي، متخيلة إنك مخوفتيش و طلعتي عشان تلحقي الولاد، متخيلة إنك كنتِ في وضع صعب على أي بني آدم و مش أي حد يقدر يتصرف في وضع زي ده لكن إنتِ اتصرفتي؟، نورة إنتِ المطوة كانت على رقبتك و هتموتي لكن إنتِ قدرتي و فكرتي و قاومتي و خلصتي نفسك حتى لو كان بمساعدتي لولا تفكيرك الله أعلم كان ممكن إيه يحصل و كنت هقدر ألحقك ولا لأ..إنتِ حتى اللي فكرتِ و اتصلتي بيا و ماما نفسها من خضتها مجاش في بالها..إنتِ بجد إزاي مش شايفه قدراتك؟!..خلي عندك ثقة في نفسك حتى لو فشلتي حاولي مرة و اتنين و عشرة لحد ما تنجحي، حطي هدف قدامك و صممي إنك توصلي و هتوصلي صدقيني بس تثقي في نفسك..أنا شخصياً واثق فيكِ و واثق إنك هتنجحي بس اتحركِ و متخافيش.

أومأت نورة له موافقة بارتياح و بالفعل بدأت تدريباتها و تمرين جسدها لتسترد لياقتها و قد اشتركت بصالة رياضة كما بحثت عن مواقع لتعود و تتدرب على هواياتها الرياضية و بدأت بالفعل و قد قدمت أوراقها الخاصة ببطولاتها ببعض الأماكن بحثاً عن عمل بتلك الرياضات كمدربة بعدما انتهت من استعادة لياقتها و تدربت جيداً و قد مرت أشهر و بدأت بالفعل بالعمل و قد اختارت تدريب أطفال كي تكون على راحتها أكثر و تُقسم وقتها يومياً بين تعليم الأطفال على الرقص على الجليد و بين تدريبات الفروسية و ركوب الخيل تُعلم المتدربين و تصطحب معها حياة كي تقوم بإرضاعها و مراعاتها و قد اختارت أماكن بها رعاية أطفال كي لا تبتعد عنها و رغم صعوبة الأمر في بادئ الأمر إلا أن دعم رامي و الجميع جعلها تتخطى الأمر و تنسجم و تسعد كثيراً بِمَ تفعله.

خلال تلك الأشهر ذهب إبراهيم لإسماعيل و أقنعه أن يكتفيا بهذا القدر و يتقدم علي لشهد رسمياً مرة أخرى و قد نجح علي بالعمل كثيراً حتى أن إبراهيم بدأ يعتمد عليه كلياً في بعض الأعمال و قد أثبت علي جدارته بتحمل المسؤولية و نجاحه بالعمل و وافقه إسماعيل و بالفعل تقدم لخطبتها و تم عقد القرآن بعد بضعة أشهر يرفرفان بسعادة سوياً و قد بدأ علي بالحديث مع رامي عن أزمته و بدأ رامي بمساعدته لتخطي الأمر.

اليوم ذهب إبراهيم لنورة كي يقلها من موقع تدريب التزلج لموقع تدريب الفروسية و سينتظر انتهائها من العمل نظراً لأنها لن تتأخر اليوم بموقع الخيول و قد تأخر الوقت و أُغلق مكان رعاية الأطفال بالمكان و هناك عملاً مهماً يجب الإنتهاء منه لذا ستنهيه سريعاً و خلال هذا الوقت سيراعي إبراهيم الطفلة كي تكون بقربها إن احتاجت للرضاعة.

وصل إبراهيم لموقع التدريب و دلف ينتظرها بالداخل ثم التقطها تمرن الفتيات و تقوم بالرقص على الجليد تعلمهن الخطوات باندماج بينما إبراهيم يراقبها و هي لم تلحظه و قد شرد بها بابتسامة يراها حقاً تُحلق كفراشة تقفز أحياناً و تدور حول نفسها أحياناً، تفرد ذراعيها و من ثم تمسك بقدمها للأعلى و تدور بدوائر بقدم واحدة، يراها فراشة ترفرف بحرية كما وصفتها والدتها حقاً و قد فهم الآن لِمَ اختارت والدتها هذا الرمز لها و كم لاق بها كثيراً.

انتهت و تفاجأت به لذا اقتربت منه بابتسامة بعدما أبدلت ملابسها و مازالت تتزين بحجابها منذ الحفل و قد التزمت به منذ حينها حتى بتدريباتها تنتقي ملابس ملائمة، اصطحبها للسيارة و قد ابتاع سيارة منذ شهر تقريباً، جلست بالمقعد المجاور له تحمل الصغيرة و قد انطلق بالسيارة لوجهتهما ثم تحدثت بإرهاق:
- تعبت قوي انهاردة مش قادرة أروح لتدريب الخيول بس مضطره عشان المدرب اللي اتكسر ده، لازم أشيل مكانه بس الحمد لله إنهم ادوني فترة قليلة و بعدها هيجي سراج يكمل مكاني و راعوا إن معايا طفله.

- معلش عادي يعني تحصل لخبطة و هما بجد كويسين بيراعوكِ كتير فمعلش لما تشيليهم شوية و بكرة أجازة ريحي بقى.

أومأت موافقة ثم تحدثت بسعادة:
- صحيح نسيت أقولك فيه بنتين من اللي بدربهم كانوا داخلين البطولة و كسبوا مركز أول و ثالث أنا مبسوطه قوي بجد و هما فرحانين قوي، بص جابولي إيه هدية.

فتحت حقيبتها تُريه هدايا الفتاتين فيما زاحمت البسمة ملامحه بسعادة و قد نجحت نورة حقاً و تخطت أزمتها و باتت تتعامل بشكل طبيعي حتى أن رامي بات يخصص لها جلسة واحدة كل شهر فقط لمتابعتها، تحدث إبراهيم بسعادة:
- ده نجاحك إنتِ يا نورة، أنا بجد فرحان و فخور بيكِ قوي.

رُسمت ابتسامة رغماً عنها و شردت به لوهلة ترى لمعة عينيه بفخر حقاً لنجاحها، نظرة لم تراها يوماً بعيني فريد و دعماً طالما تمنته و لكنها لم تحظى سوى على الإستهانة بِمَ تفعل و التقليل من شأنها مهما حاولت و لكن هنا مع من احتل كيانها و فؤادها تتلقى الدعم و التشجيع دائماً و ترى الفخر بعينيه لنجاحها بأبسط الأمور و كم تعشق كلماته و دعمه الدائم لها و عشقه يتوغل لأعماقها و يزداد يوماً بعد يوم كما عشقها بقلبه و لكن مازال كلاهما لم يفصحا لبعضهما و لم يبوح أحدهما للآخر بتلك المشاعر و كيف يفصحا و هي مازالت لم تحصل على حريتها من فريد و قد سألها إبراهيم متى ستتخذ خطوات تجاه فريد كي تتخلص منه و لكنها تحجحت أنها مازالت غير مستعدة لتلك المعركة، بالحقيقة هو يتطوق لخلاصها كي يحصل على فرصته و يبوح لها بينما هي لم يختلف حالها عنه و لكنها تخاف أن تخطو تلك الخطوة رغم تشجيع رامي لها و دعمه بهذا الأمر و قد أفصحت له عن مشاعرها نحو إبراهيم و هو يقوم بتوجيهها و إرشادها كما قام بإرشاد إبراهيم من قبل، حل الصمت قليلاً ثم قطعته الطفلة فجأة و هي تميل بجزعها نحو إبراهيم تحاول الوصول له و هي تغمغم بطفولية و نطقت بأحرف تتناسب مع عمرها الصغير بِمَ جعل أطراف إبراهيم تتجمد بذهول:
- بابا.

طالعها إبراهيم بمفاجأة حتى أنه صف السيارة و قلبه يرجف بين أضلعه فيما نطقتها حياة مرة أخرى فاختطفها من نورة التي تبتسم بسعادة ثم سأل نورة بذهول:
- ده بجد..هي قالت كده بجد؟.

- بقالي فترة بعلمها و امبارح كان أول مرة تنطقها لما شافتك من الشباك.

هكذا أجابته نورة بابتسامة فيما اتسعت ابتسامة إبراهيم و قد نطقتها الصغيرة مرة أخرى فضمها لصدره بحب و تحدث بسعادة عارمة:
- يا قلب بابا إنتِ..هتاكلي عقلي بعمايلك دي.

كانت الصغيرة ترفرف بسعادة تضحك له و تدفع جسدها بقدميها المستقرتان على فخذي إبراهيم مِمَ جعله يضحك و قلبه يتراقص فرحاً رغم غصة قلبه و كأن هذه الصغيرة جاءت لتمنح كلاهما حياة جديدة يتذوقان بها السعادة.

تابع إبراهيم القيادة حتى وصل بها لوجهتهما ثم ترجلا و حمل إبراهيم الصغيرة يداعبها فيما تحركت نورة نحو الداخل و تفاجأ بها تركض بكل ما أوتيت من قوة فعقد بين حاجبيه بعدم فهم حتى وجدها تركض نحو خيل يرمح بهياج و غير هدى بعدما أسقط خياله و هناك من يحاول اللحاق به و لكن وصلت نورة له تركض جواره و قد أمسكت بلجامه و قدماها تسابق الريح موازية لأقدام الخيل و بحركة سريعة قفزت تمتطيه بحرفية و هو يركض بها حتى سيطرت عليه و توقف يصهل فترجلت ثم وقفت تهدئه حتى انصاع لها مذعناً يميل برأسه نحوها و هي تداعبه ثم اصطحبته للحظيرة و عادت تتشاجر مع الخيال و قد تفاجأ بها إبراهيم حقاً و هي تصرخ بالرجل توبخه و قد قرر ألا يتدخل ليدع لها المجال لتتصرف هي و كم أبهرته ردة فعلها:
- أنا شوفتك بتضربه عشان كده وقعك، بطل تعامل الخيل بعنف، عمرك ما هتبقى خيال و لا الخيل هيسمحلك طول ما بتعامله كده، الخيول تصاحبك لو صاحبها خيال أصيل، الخيل ميقبلش الإهانه أبداً و لا عمرك هتتحكم فيه بالطريقة دي و أنا هقدم فيك شكوى على فكرة في الإدارة و الكاميرات مصوره كل حاجة.

صرخ بها الرجل أيضاً و لكنها لم تهتز و قد تدخل زملائها و عنفوا الرجل لفعلته بينما إبراهيم كان يراقبها بابتسامة لم تفارق ثغره بسعادة لرؤيتها تتخطى ألمها و تتغلب على أمراضها، انتهت نورة و اصطحبها إبراهيم عودة للمنزل و تحدثت نورة:
- إبراهيم على فكرة أنا إمبارح برضه سمعت صوت فوق..إنت بجد متأكد إن مفيش حد؟.

- أنا طلعت كذا مرة قدامك و مفيش حد متخافيش، قولتلك دي قطط بتنط على السطح و فيه كركبه كتير فوق و خشب فعادي بيحركوه و قولتلك أنا ساعات بقعد فوق و السطح كده كده متأمن و عليه قفل فخايفه من إيه بقى؟.

هكذا أجابها يكذب عليها بغصة مريرة بحلقه فيما أومأت نورة موافقة و آثرت الصمت و قد أخبرته من قبل عن سماع حركة بالأعلى و حينها صعد يتفحص المكان و لم يجد شيئاً و طمأنها و تكرر الأمر فصعد مرة أخرى و لم يجد شيئاً أيضاً و لكن هذه المرة التقط حقنة ملقاة بجانب و حينها تسلل الشك لقلبه لذا طمأنها و تأكد من إغلاق الباب بالأوصاد جيداً و لكنه بدأ يتسلل للأعلى بأوقات متأخرة من الليل و يراقب من فتحة صغيرة بالباب و ظل على هذا الحال كل يوم حتى رأى ما أكد شكوكه و قد رأى أحمد شقيقه الغائب الحاضر و قد كان هو من يأتي كل ليلة متسللاً يقفز من سطع البيت المجاور و يتخذ السطح مأوى له و لم يراه من قبل نظراً لأن تلك الفتحة التي يراقب منها صغيرة و لا تكشف المكان كاملاً و أحمد يحرص ألا يصدر صوتاً و لكنه يحدث دون قصد من حين لآخر و تستمع له نورة نظراً لأن الطابق فوقها فارغ لا يسكنه أحد و يسهل سماع أية حركة تحدث بالسطح و بالأخص في سكون الليل.

خفق قلب إبراهيم حين رآه بهذه الحالة و لم يعرف كيف يتصرف و لم يرغب بإفزاع شقيقه كي لا يهرب لذا ظل يراقبه كل ليلة بصمت حتى رآه ذات مرة يأكل قطعة خبز عفنة متحجرة كما يبيت على الأرض الصلبة دون غطاء مرتدياً ملابس مهترئة خفيفة و الجو بارد جداً و قد حل الشتاء و في بعض الأحيان تمطر و رآه يحتمي بالأخشاب لذا فكر بحيلة ليساعده دون إفزاعه و أخذ صحن طعام كبير و صحن فاكهة و بطانية ثقيلة و وسائد إسفنجية و صعد للسطح و قد كان أحمد موجوداً حينها و فزع و توارى عن الأنظار خلف غرفة فارغة موصدة فيما التقط إبراهيم موقعه ثم توجه لذات الجهة التي يختبئ بها و وضع الوسائد يستند عليها ثم جلس مستنداً بظهره على جدار الغرفة و وضع البطانية يتدفأ بها ثم وضع صحن الطعام جواره و تعمد وضعه للخلف قليلاً حيث يحتمي شقيقه بالجدار و ظل جالساً يتناول لقيمات دون النظر نحو الصحن فقط يمد يده جانبه يأخذ لقيمات يتصنع الإنشغال بهاتفه و ظل على حاله بعض الوقت و مازال يشعر بأنفاس شقيقه قربه ثم اقتربت قطة من الطعام فلم يمنعها إبراهيم بل ألقى لها بقطعة من الطعام ثم ترك الصحن مكشوفاً و تمدد واضعاً رأسه بالجهة الأخرى يتدثر بالبطانية حتى أنه أخفى وجهه و بالحقيقة هو قد تعمد فعل ذلك و يراقب بمقلتيه من أسفل الغطاء و قد رفعه قليلاً جداً و بعد قليل رأى شقيقه يشرأب برأسه قليلاً و تأكد أنه لا يراه ثم بدأ يتناول من الطعام خِلسة فيما اتسعت ابتسامة إبراهيم و هناك غصة مريرة بحلقه و لكن يكفيه أن شقيقه يتناول طعاماً نظيفاً و يُشبع معدته.

بعدما لاحظ أن شقيقه انتهى من الطعام نهض ثم تحدث للقطة يسألها إن كانت اكتفت و قد تعمد ذلك كي يبعد الشكوك عن شقيقه و يتأكد أنه ظن أن القطة من تناولت الطعام، استقام ثم فتح نور هاتفه و فتح قفل باب الغرفة ثم دلف يتصنع أنه يتفحص الأغراض و من ثم خرج و أخذ الوسائد و الغطاء ثم وضعهم داخل الغرفة و خرج و أغلق الباب و لكنه لم يوصده و انصرف و هو يتمنى أن يستغل شقيقه الفرصة و يحتمي بتلك الغرفة من برودة الجو و يتدثر كما أنه حمل الصحون قبل أن ينصرف و لكنه وضع للقطة بعض من الفاكهة على خشب موضوع و بالطبع الفاكهة ليست للقطة.

ظل إبراهيم على هذا المنوال كل ليلة يصعد و يفعل ذات الشيء حتى أنه بدأ يضع طعاماً نظيفاً مدعياً أنه للقطط حتى لو كان السطح فارغاً منهم.

خرج إبراهيم من شروده بحال شقيقه و قد وصل للمنزل و حين تأخر الوقت صعد كعادته بصحن طعام و فتح قفل باب السطح فهو لم يتخلى عن حذره يؤمن من بالمنزل ثم دلف و وضع صحن الطعام بذات الطريقة و جلس بذات المكان ككل ليلة و قد لاحظ الصحن الذي وضعه للقطط فارغاً و اطمأن أن شقيقه تناول طعامه اليوم و لكنه بعد قليل التقط يد شقيقه تمتد و يسرق الطعام من الصحن رغم أن إبراهيم مازال جالساً و لم يعطيه الفرصة ليطمئن لهذا الحد الذي يجعله يفعل ذلك لذا تعجب و يبدو أن شقيقه جائعاً جداً و لا يطيق الإنتظار و ما لا يعلمه أن القطط هذه المرة تناولت الطعام و قد كان أحمد تحت تأثير المخدرات لذا غفى و لم يتناول الطعام رغم أن إبراهيم يتعمد وضع الصحن حين يتأكد من وجوده كي لا تمس القطط الصحن و لكنه لم يكن يعلم أن شقيقه لم يكن بوعيه.

ظل إبراهيم صامتاً يجاهد نفسه كي لا يظهر حقيقة معرفته بوجوده له حتى شعر أنه لم يعد يستطع تحمل هذا الوضع حقاً و قد كان أحمد يجاهد ألا يسرق الكثير كي لا ينتبه شقيقه لذا تنهد إبراهيم بثقل ثم تحدث بنبرة هادئة و هو ينظر أمامه و يلتقط يد شقيقه بطرف عينه تتسلل للصحن:
- خد الطبق و كل براحتك يا أحمد.

سحب أحمد يده سريعاً ما إن استمع لقول شقيقه فيما استدار إبراهيم يطالعه و أردف:
- إطلع يا أحمد..متخافش.

رأى الذعر بعيني أحمد لذا أعرض بنظره مرة أخرى و أضاف يطمئنه:
- أنا عارف إنك قاعد هنا من شهر و نص تقريباً و كل يوم بطلع أحطلك الأكل مش للقطط و بجيب الأكل ده ليك مش ليا و كنت قاصد أسيب الأوضة من غير قفل و أسيبلك البطانية و المخدات...إطلع يا أحمد متخافش مش هأذيك.

لم يجيبه أحمد و لم يحرك ساكناً لذا استدار إبراهيم مرة أخرى يطالعه و أردف:
- لو كنت عايز أءذيك مكنتش سيبتك كل ده قاعد هنا...متخافش مني.

تحرك أحمد زحفاً ليكون مقابلاً لإبراهيم حتى استقر أمامه و ابتعد عنه بِمَ يكفي يطالعه بحذر يتفرس ملامحه بينما إبراهيم لم يحرك ساكناً كي لا يخيفه و لكنه أمسك بالصحن و قربه منه ثم عاد يستند على الجدار مرة أخرى فيما تنقل أحمد بنظهره بين إبراهيم و بين الصحن ثم تشجع و مد يده يسحب الصحن بروية و هو يراقب إبراهيم بعينيه حتى وجده لا يتحرك فقط يطالعه بحزن و حنين لذا أمسك بالصحن و بدأ يتناول الطعام بيده يدسه بفمه بشراهة و نهم و عيناه لا تفارق إبراهيم الذي يطالعه بألم و هو يراه بهذه الحالة الرثة يتناول الطعام بأصابعه المتسخة و أظافره السوداء القذرة يدس الطعام بفمه بنهم و كمية كبيرة حتى أن الطعام يتساقط من فمه، ظل إبراهيم يطالعه بصمت و ألم يعتصر صدره يتأمل ملامحه التي تغيرت كثيراً و كأنه فوق عمره بأعوام و لحيته الطويلة المتسخة كما شعره و قدماه الحافيتان متسختان و بهما جروح حتى أنهى أحمد صحن الطعام و لم يتبقَ منه و لو فتات فسأله إبراهيم:
- شبعت؟.

أومأ له بالإيجاب ثم وضع الصحن جانباً و بدأ ينظف يده بملابسه و عينيه تتابع إبراهيم بترقب فاعتدل إبراهيم يخلع معطفه و حينها انتفض أحمد يلتصق بالسور فيما توقف إبراهيم عن الحركة و طمأنه بقوله:
- متخافش بقلع الجاكيت، أنا قولتلك مش هأذيك.

لم يجيبه أحمد فتابع إبراهيم و خلع معطفه ثم قدمه له ليتدثر به فنظر أحمد له قليلاً ثم تناوله منه بحذر و ارتداه ثم أخذ يتحسس المعطف و ضمه على جسده ثم ظل يطالع إبراهيم بصمت كما إبراهيم ثم قطع الصمت بسؤاله يتحدث بثقل بلسانه و تعبيرات وجهه غير طبيعية و عيناه تتحركا بغير هدى متأثرة بالمخدرات:
- إنت ليه سيبتني هنا؟.

- عشان مكانك هنا.

هكذا أجابه إبراهيم دون تردد فيما ابتسم أحمد بسخرية و تحدث بابتسامة:
- لسه زي ما إنت؟.

- إزاي؟.

- عبيط.

هكذا أجابه بضحكة خفيفة فضحك إبراهيم هو الآخر بخفة فيما أضاف أحمد بابتسامة:
- عبيط و حنيتك فايضة منك يا حنيِّن.

ابتسم إبراهيم رغماً عنه بحنين لهذا اللقب من شقيقه الحبيب فهو من أطلق عليه هذا اللقب بقديم الزمان حتى أصبح ملاصقاً له و لكن يظل وقعه من حبيبه له تأثير خاص، ثم سأله:
- موحشكش الحنيِّن و الخواجة؟.

ضحك أحمد و هو يحرك رأسه و عيناه تتحركا بغير هدى كما يكون فاقداً للأهلية ثم أجابه:
- الخواجة مات بس إنت اللي بتنسى.

- عشان عمره ما مات في قلبي.

هكذا قال إبراهيم بنبرة صادقة نابعة من القلب فيما تحدث أحمد باستهجان و ابتسامة:
- عشان عبيط يا إبراهيم يا خولي.

- منفسكش ترجع وسطنا تاني؟...موحشتكش لمتنا يا أحمد..موحشكش حضن أمك؟.

كانت هذه أسئلة إبراهيم فيما آثر أحمد الصمت فأردف إبراهيم:
- هنا بيتك و مكانك وسط إخواتك يا أحمد...لفت بيك الأيام و رجعت تتحامى هنا في بيتك و أمانك...إرجع يا أحمد، إرجع و أنا و الله هساعدك بس ارجعلنا تاني...

- مبقاش ينفع يا حنيِّن...مبقاش ينفع إفهم بقى..الجتة دي مبقاش ينفع تتغذى غير على الهروين، مبقتش تعرف تنام غير على الأسفلت وسط الكلاب و القطط و البرد بينخر فيها.

هكذا قاطعه أحمد بقوله و هو يضرب جسده مشيراً إليه فيما سأله إبراهيم:
- طيب ليه جيت هنا...ليه سيبت نومة الأسفلت و جيت هنا؟.

صمت أحمد قليلاً ثم تحدث يبوح له:
- عشان تعبت...بس ده أخري أنام على البلاط و آكل مع القطط...مبقاش ينفع يا إبراهيم...مفيش ميت بيصحى..مفيش ميت بيعيش وسط أهله..بيدفن في التراب في الضلمة لوحده عريان في عز البرد متغطي بكفنه بس.

باح له يصف حاله كما يراه و قد أرهقته الأعوام و هو شارداً ضائعاً بالدروب وحيداً فيما أغلق إبراهيم عينيه بألم و قد اغرورقت عيناه بينما أحمد صمت هنيهة ثم أردف:
- أنا مش بكرهك...أنا كداب...أنا لسه بحبك زي زمان...بس عايزك تنساني يا إبراهيم...إنساني زي ما هما نسيوني..

قطع حديثه و قد بدأ يشعر بآلام و وخذ بجسده لذا بدى عليه الضيق و الإنزعاج و بدأ يتحسس جيبي بنطاله و ينظر حوله تحت أنظار إبراهيم الذي يراقبه بصمت و عدم فهم و أحمد يتحسس الأرض زاحفاً على ركبتيه يبحث عن شيء حتى وجد حقنة ملقاه ثم أمسك بالملعقة و وضع بها مخدر ثم أشعل القداحة يضع اللهب أسفل الملعقة تحت أنظار إبراهيم الذي يخفق قلبه ألماً و لكنه يجاهد نفسه ألا يتدخل كي لا يفزع أحمد و يهرب مرة أخرى لذا آثر الصمت يراقبه فقط و هو يسحب السائل داخل الحقنة و من ثم قام بحقن نفسه و ألقى بالحقنة و عاد يجلس مستنداً على الحائط يتلذذ بتلك النشوة التي غزت جسده و عضلاته تنتشي بالمخدر بينما إبراهيم هربت عباراته رغماً عنه لرؤية شقيقه بهذه الحالة و هو مكتوف الأيدي.

انزلق أحمد بجسده يتمدد على الأرض الباردة ثم أغلق عينيه فيما طالعه إبراهيم قليلاً ثم نهض و أتى بالغطاء يدثر شقيقه و وضع له الوسادة أسفل رأسه و لكنه أزاحها و توسد الأرض فأغلق إبراهيم عينيه بألم ثم فتحهما و مال يقبل شقيقه بحب و قلب ينزف ألماً و كاد ينهض و لكن أمسك أحمد بيده يوقفه ثم تحدث بخدر:
- بلاش تعمل حاجة تخليني أمشي...سيبني أرتاح...شوية.

أومأ إبراهيم موافقة و عباراته تنسال ثم تحدث يطمئنه و هو يربت على كتفه بحنو:
- إرتاح يا أخويا...ارتاح يا حبيبي.

يُتبع...

Continue Reading

You'll Also Like

21.4K 1K 28
روايتي تتحدث عن أشخاص و لحظات تكاد تكون حقيقة ، نعم أعترف بأنها من وحي خيالي ولكنها أقرب من الواقع .. أتمنى لكم قرآءة ممتعه و دمتم في أمان الله🌍❤
6K 825 13
من مِنا المُخطىء أنا أم هم؟
1.1M 32.8K 44
ᴡʜᴀᴛ ᴀʀᴇ ᴡᴇ 𝓙𝓴 ...? ~ 𝓙𝓮𝓸𝓷 𝓙𝓾𝓷𝓰𝓴𝓸𝓸𝓴 ~ 𝓚𝓲𝓶 𝓗𝓸𝓵𝓲𝓪 "لا مشاعر بيننا ، لكن أحبه هو من يلمسني فقط..." "يكره كل النساء ، مع ذلك يحب مض...
1.8M 81.9K 59
[ JUNGKOOK || ONGOING ] "ايـُمكـنكَ ان تـعـدنـي بشيء؟" ومَـا هـوَ؟ ألا تـَنـظُـر لـجَسـدِي أبـداً، "دعـنا نُمـارس فـِي الظـلاَم". "أنـا لـن أراكِ سيـ...