و في زوايا الذاكرة صورة عتيقة ، أبيّضت زواياها من الحزن ، واختفت معالم يد كانت تلّوح بداخلها منذ سنين الهم الأولى !
اختفت فلم تعد قادرة على مصافحة ..
وأظنها تهزأ بي ..
أسافر بعيداً فيّ !
ولا أعود ..
.
.
من هنا مرّوا ..
تحدثوا كثيراً ..
حدّثَوا الليل عن أسرارهم ..
ولازلت واقفاً كالموت في سوق الحرب ، كالأشواق ، كالأشواك في سوق الحب ..
أحدث أسراري عن الليل الذي لا يأتي ..
وأنصت باهتمام لصوت لا يسمعه أحد ..
وأنفق من عمري يوماً لا يعيشه أحد !
وأنت أنت ..
يا أيها الذي تتكيء على غبار الصورة ..
ويتشبث بالوهن الذي أصاب زواياها ..
ابتسم أكثر ..
فأنت لا تعلم أنك لن تكون سوى جسر رديء ..
يعبره المّارة في اتجاه واحد ولا يعودون .. !
يفرون من ضفة إلى ضفة أشهى ..
وأنت تحمل وزر الخُطى وحدك ..
وتعيش وحدك ، وتنتظر وحدك ، وتموت وحدك ، وتضل الطريق وحدك !
.
.
صالحون وفاسدون ..
جميلون ملأوني قبحاً ..
وكاذبون حدثوني عن الصدق كثيراً ..
وأنا أسمع ..
وأغرف لهم من شمسي ظلاماً .. ولا يشرقون !
وأهديهم من عمري أياماً .. ولا يكبرون !
وهمٌ صغير يدب في أطرافي ..
ووهن كبير ينخر ذاكرتي ..
ولا أكاد أراهم .. يقفون في الصورة متشبثين بأطرافها ..
يخافون أن يسقطون من ذاكرة ما ..
واسأل الصورة عنهم ..
من ذلك الذي في أقصى اليمين ؟!
ضاع اسمه ودخل السجن بضع سنين ..!
وذلك في أقصى اليسار ؟!
لم يكن له اسم ، لكنه تزوج للمرة الثالثة !
وهذا الذي يحدق في السماء ؟!
مات مسموماً !
وذلك الذي ينظر للأرض كأنه يبحث عن خطاه ؟
مات مهموماً !
وذلك الذي يضع يده في جيب الذي يقف بجانبه ؟!
غير اسمه وأصبح تاجراً كبيراً ..!
وصاحب الجيب ؟
دهسته سيارة ودُفِعت ديته لأهله .. كانت أرخص بكثير من سعر السيارة التي دهسته !
وذلك الذي .. ؟!
مصاب بداء التذكر !
والأحمق الذي التقط الصورة ؟
مات مصاباً بالنسيان القاتل !
.
.
وأنا أنا ..
أحاول مهادنة المرايا ..
وأجرب كيف أبتسم ، وحين أظن أني نجحت ، لا أعرفني !
وهُم هُم أولئك هُم ..
الذين مروا من هنا يوماً ..
الذين أفسدوا ذاكرتي فلم تعد تتسع إلا لصورهم ..
ثم .. " لا قبّلوا بي على القبلة ولا كفنوني " !
وكشيء لا لزوم له ..
أحنّ إلى ذنوبي الصغيرة ..
إلى الخطايا الأولى ..
إلى أول عقاب ..
وإليك !
وأنسى دائماً كيف كانت أول الأشياء ..
ذاكرتي معطوبة لأني تناولت جرعة مفرطة من " التذكر " ..!
لم تعد ذاكرتي قادرة على نسيان شيء سوى النسيان نفسه !
وأصيح بالأحلام ، والأوهام وبي ..
أن هذه طريق فاجتنبوها ..
أيها الأذكياء والأغبياء ، الأشقياء والنبلاء ، الطيبون والحقراء ، الجميلون والقبيحون ، ..
أيها الفقراء والأغنياء ، العبيد والسادة ..
أعلن لكم جميعاً أني لم أعد أهتم هل غادر الشعراء من متردم ..
أم أن الرحلة فاتتهم لأنهم وصلوا متأخرين شطرين عن الاقلاع !
لا يهم كثيراً إن قالوا ..
" كنّا صغيرين والأشجار عالية .. وكنتِ أجمل من أمي ومن بلدي " ..
أم رددوا :
"وش ينفعك من حنين القلب وخلاجة .. وجروحٍ اسبابها أنت ولا تعالجها "
.
.
.
ثم أما أنت ..
السلام عليك
السلام عليك هنا وهناك ..
السلام عليك يوم الكتابة ويوم القراءة ، ويوم الحرف يتبعه الغاوون ، ويتفيأ في ظلاله الهاربون من حمى الصمت
السلام إليك في عزلتك الأبدية ..
إليك كل الكلام ..
ذلك الذي قيل ..
وذلك الذي سيقال ..
وبعض الذي لا يقال !
وأنت الـ " يقرأه " والـ " يكتبه " ...
أنت الـ " يقوله " والـ " يسمعه " ..
وحبر يجمع الضلال والظلال ،
يفتش الأبجدية حرفاً حرفاً .. يجمع لك سؤلاً ..
ويمهد طريقاً لأحرف إجابة لا تأتي ..
وينادي ..
تعالوا هنا ..
أنت أيها اللام وأنتي أيتها الميم ، اصطفوا قبل ذلك الـ ذال بين ألفين معتوهين ..
قفوا جميعاً في وقار مصطنع أمام علامة استفهام كمشنقة تتآكل أطرافها !
وابتسموا .. سألتقط لكم صورة !
سترونها بعد حين وقد ابيضت أطرافها من الحزن ..
وستنسون لماذا كنتم تبتسمون ..
وتملَون انتظار جواب لا يأتي !
.
.
.
والأحلام تجري إلى مستقر لها
تقتات وهماً وتكبر زوراً ولا أراها
ولا أحد يخبرني .. كيف كنتُ أبتسم !
ولا أحد يخبرني ..
هل غادر الشعراء من متردم ..
أم أنهم لازالوا في قاعة الانتظار يرددون في بلاهة :
" يا ليتني لا أصغر ولا اكبر ولا أموت .. ولايلوح الشيب في عارضيَه " !!
،،،
.
.