لما كان عندي 15 سنة كنا ساكنين في بيت في منطقة ريفية، ورا بيتي كانت غابة، وفي الغابة كان في واحد من اهم اكتشافاتي كمُراهق، البئر السري اللي محدش يعرف عنه حاجة، ساكنين في البيت ده بقالنا سنين طويلة، البئر كان في نص الغابة، واضح لدرجة اني اندهشت انا ازاي مشوفتهوش قبل كده؟
البئر كان مصنوع من الحجر الرمادي، بارز من الارض بحوالي 3 اقدام، الجزء العلوي بتاعه كان متغطي بقطعة خشبة قديمة، ورق الشجر الميت كان مفطي الخشب، حفظت مكان البئر كويس في راسي عشان اقدر ارجعله تاني بعدين، محتاج ارجعله عشان اقدر ارسمه، شكله لطيف وملفت للنظر، وبما ان محدش يعرف مكان البئر ده فده ممكن يكون مكاني السري المفضل اللي هستمتع فيه بوحدتي...
بس لما مشيت من جنب البئر ملقيتهوش تاني!
سنة بحالها كل يوم باجي نفس المكان وهو مش موجود لحد ما لقيته بعدها بسنة كاملة!
مستعد اقسملكم اني عارف المكان وحافظه كويس اوي ومش ممكن اغلط فيه ابداً، ومع ذلك قضيت سنة بحالها بدور عليه، الموضوع بعد فترة تحول لتحدي، كنت عاوز اثبت لنفسي اني مش مجنون، سالت والدي اذا كان شاف البئر ده قبل كده في اي وقت وهو بيمشي في الغابة، هز راسه وبصلي باستغراب وهو بيقولي انه ميعرفش ان في بئر في الغابة اصلاً!
كنت بدأت ايأس، بدأت اشك انه كان بيتهيألي فعلاً، فقدت الامل وبدات امل من الفكرة، سنة بحالها عدت، عديت سنة في الدراسة، تعلمت اسوق العربية، بقي ليا صديقة وحبيبة، وبدأت انسي الموضوع تماماً
الصيف اللي بعده كنت ف يوم زهقان وقررت اتمشي شوية في الغابة، كنت في الفترة دي كمان بدأت ادخن من ورا اهلي، عشان كده كنت بمشي في الغابة عشان اسرب سيجارة او اتنين من غير ما والدي يعرف.
بعد 45 دقيقة من المشي... لقيته!
لقيت البئر...
موجود في نفس المكان، نفس المكان اللي جيته 100 مرة وملقيتش اي حاجة فيه، الحجر الرمادي، الفوهة المقفولة بخشب وورق الشجر اللي مغطي الخشب، شيلت الخشب اللي مغطي الفوهة بتاعته وانحنيت عشان ابص جواه، كان مظلم وزي ما يكون ملوش نهاية، ولعت السيجارة وبدأت اشربها وانا بتفرج علي البئر ومحتار.
وساعتها سمعت الصفير لأول مرة!
صفير بصوت واطي وناعم، زي ما يكون اللي بيصفر مش عايز حد يسمعه، بدأت اتلفت حواليا عشان اشوف لو حد تاني بيتمشي في الغابة قريب مني، مفيش حد حواليا غير شوية اشجار، بدأت اتتبع الصوت بودني عشان اعرف جاي منين، الصوت بدأ يعلي شوية بشوية زي ما يكون الشخص اللي بيصفر عاوز يعرفني مكانه، وبسرعة ادركت الصوت جاي منين.
الصفير جاي من جوا البئر!
انحنيت تاني عشان ابص جوا البئر، المرة دي ريحة مش حلوة كانت موجودة، قربت من البئر عشان اتاكد من مصدر الصوت وفعلا زي ما توقعت،
الصوت جاي من البئر وبيتردد جواه بصدي صوت خفيف، ندهت بصوت عالي: "هاي، في حد تحت؟؟"
الصفير توقف تماماً بدون اي مقدمات، بدات احس بالقلق وعدم الارتياح، استنيت شوية وانا قلقان قبل ما انده تاني: "في حد تحت؟"
للمرة التانية بسال ومفيش اي اجابة غير الصمت التام بس، كنت خايف علي نفسي، حاسس اني بدأت اتجنن، قربت وشي من البئر بعصبية وانا بصرخ بغضب: "مين اللي تحت؟"
فجأ ريحة العفن بدات تبقي اقوي وتزيد، كانت بتضرب وشي كان رياح جاية من اخر البئر، كل نفس كنت باخده كنت بحس اني هتخنق، فجأة صوت رد عليا، صوت زي صوت امي بالظبط، كانت بتقولي: "حبيبي، ساعدني، انا رجلي اتكسرت"
انا مودع ماما الصبح وهي رايحة الشغل بعربيتها، مستحيل يكون اللي تحت دي امي، انا متاكد من ده كويس اوي، كنت لسه منحني علي البئر وبتأمل في الظلام بعينين مليانة خوف لما سمعت صوت بيرد عليا لتاني مرة، المرة دي كان صوت بابا بيقولي بغضب: "انا ربيتك علي كده...تتجاهل امك وهي محتاجاك...طول عمرك ابن فاسد وعاق...ياريتني كنت خنقتك وانت صغير وخلصت منك"
حسيت بالخوف، مهما كان الشئ اللي تحت ده فهو بيحاول يلعب في دماغي ويخلي تفكيري كله فوضي، او ان انا اتجننت تماماً، ومع ذلك سماع الكلمات دي بصوت بابا خلي جسمي كله يترعش وعينيا تدمع، بعدت من جنب البئر.
قبل ما ابعد سمعت صوت ماما تاني،المردة دي كانت بتصرخ بألم وفزع: "الحقني، الحقني ارجوك، الفئران...الفئران بتاكلني"
كانت بتصرخ بألم، الاهات بتاعتها كانت بتقطع قلبي، مقدرتش اتحمل اكتر من كده، لفيت وشي وجريت بسرعة، كنت بعيط وانا بجري، وانا بجري كنت سامع صوت ضحك شرير وساخر جاي من البئر.
كل ما كنت ببعد عن البئر كنت بسمع صوت الضحك بيتردد بسخرية وصوت الصفير بيعلي اكتر واكتر، لما وصلت لحدود الغابة الصفير تغير، بقي لحن جنائزي حزين ومرعب.
جريت لباب البيت، دخلت وقفلت الباب ورايا، كنت بترعش، كنت خايف جدا جريت علي اوضتي في الدور التاني، قفلت الستارة اللي قدام الشباك، الشباك كان بيطل علي الغابة وانا كنت خايف منها، كنت بفكر اقول لاهلي علي التجربة دي لكن محدش هيصدقني، هيقولوا عليا مجنون، فكرت كتير لكن في النهاية قررت احتفظ بالسر لنفسي.
قررت مقربش من الغابة دي تاني ابداً مهما حصل، وكل ما كنت بعرف ان حد من اهلي رايح يمشي في الغابة كنت بنصحه ياخد باله من نفسه ويكون حذر، كانوا بيبصولي باستغراب بس انا مكنتش قادر اقولهم عاللي حصل، هيقولوا عليا مجنون وهيشكوا في قوايّ العقلية.
بعد كده ولمدو شهور طويلة بدات كل يوم اسمع اللحن الجنائزي المخيف من تحت الشباك بتاعي، وفي المرات اللي كنت بستجمع فيها قوتي وشجاعتي وابص من الشباك كان الصفير بيتوقف وطبعاً مكنتش بلاقي حاجة، مكنتش بعرف انام ومكنتش بعرف ارتاح، كنت هتجنن.
اخيراً خلصت دراسة وسبت بيت اهلي، لقيت شغل في شركة تكنولوجيا كبيرة في ولاية كاليفورنيا، اشتريت بيت قريب من شغلي واتجوزت حبيبتي، بدأت حياة جديدة سعيدة بعيد عن البئر وبعيد عن كل حاجة، من اسبوعين مراتي اقترحت نروح رحلة لمنطقة ريفية مشهورة عشان نغير جو، وافقتها، كنا ماشيين في غابة مشهورة واحنا ماسكين ايد بعض وحاضنين بعض، كنا مستمتعين جداً لما فجأة لقيته في وشي، نفس البئر، نفس المواصفات، مصنوع من الحجر الرمادي، بارز من الارض بحوالي 3 اقدام، الجزء العلوي بتاعه كان متغطي بقطعة خشب قديمة، ورق الشجر الميت كان مغطي الخشب، وقفت مكاني والخوف شاللني، جسمي كان بيترعش وعينيا دمعت من الخوف، مراتي بصتلي بخوف وهي بتسالني: "مالك؟ في ايه؟"
بايد بتترعش من كتر الخوف شاورت علي البئر وانا بسالها: "انتي شايفاه؟"
بصت علي البئر باستغراب وهي بتسالني: "البئر؟، شايفاه، ماله؟"
كنت عاوز اقولها اني عارف البئر ده كويس، حافظه، كنت عاوز اقولها اني شوفت البئر اللعين ده من 10 سنين في ولاية تانية مختلف تماماً، كنت عاوز احكيلها عن تجربتي المرعبة مع البئر ده، لكن قررت اسكت، شديتها من ايدها بقوة وانا بمشي بخطوات سريعة وبقول بعصبية: "احنا لازم نمشي من هنا، لازم"
حضنتني بهدوء وهي بتقولي: "اهدي بس، هنمشي من هنا بس اهدي"
بدات اهدي واحنا ماشيين عشان نخرج من الغابة، في نص الطريق تقريباً سمعت اللحن الغريب تاني، نفس اللحن ونفس صوت الصفير، مراتي كانت بتبصلي وفي عينيها نظرة غريبة وهي مبتسمة ابتسامة مرعبة.
مراتي هي اللي كانت بتصفر اللحن المرعب ده المرة دي!!
_______________