تبعها بعينيه وهي تتجه نحو الصعود فالتف ينظر تجاه الباب ثم أخرج المفتاح من جيبه ووضعه في القفل ودلف إلي الداخل
كانت تكسو وجهه ملامح مخيفه ونظرات عينيه شرسة للغايه
ظل يحدق أمامه بحقد دفين ثم قال : إيه مناوياش اتموتي عاد ولا إيه؛ طلع نفسك طويل جوي غير ماكنت خابر ؛ متبصليش اكده ؛ أني لو رأيد اخلص منيكي هي ديتك طلقه
ثم أكمل بفحيح وهو يقترب من تلك التي كانت متكوره علي نفسها فوق الأرض وتوليه ظهرها ولا يصدر منها سوا أنفاسها المتعبه
: أني خابر زين إنك رايده اكده؛ بس لاه مش هنولهالك ؛ أني عايش بس لأجل ماشوفك بتتعذبي اكده جدامي ومانتيش طايله موت من حيا
وأردف بسخريه وهو يقهقه بشراسه : چايبلك خبر زين ؛ في حد من ريحة الغالي اهنه في السرايه ؛ إيه جولك عاد عشان تعرفى بس إني مهحرمكيش من حاجه واصل هههههه
استقام في وقفته ثم أخرج من جيبه بعض الأدوية والقاهم علي الأرض بجانبها
واتجه ناحية الباب وهو يقول : اطفحي من الدوا ديه؛ ماعيزكيش اتموتي دلوك
وخرج وهو يغلق الباب بهدوء وينظر يمينا ويسارا مثلما فعل وهو يدخل
اما في الداخل فاعتدلت تلك المتكوره بالم شديد وجلست وهي تستند بظهرها علي الفراش خلفها بتعب
فكانت ملامحها متعبه للغايه فهي تبدو في منتصف الاربعين ولكن من ينظر إليها من بعيد يظنها بلغت الثمانين فهي هزيله للغايه ذات وجه مصفر وتجاعيد حول الفم والعينين
كانت تفتح عيناها بصعوبة شديدة وهي تكرر بداخلها ما قاله علوان للتو
ثم نظرت أمامها بشرود ودموعها تنساب فوق خديها ونظرت إلى تلك الأدوية الملقاة بجانبها وهي تردد عباره واحده بوهن شديد لم تفارق لسانها منذ ما يقارب عشرون عاما : حسبي الله ونعم الوكيل
__________________________
في الصباح علي طاولة الإفطار كان يجلس جميع من في القصر ويترأسهم الحاج عبدالحميد على رأس الطاولة
اختار حمزه الجلوس بجانبها حتي يكون قريب إذا استدعي الأمر تدخله فهو غاضب للغايه من ذاك اللزج الذي يجلس أمامها مباشرة وهو يلتهمها بنظراته الوقحه تلك
فهو لم ينسي محاولته المستمره في التقرب من راما منذ مجيئهم البارحه وهو يتبعها اينما ذهبت
ويحاول بشتي الطرق لفت انتباهها ؛ وكل ذلك يشعره بالغضب ويريد أن ينهال عليه ضربا ولكنه يسيطر علي نفسه في آخر لحظه
والآن هو يجلس امامها ولا يستحي من الحاضرين وهو ينظر لها بتلك النظرات التي يفهمها حمزه جيدا
فذاك اللزج يدعي ممدوح وهو ابن خاله علوان
تنهد يكتم غيظه وهو يكور يده أسفل طاولة الطعام حتي لا ينفعل ويقوم بإسقاط أسنان ذاك عديم الأخلاق
كانت هي تتابع كل ما يحدث حولها بهدوء شديد وتضع جام اهتمامها علي كل ما يقولونه وما يقومون به
تركز في افعالهم وسكونهم في حديثهم وهمساتهم
وفي تلك اللحظه شكرت أدهم كثيرا بداخلها لأنه علمها كيف تقرأ حركه الشفتين أثناء الكلام
انتبهت علي صوت جدها وهو يسألها بابتسامه : وكيفهم خواتك الرچاله يا بتي
نظرت له وابتسمت كأنها كانت متوقعه ذاك السؤال وقالت : كلايتن مناح جدي يسلمو
تنحنح قليلا بتوتر مما جعل الجميع ينظرون إليها بتعجب فهو الكبير ولا يهاب شئ يتحدث عندما يريد ويصمت أيضا في الوقت الذي يريد
الحاج عبدالحميد : احممم جوليلي يا بتي هما بيشتغلو إيه
نظرت لهم بانتصار حقيقي في عينيها ومازالت تلك البسمه تزين شفتيها
راما : ماشي جدي راح خبرك عنون كلايتهم ؛ وها الشئ لاني متأكدة إنك بدك تتعرف علي احفادك مو
ونظرت لعلوان بغموض ثم تابعت وهي تري توتر الأجواء من حولها أعادت نظرها إلي جدها مره اخرى وقالت
: آسر وهادا اللكبير بيدرس للطلابه بجامعة بيروت يعني بيكون أستاذ جامعي وكمان في عنده شركه أسسها لحاله لحتي صارت من أكبر الشركات ياللي موجوده ببيروت
صمتت قليلا وهي تنظر لهم بطرف عيناها ثم اردفت قائله : في أخي سامر بعده لآسر عطول وهو بيكون دكتور إنقاذ
نظروا لها جميعا بتسأل وعلت وجوههم الحيره فابتسمت هي بداخلها لأنها نجحت في لفت انتباههم لحديثها
فأستكملت قائله : سامر بيكون طبيب جراح متله لابابا تماما؛ بس سامر لما كان لسه بالجامعه انضم لحزب النضال ببيروت وهادول كانت وظيفتون الرئيسية إنقاذ الناس ضل معن لحتي اتخرج وقرر ايوسع شغله وماينحسر عبيروت وبس صار ينزل بكل الضيعات ياللي فيها ضحايا ابسبب لحروب أو نزاعات طائفيه وغيرون هو والشباب ابيسكنو بالمعسكرات لحتي يكونو قريبين إذا حدث شئ ويتصرفو بسرعه
وهو حاليا بفلسطين تبع معسكرات اهنيك لإنقاذ الضحايا
صمتت مره اخري ولكن لكي تدعو سرا لاخيها أن يوفقه الله ويرعاه ويحميه ويعود إليهم سالما
عقد الجد حاحبيه وخاطبها قائلا : بس الحكايه دي واعره جوي يا بتي كيف ابوكي يوافجو علي اكده
ابتسمت بحزن وقالت : لا جدي البابا اكتير فخور باللي بيعملو سامر وعطول بيشجعه ؛ وباوقات سامر بيحتاجه لبابا بعمليات بتكون اكتير خطيره وبابا بيسافر لاإلو لايساعدو
بابا دائما بيقول إن الشخص إذا بيشوف اي حدا واقع بمشكله وبإيدو إنو يساعدو مايتأخر ابدا وأكيد اللا راح ايوقف معو
ترقرقت الدموع بعين الجده وهي تنظر لزوجها بتحسر وبادلها هو النظر بندم شديد
كل هذا تحت نظراتها المتفحصه لادق تفاصيل لهم من بدايه علوان الذي توتر وظهر الحقد في عينيه
وزوجته التي تجلس بجانبه ويتأكلها الغيظ وهي تعوج فمها يمينا ويسارا بين اللحظه والاخري
وعمتها وزوجها الذين كسي الحزن معالم وجههم بوضوح واطرق مختار رأسه للأسفل باسف واضح
تشوشت الأفكار داخلها وتحيرت كثيرا فهي لم تعد تفهم شئ ؛ لم تحدد من الجاني ومن المجني عليه ...
وأخيرا تحدثت الجده بابتسامه تناقض معالم الحزن الباديه عليها : ايوه يا بتي كملي حديتك ؛ عندك كومان أخ رابع ا...
قاطعتها راما سريعا : اي ستي بس انتي بتقصدي خامس مو رابع ؛
ونظرت لهم جميعا وقد عادت لها نظرات الشراسه مجددا وقالت : أدهم أخي لتكوني مانك متذكرتيي و..
وهنا قاطعها علوان بغضب شديد : وبعدهالك يا بت ال ... يا بت حسين
ارتفع حاجبها تلقائيا بسبب نبرته تلك واردفت بسخريه : شو يا عمي ليش ادايقت كل هالاد لما اجت سيرته لادهم ؛ شو ليكون في شئ ونحنا مابنعرفو
توتر علوان كثيرا ولاحظه جميع الموجودون وظل ينظر لها بحده شديده وهي أيضا تبادله نفس النظرات دون ان ترف عينيها عنه
إلي أن قطع حرب النظرات تلك الحاج عبدالحميد وهو يخبط عصايته في الأرض بقوه وقال : إيه معملينش إحساب لوجودي وكل واحد بيتحدتت ابكيفه عاد
حولت راما نظرها للجد وهي تقول : مو هيك جدي بعتذر إذا ساويت شئ دايقك
ونظرت تجاه الجده واردفت مرغمه : والأخير بيكون رائف أكبر مني بشئ سنتين وهو بيدرس فنون جميله ؛ وبالأخير انا بدرس هندسة
ونظرت تجاه علوان بقوه واردفت كانها توصل له رساله : وأهم شخص بعيلتنا اللصغيره هاي هو أدهم ؛لانو بيكون لاإلنا الأخ والأب والرفيق لمليح وإذا حدا بيفكر يدايقو بدو يواجهنا كلاياتنا بالأول
لحظه صمت خيمت علي الحاضرين جميعا ولم يتجرأ أحد علي النطق أو ربما لم يجدو ما يقولون
ابتسمت بتكلف وهي تنهض قائله : الحمداللا يسلمو ايداتكون ؛
نهضت حنين ايضا خلفها فقد اختنقت بسبب ذاك الغموض التي لم تفهم منه شئ
نظر علوان امامه باحتقان ثم نظر تجاه والدته فوجدها تنظر له بأسف وحزن
ونظر تجاه والده فوجد نفس النظرات تلك ولكنها ممزوجه بالألم وقلة الحيله
فنهض بغضب وهو يلملم أطراف عبائته بقوه وانسحب للخارج دون البث بكلمه واحده
___________________________
-يعني اي الكلام اللي حضرتك بتقولو ده يا بابا
=زي ماسمعت إكده ماليكش عندينا ولد الولد ولدنا وإني هربيه بيدي
-بس ده ابني وانا عايزه معايا؛ انا مسافر بره مصر ومش....
قاطعه بسخريه قائلا=إيه مرتك الخواجايه عتاخدك وياها ولا إيه
تنهد بالم ثم قال -الموضوع مش زى ماحضرتك فاهم كده ؛كل الحكاية ان جالي شغل هناك كويس وانا م...
قاطعه مره اخري ولكن بحده =روح مطرح مانت عاوز ؛بس ولدك مهيتعتعش من اهنه واصل وخلص الكلام علي إكده بالسلامه
&&&
فاق حسين من شروده وهو يتنهد بحزن دفين وينظر أمامه بلا هدف ثم ذهب بعقله الي ماحدث منذ ما يقارب خمسة عشر عاما
دخل ذاك القصر وهو غاضب للغايه وكاره وجوده فيه وكانت تلك هي المره الأولى التي يشعر هكذا عندما يرجع الي منزله بعد غياب
وجد والده يجلس ويتناول قهوته في هدوء تام فذهب إليه مسرعا وخاطبه دون إلقاء التحيه حتى
حسين : عايز ولدي يابوي
نظر له الحاج عبدالحميد في لهفة وكاد أن يحتضنه ولكن منع نفسه في آخر لحظه ثم طالعه ببرود قائلا : وعليكم السلام ورحمة الله يا ضكتور
تنهد حسين بثقل ثم انحني وقبل يده ورأسه وقال بهدوء : كيفك يابوي
نظر له الحاج عبدالحميد قليلا ثم ارتشف من قهوته وقال : أحسن منيك يا ضكتور
زفر بتعب شديد كأنه يركض ثم وجد أنه لاجدوي من هذا الحوار فقال : أبني فين
الحاج عبدالحميد دون أن ينظر إليه : جولتهالك جبل سابج من يجي خمس سنين اكده مالكش ولد عندينا
ضغط علي أعصابه بقوه حتى لا يرتفع صوته ثم قال : أدهم فين يا حاج؛ انا عايز ابني ومش هسيبه المرادي
انا مش همشي من هنا غير وهو معايا
نظر له من فوقه لأسفله ثم استكمل ارتشاف قهوته في برود كأن لم يخاطبه أحد
أدى ذلك إلي غضب حسين الشديد ولكنه اكتفي بضغط بديه بعضهم البعض حتي لا يرفع صوته في وجه والده فهو يفضل الموت علي فعل ذلك مهما كانت الاسباب
حسين بهدوء عكس مابداخله : اسمعني زين يابوي ؛ ولادي كبرو ولازم يتعرفو علي اخوهم وانا محتاج ان كل ولادي يبقو جنبي وسندي ويكبرو مع بعض عشان يبقو غاليين علي بعض وحبهم يزيد اكتر
واستكمل بترجى : أرجوك يابوي انا عايز ولدي
:بس ولدك مش إهنه يا ولد ابوي
اتاه هذا الصوت من خلفه فاستدار ينظر الي وجه أخيه وسأل نفسه كيف أنه لم يري كل هذا البغض والكره في عينيه من قبل ثم استوعب ماقاله فنظر له باستفهام
فتابع علوان وهو يجلس امام والده : إيوه ياخوي زي ماسمعت إكده ولدك مش إهنه؛ بعتناه مودرسه إسمها إيه دي إيوه مودرسه جوانيه
انصدم حسين ونظر تجاه والده وقال : ازاي يعني تبعتو ابني مدرسه داخليه ؛ لما انت مش عايزه منعتني اخده لي قبل كده؛ ابني انا يروح مدرسه داخلية كأنه معندوش أهل؛ كيف جدرت تعمل كده يابوي
أيضا لم يتلقي رد فتحدث وهو ينظر تجاه علوان بغضب شديد : رد عليا وديتو ابني مدرسه داخليه لي
علوان بلامبالاه : ابنك جليل ربايه يا ولد ابوي واحنا بعتناه يتربي
احتقن وجه حسين بغضب شديد وقال : مش ابن حسين اللي يتقالو كده يا علوان ، وحقي وحق أبني هعرف اخده منك ازاي يا ولد ابوي
ظل واقفا داخل ذاك الفناء الواسع بعد أن استعملو عن هويته وسمحو له بالدخول
بحث بناظريه عليه فوجده يجلس وحيدا فوق مقعد وعيناه ارضا لا تغادر نقطه وهميه امامه
حزين شارد لايعي مايدور حوله فهو لازال طفل لتحمل كل ماحدث معه حتي لو أنه تعدي السادسه عشر
تطلع له بحزن شديد وجر قدماه للوصول إليه
وقف أمامه ينظرله بتأني فقد تغيرت ملامحه كثيرا اصبح شاب وسيما ولكنه حزين
رفع ناظريه الي من حجب عنه الضوء وظل ينظر له بملامح جامده لايستشف منها شئ
ثم اخفض بصره أمامه مره أخرى دون البث بحرف واحد
ازداد حزن حسين اكثر ثم تنهد بثقل وجلس جانبه وقال بندم واضح : آسف عارف إني غلط لما سبتك ليهم بس صدقني مكنش بأيدي
وعارف كمان إن ده مش مبرر وإني أبوك وكان لازم احارب عشانك وإني اخترت السهل ومشيت بس والله مكنش بأيدي ورحمه أمك مكنتش اقدر أعمل حاجه وقتها
تقلصت ملامحه بشده عند ذكر والدته ولكنه ضغط فوق كفيه بشده
فاستكمل حسين وهو غافل تماما عن تغير حالته : بس المرداي اقدر أعمل حاجات كتير وأولها إني هاخدك معايا عمري ماهسيبك تاني أبدا آسف يابني سامحني
تطلع له بابتسامة لم يحدد حسين معناها فجعد جبينه فتوسعت ابتسامته أكثر وقال بهدوء شديد : انا عارف كل حاجه وصدقني انا مكنتش منتظر من حضرتك حاجه بالعكس دنا اللي كنت هدور عليك واوصلك
تهللت اسارير حسين وظهرت ابتسامة صغيرة فوق وجهه ولكنها سرعان ما تلاشت عندما استكمل أدهم قائلا : بس انا مش هروح معاك ؛ وكمان مش هسيب المدرسه هنا
بالعكس انا هكمل للآخر
واستكمل وهو ينظر بعيدا بقوه : كانو قاصدين يزلوني بالحركة دي بس وربي لادفعهم التمن غالي اوي عن كل اللي عملو معايا عن كل دمعه نزلت من عين امي بسببهم
ثم نظر تجاه والده المزهول مما يسمعه وقال : هدفعهم تمن كل يوم كرهوني فيك وخلوك تنزل من نظري لحد معرفت الحقيقه وكرهت نفسي انا
نظر له حسين طويلا بألم وحزن ولم يدري بما يجيب
وبعد لحظات مرت عليه كدهر أجلي حلقه ونظر بعيدا عنه وقال : إخواتك عايزين يتعرفو عليك
ابتسم أدهم بخفه وقال : وانا كمان عايز أتعرف عليهم انت فاكرني مبسوط كده وانا لوحدي
تألم حسين كثيرا وظهر ذلك على ملامحه بوضوح ثم قال : طب ماتسيبك من اللي بتفكر فيه ده علي الأقل دلوقتي وتعالى عيش في وسطينا ونبقي كلنا سند لبعض
يابني انا تعبت ومحدش ضامن عمره عايز اموت وانا مطمن عليكو انكم في ضهر بعض
علي ذكر سيره الموت والفراق شعر أدهم بوغزه عميقة داخل صدره فاستدار لوالده ووجد عيناه بهم دمع كثيف مهدد بالهبوط
فأسرع باحتضان والده كأنه هو الأب الذي يحمي ابنه وأخذ يربط فوق ظهره بحنان والآمه أصبحت أضعاف الآن وهو يشعر باهتزاز جسد والده بين يديه وهو يحاول كتم بكائه
ثم رفعه بخفه وابتسم وهو يقول : ربنا يديك الصحه وطولة العمر، متقلقش هيجي اليوم اللي نتعرف علي بعض ونزهق كمان وانت هتكون في وسطينا بس مش دلوقتي معلش سيبني براحتي
تطلع له والده برجاء وقال : طب ت....
قاطعه أدهم قائلا : طب خلاص عندي فكره أي رأيك لو تظبطلي جواز سفري واسافر معاك أتعرف عليهم وارجع تاني وكده أكون عرفت الطريق واجيلكو في الإجازات اقضيها معاكو بدل منا بقعدها هنا
تهللت اسارير حسين كثيرا وهو يؤمي برأسه بالإيجاب فابتسم أدهم بخفوت ولكن الحزن بداخله يخيم عليه مما كان ينوي اقترافه بحق هذا الأب الحنون بعدما سممو أذنيه بما قالوه عنه
&&&
تنهد حسين بقوه بعدما آفاق من تلك الذكريات التي عصفت ذهنه بلا رحمه
فوجد أدهم أمامه يتطلع إليه بنظره ذات مغزي أنه قد علم ما جال بخاطره الآن
ظل حسين ينظر له بيأس وقلة حيله فبادله أدهم النظر بقوه وعزم علي فعل ما تم تأجيله منذ ما يقارب ثلاثة وعشرون عاما إرضاء له فقط
ولكن الآن سيفعل كل ما بوسعه من أجل الانتقام فإذا كان قد استثني الأمر قديما من اجل والده
فالآن عادت له الروح الشريرة الراغبه في ذلك وبشده فقط إذا مسها أحد سيحرقهم جميعا دون مراعاة لصله
ظل حوار النظرات ذاك قائم بينهم دون أن يحيد طرف عينيه عن الآخر إلى أن صعد أدهم الدرج دون البث بحرف واحد
وجلس حسين فوق مقعده يتأمل صورة والده ووالدته المعلقه فوق الحائط أمامه وهو يتنهد بثقل العالم فوق اكتافه
____________________________
قاعده لوحدك لي يا روما : قالها حازم بهدوء وهو يتوجه ناحيتها عندما لمحها تجلس بمفردها في حديقه ذاك القصر
التفتت له راما بابتسامه صغيره وهي تقول : مفيش يا زوما زهقت بس شويه
حازم بعد أن جلس أمامها : وزهقانه من اي بقي يا ست راما
واردف بغرور : وبعدين عيب عليكي تقولي كده وزوما موجود ازعل انا كده
ضحكت علي مرحه هذا ثم قالت : لا وانا مقدرش علي زعلك يا زوما
أبتسم قليلا ثم قال : بس قوليلي بقي انتي المعروف عنك يعني اللهم لا حسد إنك طلقه في لهجتنا يعني ومش بعيد كمان تكوني كده برضو في الصعيدي
ابتسمت راما بخفه لتوقعها ماذا سيقول
فتابع هو بتساؤل : لي بقي بتكلمي الكل لبناني من وقت ما جينا هنا هاااا
نظرت له بابتسامه واسعه ثم أجابت بغموض : عشان انا قاصده ده
في حاجه في دماغي كده مخططالها كويس أصبر انت بس وشوف في الآخر
نظر لها بعدم فهم ثم كشر قليلا وهو يقول : مش عارف لي حاسك شبه واحد أعرفه؛
مينفعش يبقي عندنا اتنين منه في العيله كده هامشي أكلم نفسي انا
ضحكت كثيرا ثم قالت بمرح : لا يا برنس دراكولا بتاعكو ده مالوش زي أصلا و...
قاطعها بخوف مصطنع وهو ينظر حوله : خروبيتك هتودينا في داهيه لو انتي مش خايفه علي نفسك انا خايف علي شبابي
ثم مال ناحيتها قليلا واردف بصوت منخفض : انا لسه مدخلتش دنيا ولو وصل للبوص الكلام ده هيدخلني آخره الأول
انفلتت منها ضحكه عاليه علي منظره ذاك وطريقه حديثه وقالت بعد أن هدأت قليلا : جبان يا زوما مكنتش أعرف إنك خواف كده
أجاب هو بتأكيد وملامحه مضحكه للغايه : جبان جبان وبعدين الخوف نص الشجاعه وده مبيرحمش انا قولتلك اهو
ضحكت أيضا كثيرا حتي غصت ووضعت يدها فوق رقبتها وهي تكح كثيرا
نظر لها حازم بخوف وتوتر ثم خاطبها قائلا : اي راما مالك .. طب اجبلك مايه
امات برأسها بنعم وهي مازلت تكح وقد أوشكت علي الاختناق
فاتجه مسرعا نحو القصر ليحضر لها الماء
رفعت رأسها لأعلي وهي تستتشق الهواء بانتظام قليلا علها تهدأ
فذهبت الغصه ولكن بقي تنفسها السريع وهي مازالت ترفع رأسها لأعلي
فاغمضت عينيها واخذت تدلك عنقها صعودا وهبوطا ببطء
وبعد لحظات شعرت بانفاس ساخنه تلفح وجهها ففتحت عينيها سريعا وإذا بذاك اللزج مره أخرى ولكنه كان قريب منها للغايه
توسعت حدقة عينيها بقوه وهبت للوقوف سريعا وهي تهندم حجابها وقلبها يدق سريعا من شده الخوف والفزع الذي تسبب به ذاك عديم الأخلاق
وأخيرا تحدثت بصوت جعلته يبدو صارما قويا عكس الخوف بداخلها : لك شو بدك ؛ انت مجنون شئ ؛ شو كنت راح إتساوي
استقام واقفا فكان مازال جالسا أرضا أمامها وهي فاجأته بوقوفها السريع فكان يسب ويشتم تحت انفاسه
فقد كان يدخل من البوابه الرئيسية ولمحها وهي تضحك عاليا وحازم يجلس قريب منها وراء ابتسامتها عندما مال حازم نحوها
ووقف يتابع حازم حتي دخوله فتقدم نحوها وعندما وجدها علي تلك الحاله لم يشعر سوا وهو قريب منها هكذا وكاد أن يقبلها ولكنها فاجأته عندما هبت واقفه
ظل ينظر لها طويلا بتفحص من رأسها لقدميها وعينيه بهما نظره خبث وهو يقترب منها ببطء دب الرعب في اوصالها
رجعت خطوه للخلف وحدثته بتحذير وصوت مرتفع : لك شو بدك يا حيوان؛ انقلع من هون
ظل يتقدم نحوها وعينيه تفترسها بجرأة ثم وقف مكانه وقال بخبث : اي مالك خايفه كده لي مش هعملك حاجه
نظرت له بغضب شديد فتابع هو : انا بس عايز العب معاكي شويه ولا هو حلال للناس وحرام علي ممدوح الغلبان
وأخذ يقهقه بسخريه شديده قاطعته هي بحده : انت بتقول أي يا حيوان انت
ممدوح بحده مماثله : بت انتي انا ساكتلك من الصبح فلمي لسانك احسنلك ؛ وبلاش تعيشي الدور ده لاني كشفتك خلاص وخليكي حلوه معايا بالذوق احسنلك يا شاطره
راما بغضب أكبر : انت تقصد اي يا متخلف ان...
قاطعها بسخريه وهو يتقدم منها : قولنا بلاش الشويتين دول مبيكلوش معايا؛ انا شفتك من شويه انتي وحازم اي هتنكري
وضعت يدها فوق فمها بزهول مما تسمع ثم اردفت بغضب : انت انت شخص مقرف اي اللي بتقوله ده حازم ابن عمتي يا حيوان
ابتسم بمكر وهو يقول : طب منا كمان إبن عمك يعني مرحناش بعيد هههه
توسعت عينيها بشده من هول ماتسمع فاستجمعت شجاعتها ورفعت كفها لتهوي بصفعه
ولكنه امسك يدها بقوة كادت تسحق يدها أسفل يده وخاطبها بفحيح ولهجته الصعيديه : متخلجتش اللي ترفع يدها علي ممدوح الراوي يا بت الخواچايه
حاولت نزع يدها من يده ولكنها لم تفلح فهو يفوقها قوه ففتحت فمها كي تصرخ ولكنه أسرع بوضع يده فوق فمها ليمنعها
شعرت بالذعر وقوتها اخذت في الانيهار تدريجيا
حتي أتى مخلصها ، منقذها دائما مما تقع به
كان يقوم بإجراء مكالمة خاصه بعمله ولكن لا توجد تغطية بالداخل فخرج نحو الحديقة
وإذا به يصعق مما يري امامه فقد كان ذاك الوقح يكممها بيد وبالأخري يطوي يدها خلف ظهرها ويسحبها معه بقوه وهي تحاول التملص منه
ركض نحوها بسرعه البرق وانتشلها من يده وانهال عليه ضربا في كل مكان تصل إليه يده
أخذ يكيل له اللكمات والضربات وهو يشتم بكل ما يأتي علي باله حتي انهار بين يديه وسقط ارضا
أيضا لم يتركه أخذ يركله بقدمه في معدته بقوه حتي نزف الدماء من فمه بغزاره وأصبح وجه مكدوم للغايه
هرول حازم نحوه وكبل حركته واخذ يجره للخلف وهو يصيح به
استغل ذاك الملقي ارضا الفرصه وقام يترنح والتف يخرج من حيث اتي منذ قليل ولكنه يجر قدميه جرا ويمسك يده بالم فيبدو أنه كسر
دفع حمزه حازم بقوه فرجع عدة خطوات للخلف وأخذ يتنفس عاليا بغضب
فتحدث حازم بزهول وعدم تصديق : حمزه أي اللي حصل لكل ده؛ انت كنت هتموته ان.....
قاطعه حمزه بغضب اعمي : وانا كنت عايز اقتله الحيوان ابن ال.... وربي لولا مسكتني كده كنت خلصت عليه ال... ابن ...
ثم تذكرها فالتف سريعا للخلف كمن لدغته أفعى
فوجدها مازالت واقفه أمامها جاحظة العينين بقوه ووجهها اصفر للغايه
مسح علي شعره بقوه وتوجه نحوها وقف علي بعد خطوات منها وقال بحنان بالغ : راما انتي كويسه
نظرت له بضياع كأنها كانت بعالم آخر وأعادها هو مره اخري الي عالمهم هذا
ظلت تنظر له هكذا ولا تعي ماذا يقول فهي تري فمه يتحرك ولاتسمع شئ
ثم انفجرت في البكاء عندما قال أسمها بصوت مرتفع وهو قلق للغايه
لم يدري ماذا عليه أن يفعل تقدم نحوها تلك الخطوه الفاضله ورفع يده كي يضعها فوق كتفها
ولكنه ارجع يده سريعا فهو لم ولن يستغل ضعفها في تلك اللحظه وهو يعلم أنها ستؤنب نفسها عليها لاحقا
فالتفت لحازم المزهول بل قد يكون مصعوق من هول ما يري فهو لم يتركها سوا عدة دقائق وعندما رجع شاهد تلك المجزرة أمامه
حمزه بهدوء عكس داخله تماما : حازم نادي حنين بسرعه
تطلع له حازم ببلاهه وهو مازال علي حالته تلك
فاردف حمزه وهو يجز فوق أسنانه : حاااززمم اطلع نادي لحنين
اؤما برأسه وهو يهرول للداخل بسرعه
نظر نحوها مره اخري وقلبه يؤلمه بشده علي منظرها ذاك فهي تبكي وتشهق ودموعها تنزل بغزاره
ظل ينظر لها وهو يعتصر قبضته ويصك اسنانه بشده فهو يشعر أنه مكتف ولا يقدر علي فعل شئ
ظل يشتم ذاك الحقير ابن خاله وهو يراها تنهار أمامه هكذا وتوعد له باشد أنواع العذاب
ضرب بكل تحذيرات عقله عرض الحائط واقترب منها عندما رآها تسقط علي ركبتيها ومازالت تبكي بقوه
تلقتها يداه وجلس أمامها فدست رأسها في صدره وأخذت شهقاتها تتعالي وتشبثت به بقوه
حاوط كتفها بيده والاخري تمسح فوق رأسها بحنان وهو يطمنها بكلمات حانيه علها تهدأ
ازداد بكائها واخذ جسدها يهتز بقوة فزاد من ضمه لها كأنه سيدخلها بين اضلعه وزادت هي من تشبثها به
فهي قد وجدت ملاذها أخيرا بعد أن شعرت بأن تلك الدقائق السوداء كانو مزيدا من الأعوام المخيفة
________________________
أسفه جدا علي التأخير وصدقوني مكنش بأيدي ...
وبشكر طبعا اللي سأل علي الروايه وكان مهتم جدا بيها وده فرحني جدا وهو اللي خلاني اكتب الفصل ده في ظل الظروف اللي انا فيها دي ...
واسفه مره تانيه علي التأخير أرجو المعذرة أصدقائي الحلوين 😊
وأخيرا انا بحبكم ف الله 😍