_ الفصل الثالث عشر مِنْ رُواية" صهيل الجياد".
***
" حتى وقع كِلمة أحُبك منكَ مُختلفة".
فتحت المّذكرات على تاريخ ذلك اليوُم..
" علمتُ من والدتي بأن العائلة بأكملها تَّم دعوتها للذهاب والأحتفال برأس السنة الميلادية في أحد قصور الأصدقاء الأثرياء، في البداية لم يخُطر بِبالي الذهاب إلا حين علمت بأن سديم ستذهب بِصحُبة زين .. فكرت بالتراجع عن ذلك ..
ولكن هُناك شيءِ بداخلي يدفعني للذهاب ورؤيتها، حتى وإن كانت تمرحَ مع زين، ذهبتُ مُتأخرًا حتى أراها دقائق وأغادِر ولكن تفاجأت بعدم وُجود زين!!، هل تركها طُوال المدة بِمُفردها ذلك الحقير ..
لاحظت ترنِحُها قليلاً فـ قلقت، وأيضًا نظرات الرجال عليها غِير مُطمئنة، لذلك أقتربتُ منها أحاوُل أن أقف خلفها حتى لايتحرك أحد ويقترب منها بأي خطُوة، تحدثت ببعض الحديث وأقترحت بأن نصعد للأعلى حتى نُكون بمفردنا قليلاً ..
كانت تضحك بجُنون، كانت جميلة ذات خد مُتوردِ بحُمرة ناعمة، سديم دائمًا تستطيع أن تجعلني أغرم بجمالها بدُون مقاومة حتى بعد غياب لقائي بها، لازالت تستكين بقلبي ..
أثناء مُشاهدتنا للألعاب النارية وبعد الأنتهاء وجدتها تترانَح بنعُومة فشعرتُ بالقلق حتى لاتسقُط أرضًا، ألتقفتها بيُسر، وألتصقت هيَّ بتلابيبي، كانت تُغمض عينيها بهدُوء وبُطءِ، حتى شعرتُ بأنفاسها قريبة من وجهي، نبضات قلبي المُتسارعة لم أستطع منع دقاتها، وأذناي تحمر من ذلك القُرب المُهلك، لايجَب أن نتقرب ..
وفجأة لامست شفتيها شفتي بهدُوء، وفي تلك اللحظة لم أستطع منع نفسي من مُبادلتها، كانت المرة الأولى التي تُكون معي بتلك القُرب، بدُون شجار وحديث يضمر الغضب بقلبي ..
ولكن لم أستطيع أن أكمل ما أفعلهُ معها، أنهُ خطأ، حُبي لها لايتسحق بأن يُلوث، أبتعدتُ عنها، ووجدتها قد أغمضت عينيها ونامت بين أحضاني، أغمضت عيناي بغضب من نفسي ومن فعلتي القبيحة، بالتأكيد حين تتذكر ستكرهني أكثر .. ولن تترُك فرصة دُون أن تخبر الجميع مما فعلتهُ..
ولكن كان الهَّم الأكبر بداخلي إذا علمت أمُي، هي الوحيدة التي أكره أن تحزن مني أو تظن بي السوءِ، لطالما عافرت بأن أتربى تربية سَويِّة تخلو من أساليب العنف والقسوة..
****
أغلقت مُذكراتهُ عند هذا الحد، وهي تشعر بخُطوات قريبة من الباب، لتضع المذاكرات بخزانة ملابِسها، وتجِلس على الفراش، سمعت صُوت طرقات هادِئة، لتجد سلمى تدِخُل وتجِلس بجانبِها قائِلة:
- هُو أنا ممكن أسألك سؤال؟
رفعت سديم حاجبيها بإستغراب، فمطت شفتيها قائِلة:
- أتفضلي!
حمحمت اولاً، وتوترها ظاهر على ملامحها وكفها الذي لم تبخل عليهِ من الحكَّ مما أحمر بِشدة، لتضحك سديم وقد فهمت قليلاً، لتهتف لهَا بخبث:
- أنتِ مُعجبة بحد ولا إيه؟
رفعت سلمى عينيها في حرج وخجل، لتحمر وجنتيها بشدة، أظهرت بياض وجهها بأكملهُ ..
- مش عارفة، بَس أنا لما بَشوفهُ قلبي بيتخطف يا سديم
- ومين ده؟
لم تلحق سلمى في التفوهَ بشيءِ فـ مجيء خديجة تخبرهم بالفُطورِ،سار بجانب بعضهما البعض دُون التفوهَ بشيءِ آخر..
***
أستيقظت بلقيس بُوقت مُتأخر، كانت الساعة الحادية عشر صباحًا، وجدت زين يجَاورها الفراش نائمًا بهدُوء، لم تستطيع منع نفسها من تأملهُ قليلاً، وضعت كفها على شعرهُ الناعم تُزيحهُ من عينيهِ ..
كانت تُريد أن تخبر زين بأشياء كثيرة ورغبتها في العمل معهُ، ولذلك نهضت تستحم وتهيأ نفسها حتى يستيقظ، هبطت على السلالم، ووجدت حُور تقف بجُوار أحد الخدم تعُطيهِ بعض الأوامر ..
لتقترب منها بلقيس مُلقية السلام، وكادت أن تبدأ بتحضير لنفسها شيءِ لتأكلهُ، قالت حُور :
- متعمليش أي حاجة يابلقيس، قُولي للخدم أنتِ عايزة إيه وهُو هيجلك!
لم تحبذ بلقيس ذلك الأمر، لتهتف بتُوتر قائِلة:
- بس أنا بحب أعمل حاجتي لوحدي، أصل ياحور هانم إحنا أتعودنا على كده
لتبتسـم حُور لها وقد هزت كتفيها بلامُبالاة، تأخُذ كُوب قهوتها وتغادر المطبخ .. شعرت بتُوتر بالغ يُصيب خلاياها، خائفة قليلاً من الحديث مع حُور، بالماضي كان الأمر مُختلف، كانت حُور مُجرد ضيفة بالفندق والآن هي حماتها ويجب عليها الإنصياع لها ...
بدأت بتحضير الفطُور وصعدت بهِ إلى الاعلى، وجدتهُ قد أستيقظ لازال بالفراش ينظُر للعدم، كان جميلاً وعينيهِ الناعستان تنظُران إليها بإستغراب، ليقُول:
- أنتِ اللي عملتيهِ؟
أومـأت لهُ، ليقُول:
- مكُنتيش تعبتي نفسك، الخدم كانوا عملوهُ وطلعوهُ!
شعرت بالغضب قليلاً، فهي ليست عاجزة على كُل حتى لاتهتم بطعامها وطعام زُوجها، لتتحدث بعصبية خفيفة:
- وليه يعني الخدم!، ما أنا بعرف أطبخ!
قهقة خفيفة صدرت من شفتيهِ على غضبها، ليمُسك بكفها ويقربها نحوهُ قائِلاً:
- آسف.. أنا بس عايز راحتك يا بلقيس..
لتَشُد على ساعدهُ قائِلة:
- وأنا راحتي في أني أخدمك يازين، كنت عايزة أشتغل معاك في الشركة.
قطب حاجبيها في تعجُب قائِلاً بتساءُل:
- أنتِ ليه فكرتي في كده؟ يعني احنا لسه نازلين مصر مبقالناش يوم!
تُوترت من ملامحهُ، لتقُول وهي تحاول تمالك نفسها:
- عايزة أبقى قُريبة منك .. انا..
ليمُسك كفيها يمنعها من الحديث، وهُو ينظُر إلى عينيها قائِلاً:
- أقفلي على موضوع الشغل دلوقتي، وأنا هشفلك عندي في المكتب وظيفة كويسة ..
إبتسمت بخفة، لتأخذّ الصينية وتبدأ بتناول الفطور وقد أعطتهُ قهوتهُ الصباحية والتي تعتبر روُتينهُ اليومي الذي لاغنى عنهُ.
****
بعض طرقات الباب أنبهت قُدس، لتنظُر بأعُين ذابلة إلى صديقتها عِشق، التي دلفت للداخل تبتسم بهدُوء، لتجِلس أمام قُدس قائِلة:
- كُنت عايزة أحكيلك حاجة! ..فريد كان عايز يكلمك على التلفون النهاردة بس شهاب رفض يجبلك التلفونْ
لم تحُرك قدس جفنها أو حتى عينيها ظلت ساكنة تنظُر أمامها بهدُوء شديد، وكانها أصابها التخشُب. شعرت عشق بالحُزن الشديد على حال قُدس الذي تبدَّل من أفضل إلى أسوء .. لتقترب منها وتُربت على كفيها قائِلة بحنان:
- هقُوم أعملك حاجة سُخنة تشربيها..
ورحلت عشق
وتبقت قُدس مع ذكرياتها المُوحشة والتي تقتلها كثيرًا.. منذ ثلاث سنوات، كان مر على زواجها من فريد سنوات عديدة، كانت دائمًا تحاول أن تنجُب لهُ طفل، كانت سليمة مُعافية وهُو كذلك، ولكن أرادة الله فوق كل شيءِ ..
أخبرتهُ كثيرًا بل طلبت منهُ الزواج من آخُرى حتى لاتتقدم بهم العُمر وهُو لايملك طفل من صُلبه، رفض كثيرًا وغضب منها وأخبرها مرارًا وتكراراً بأنهُ سيبقى زوجها الوفي الذي يحُبها ولن يفعل ذلك ..
ومر عام وبدُون جدوى لم ياذن الله بأن يحمل رحمها بطِفل، وأصبحت هادئة يُصيبها الحُزن ويآكل قلبها من الداخل، وهي بداخلها تعلم بأنهُ سيأتي يوم ويعاتبها على ذلك، وتظن بأنها السبب في ذلك.. لاتعلم لماذا هل لأن الجميع أنجب ماعدا هيَّ، أما لانها تشعرُ ببعد فريد عنها وإنشغالهُ بشركتهُ عنها.. ورفضها المُستمر بألا تعمل..
ولكنها شعرت بأن فرجَ الله سيكُون قريب، ومر شهران وثلاتة وشعرت بتوعك، في البداية ظنت بأنهُ نزلة برد، ولكن الأعراض جعلتها تتيقن بأنها حبلة!، لتنتظرهُ بأن يعُود من سفرهُ حتى تخبرهُ بتلك المُفاجأة ..
ولكن جاء يوم سفرهُ كيوم الجحيم على روحها، جاءت معهُ آخُرى تحمل بين ذراعيها طفل، ويخبر الجميع بانها زوجتهُ الجديدة وأم طفلهُ "مريد" لم تستطيع تحمل الخبر لتسقط ويسقط طفلها معها..
كان الخبر جميعًا مؤلم حين علموا بفقدان طفلها، يومها طردهُ صهيب من المنزل وأخبرهُ بأن لامكان لهُ هُنا، وأنهم سينتظرون ورقة طلاق قدُس، ولكنهُ كل شهر يأتي ويحاول زيارتها أو محادثتها ويرى عدم القبول من الجميع، يعلم بغضبهم عليهِ، ولكن ألم يستاءُلوا عن حزنه هُو ايضًا كان ينتظر طفل منها منذ سنوات .. وحين أمر الله أن يأتي بغباء فعلتهُ هدم الكثير!
مرت سنتين ولم ترى وجههُ، لم تخرج من حجرتها إلا فقط لتراهم من بعيد، لم تتواصل مع أحد، كانت تعاني من أكتئاب حاد، وبالبعُد فضلت أن تعالج حالها بألا ترى أحد، ولكن قلبها كان يحن إليه كثيرًا، لاتعلم سبب فعلتهُ، ولكنها تعلم بأنهُ ليس بخير مثلها..
نظرات عينيهِ في ذلك اليوم، لم تكن سعيدة، لم يكنُ سعيد بالبُوح بذلك الأمر، لتنهض مرة واحدة وأتجهت صُوب الهاتف وكفيها يرتعش وقلبها ينبض بطريقة جنونية، وعقلها ينتبها بأفعالهُ الماضية ويصرخ بجنون، لقد خانك، نقض العهد وفي النهاية ستتحدثين معهُ، لماذا تُريدين أن تظلي تلك البائسة المُغرمة بشخص غير وفيِّ مثلهُ..
والكثير من الهواجِس تضُرب عقلها وترهقهُ..
***
كان فريد مُنشغل الفكر، يحاول الأتصال بأخوتهُ ولكن لا أحد يُجيب مكالماتهُ، علم من الصحافة أمر ابنة أختهُ حنان، وزواجها من عُبيد، تغير الحال كثيرًا كان يتذكر تعلق تلك الصغيرة بيد زين ..
وكم تمنى من أن يلين أخيه صهيب عليه، وأن يخبرهُ بما آلت إليه الظروف، أو حتى يجعلهُ يرى زوجتهُ مرة واحدة، يعلم بانها حبيسة غرفتها لاتخرج ولاتشاركهم أي احتفال او مناسبة، أراد رفع الهاتف والأتصال لعل أحد الخدم من يُجيب ويرجوه حتى يعطي الهاتف لـ قدس تتحدث معهُ..
وقبل أن يمد كفهُ إلى الهاتف، دلفت جِيلان زوجتهُ إلى المكتب، تُعطيهِ ملف قائِلة:
- عايزاك تشُوف الصفقة دي كُويس يافريد؟
ليومُأ لها شارد الذهن، لتلاحظ شرودهُ وعدم فتح الملف لتقول:
- في حاجة؟
ليرفع عينيهِ إليها، مُتردد البُوح، يعلم كم تكره عائلتهُ ولن تضمر لهم الخير أبدًا، ولكنها زوجتهُ في النهاية وام ولدهُ، ليتنهد قائِلاً بثبات:
- كُنت عايز أكلم خديجة أو حنان علشـ..
لتقاطعهُ بنفور وسخط شديد:
- تكلمهم! .. أنت مالك يافريد، انت ناسي أن محدش فرح بابنك ولاحتى شالهُ، كله أهتم بالست قُدس!.. ومش أخواتك اللي حرموك من تركتك!
- محدش حرمني من حاجة ياجيلان، أنا اللي رفضت أخد حاجة منهم
لتقُول بغضب:
- عارف ليه، علشان هُما ماهيصدقوا يحطُوك تحت ضرسهم، ويتحكمو فيك، فوق يافريد .. الماضي ولا اخواتك هيفيدوك بحاجة ..
نهضت دُون أن تُزيد على حديثها حرف واحد، وهُو ينظُر للامام يفكر بكلماتها، يعلم بأنها على حق في بعض الأمور، ولكنهُ يعلم بأن أخوتهُ يقفون بِصف قدس وذلك لأنها وحيدة .. عائلتها قد توفوا منذ سنوات .. ولن تجد ملجأ سواهم.
شعرت بأهتزاز هاتفهُ الخاص، ليرفعهُ بملل ليتفاجأ بـ رقمها تهاتفهُ، أجاب بسُرعة وقلبهُ ينبض بأشتياق:
- قُدس ..
يتُبـــع...