في بيت ملأه الحب والعراك، جايمس وإيلينا ضاقت بهم السبل لبعضهم البعض، كل منهم عثر على الآخر بوقتٍ حرج في حياته، كلاهما أعطى الكثير وأَحَبَّ الآخر بكل ذرةٍ يمتلكها في جسده، ولكن هذا لم يكن رادعًا كافيًا لتلك المشاكل التي نتج عنها العديد من التصدعات بعلاقتهم.
إيلينا فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها، الرب وحده يعلم لكم من الوقت عانت من الاكتئاب، ولكن تم تشخيصها بأنها تعاني من إكتئاب حاد وميول انتحارية منذ ست سنوات، نتج عنه محاولات شتي لسلب حياتها بنفسها، ولكن جميعها باءت بالفشل. إما تم إنقاذها، او في بعض المرات هي فقط لم تمت ليزيد شعورها بالفشل، حتي في الإنتحار! كانت تنظر بالمرآة فتري كتلة من الفشل تقف علي قدمان!
قابَلت جايمس منذ سنة عندما قررت ترك منزل والديها لكونه بيئة سلبية لا تصلح للعيش؛ أب لا تراه إلا مخمورًا ولا يستطيع أن يحافظ على خطوات متزنة أثناء مشيه، وأم هاربة من واقعها عن طريق تجاهل كل ما يحدث حولها، بينما هي تُعاني من كل شيء وحدها بصمت.
وقتها جايمس كان طالبًا بأخر سنة في الجامعة، كانوا قد التقوا صدفة بحفل أحد الأصدقاء المشتركين، تلك البداية المتعارف عليها، حيث يراها تتسكع بالأرجاء وقد لاحظ تجهم وجهها من فينة للأخرى عندما تظن أن لا أحد ينظر لها. عرض عليها مشروب، ثم سألها إن كانت تريد المغادرة لأن المكان بدأ يصبح مزعجًا، وكانت تلك البداية.
شعروا بالإنتماء لبعضهم البعض، أخيرًا وجد كلاهما روحًا يسكن إليها، شخص يألف صحبته، ولكن كما حال كل شيء بهذه الحياة، لا يوجد ما يسمى بالكمال.
إن لم تعالج جرحك القديم سيظل ينزف على أشخاص لم يرتكبوا شيئًا خاطئًا سوى أنهم تواجدوا في حياتك في الوقت الخاطئ، وهذا ما حدث لهم بالضبط.
عانت إيلينا من جروحٍ قديمة ولم تضمدها ظنًا بأنها ستطيب بالتجاهل، ولكن جروح إيلينا لم تكن عادية، لقد كانت مميتة، تنزف بإستمرار حتى استنزفتها بالكامل.
كانت الأمور تسير برتابة منذ آخر عراك خاضاه منذ أسبوعين، وقد قرر جايمس أن يصطحبها للعشاء خارجًا في أحد ليالي الخريف اللطيفة، في محاولة مستميتة لإسترجاع التناغم بينهم، ولكن كان هذا قبل أن تشتعل إيلينا غضبًا بسبب إلقائه عدة نظرات متفرقة على هاتفه خلال الموعد.
"أنت لم تعد تحبني" صاحت إيلينا بمجرد أن خطت قدماها داخل الشقة.
"والآن كيف قفز هذا الاستنتاج لعقلك بحق السماء!" تعجب جايمس من حديثها، وهو يتبعها داخل الشقة ويغلق الباب خلفهم.
"لم يقفز لعقلي جايمس أنا لست مجنونة، أنا أراه بعينيك، أنت لم تعُد تحبني" قالت وهي تقترب منه وتنظر لداخل عينيه.
"إيلينا، أنتِ لا تعي ما تتفوهين به، ماذا حدث؟ ألم نكن نقضي وقتًا جيدًا؟ ها" تحدث جايمس برفق بينما يقترب منها ويمرر يده على خصلات شعرها، يحاول أن يسيطر على غضبها بالرغم من أنه لا يعلم سببه حتى.
"لقد كنا ندّعي بأننا نحظي بوقتٍ جيد، أنت لست مضطرًا لذلك." تحدثت وقد ضعف صوتها في نهاية الجملة بسبب محاولتها لكبح البكاء بشدة.
"أنتِ ماذا تقولين؟ أي إدعاء! أنا كنت أحظى بوقتٍ جيد معك سواء اعترفتي بذلك أم لا." رفع يداه بتعجب مستنكرًا حديثها.
"جايمس أنت لم تقضي وقت معي، لقد قضيته مع هاتفك، لا بأس إن لم تعُد تحبني، ولكن لا تكذب عليّ!" حذرته في النهاية وصمتت تنتظر رده ليسود الهدوء للحظات.
"إيلينا هل هذا بسبب ما تفوه به ذلك الغبي إيثان؟" سألها جايمس بترقب بعد صمت استمر لدقيقة.
عندما تفوه بإسمه سقطت كل دفاعاتها أرضًا، إرتخت ملامح وجهها تُنبؤ بنوبة بكاء قادمة، لِمَ كان عليه أن يذكر اسمه؟
"لِماذا جلبت اسمه؟" قالت بصوت أشبه بالهمس، ليشعر جايمس بالذنب على الفور لمظهرها.
"إيلي أنا لم أقصد، أنا-" تحدث جايمس بأسف وهو يمسك بكتفيها، ولم تمتنع تلك المرة عن التمسك بمعصميه عوضًا عن السقوط أرضًا.
"أنا أريد أن أخلد للنوم جايمس، كان هذا يومًا طويل بما يكفي." قالت بصوت منكسر، والتفت لتتجه لغرفتهما، وبخطوات مبعثرة اتجهت لسريرها وارتمت عليه تدفن جسدها بين الأغطية، وتدفن أفكارها ومشاعرها في وسادتها كما تفعل دائمًا.
منذ أن رآها لأول مرة ولمعة الحزن تلك تخيم بعينيها لم تغادرها، لقد عانت كثيرًا في حياتها السابقة، ومازالت لا تستطيع تخطي تلك الفوضي، يريدها أن تكون أفضل ولكن كلما تقدما خطوة للأمام يحدث شيئًا ما ليرجعهما من حيث بدءا.
تمامًا كما حدث منذ ثلاثة أيام، عندما أوقعها حظها العثر في إيثان خليلها السابق، ودار بينهم عراك نتج عنه ركضها عائدة للمنزل باكية، يتذكر ذلك اليوم بوضوح.
"إيلينا، هل انتهيتِ بتلك السرعة؟"تسائل جايمس من الغرفة عندما سمع صوت الباب، ولكنه قلق عندما لم يتلقَ إجابة، لذا توجه للخارج.
تجمد مكانه لثانية من هيئتها؛ كانت تقف أمام الباب بشعر مبعثر، تنظر للأرض وصوت تنفسها المضطرب يملأ المكان.
"ماذا حدث؟" سأل وهو يقترب منها يُبعد شعرها المبعثر عن وجهها ببنما يرفع ذقنها بروية لتواجهه بأعينها التي إكتساها الإحمرار.
"إيثان." همست بالإجابة على الفور دون مجادلة كعادتها ليعقد جايمس حاجباه بإستغراب.
"ماذا حدث، هل تذكرتي شيئًا، ه-" ألقى جايمس العديد من الأسئلة ولكن صوته أختفى عندما لاحظ تلك البقعة الحمراء على وجنتها.
أدار وجهها برفق ليرى مدى سوء الأمر، ولكن الهواء توقف عن التدفق لرئتاه عندما وجد أخرى على رقبتها تبدو كأثر أصابع. إستمر في رحلته الإستكشافية تلك ليزيح ياقة القميص التي كانت ترتديه ليجد كدمة أخرى على كتفها، كل هذا وصوت نحيبها لم يتوقف بينما جايمس يجمع الصورة بعقله.