استثمر فيهم وليس لهم 💞💞💞
قد يمكنك أن تجمع بين الأمرين، تُسعد ابنك وتنميه وتُحسن تأديبه وتقوي علاقتك معه، في الوقت الذي تسعى فيه لتأمين حياة مادية كريمة له في المستقبل، ولكن الحياة كثيرا ما تضطرك إلى الاختيار.. ويجب أن تحدد المسار دون تردد، وتجيب على السؤال الصعب: الآن أم لاحقا؟..
واختيار الآن لا يعني التهوين من قيمة الادخار والتعقل في النفقة، فهذا أمر شرعي لا خلاف عليه، قال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}. الفرقان: 67.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"متفق عليه.
ولكننا في عالم اليوم نعيش في تنافس على المهارات، تؤثر جودة التعليم على المستقبل أضعاف تأثير بعض المدخرات، أن تستثمر في الإنسان خير ألف مرة من أن تستثمر له، أن تعلمه كيف يصطاد أضمن وآمن له من أن تخزن له بعض السمكات.
الاستثمار في الأبناء أن نجعلهم بحق مشاريع العمر، التي نضع فيها أموالنا وأوقاتنا وجهودنا، أن نمنحهم عقولنا وقلوبنا، ولا نتعجل الأرباح، فالأرباح ستأتي في الدنيا والآخرة "إن الله لا يضيع أجر المحسنين".
استوقفتني اليوم قصة مؤثرة يحكيها شاب إعلامي محترم عن أبيه الذي كان يحظى بمكانة جيدة في عمله ويوفر لهم بفضل الله حياة جيدة، عندما جاءته فرصة لامعة، فرصة من التي يفني البعض عمره في الحلم بها، وظيفة كبرى في مؤسسة شهيرة براتب يفوق راتبه الحالي بأضعاف، لكنه رفضها..
يقول:"رفض والدي فرصة العمل تلك، وعندما سألته وإخوتي عن السبب، أجاب بعبارة واحدة: "أريدكم أن تتعرفوا عليّ وأنتم تكبرون، إذا قبلت فرصة العمل هذه، لن تروني مطلقاً".
ويضيف: "أصبت وإخوتي بدهشة كبيرة حينها، لكن ذاك اليوم علمني درساً حول كيفية ترتيب أولوياتي والأمور المهمة في الحياة، لأننا غالباً ما نضحي بالكثير، كعائلاتنا، وصداقاتنا، وصحتنا، سعياً وراء زيادة في الكسب، والتطور، والشهرة، حتى بين أناسٍ بالكاد نعرفهم.
تخيل كم من الآباء والأمهات يهدرون وقت طفولة أبنائهم ومراهقتهم فيتعاملون معهم على أنهم عبء ثقيل أمام انطلاقهم في أعمالهم وجمعهم للمال، يسافر الأب دون أولاده ربما لسنوات متطاولة، أو يفني وقته في عمله وفي ملذاته الخاصة، وكذلك تفعل الأم، فتهتم بمشكلات العائلة، وتدور في رحا المشكلات الزوجية والعملية، وتنسى هذا القطار الذي يمر سريعا وهي لم تلحق به.. أنجبت لكن لم تزرع حبا.. نسيت أن تستثمر في صغارها، أن تبذر وقت الزرع.
انظر حولك.. كم باعدت هذه الأجهزة الحديثة بيننا وبين أسرنا وأولادنا، أصبحت أسماء وهمية على فيس بوك أقرب للأم من ابنتها التي تحتاج لحديثها، وابنها الذي يستقي منها قيمه.. فلا هي استثمرت الآن ولا ادخرت لما بعد.
بعض الآباء يختارون مدارس لا تقدم تعليما جيدا فقط لأنها رخيصة، ويتعللون بأن هذا المال سيوفرونه لأبنائهم لينفعهم في المستقبل أفضل، وينسون أن بناء الإنسان هو الأهم، وهو الأصعب تداركا، أما المال فهو أسهل شيء يذهب ويجيء.. ويغفلون عن أن التعليم والتربية الجيدين واكتشاف الطفل لمواهبه ووجوده في بيئة سوية لن يجعله أقدر على تحصيل المال فحسب، بل والسعادة وهي الأهم.
الآن.. وليس لاحقًا
استثمر في ابنك الآن ولا تؤجل، اغرس فيه معاني الإيمان، واربطه بآيات الله في المقروءة والمشهودة، ولا تقل عندما يكبر سيفهم.. كيف تضمن؟..
استثمر في ابنك الآن.. أسعده.. امرح معه.. شاركه أوقاته.. تنزه معه، واحرص على أن تثقفه، على أن يرى العالم بقلبه قبل عينيه، وتزداد خبراته، وإن كان الطريق لذلك أن ترفض عملا إضافيا، أو أن تشترك له في أنشطة مميزة.
استثمروا في أبنائكم الآن.. ضع هاتفك جانبا.. ضعي مشاكلك في صندوق أسود وتناسيه.. وأقبلا على الأبناء بحب وتقبل وتفنن في إسعادهم وبذر الثقة والتفاؤل في جنبات عقولهم.. ولا تتعجلا الثمر.
إن المال الذي تدخره لابنك مهما كثر لن يعوضه عن سعادة الطفولة، سعادة الطفولة تظل هي المخزون الذي نسحب منه عندما تداهمنا الأحزان والمحن بقية أعمارنا