الفصل الثاني.

110 8 11
                                    

#أوتاد_عشق_واهية
#فاطمة_علي_محمد

الفصل الثاني.

كان "عدنان السروي" (ذو التاسعة والخمسون عامًا، الممتلئ القوام بعض الشئ كما الوجه المكتظ والمزين بشارب بني خالطه الشيب كما الحاجبين الكثيفين، ورأسه الأصلع أو الحليق كما يهتم به يوميًا لإخفاء شيبه التام) يحتل مقعده بمقدمة مائدة الطعام الكبيرة والتي تتسع لعشرين فردًا تقريبًا ، والتي تتوسط بهو قصره الكبير بموضع استراتيجي يكشف أغلب أركان القصر، بدأ يقلب حبات الأرز بمعلقته قليلًا  وهو يرمقها بهدوء مغمغمًا بمكر شديد موجهًا حديثه إلى ابنته "لياء" التي تحتل مقعدها الدائم على يساره وإلى جوارها شقيقتها "كاميليا" :
  -كل الدعوات وصلت؟

انفرجت ابتسامة تهكمية من جانب فمها وهي تقسم قطعة اللحم المشوي أمامها جزئين مرددة بثبات كبير :
  - من بدري، زي كل سنة.

سحب "عدنان" نفسًا عميقًا وهو يسترخي بظهره إلى ظهر المقعد زافرًا إياه بهدوء مرددًا بتهكم شديد:
  - زي كل سنة!.. والسنة دي كمان هتكون زي كل سنة.

حرك "أسلم" الجالس إلى يمين والده رأسه بلامبالاة واستنكار مغمغمًا :
  - طب طالما كده، ليه نبعت لهم الدعوة؟!

حاوط "عدنان" كأس المياه أمامه بأنامله المرتجفة قليلًا وهو يرمقه بشرود مغمغمًا :
  - ده عهد، ولازم أوفي بيه.
 
ضيق "أسلم" أحداقه بعدم فهم مغمغمًا بدهشة :
- عهد!.. مع مين؟.. وعهد إيه أصلًا؟

ذم "عدنان" فمه بعدم إكتراث مغمغمًا بهدوء :
  - مش وقته.. خلينا في المهم، عايز التنظيم السنة دي غير، لأن فيه شخصية مهمة هتحضر، واحتمال يكون فيه بينا نسب.

والتفت بأنظاره نحو ابنته "لياء"  التي كانت تقطع مابطبقها بهدوء بعدما علمت ما يرمي إليه والدها، لتغمغم بلامبالاة ماكرة:
  - هتجوز "أسلم" ولا إيه؟
 
حرك "عدنان" رأسه بنفي مغمغمًا بأسف :
  - للأسف معندوش بنات، عنده ابن وحيد انفصل من شهر.
 
كانت أعينها باردة كقطعة جليد بالقطب الجنوبي، وجوابها أكثر برودة من دمائها المثلجة بأوردتها :
  - وجاي بقا الحفلة يدور على عروسة جديدة؟

كانت تلوك الطعام بفمها بإستياء شديد وهي تطوف وجوههم بأنظارها الحانقة مرددة باستنكار :
  - ولا كأن في رجل كرسي موجودة جنبكم، كأني هوا مش شايفينه، لو مش مرحب بيا بينكم قولولي وأنا أروح أوضتي.
 
رفع الجميع أنظارهم إليها وهي تقف قبالتهم بأعين خطَّ بأحداقها الحزن، ليهب "أسلم" من مجلسه مستديرًا حول الطاولة وهو يتجه نحوها مرددًا بعطف كبير :
  - ده وجودك ده اللي منور البيت ده كله يا "كوكي".
 
استدارت قليلاً حتى أصبحت بمواجهته لتحرك رأسها بنفي تواري به دمعاتها المتحجرة بمقلها مغمغمة بحزن شديد:
  - مش واضح يا "أسلم".. مش واضح، كلامكم كله ألغاز وعلى المداري، لو ده كلام شغل مكانه بيكون الشركة أو المكتب مش ترابيزة الأكل.
 
لم تصمد طويلًا، فقد تمردت عبراتها وانهمرت فيضانًا وهي تشير نحو مائدة الطعام هاتفة باستياء شديد :
  - المكان ده اتعمل عشان نتلم عليه كعيلة، زي أي عيلة في الدنيا، مش نقعد وكل واحد مننا في وادي، تقدر تقولي إنت تعرف عني إيه؟
 
والتفتت نحو والدها مسترسلة ببكاء أشد :
  - ولا أنت يا بابي تعرف عني إيه؟
 
والتفتت نحو شقيقتها التي نهضت من مقعدها بحزن شديد لأجلها مسترسلة:
  - ولا أنتي يا "ليا" تعرفي عني إيه؟، تعرفوا بحب إيه وما بحبش إيه؟.. تعرفوا نجحت في الكورس ولا لأ؟، تعبانة ولا سليمة؟.. تعرفوا عندي حساسية من إيه؟.. عندي فوبيا إيه؟.. تعرفوا عني أي حاجة أصلًا.
 
وعادت بأنظارها ثانية نحو والدها صارخة :
  - عارفة إن حضرتك بتشتغل عشان توفر لنا العيشة دي.
 
فتحت ذراعيها على مصرعيهما وهي تشير نحو جدران القصر كاملة مستطردة :
  - عشان تعيشنا في المستوى الاجتماعي ده، عشان تاخد لنا القصر ده.
 
وتهدلت ذراعيها بأسى وهي تردد بخفوت شديد :
  - بس للأسف، في عز ما أنت بتعمل كده، نسيت تاخد بالك مني، نسيت قوي يا بابي.
 
وركضت إلى الأعلى وشهقاتها تتصاعد تدريجيًا مع صعودها لدرجات السلم، والجميع يتبعها بأنظار حانية .

أوتاد عشق واهية.. للكاتبة / فاطمة علي محمد. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن