ديبريسين- المجر
05 ماي
الحادية عشر ليلاً .لم يكن أحد على دراية بأن الشتاء لايزال يخبىء هدية صغيرة قبل رحيله. لقد أصر على أن يكون البرق هو النور الوحيد الذي ينير معالم تلك الليلة ، فقد غطت السحب الكثيفة القمر بالكامل ، و أرسلت أمطارا رعدية شديدة نشرت الرطوبة و الضباب الكثيف في أرجاء المدينة الشمالية.
توقفت سيارة الأجرة عند بداية أحد الشوارع المنخفضة ، و قد نزل منها سورين ليير بعد أن ودع السائق بمجرد اِبتسامة أُجبر على رسمها بين وجنتيه الحمراوتين تعبا.كان محاميا شابا بدأ يذيع سيطه مؤخرا.
هرول بسرعة ناحية بناية ضخمة .. كانت أشبه بمنزل أو قصر كبير يمتد إلى الشارع الآخر ، و قد كُتِبَ على لافتته السوداء بخط ذهبي غليظ " دار الموسيقى".
لقد تلقى رسالاتِ إصرار على الحضور إلى هنا في وقت متأخر، من سيدة تقطن مدينة جيولا...سيدة تدعى بآليدا مولنار..
و كونه لم يستطع الصمود أمام فضوله حول اِدعاء هذه المدعوة آليدا باِمكانيتها مساعدته في رفع الستار عن طفولته المبعثرة و المنسية، فقد قَدِمَ إلى هنا بعد اِنتهاءه من عمله مباشرة.
كان لديه شك بأن هذا مجرد تلاعب، كونه ينشر في الجرائد بإستمرار عن الثورة الرومانية و ما شابه من حالات فراقه عن عائلته بسبب الحرب. لكن ما عساه يفعل..رغم كونِه رجل قانون راقٍ إلا أن حماسه قاد عينيه الزرقاوتين للتحرك في جميع الاِتجاهات باحثا بين قطرات المطر الغزيرة التي تحجب الرؤية، عن طريقة لعبور السياج الحاد الذي أحاط بموقع هدفه .
و بين أفكاره المتهورة التي تكسر قوانين الفيزياء في الصعود و القفز إلى الداخل، تساءل، لما عليه أن يدخل المنزل بطريقة غير قانونية رغم أنه تلقى دعوة صريحة للقدوم ؟
....
كان سورين مبتلا بالكامل تحت سحاب الليل الحالك، يدق بحجرة كلسية بيضاء على الباب الأسود منذ دقائق طويلة، فقط ليثبت لضميره بأن لا طريقة سوى التهور و تنفيذ خطته الصبيانية. فقد أقسم أن يعلم ما يدور خلف هته الرسائل، و أن يلقن صاحبها درسا إن كان يعبث معه.
أجثى بركبتيه وسط سيول الأمطار ليضع حقيبة عمله الجلدية تحت سيارة قديمة رُكنت بجانب المنزل ،آملا أن تحميها من الأمطار .
نزع سترة بذلته الرمادية المبللة و اِعتصرها بين بيديه المُرتجفتين حتى صارت متجمدة في قالب طويل يمكن اِستخدامه كحبل للصعود أعلى السياج و القفز إلى الداخل .
كان متفائلا يُبلي حسنا في ربطها و تثبيتها، حتى اِخترق سمعه صوت تعبئة ذخيرة سلاح قادم من المنزل .تجمد سورين مكانه و هو يلتقط أنفاسه تعبا و هلعا، أفلت سترته و اِبتعد عن أعمدة الحديد التي كاد أن يتخطاها..
هو لا يريد الموت في منتصف العشرينات بهذه البساطة، و لكنه أيضا يأبى الرحيل كالجبان بهذه السرعة .
رفع عينيه من على الأرض بضعة سنتيمترات ليتمكن من إبصار صاحب السلاح .
أنت تقرأ
وشق || Lynx
Mystery / Thriller... ∆ ملاحظة قبل بدأ القراءة : ستصادفون كلمة " سيكيوريتات " عدة مرات في هذه الرواية ، وهي التسمية التي تطلق على الشرطة الرومانية السرية خلال فترة الحكم الإشتراكي في رومانيا.