بإبتسامة هادئة كانت لينوفر تسير ببطء شديد بالطريق الأول للجهة الغربية، تسمح بذلك لنفسها أن تتمعن في كل خطوة تخطوها.
لقد صارت مؤخرا تشعر بهدوء نفسي مريح، ربما يمكنها القول أنها انسجمت أخيرا مع التغيير الحاصل بحياتها، خصوصا حين أصبح لها أصدقاء و استطاعت رؤية العالم الغريب حيث ينتمي أغلبهم.عند آخر ذكرى زادت إبتسامتها توسعا و مدت أصابعها لتبعثر خصلات شعرها البنفسجية بحماس، لقد كان الأمر أكثر من رائع.
-"ريناس هي الأفضل!" همست في سرها و قهقهت بخفوت، فثأتير تلك الجولة لا يزال يراودها كلما إختلت بنفسها، لقد منحتها ريناس هدية ربما لم تعطيها الكثير من الإهتمام لكن لينوفر فعلت للإحساس الدافئ الجميل الذي يتغلغل في أعماقها..
-"ألن ينتهي هذا الطريق؟" إنتفضت من أفكارها و إلتفتت يمينا و شمالا تبحث عن أي شخص بجوارها.
لكن أنين خافت جعلها تتوقف مكانها لثوان بريبة قبل أن تعود السير مجددا تحاول إقتناص مصدره هنا و هناك.
-"من هناك؟" صاحت بتساؤل حين زادت حدة الأنين، و هرولت للأمام حين علمت أن صاحبه لا يزال بعيدا عنها بداخل الطريق ذو التراب الوردي الذي تحيطه أشجار أوراقها شبه صفراء.
ثوان قليلة و وجدت نفسها تقف بشهيق تناظر ما أمامها بفزع
-"أنقذيني!..أرجوك!" صوته ذو البحة الضعيفة و يده الملوثة بدمائه و التي رفعها كأنه يحاول إمساكها عبثا قبل أن تسقط جوار جسده المغطى بالدماء جعلاها تتراجع خطوتين للخلف و دون أن تزيح نظرها من على الشاب الملقى أرضا كانت تتمتم بوهن :"أليس تدريب؟..ما الذي يحصل؟..من هذا؟ و.."إبتعلت باقي أسئلتها بجوفها حين أنَّ الشاب مرة أخرى و تحرك بجسده كمن يرغب في الوصول إليها متمتما بضعف :"ساعديني! "
هذه المرة لم تتردد و زفرت بعمق تطرد خوفها بعيدا ثم بهرولة قطعت ما يفصلهما من مسافة دون أن تغفل عن آثار توزعت على التراب هنا و هناك بالقرب منه ،و بدت كمخالب لكائن مفترس..
-"ما الذي حصل لك؟" سألته و ركعت جواره توزع أنظارها على جسده الجريح في محاولة منها لإكتشاف مصدر الجرح بالضبظ إلا أنها لم تستطع لكثرة الدماء و لثيابه التي كانت سوداء قبل ذلك و صارت ممزقة و مبللة، ملتصقة به.
-"ساعديني!" همس بضعف و ثقل جفنيه يسدل بذلك أهدابه السوداء، فشهقت لينوفر بقوة و دون أن تشعر هزته من كتفيه بقوة تصيح فيه :" لا تغمض عيناك أرجوك، قد أستطيع حينها مساعدتك"
عاد الشاب يفتح عيناه بضعف ثم جاهد ليبتسم لها قبل أن تعود جفنيه للإنغلاق من جديد، فنهظت لينوفر بسرعة تلتفت حولها بريبة تمتم :"لن يموت و أنت هنا لينوفر! لن أتركه يموت"
بقوة شدت خصلات شعرها تصيح بعصبية :"فكري لينوفر! فكري" ثم عادت تقرفص أرضا جواره تهمس :"عليك وقف النزيف! عليك إيجاد الجرح!"
بسرعة كانت تمزق ما تبقى من الثياب على صدره رغم إرتعاشة يديها و صوت دقات قلبها التي تتردد في أذنيها، ثم إستعملت ما حصلت عليه من ثوب في إزاحة الدماء من عليه ببطء شديد حريصة على أن لا تؤلمه..
-"هذا غير ممكن! أين الجرح؟" صاحت بنبرة مهتزة و رغبة في البكاء حين لم تجد أي جرح في صدره ،ثم و بنفس الهستيرية عادت تنظر لوجهه ذو الملاح المتعبة تصيح فيه :" إفتح عينيك، هيا افتح عيناك و أخبرني أين جرحك؟" شهقت بألم و إنهمرت دموعها فجأة ثم عادت تصيح بهستيرية :" سيكون بظهره، أجل بظهره" ثم و بسرعة كانت تحاول جعله يغير من وضعيته حتى تستطيع رؤية ظهره..
شهق الشاب بألم فهمست تتأسف منه إلا أنه شهق مجددا يدخل كمية أكبر من الهواء لرئيته و إرتعدت أطرافه، فأعادته لوضعيته تحرك رأسها بنفي لتلك الحالة التي شاهدتها قبلا و درست عليها الكثير من الكتب..
-"كلا! تحمل قليلا، لن تموت!" همست فإرتعد مجددا و سقط رأسه للجانب يجعل من شهقاتها ترتفع و دموعها تنهمر بقوة أكبر قبل أن تصرخ بنشيج :" لا..ليس مجددا"
-"إهدئي لينوفر!" إلتفتت بسرعة لترى صاحب الصوت رغم أنها عرفت هويته قبل إلتفاتها، فغطت غشاوة الدموع عينها تمنعها من الرؤية الواضحة لتسارع بإزاحتها بكلتا يديها تسمعه يكمل :"لم أشاهد شخصا بنقائك لينوفر!"
-"سيدي المدير..أنا لم أستطع إنقاذه، أنا بلا فائدة..أنا" تمتمت بتيه دون أن تقف من مكانها، فتقدم يوجين منها ليقرفص أرضا جواها قائلا :"بالعكس تماما أنت أكثر شخص سيحتاجه الفريق"
حركت رأسها نافية بشهيق و إلتفتت لجثة الشاب، فمد المدير يده يديرها ناحيته من جديد قائلا :"أنت حتى لم تتسائلي عن هوية هذا الفتى و هرعت لمساعدته"
-"لكنني لم أستطع " همست بضعف فأجابه يوجين :"لأنه كان يستحق لينوفر "
ضيقت عيناها بتساؤل واضح، فرمى يوجين نصف نظرة للجثة مسرسلا :"هذا الفتى ينتمي لشياطين اوراشي، و هي شياطين تعيش مجتجزة بهذا الطريق و لهذا دور مهم في الحفاظ على توازن الجهة الغربية كما باقي مخلوقات الطرق الأخرى، لكن حين تحاول التمرد أول شيئ تفكر به هو السطرة على سحر الأكاديمة و توجيهها لتدمير العوالم"
-" لكن كيف؟" صاحت بتساؤل فأحابها بإبتسامة: " مؤسس الاكاديمية كان يحرص على جمع أكبر عدد من المخلوقات العجيبة و الغريبة حتى و إن كانت خطيرة، أولا لدراستها و ثانيا للتحكم فيها" صمت قليلا حين لاحظ كيف مسحت لينوفر دموعها و راحت توزع النظرات بين الجثة و بين وجهه قبل أن يسترسل :" و لهذا هناك حارس ذو مخالب طويلة بهذا الطريق، لا يظهر إلا حين محاولة أحد الشياطين للتمرد، يقتله في نزال و لا يجرأ أحد على مساعدته، بكل بساطة لأنهم لا يستطيعون"
فرغت لينوفر فاهها في وجهه لثوان قبل أن تهمس :"لم يكن هناك جرح "
أومأ يوجين برأسه عدة مرات ثم ابتسم مخبرا إياها :"لأنه شيطان لينوفر،تركيبته ليست مثلنا!"