الفصل الثاني و العشرون
قبل خمس سنوات....
برودة سرت من مقبض الباب ليده التي تمسكت به منذ فترة طويلة و لم يقوى على فتحه!... لقد خلا المكان حوله في هذا الوقت من الليل... رحل الجميع و تركوه هنا أمام باب غرفتها بمفرده... لو شرح ما يشعر به في هذه اللحظة لم يكفيه مجلدات عملاقة ليكتب عن شعوره بالفقد... الفراغ... الندم...و الذنب ...
هو بيده قام بتدمير كل شيء... مجرد كلمات خرجت منه دون شعور قضت على كل شيء... و الأهم سلبته من أحب و أخذت منه ما مُنح تلك الليلة!...
سحب نفسًا عميقًا ثم أغمض عينيه لبضع ثوان و بعدها أدار المقبض بقلب مرتعد... قابلته الظلمة لتبتلع معها روحه و تذيقه من الوجع ألوانا مختلفة... هنا بين عتمة الغرفة تنام بمفردها تهرب مما حدث لها ... بسببه
أقترب من السرير بقدم عاجزة على الحركة و لكنها مجبرة... شعور بالندم يجبره بأن يتقدم و يرى ما جنته يده اليوم بها... بصغيرته التي لا ينفك عن أذيتها بقسوة...
غامت عيناه بحزن كبير و قد ازدوجت الرؤية حينما وجدها ملقاه على السرير بذراع مكسور و خدوش فوق وجهها الملائكي... ابتلع ريقه بصعوبة بالغة ثم اقترب أكثر حتى جلس جوار السرير على عاقبيه ببطء ... بطء أصابه ليكبل حركاته كما كبل إحساسه و جعله خاويا لا يستشعر سوى الذنب... امتدت يده بتردد حيث كف يدها السليمة و القريبة منه... تمسك به بحذر و قلبه يئن بأنين مرهق لعضلته التي باتت تضرب بعنف داخل صدره ...رفع كفها الصغير إلى فمه تلمسه شفتاه بحذر و ترقب... نظرته تزداد تشوش و قلبه يقصف النبض بعنف... طالت نظرته لها نائمة بلا حول ولا قوه... ممددة فاقدة للوعي بعدما فقدت ما هو أعز من العالم... فقدت ابنهما...
همس بخفوت مختنق بصوت يكاد يُسمع ينظر لها و يرسل كلماته لعقلها الذي ربما يسمعه في هذه اللحظة:
("رُبى"....)اسمها حمل غصة حلقه و خرج مؤلما يكوي فؤاده... أكمل بصوت أشد خفوت و ضعف...
(لقد طلب منيّ "مصطفى" أن أراكِ أكثر من مرة... طلب منيّ أن اطمئن عليكِ فقط أنظر لكِ من بعيد... لكنه...)ابتلع ريقه بصعوبة بعدما خنقته كلماته و زاد شعور الذنب داخله:
(لكنه لا يعرف أنني إذا فعلت سأكون كمن ينظر لذنبه بكل تبجح أمام الناس... كمن ستره الله و ذاع هو سره للعلن... لا أحد يعرف أنني لا أستطيع رؤية عينيكِ لست قويا لفعلها... لست قويا لعتاب طويل و قاسٍ من عينيكِ يا "رُبى"... أعرف أنني أجرمت في حقكِ ليس مرة و ليس أثنين بل ثلاث يا "رُبى" ثلاث يا صغيرة... و أنتِ قبلتي جرمي في حقكِ ببسمة راضية و آمله في غد جديد ... غد جديد معي أنا بعد كل شيء... أخبريني صغيرتي كيف أواجه كرم أخلاقكِ بقساوة أفعالي؟!... أخبريني أنكِ عندما تفيقين ستغفرين و تنسين و أقسم لكِ سأبقى لأكفر عن كل ما فعلت و لن يكفي عمري لمحو ما زرعته بيدي داخلكِ من حزن... "رُبى" ...)صمت يلملم شتات نفسه المبعثرة بعشوائية ثم تحدث بألم كبير ...
("رُبى"... لقد فقدنا...ابننا ... بيدي أنا أفقدتكِ طفلكِ الذي حلمت به مثلكِ... بيدي أنا )
أنت تقرأ
فوق رُبى الحُب(مكتملة)
Romanceرواية بقلم المتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للكاتبة آية آحمد