الفصل الثالث عشر [ رسائل ] 1/2

537 44 98
                                    

قبل 23 عاًما :
في قرية مهجورة إلا من القليل من الفقراء :

بعد يومين طويلين من قيادة الشاحنة , عاد ولاحت له أعمدة منزله المتآكلة . . من بعيد
كم كان يشبه منزله قلبه .. آكلته الهموم بدل الصدأ وتسرب الدموع بدل تسرب الامطار ..
وخلال طريق عودته لم ينسى منظر الثلاجة حينما ودعها
فارغة , إلا من حليب فاسد وخبز بدت ظواهر التعفن عليه , ويعلم أن لا طاقة لزوجته المريضة بإن تحضر طعام من مكان ما ..
فهي تحتفظ بكل طاقتها القليلة للعناية بطفلهما , المشلول ..
يحمل بيديه كيسة فيها فواكه , وليست أي فواكه .. الفراولة الثمينة ما يفضله ابنه..
وبعض من الطعام اشتراه بمرتبه الذي استلمه اليوم ..

ظل يسلي نفسه بتخيله لردة فعل طفله العزيز عندما يتناول الفرواله !
مواساته الوحيدة في الحياه , هو إبنه ..السبب الوحيد الذي يدفعه للاستيقاظ والعمل بجد لكسب مال وضيع وقليل , لكسب لقمة العيش

يخبره الجميع في السابق بإن ابنه معاق,.. بلا امل !
يظنون ان حب الابن يقتصر في عافيته , لقد كان ابنه كاي ابن طبيعي متعافي ,لولا المرض ولولا مضاعفات عمليته الأخيرة . .

لكنه لا يهتم بقاءه على قيد الحياه.. هو اجمل شيء حدث في حياته, لا يتخيل ان يفقده بهجة روحه
فليقولوا عن ابنه بإنه يعيقه بإنه عائق ...
اعتاد على العوائق منذ نعومة اظافره .. .
على الاقل ابنه هو العائق الوحيد الذي يستمتع بوجوده بحياته..

خطوات تفصله عن باب منزله الذي كان عبارة عن غرفتين فقط ..
كان معتاد على سماع صوت ضحكات او دندنة زوجته , فجدرانهم لا تمنع البرد و الحر وحتى من سماع الأصوات
لكن لم يسمع شيئاً . . لا نور يخرج من تحت الباب الحديدي ولا صوت ..
ثمة خطب ما , وقد تنامى هذا الشعور كالنار مع البنزين ..
عندما شم رائحة كريهة .. رائحة لا توصف ..
قلبه تسارع , سيخرج من صدره وحبات الفروالة سقطت واختلطت بالحليب الجديد
تشهد تسارع خطواته للباب الذي فُتح على أوسعه

تجاه جثتين , معلقتين في السقف .. ورسالة إنتحار.


بضعة ثواني اخرى ثم , كان صراخه اليأٍس يتردد كصدى .. بجنون ..
تسمعه اشباح من هاجروا من القرية فقط ..

بعد عدة ايام ,
اذاعت الشرطة ايجاد جثة واحده فقط لـ أمراءه مجهولة منتحره في منزل في احد القرى المهجورة.. مع رسالة انتحار تودع فيها العالم، معتذره..

ثم نُسيت هكذا، ببساطة..
فقرها، ظروفها.. وحياتها لم يهم العالم بشيء..
نُسيت كما لم توجد..

رواية || تصادمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن