3

167 13 34
                                    

جلستُ في الفصلِ و تركتُ بالي و تفكيري عندَ صاحبِ الرّسالةِ في صباحِ اليوم ؛ كنتُ عندَ وصولِ الحافلةِ و توقُّفِها قَدْ جرّبتُ معاينةَ الرّكّابِ جميعاً و التّدقيقَ فيهم ، بَيْدَ أنَّني لم أرَ أيَّ وجهٍ أعرفُه ، كما لم أشكَّ في نظراتِ أيٍّ منهم ، ما بدا عليهم أبداً الاهتمامُ بتواجُدِي أو حتّى بمراقبتي ، الجميعُ مثقلٌ بهمومِه الدّراسيّة ، و أنا ، بدأتُ أرى الأمرَ مُخيفاً الآن.
أسندتُ رأسي إلى طاولتي الخاصّةِ في الفصلِ و شرعتُ أحاولُ استعادةَ خيالاتي المعتادةِ المُهدّئة ؛ ليلةٌ جميلةٌ في السّينما مع واحدٍ من أفلامي المفضّلةِ و علبةِ فستقٍ كبيرة ، أو حفلةٌ ليليّةٌ على الشّاطئ مع مجموعةِ شبّانٍ لا أعرفُهم و مشروباتٍ متنوّعة ، أو في يختٍ كبيرٍ في إحدى البرامجِ التّرفيهيّةِ الرّخيصة.
كلُّ هذه الخيالاتِ عادةً ما ساعدتني على النّوم ، غَيْرَ أنَّ واحدةً من صورِها ما كادَتْ تجمعُ أجزاءَها قبلما نثرَتْها فوقَ أرضيّةِ الصّفّ ، فالتّفكيرُ في ملاحقةِ أبي لي و كشفِه لما أفعلُ يرعبُني منذُ اللّحظةِ و ينهبُ كاملَ اطمئناني ، سوف يدمّرُ كلَّ شيءٍ لو علم.. سوف يدمّرُ العالمَ الذّي أحاولُ بناءه فوقَ ركامِ حياتي معه.
تنهّدتُ متخوّفة ، ثمَّ رفعتُ رأسي عن الطّاولةِ أنظرُ فيما حولي ، لاحَ لي ظلُّ سونيا يلوحُ أمامَ الباب ، يمكنُ التّعرّفُ إلى ظلِّ هذه الصّديقةِ ببساطةٍ لمجرّدِ ملاحظةِ الرّبطةِ العملاقةِ التّي تعلّقُها في رأسِها كصحونِ الاستقبالِ الفضائيّة ، و ما بعدَ التّعرّفِ يبدأ الارتباك ، فسونيا في صفّي على الأكيدِ كي تتأكّدَ من أنّني سأرافقُها و المجموعةَ في مشوارهم اليوم ، و أنا لا زلتُ لم أقرّر بعد ، مع أنَّني كنتُ قَدْ فعلتُ قبل لحظاتٍ من وصولِ الرّسالةِ مجهولةِ المرسل ، بئساً ، ربّما لن أستطيعَ مرافقتهم بسببها اليوم..
وقفتُ و تحمحمتُ عندما ظهرَ رأسُها في نطاقِ رؤيتي ، ثمَّ استجمعتُ تعقّلي و توجّهتُ نحوها ، أخشى في بعضي أن أرفضَ فلا تعودَ و تسمحَ لي بقضاءِ الوقتِ مع المجموعة ، فسونيا ليسَتْ صديقتي بمعنى الصّديقة ، هي مجرّدُ شابّةٍ مزاجيّةٍ معروفةٍ في المدرسةِ إلى حدٍّ ما ، تنظّمُ غالبيّةَ نشاطاتِ من يرغبُ في الخروجِ عن المألوفِ _على حدِّ زعمِها_ و تساعدُه ، و هم كثرٌ طبعاً لن يعطّلهم حضوري من عدمه.
لوّحَتْ لي بحماسةٍ و رددتُ لها تلويحَها بتردّد ، ثمَّ أخذَتْني خارجَ الفصلِ كي نتناقشَ براحتِنا ، فخارجُ الفصلِ قبلَ وقتِ الدّروسِ هو أبعدُ مكانٍ من آذانِ الواشين أحبابِ الأساتذة ، و أقربُ مكانٍ إلى الأساتذةِ آنَ يصِلُون فلا نتفاجأ بهم ، خططُ سونيا محبوكةٌ بإتقانٍ دوماً

_"اخترتُ اسمَكِ في أفضلِ فعاليّاتِ هذا الأسبوع! سنذهبُ إلى الشّاطئ!"

_"اليوم.."

_"لدينا طالبان جديدان كلاهما يغطّيان على كلِّ الطّلبةِ في المدرسة ، دعوتُهما مُذْ وصلا و قبلما عرّفا بنفسيهما ، ثمَّ عرفتُ أنّهما سيحضران في صفّي طوال العام ، تخيّلي أنّني سأكونُ معهما في ذاتِ المكانِ عاماً دراسيّاً كاملاً!"

قاطعتْني على عادتِها و بدأتِ الثّرثرةَ دون منحي أو رأيي أدنى انتباه ، تقولُ أنَّ الطّالبين الجديدين مدعوّان للخروجِ مع المجموعةِ اليوم ، و أنّهما في صفِّها الآن أي يكبرانني بعامٍ واحد ، أتراها تقصدُ ذلك الجميلَ الذّي كانَ معي في الحافلة؟
يجبُ أن أعيدَ التّفكيرَ في قراري سريعاً على هذه الحال ، فأنا أتمنّى أن أتقرّبَ منه قليلاً بعد ، علّي بحسنِه أنسى آلامي و أتحمّسُ لشيءٍ ما في هذه الدّنيا البغيضة

_"واحدٌ منهما يشبهُ زين مالك!"

استطردَتْ فجأةً ، و جعلَتْ عقلي يرمي أوراقَه بسرعةٍ و يتنازلُ لقلبي عن القراراتِ السّابقةِ و اللّاحقة.
زين مالك قالَتْ!؟ هناك من يشبهُ زين مالك الذّي أُحِبُّه جدّاً و لا يطيقُه أبي بحجّةِ أنَّه مغنٍّ شابٌّ أخرقُ لا يسمعُه إلّا الشّبابُ التّائه الفارغُ مثلي!؟

_"سجّلي اسمي"

_"مسجّل ، ننتظرُكِ اليوم بعدَ المدرسة"

غمزتني على نحوٍ مريبٍ في الختامِ ثمَّ غادرَتْ ، يبدو أنَّني وقعتُ ضحيّةَ احتيالٍ سريعةٍ و عجيبة ، فسونيا كانَتْ تسمعُني طوالَ الوقتِ و ليس فقط في النّهاية ، بَيْدَ أنَّها استطاعَتْ رؤيةَ التّردّدِ ببساطةٍ في تحرّكاتي ، لذلك أسرعَتْ تداركَ الأمرِ و استعادَتْ حماسي بجملٍ سخيفة ، هل أنا حقّاً كما يقولُ أبي؟
طبعاً لا ، ما أدراه هو بي على أيّةِ حال؟ متى جلسَ معي و سألَني عن اهتماماتي و تفاصيلِ حياتي بمحبّة؟ لم يفعل مطلقاً اللّهمَّ إلّا عندما يرغبُ في انتقادي ، هذه الحالُ الوحيدةُ التّي يبدو فيها مهتمّاً بسماعِ رأيي ، و لكن ليسخرَ منه لا ليقدّره.
ماذا يجدرُ بي أن أفعلَ الآن؟ لا أزالُ ضائعة.. هل أرافقُهم اليومَ و أخاطرُ لأجلِ الشّابّين الطّريفين في حديثِ سونيا؟ أم أعودُ إلى البيتِ و أخسرُ المجموعة؟ ماذا أختار؟

.

.

.

🌃 يُتبَع 🌃

هوني هنااا🥺🥺💙💙💙
بعرف إنو قصير و بدون أحداث مهمة بس هاد عودة و تمهيد للحدث و كذا😞👈🏻👉🏻
المهم يا قلبي تكونوا على أحسن حال ، أتمنى لكم ليلة سعيدة و مريحة ، و أتمنى تصحوا على خبر حلو مثلكم🥺🥺💙
تحلوا بالقوة ، أمنياتكم و أحلامكم في انتظاركم🥺🥺💙💙
أحبكمممممم🥺🥺😭😭😭💙💙💙

يومٌ مُقمِر ~ بارك جايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن