غابت الشمس على قبيلة القمر وهم يجتازون الصحراء القاحلة وأعينهم مثبتة في الأفق البعيد حيث قاد فارس الطريق بعزمه الراسخ بينما بقيت ليلى على مقربة من جانبه، كانت حواسها متناغمة مع أي علامة على وجود خطر. اتبعت بقية القبيلة في خط محدد وخطواتهم متزامنة حيث اقتربوا من أراضي البدو الغامضين..
عندما اقتربوا، ضربت الشمس الحارقة الرحّالة المرهقين حيث حلقت سحابة من الغبار عن بعد عند اقترابهم من مُخيم البدو، حيث كشفت عن معسكرهم البدو وتوقّفت قبيلة القمر التي كانت وجوههم محفورة بترقب وحذر شديد خارج حدود المخيم.. كان الهواء يملؤه الترقب حيث توقفت قبيلة القمر عند الأطراف وكان الحذر محفوراً على وجوههم.. حينها نظر فارس وعيناه كانت تنظران إلى كل ما يحدث أمامه حيث أشار إلى رجاله أن يحافظوا على حذرهم وهدوئهم أثناء تقدّمه إلى الأمام لأن البدو كانوا معروفين بطبيعتهم التي لا يمكن التنبؤ بها، مما يجعل نواياهم الحقيقيّة لغُزًا بالنسبة لفارس وباقِ القبيلة.
فجأة من وسط الغبار الدوامي خرجت شخصية من المخيم ترتدي ثوباً واسعًا وحجابًا ملفوفًا بأرواب منتفخة تخفي ملامحها ووجهها بالكامل.. فعلق شعور بالغموض في الهواء حيث اشتمّوه جميع رجال فارس، وبخطوات بطيئة ومدروسة راقبت قبيلة القمر توتّرهم المتراكم مع اقتراب البدوي منهم اكثر..فأشار فارس لشعبه على التمسك بموقفهم مستعدين لكل ما ينتظرهم.
رفع البدوي يده لإلقاء التحيّة، وصوته كان رقيق لكنه مُشوّب بجوٍّ من السرية. -- "إزيكم يا رحّالة القمر.. كنت متوقع أنكم هتيجوا".
فارس مُقوسًا حاجبيه وينتابه من الفضول الحذر.
= "ازاي عرفت اننا جايين؟.. ومين انت؟!".
أمال البدوي رأسه قائلاً:
- "الرمل همستلي بوجودكم، سيبك انت موضوع مش هتفهمه.. الأسماء مهمة مش هقولك لأ.. خصوصًا لما نبقي في منطقة فيها رمال متحركة، تقدر تناديلي بـ زارا. وبالمناسبة انا حاسس بسعيك وجهدك في البحث عن الخلاص. انا هنا علشان أساعدكم، وعندي المعرفة اللي هتساعدك بس بقولهالك من دلوقتي.. الطريق مليان مخاطر هتواجهكم".
تقدمت ليلى إلي الأمام وعيناها تلمعان بمزيج من الشك والأمل لتقف بجانب فارس حيث نظراتها اخترقت البدوي الرحّال:
= "واحنا بقي.. ازاي هنثق فيك يا زارا؟ واجهنا الخيانة اصلاً في الرحلة دي".
حمل صوت زارا أثرا من الحزن وخفّت نظرته فكانت تُعبر عن الحكمة والفهم.
= "هقولك علي حاجه وحطيها حلقة في ودنك... الثقة شيء هشّ، بس الثقة بنحتاجها أحيانًا علشان بتقودنا لحاجه مُهِمّة. زي الخلاص مثلاً؟ يبقي هي اللي بتقودنا لإحتياجنا.. بس المشكلة هي إننا لازم نكتسبها، لأنها عُمرها ما كانت بتؤخذ بالحُرية، انا مليش ذنب أتحمّل سوء نية غلط من قبيلتك، انا هنا علشان اساعدكم في الخلاص، علشان المستذئبين يرجعوا لماهيتهم الطبيعية قبل ما ضوء القمر يغضب عليكم وتروحوا فيها.. اختيار الثقة من عدمها ده شيء يرجعلكم".
تصاعد الهواء واشتدت الرياح مع عدم اليقين الذي كان يتمَلّكهما... بينما كان فارس يُفكر لوهلة في كلمات زارا، قد أثرّت به ونظر إلى زملائه رجال القبائل ورأى أن التوق إلى الخلاص ينعكس في عيونهم، لا أحد يريد التضحيّة بأبناء قبيلته الملعونين، فلا يوجد مشكلة أن يخاطروا من أجل شعبهم، فأضطر فارس أن يتداول ويوازن بين الخيارات المتاحة أمامهم.. كان بإمكان البدو الاحتفاظ بمعلومات قيّمة، لكن نواياهم ظلت محجوبة عن الجميع؛ فالتفت إلى قبيلته طالباً مشورتهم.
- "خلاص معادش ينفع إننا نرجع!".
أعلن فارس بعزم شديد على كلامه.
- "هنتقدم واحنا واخدين احتياطاتنا وحذرنا.. هنسمع كل حاجه هيقولها البدو، لكن خليكم فايقين وصاحيين كويّس، مينفعش سعينا للخلاص يعمينا عن المخاطر اللي مستنيانا قدام".
وبقراره أشار فارس إلى قبيلة القمر للاقتراب من معسكر البدو حيث تقدمّوا إلى الأمام وقلوبهم تنبُض بمزيج من الأمل والخوف. وباتفاق صامت من الكل اتبعت قبيلة القمر زعيمهم في معسكر البدو فأثارت خطواتهم الرمال من تحتها مما خلق سمفونيّةً من الهمسات.. وقفت الخيام والمباني في ترتيبات عشوائية للأعين لتشكل متاهة من المؤامرات لدي الناظرين.عندما دخلت قبيلة القمر إلي قلب المخيم قوبلت بنظرات فضولية من البدو.. هَجّ الهواء بترقب حيث احاطت بهم الطاقة الملموسة.. فاقترب فارس وليلى من زارا وعيناهما مغلقتان في صمت معتم.
بدأت ليلى بصوتها الذي كان يتردد منه صدى بمزيج من التعب والإصرار:
- "احنا مسافرين من بعيد جدًا، واجهنا حاجات كتير كانت صعبه علينا".
- "قولنا يا زارا، ايه المعرفه اللي عندك.. احكيلنا يعني ازاي تقدر تساعدنا في كفاحنا اللي بنسعاله؟".
مال وجه زارا المحجوب ناحيتها قليلاً وكأنه يتأمل كلمات ليلى ثم أجاب زارا بغموض:
= "قبيلتنا دايمًا كانت ليها علاقه بتربطها بالحكمة القديمة والحقايق اللي اتنست".
= "فيه جوا أرشيفاتنا كتاب.. الكتاب ده كتبه ساحر قديم مشي في يوم من الأيام علي الأرض دي، الكتاب ده بيحمل جميع أسرار الفداء، بس المشكلة إنّه محمي بتجارب العقل والجسد والروح".
ضاقت عيون فارس قليلاً رغم ثبات صوته.
- "أنا مستعد. مستعدين نواجه كل انواع المحاكمات دي.. قبيلتي مُلزمة بعزم مشترك بيننا إننا نكسر اللعنة اللي ابتلينا بيها، ودّينا يا زارا... ودينا لمكان الكتاب وهنواجه مع بعض أي تحدّيات مستنيانا في الطريق".
بدت ملامح زارا المخفيّة وكأنها أضعف، أقل حماسًا من ذي قبل، في إشارة إلى الموافقة ظهرت علي نبرة صوته.
= "كويس جدًا.. إستعدّوا! لأن التجارب دي هتختبر قوتكم وشجاعتكم وولائكم لبعض، اللي هيثبت نفسه هو الوحيد اللي هيستفاد بالمعرفة الموجودة جوّا الكتاب القديم".
وهكذا وجدت قبيلة القمر نفسها محتضنة من قبل معسكر البدو ومصيرهم متشابك مع زارا الغامض وسعيهم للخلاص.. وبينما كانوا يستعدون للمحاكمات المنتظرة عرفوا أن رحلتهم قد بدأت للتو؛ كان الطريق إلى الأمام غادرًا ولكن مع كل خطوة، نما عزمهم، بل ودفعهم أقرب إلى العلاج المراوغ الذي من شأنه أن يحرر قبيلتهم من براثن اللعنة..
رأيكم هيفرق معايا جدًا.. متنسوش الآراء <3
أنت تقرأ
ظلال القمر
Mystery / Thrillerفي شبه الجزيرة العربية القديمة، واجهت قبيلة القمر لعنة مدمرة حولتهم إلى ذئاب ضارية، ألحقها بهم الساحرات الفارسيات.. وهددت الأوبئة القاتلة التي أحدثها الجن للانتقام من البشر وجودهم، وشرعت القبيلة في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أرض مصر. وهناك، واجهوا مص...