وصلت فرح إلى الجامعة ورأت صديقاتها وقبل أن تشير إليهن؛ سمعت صوت من خلفها.
_ أنسة رنا.
ألتفت بانتباه وقد علمت أنه هو، ولكن المفاجئ بنسبة له، أنها كانت تبتسم له وبادرت بالحديث مما جعله ينظر بتعجب .
_ صباح الخير.
أجاب عليها باستغراب من حالها تبدو سعيدة اليوم، أو ماذا!:
_ صباح النور، شكل مزاجِك رايق النهار ده ولا أي؟ تتحسدي؟
ضحكت مما جعلته يبتسم وهو يتأملها، فقالت:
_ لا مش حكاية مبسوطة، بس أنت صعاب عليا من الي أنا عملته فيك البارح وخليتك معرفتش تنام كويس، وشكلك باين عليه أوي.
_ يلا بقى جزاءنا عند الله.
ضحكت وهي تقول له:
_ وأنت بتعمل حاجة لله أبدًا.
_ حرام عليكِ وانا عوزت منك أي دلوقتي!
نظرت له بنصف عين، وهي تسير إلى الأمام حتى أوقفها:
_ لسة فاضل نص ساعة على المحاضرة تحبي أشرح لك الحاجات الي ملحقناش نقولها بليل!
ضحكت وهي تومئ رأسها بالموافقة.
فقال بخبث:
_ نقعد بقى في الكافتيريا.
نظرت له بغضب وهي تقول:
_ اه بقى بان على حقيقتك يا...
_ لا لا متفهمنيش غلط أنا قصدي نشرب قهوة عشان نركز كدة مش أكتر.
فقالت باستيعاب وهي تضع يدها على رأسها:
_ اه!
ثم أكمل كلامه وهو يقرب من أذنها هامسًا:
_ فرنساوي... قهوة فرنساوي !
نظرت له وهي تسير بضحك من تصرفاته ، دخلا معًا وقد طلب لهما كوبان من القهوة، وهم يخبرها عن شيء فقاطعته:
_ لا مفيش وقت لرغيك دلوقتي خش على الموضوع على طول.
أبتسم لها، وبدأ يشرح لها الأجزاء المفقودة ببساطة، وهي تنظر بفهم واستيعاب ممزوجًا باندهاش، أهو من يشرح هكذا!
_ فرح، أنتِ سمعاني، أنا خلصت من بادري شاردة في أي!
أفاقت على صوته وهي تقول :
_ لا مفيش حاجة.
حاسبَ على القهوة، وخرجا في صمت حتى قالت موجهه كلامها له:
_ أنت شرحك حلو أوي، وباين عليك متفوق؛ بس ليه كل سنة بتشيل مواد!
أبتسم لها ابتسامة محمولة بأسى، وبدا يروي لها دون أن يفكر حتى:
_ أنا كنت من الاوائل في سنين حياتي إذا كانت إعدادي أو ثانوي، وفي الثانوية العامة كنت جايب مجموع كبير عشان كدة جيت هنا، ولكن بقى في أول سنة أمي توفت قبل الامتحانات بشهر؛ حالتي النفسية كانت مدمرة من كل حاجة لأنها كانت السبب الوحيد أني أبقى كويس. تعرفي يا فرح أنا كنت بنجح عشان ها !عشان اشوف الفرحة دي في عينيها ، قعد كتير مش مستوعب عقلي كان رافض فكرة أنها مشيت، هل بجد أنا مش هشوفها تاني،!هي... هي بقت ذكرة!
قعدت كتير أوي يا فرح عقبال مقدرت أرجع جزء مني، وكان ده في بداية الامتحانات، كنت قررت أني مش هدخلها السنة دي لكن افتكرت وعدي ليها؛ فكملت وأنا بقايا أنسان حقيقي، وشيلت السنة دي مادتين بس قولت الحمدلله أنها جات على قد كدة حقيقي أنا مكنتش بفتح كتاب لمدة كبيرة فده أنجاز.
ولما بقى قربت أتعافى شوية والدي أتوفى ومن هنا حياتي وقفت، لأني أطريت أنزل أدور على شغل، وقعد فترة كبيرة مش لاقي فأنا كنت تائه ومش عارف أعمل أي! وكل الشغل كان بيبقى ساعات طويلة وانا لو كنت وافقت على كدة مكنتش هعرف أجي الجامعة ولا اذاكر ولا أي حاجة، بس لقيت شغلانة كويسة إلى حد ما؛ بس وخده وقت كتير من وقتي وهو ده السبب اللي مخليني أشيل مواد يا ستي.
كانت تنظر له بتعاطف شديد، كيف ظلمته معهم عندما كانوا يسخرون منه؟! ويلقبونه بالفاشل، كيف استطاعت أن تتسبب في جرحه،و في تذكر تلك الأحداث ماذا تفعل الآن بعد ما كل به من حزن، فهي لا تعرف تتصرف في تلك المواقف.
كان هو شاردًا تماماً مع ذكرياته التي جاءت ولا يعرف متى ستذهب !
_ ربنا يرحمهم يا رب أنا أسفة والله بس مكنش قصدي أفكرك ب..
قاطعها قائلًا:
_ يا بنتي بطلي كل شوية تعتذري، أطلعي شوفي محاضراتك.
_ وأنت، مش طالع معايا؟
_ لا مش قادر .
نظرت حولها فلم تجد أحد من رفيقاتها، فقالت وهي تخمن:
_ شكل المحاضرة بدأت من بدري عشان مفيش حد هنا، واحنا اصلا لو طلعنا الدكتور هيطرد نا فخلينا قاعدين هنا وخلاص لغاية المحاضرة الجاية.
لم يجب عليها فقط كان واقف يسند ضهره للحائط بشرود، وهي تفكر عن أي شيء تقوله؛ حتى قالت:
_ تعرف أن طلع حقيقي إن الإنسان مينفعش يحكم على حد غير لما يعرفه، أنت طلعت شخص تاني خالص غير الي كنت فاكراه.
نظر لها بامتنان وصمت؛ فأكملت.
_ أنا فخورة بيك جدا يا معاذ، أنت أنسان عندك مسؤولية وقادر تجمع بين شغلك ودراستك.
لم يجب عليها أيضا فقد اكتفى بالابتسام لها؛ فقالت وهي تحاول أن تجعل يتكلم:
_ مهما كنت لوحدك أو الكل سابك فأعرف إني معاك في أي وقت محتاج تتكلم مع حد أدخل كلمني على طول .
ثم مدت له يدها وهي تقول:
_ من اليوم ده هنفتح صفحة جديدة وننسى كل اللي أنا بعمله فيك زمان هه .
أبتسم له فبادلها ابتسامة حانية وهو يمسك بيدها:
_ عارفة من أول مدخلتي الجامعة وكان الكل بيقول عليكِ إنك متكبرة و شايفة نفسك ومش بتكلمي حد، بس أنا كنت حاسس إن أنتِ جواكِ شخص جميل، جوه غير الي ظاهر ده وطلعت أنا صح.
نظرت له بتأمل وكأنه يعرف أشياء كثيرة لا يعرفها أقرب الأشخاص إليها.
نظرت إلى الأرض بقليل من الخجل فسحبها وهو يقول:
_ يلا مش وقت كسوف أنا مش جاي أخطبك. المحاضرة الثانية هتخلص.
صعدت إلى السلم بسرعة شديدة وهي تضحك وكان الناس ينظروا إليهما بتعجب لكنهما لم يهتما بهم.
دخلا معًا ومن حسن حظهما أن الدكتور لم يكن بدأ شرح . جلسا بجوار بعضهما في المدرج ولأول مرة يحدث كل هكذا، وفي يوم وأحد، كان جميعهم ينظرون حولهم بتعجب أ فرح هذه!
عندما انتهت المحاضرات خرجا معًا وهما يضحكان بين نظرات الطلاب المستنكرة.
ودعا بعضهما أمام البوابة وكل منهم ذهب في طريقه، وكل منهما ذهنه شارد وكانت تشعر فرح بتغير كبير في نفسه تجاهه؛ لكنها أوهمت نفسها أنه تعاطف من حالته ليس إلا!
وقررت أن تساعده غداً وترد له قليلا من جمائله العدة التي قدمها لها .
وصلت إلى البيت وبينما هي على حافة الدخول سمعت صوت ولادها يكلم أحد فجذب انتباها أسم عمرو! ما الذي يستدعيه أن بكلمه في هذا الوقت؟ ولماذا؟ أ يكون حدث شيء جديد لم تعرفه هي!
اقتربت من والدها وظلت تسمع بإهتمام لما يُقال:
بص يا عمرو يا بني، محتاجين نقعد تاني نتكلم في الموضوع ده، والمعاد بكرة الساعة خمسة.
قال تلك الكلمات بنبرة غاضبة ظهرت عليه، فقالت فرح مستنكرة:
_ هو أي ده ممكن تفهمني أي اللي بيحصل!
_ مش وافقتك يا فرح، أنا تعبان ومحتاج أنام.
قال كلماته وهو يتجه إلى غرفته؛ زاد فضولها فذهبت إلي والدتها متسائلة:
_ هو أي اللي حصل؟ سمعت بابا من شوية كان بيكلم مع الي أسمه عمرو ده وحدد معاه معاد تاني، مش كنا قفلنا الموضوع ده!
_ سبييني يا فرح عشان راسي هتفرقع، وروحي إسأل ليها.
_ هي عملت حاجة تاني؟
_ إلا عملت، ده أنا معرفتش أربي، هتتجوزه غصب عننا يا فرح بنتي بققت مش عيزانا!
أنت تقرأ
ثالث أكسيد القدر
General Fictionتحيط بنا الأقدار من جميع الجهات، فهل هي مكتوبة أم نحن الذي نصنعها؟!، تحالفنا فنحمد الله ونشكر الاقدار، تختلف مع ما نريد؛ نمقت ونثور. فماذا إذا كان لدينا القليل ونصل إلى أحلامنا وكان للقدر رأي آخر!؟