الباب الخامس(الرحلة الثالثة) 13

25 5 1
                                    

(البحث عن موسى العطار)

لم يكن لدي خيار آخر، غير أن أترك هارون، وجوري وأكمل طريقي مع إيليا، لعلي أجد ضالتي، انتهى مجلس العزاء، وقد هيئت نفسي، لأخبارهم بنية السفر؛ للبحث مرة أخرى، عن موسى العطار، لكن هارون رفض أن أذهب بمفردي قائلآ:

-لن ادعك تذهب لوحدك، بل سنكمل البحث معآ، فهذه هي وصية والدي رحمه الله.

-كيف تذهب معي، ولم يمض وقت كافي على عزاء والدك، ثم كيف تترك جوري؟

-لن أتركها وحدها، سترافقنا هي ايضآٓ، فنحن بحاجة إليها في سفرنا.

-حسناً نهيء أنفسنا للسفر؛ فلم يتبقى الكثير من الوقت.

-نحن جاهزون، في أي وقت شئت.

هارون، وجوري حملا وصية أبا هارون لمرافقتي وإيليا، في مسيرتنا للبحث عن موسى العطار، وبعد ساعات قليلة أكمل كل منا أمتعته، ليكونوا جاهزين للسفر جميعهم.

عاودنا طريق السفر مرة أخرى، بين الجبال والوديان،  فهي وأن دلت، تدل على عظمة الخالق، وجماله، وكبريائه، حيث الطبيعة الخلابة، والسماء الصافية، المحملة بالغيوم البيضاء الجميلة، وزهور الربيع المتفتحة، أنها لوحة كانت أجمل؛ لو لم يطغى الإنسان بدمارها، متحججاً بفرض جبروته لإعمار الأرض، مرت الساعات، لينتهي اليوم الأول، لتليه الأيام يوماً بعد الآخر، بحثنا في كثير من القلاع المسيحية، ولم نجد ذلك العطار، لم يتبقى لدينا سوى قلعة واحدة وهي(كنيسة السيدة العذراء) تبعد عنا كثيراً، و للوصول إليها نحتاج لعبور مسافات كبيرة من الصحراء القاحلة، حتى مدينة دير الزور، أكملنا مسيرنا دون تردد، ليكون قرار الليل حاسماً في إيقاف بحثنا لهذا اليوم، جلسنا في بداية كهف، واشعلنا النار لنطهو طعامنا عليها، إذ اخذت جوري بإعداده.

رغم ذلك التعب المنهك، إلا أنه كان يومآ جميلاً، كما هو طعامها اللذيذ، خلد الجميع للنوم بعد تناول عشائهم، أما أنا فمازلت كمن يريد إمساك الضوء، أو غلق كف يده لحفظ الماء، نبضات القلب تسارع الأحداث، وتسابق الزمن، ليت الليل ينقضي بلمح البصر، فالمسافات لا تكاد تهمني، أكثر من الوصول إلى موسى، حتى أخذني النوم دون استئذان، مشقة السفر أرهقت كاهلي، حتى خلدنا للنوم جميعآ.

صباح اليوم التالي، أكملنا بحثنا عن القلعة، قاطعين تلك الصحراء الواسعة، حتى وصلنا إلى مشارفها، كانت كبيرة جداً، ذات أسوار ضخمة، وأبواب محكمه، يقف الحراس خلف أبوابها، تفتح نهاراً وتغلق ليلاً، إيليا أو حيدر، كما أراد أن نسميه، كان في مقدمتنا حيث طلب الإذن بالدخول من حراس القلعة، معللاً ذلك أننا تجار، وقدمنا لزيارة سوق القلعة، في بداية الأمر منعونا من الدخول، لكن عندما حدثهم إيليا عن موسى العطار؛ وأنه صديقنا ويعرفنا، سمحوا لنا بالدخول، مما أثبت وجود موسى في هذه القلعة، هنا تسارعت دقات القلب، و ارتجف جسدي، يخيفني شيئاً مجهول، هواجسي بدأت تصارع نفسي، أخذنا نتجول في شوارع القلعة، لعلنا نجد من يرشدنا الى ضالتنا، سألنا  الكثير، لكن مازاد من قلقنا، هي تلك الإجابات غير المتطابقة، لربما يحاولون إخفاء شيئاً ما عنا، فملامح تلك الوجوه التي سألناها في القلعة، تغيرت فجأة، عندما سمعت ذلك الإسم الذي نبحث عنه، لم يدلنا أحد عليه، وبدأت الناس تغادر السوق متجهين نحو الكنيسة، تبعناهم الى هناك، لكننا فوجئنا بأن القس يقف في باب الكنيسة ويقف خلفه عدد من الذين سألناهم، إذ بدأ الناس بالتجمع حولنا، وتعددت الأسئلة عن سبب تواجدنا هنا، فالجميع يتحدثون، سألنا القس عن سبب تواجدنا، ولماذا نبحث عن موسى في مثل هذا الوقت؟

بازار سوق الحياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن