نجمان لامعان؛ العاشر

40 7 14
                                    

وصلتُ و يونجون إلى ساحةِ الاحتفالِ المكتظّةِ بالحاضرين ، كانَتِ الوجباتُ توزَّعُ بالفعلِ على كلِّ من يقربُ البوفيه ، و الموسيقى الصّاخبةُ تصدحُ من مكبّراتِ الصّوتِ العملاقةِ المتوزّعةِ في الأنحاء ، الرّجلُ الذّي يديرُ هذا المطعمَ غنيٌّ جدّاً ، و ذكيٌّ جدّاً أيضاً.
أذكرُ عندما أقمنا شيئاً مشابهاً في المدرسة ، كانَ حفلَ وداعنا نحن ، دفعةَ الثّانويّةِ الأظرفَ على الإطلاق ، كانَ بومغيو ، و على العكسِ تماماً من كاملِ أيّامنا ، مخفيّاً ، غائباً عن ذلك اليوم ، يظهرُ في أثناءَ و يختفي في أُخرى ، ذلك كانَ يومَ الوداع ، و ما استغللناه على أفضلِ نحو ، ما استغللناه إلّا في القضاءِ على علاقاتٍ نفيسةٍ نادرة ، يستحيلُ أن نعودَ و نحظى بما مثلها.
و اليوم ، و في احتلالِ يونجون لدورِ البطولة ، اختلفَ المشهدُ و اختلفَتْ أحداثُه ، بدا متحمّساً جدّاً لما يرى ، لأسرابِ النّاسِ الخارجةِ و الدّاخلةِ و المتنقّلةِ و الواقفة ، و بدوت ، على العادة ، متردّدةً لا أعرفُ ما أريد ، أراقبُ كلَّ شيءٍ بعينين خافتتين ، كما تمسّكتُ به لشدّةِ التّوتّر.
سارَ بي ، في لحظةٍ ما ، و كادَ يفقدُني بين الجموعِ الغفيرة ، لولا أن انتبه و أعادَ موازنةَ الأمور ، لم أكن سأدركُه وحدي و أنا بهذا الضّياع.
سحبَني جانباً ، إلى رصيفِ المحلّاتِ الواسعِ حيث يقفُ المتفرّجون ، و حيث يُوضَعُ مكبّرُ صوتٍ مزعجٌ أيضاً ، أظنّني في حاجةٍ للاستراحة ، يونجون على حقّ

_"تكرهين الازدحام؟"

سأل ، ثلاث مرّاتٍ متتاليةٍ كلٌّ ارتفعَتْ شدّتُها عن سابقتها ، إلى أن فهمت ، و أومأتُ له نافية ، لا أذكرُ أنّني قَد ناقشتُ نفسي في هذا من قبلُ أصلاً

_"لستُ معتادة"

رفعتُ صوتي كمثل ما فعل ، و كرّرتُ كذلك ، لم أفكّر في أسلوبِ تواصلٍ جديدٍ أكثرِ نفعاً ، في حينِ فعلَ هو.
دنا منّي على عجلة ، و أشارَ لي كي أقرّبَ رأسي منه ، ثمَّ همسَ لي:

_"لا عليكِ ، لا شيءَ يخيفُ هنا"

رُسمتِ ابتسامةٌ هادئةٌ في وجهي قابلتُه بها ؛ كلامُه لم يكن مطمئناً إلى هذا الحدّ ، لكنَّ أسلوبَه ، و لمجرّدِ رغبتِه في طمأنتي ، جعلَني أهدأُ و أسكن ، لا شيءَ أخافُه ، كلُّ شيءٍ لامعٌ و جميلٌ أيضاً ، كيونجون ، و كمثلِ بومغيو الغافي في لُبِّ الذّاكرةِ ، و السّاكنِ إلى قلبي ، هنالك ، في نواحيه الدّافئةِ غيرِ الممسوسةِ بعدُ بأشواكِ الزّمن.
مشينا قليلاً بعيداً من التّجمّعاتِ المُقلقة ، و خرجنا من بينهم إلى أحدِ الشّوارعِ الفرعيّة ، قابلتُ نابي صديقتي واقفةً إلى إحدى الزّوايا ، لأوّلِ مرّةٍ حقيقيّةٍ منذُ عامٍ و نيّف ، ابتسمَتْ لي ، و رددتُ ابتسامتَها بذاتِ الطّاقةِ الخجولة ، ثمَّ استأذنتُ يونجون كي نذهبَ و نسلّمَ عليها ، و لم يمانع ، هذا الشّابُّ أفضلُ ما حدثَ في عائلةِ أُمّي ، حقّاً

_"أهلاً ماري ، كيف حالُكِ؟"

استبقتني التّرحيب ، و على العادة ، بدأتُ أصوغُ ابتساماتٍ مجاملةً تعيلُني على تجاوزِ أيٍّ ممّا قَدْ لا أدرك ، أكرهُ هذه الحواجز

_"بخير ، و أنتِ؟"

_"بخير"

نظرَتْ إلى يونجون ، الواقفِ جانباً ، كانَ يجبُ أن أعرّفَ به ، بالرّغمِ من أنّني كنتُ أخطّطُ لأن أنهي المحادثةَ عند هذا الحدِّ و أغادر ، ليس ممكناً ، بما أنّها لم تنهِ الحديثَ ببساطة

_"هذه نابي صديقتي منذُ الثّانويّة ، و هذا ابنُ خالتي ، يونجون"

_"أعرفُه ، كانَ يدرسُ في كليّتنا عندما التحقت"

_"أنا لا أعرفُكِ ، أعتذر"

أجابَها بفتور ، و بعدَ أن حدّقَ فيها لجزءٍ من الثّانية ، حسنٌ ، لم أفكّر في سؤالِه عن شهادتِه الجامعيّةِ و نحنُ نتبادلُ أطرافَ الحديث ، عرفتُ منه و حسبُ أنَّه يعملُ في الموسيقى ، و لا علاقةَ لهذا بالطّبّ ، أله؟
ابتسمَتْ نابي بدلاً من أن تحرجَها إجابتُه ، و بكلِّ هدوء ، قرّرتْ متابعةَ حديثٍ أحاولُ و يونجون أن نقفلَه منذُ وقت ، هي ليسَتْ هكذا في العادة ، لا أدري ما خطبُها اليوم

_"أنتَ تعرفُ تشوي بومغيو من دفعتنا فقط"

_"أنتِ زميلةٌ لبومغيو؟ أهلاً بكِ"

تجمّدَ الوقتُ ها هنا ، احتجزَني في زوبعةٍ فكريّةٍ لا بدايةَ لها و لا نهاية ، ليسَ فيها إلّا الضّياعُ و الصّواعقُ المتتاليةُ التّي تضربُ رأسي واحدةً تلو الأُخرى..
تحدّثَ الاثنان قليلاً عن الكليّةِ أمامي ، عن بومغيو اللّامعِ اللّطيفِ واحدٍ من أصدقاءِ يونجون ابنِ خالتي ، و شريكِه في جوقةٍ جامعيّةٍ موسيقيّة ، تحدّثا عنه أمامي ، و كأنّه غريبٌ عنّي ، و كأنّي لا أُعَدُّ في حسبانه شيئاً و لا أعرفُه ، كانَ الأمرُ قاسياً ، قاسياً و ممتعاً في ذاتِ الوقت..
هذان النّجمان اللّامعان في حياتي ، الوحيدان المميّزان لديّ من بين كلِّ من أعرف ، من استخدمتُ اسمَ أحدهما لنسيان الآخر في يومٍ بعيد ، اتّضحَ أنّهما باتا على معرفةٍ الآن ، و بمحضِ الصّدفة..

.

.

.

حُرِّرَ في ليلةِ الثّالثِ من شباطَ عامَ ألفين و أربعٍ و عشرين
و نُشِرَ في الثّاني و العشرين من الشّهرِ ذاته

.

.

.

🎥 يُتبَع 🎞️

هوني هناا 🥺🧡✨
أرجو لكَ دوامَ الصّحّة و السّعادةِ يا عزيزي!
اعمل بجدّ ، و ارتح و قدّر نفسك ، الصّعابُ ستختفي ، و سوف تنجزُ بإذن اللّٰه!🥺🧡
أُحِبُّك!🥺🧡✨

فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن