قلوب مُشتعلة || Burning Hearts

2 . الفُقدان

مَرتِ السنِينُ وَ لَم يَمُر الشُعُورُ ؛ فَالجُرحُ لَا يَلْتَئِمُ أَبَدًا ! بَل يَبقَى هُنا لِيُذَكرنا بِفُقدَانِنا لِأَحبَائِنا مَع كُلِّ مُحاوَلةٍ لِلإبتِسامَ

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

[ روسيا | سانت بطرسبرغ ~ حي كريستال :

كل ما كان يُسمع في ذلك الرواق الفخم المفروش بسجادة حمراء هو صوت حذائها الرثّ و هو يدعس بأرضية الرخام الباردة مع اللهاث الخائف المرتجف الذي ينبعث من صدرها و كأن الأنفاس الأخيرة من قوتها تُسحب بشدة

الرواق بدا واسعًا و طويلاً جدًا لدرجة أن الغرف التي تتفرع منه تبدو كأنها تختبئ في ظلاله ، الأبواب الخشبية مزخرفة بنقوش ذهبية بينما النوافذ الضخمة تسمح للضوء الطبيعي بأن يتسلل عبر الستائر الحريرية المعلقة

الأضواء التي تتساقط من الثريات الكريستالية تُلقي بظلالٍ ناعمة على جدرانه المزخرفة التي تزينها تفاصيل دقيقة من الذهب اللامع على أفق واسع يفتح أمام ناظريها

السجادة الحمراء الممتدة على الأرض تنساب بهدوء كدماء الحياة بين جدران هذا القصر الفخم ، تعكس الفخامة التي لا تُضاهى

تلفّتت تلك الصهباء حولها بنظرات سريعة فتحرك شعرها الناري المموج بخفة مع كل حركة ليبدو كخيوط من النار تراقصها الرياح في هدوء المكان

عيونها الزمردية كعيون قطة مفترسة تراقب كل زاوية من الرواق بكل حذر ، تلتقط أدق التفاصيل في تلك المساحة الشاسعة التي بدا فيها الصمت يطوّق المكان بأسره

تنفست الصعداء في تلك اللحظة و كأنها تتنفس بحرية لأول مرة منذ وقت طويل ...

بعد أن تأكدت من خلو المكان من أي روح بشرية قد تكتشف وجودها ، أخذت خطوات سريعة نحو أول باب خشبي صادفها

ذاك الباب الذي يبدو كأحد أسرار هذا القصر الضخم يكن في حاجة إلا إلى لمسة بسيطة ليفتح ، و على الرغم من أنها كانت مترددة في البداية إلا أن أصابعها الرفيعة امتدت لتلمس المقبض

و ما أن فعلت حتى شعرت برعشة خفيفة تسري عبر أصابعها ، كما لو أن الباب يعكس قسوة القصر ليمنحها لمسة من الرهبة

دفعت الباب و تقدمت مسرعة إلى الداخل ، حيث كان المكان مظلمًا قليلًا لكن الضوء المنبعث من النوافذ العالية كشف عن تفاصيل الغرفة التي تحوي أثاثًا فاخرًا مبطنًا بالمخمل و ثريات ضخمة تتدلى من السقف كأنها نجوم متأثرة بضوء القمر

أسندت ظهرها إلى الباب كما لو تحاول أن تغلق العالم وراءها ، وضعت باطن يدها على صدرها لتحاول استعادة أنفاسها ثم سرعان ما فتحت عينيها بقوة و كأنها استوعبت مكانها للتو و أنها حقاً نجحت بالدخول لهذه الغرفة بعد عناء

غمرتها الدهشة حين مررت حدقتاها الزُدمرية على المكان ؛ فقد كانت الغرفة أمامها تُصرخ بالفخامة !