المدرسة السّيارة 💙✨

5 1 0
                                    

المدرسة السّيارة:
مع كلّ ذلك واصلت مدرسة أهل البيت عليهم السلام عطاءها العلمي ولكن في الخفاء والتستر ، وقد قيض الله تعالى لها رائداً جديداً ، وعلماً خفاقاً ، ذاع صيته في جميع الآفاق ، ألا وهو الإمام الرضا عليه السلام.

صحيح أن إمامنا الرضا عليه السلام لم يعاصر جدّه تاريخيّاً ، ولكن الصحيح أيضاً أنه عاصره علميّاً ، وذلك لأن والده الكاظم عليه السلام كان قد عاش مع أبيه الصادق عليه السلام مدّة عقدين من الزمن ، والإمام الرضا عليه السلام ـ بدوره ـ قد عاصر أباه ثلاثة عقود من الزمن.

وقد استغلّ إمامنا فترة الصراع بين الأخوة ـ الأعداء « الأمين والمأمون » فرفع راية الهدى واستخدم أسلوباً جديداً لتفعيل مدرسة أهل البيت عليهم السلام يمكن أن نطلق عليه أسلوب « المدرسة السّيارة » بعد أن وجد أن مدرسة أهل البيت عليهم السلام قد حوصرت في المدينة المنوّرة. هذا الإستنتاج لا نذهب إليه جزافاً ، فهناك أقوال وروايات تشهد على أن الإمام الرضا عليه السلام ـ عميد هذه المدرسة ـ كانت له جهود قيّمة في عدّةٍ من بلدان العالم الإسلامي ومدنه الهامّة وترك فيها آثاراً جليلة ، ولعلّ من أهمّها :

أوّلاً : المدينة المنوّرة

كان الإمام الرضا عليه السلام يقوم بحركة علميّة نشطة ، حتّى أن بعض الشيعة ـ كما أسلفنا ـ قد حذره من سيف هارون الذي يقطر دماً ـ حسب تعبيرهم ـ ودعوه إلى مراعاة التقيّة والتبليغ بسرية.

وممّا يعكس مدى نشاطه العلمي في المدينة ، ما ورد من أقوال أبرز علماء التراجم والرجال بحقّه ، أكّد « الواقدي » على أن الإمام الرضا عليه السلام كان يفتي بمسجد رسول الله رغم حداثة سنّه ، قال : « سمع عليٌ الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم ، وكان ثقة ، يفتي بمسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة ، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة » (۲۸).

أمّا الحافظ الذهبي فقد أشاد بمكانة الرضا عليه السلام العلميّة ومنزلته الدينيّة معاً ، عندما قال : « كان من العلم والدِّين والسُّودد بمكان يقال : أفتى وهو شابٌ في أيّام مالك » (۲۹).

ثانياً : البصرة

جاء في بعض الروايات أن الإمام الرضا عليه السلام سافر إلى البصرة بعد وفاة أبيه الإمام الكاظم عليه السلام للتدليل على إمامته ، وإبطال شبهة المنحرفين عن الحقّ ، وقد نزل ضيفاً في دار الحسن بن محمّد العلوي ، وعقد في داره مؤتمراً عاماً ضمّ جمعاً من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب ، وهو من المنحرفين عن آل البيت عليهم السلام والمعادين لهم ، كما دعا فيه جاثليق النصارى ، ورأس الجالوت ، والتفت إليهم الإمام فقال لهم :

« إنّي انّما جمعتكم لتسألوني عمّا شئتم من آثار النبوّة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلّا عندنا أهل البيت ، فهلموا .. » وتقدم كلّ واحد منهم أمام الإمام فسأله عن مسألة فأجاب عليه السلام عنها بلغته ، فبهر القوم وعجبوا .. (۳۰) والرواية طويلة اقتصرنا منها على موضع الحاجة.

مشهد حلم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن