التاسع عشر الجزء الثاني

381 26 4
                                    

ارتجفت أناملها فوق شاشة هاتفها وهى تحدثها  كل بضعة ثوانِ ، علها تخطئ ما قرأته أو يكون قد أرسل لها المزيد من التفاصيل التي تهدأ قلبها المرتعب الآن .

رفعت عينينها مجدداً نحوه تتأمل هدوءه وحركات يديه وكلامه الجاد الذي لا يصل لها مع والدته ، وتساءلت وعينيها تدمع خوفاً عليه ، لو عاد الوقت بها عدة أشهر للخلف ، هل كانت ستخبره أنه ربما يُسجن للأبد بسبب تجارته في المواد المخدرة المخبأة داخل سياراته القادمة من الخارج ؟ ، أم  أن الفخ الذي ينشأه له زوجها السابق كان سيقع به  أخيه كذلك كونه هو من وقع على استلام تلك السيارات ؟ .

منذ الليلة الأولى التي التقته بها وهى ثملة ، مُحطمة ، تائهة في حرب لا تحارب بها سوى نفسها وهو يحميها. حماها منه منذ الوهلة الأولى ، ربما لو لم تقضي تلك الليلة نائمة لا تدري شيئاً بما يدور حولها ..لكانت مُغتصَبة من جديد وهى ليست زوجته تلك المرة .

لولا تلك المرات التي تحمل بها غطرستها الغير مبررة تجاهه وغرورها الذي قابله بتقبل دون أن يدري سببه ، لم تكن برضا تام تخبره دون خجل عن ما عانته وما تريده ، لم تكن لتجلس تراضيه وتعتذر من أجل نقاش محتدم تدخل به عنادها .

طوال الليلة الماضية وهى تراقبه نائماً  بمزيج من الخوف عليه و العشق الكامن بقلبها له ، تدرك تمام الإدراك أنه لم يكن زوجاً سابقاً بشعاً ، ولا رجلاً لا يشعر بزوجته ويقدرها ويراضيها ، لم تؤثر بها كلمات " دارين " شيئاً ، بل على العكس زادت مكانته بقلبها وهى تراه يدافع عنها ، يحترمها ، ويتحكم بغضب ٍ مكتوم باتت تعرف أنه يعرف كيف يوجهه .

والآن أدركت وهى تجفف دموعها بأطراف أناملها أن السبب الأول الذي دفعها أن تخفي عنه شيئاً هو الخوف عليه ، وما يخيفها الآن من معرفته ليس غضبه في المطلق بل أن يغضب منها هى أو يحزن بسببها لأى سبب كان .

سحبت هاتفها واتجهت لغرفتهما بالأعلى تسحب نفساً طويلاً وهى تهاتف " معتز" تنتظر أجابته بفارغ الصبر ليأتيها صوته بالفعل بعد لحظات بذبذبة مطمئنة  لا تدري هل هى نبرته هكذا بالفعل أم أن حالفها الحظ أخيراً وتخلصت من أكبر خطأ ارتكبته يوماً.

" السلام عليكم !"

ضغطت شفتيها ورفعت كفّه الحر  تمسد جانب جبهتها الأيمن وسألته بأنفاس مسلوبة

" أيه اللي حصل ؟!"

صمت لثوانِ مرت عليها سنوات وهى تنتظره أن يتحدث ، ولا تعرف ما قاله بعد ذلك هل طمأنها أم زاد من قلقها

" رحنا المخزن والأتنين اللي كانوا هناك اعترفوا عليه ، والشحنة اتصادرت وطلع حكم بالقبض عليه ... وطبعاً زى ما قلتلك في الأول أن جاسر لازم يدي أقواله ويحضر التحقيقات"

ابتلعت بترقب ثم سألته بشبه همس وعينيها مسلطة على باب الغرفة

" وخالد ؟"

قد يعجبك أيضاً

          

" مش لاقيينه!"

سالت دمعة منها تزامناً مع دلوفه من الباب بوجه متهجم وهو يسألها بنبرة غريبة للغاية

" سجنتيه ؟!"

سقط ما بيدها وهى تكتم نفساً بداخلها تحاول الاستعداد لمواجهة حدوثها حتمي مهما أخرته ، لتتحدث بنبرة جاهدت لجعلها واضحة

" حميتك يا جاسر !"

رفع سبابته والوسطى يشير ناحيتها بهما وهو يتحدث من بين اسنانه بغضب مكتوم

" كام مرة سألتك ؟ ، كام مرة قلتلك قوليلي مالك ؟، كام مرة حاولت أهد الحدود اللي حطاها بينا ، كام مرة يا شاهنده؟"

ازداد نحيبها المكتوم ولم تبالي بصراخه عليها الذي يزداد مع خروج الكلمات  من فمه وتحدثت وهى تشير بيديها في استسلام نحوه

" أنا كنت عايزة أحميك ، خالد كان مشكلتي أنا ... كان بينتقم مني أنا "

قطع المسافة بينهما في لمح البصر وجذب ذراعها دون عنف وعلت نبرته تزجرها في حدة

" كنتِ خايفة منه وأنتِ معايا !... في حضني أنا وخايفة ورايحة تتفقي مع ظباط وتهكري حسابات من ورايا ... مين فينا اللي المفروض يحمي التاني ... مين مسؤول من التاتي يا شاهنده انطقي !"

ارتفع كتفيها فزعاً من صوته العالي ، ورغم أن ذراعها لم يكن يؤلمها ورغم أن بقرارة نفسها تعلم أنها آمنة معه  حتى لو اخطأت بحقه ، وأنه لن يؤذيها أبداً ، وجدت نفسها تدفعه بكف يدها الآخر وهى تتحدث بنبرة شارفت على الانهيار

" أرجع ورا شوية أنت خانقني كدة ."

على الفور ترك ذراعها لتعد هى خطوتين للوراء ورفعت عينيها الدامعة تناظره باعتذار بينما هو رمقها بلوم دفين واكتست ملامحه الصدمة من كلماتها التي زادته حزناً منها ، ثم التفت مغادراً دون ان ينطق بأى كلمة مغلقاً الباب خلفه ، لتجهش هى في بكاء مرير ممتزج بخوف من كل ما حولها ، خوف قد ظنت أنها ودعته منذ زمن ولى.

******************

دلف غرفة أخيه صافعاً الباب خلفه ليغمض الأخير عينيه ساحباً نفساً طويلاً قبل أن يلتفت له متحدثا بلسانها ايضاً

" كنا هنقولك ... بس خفنا عليك "

عاجله بلكمة في فكه نفث بها عن غضبه المشتعل منه ومنها من الموقف بأكمله ومن خوفها وقلقها منه منذ قليل ، بينما بصق " وليد " دماء خفيفة من فمه واستقام مجدداً يحدثه بتفهم لحالته

" خلاص هديت .. ممكن تسمعني بقى "

صاح به صارخاً وهو يجذب مقدمة قميصه المنزلي يشده له

" كنت هسمعك لو جيت قلتلي من الأول ، أنا كنت فاكر أنها حاجة ليها علاقة أن ماما مش حباها ، أو ليها علاقة بشغلها  ، مش بالحيوان اللي كانت متجوزاه وبقضية مخدرات هتسجنك يا غبي وتوديك ورا الشمس"

قيود من فولاذ( قيد التعديل اللغوي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن