الزواج

10 3 0
                                    

عندما التقيت عمر بن الخطاب
- فما كان منك بعدها؟
- رق قلبي له ، وأدمعت والله عيناي ، فأمرت بإخراجه ، فجاء
معتذراً أن الهجاء طبع فيه ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إني هجوت من
قبل أمي وأبي وعمي وخالي ونفسي!
فقلت له : وما قلت يوم ذاك . فأنشـدنـي مـا ذكـرت لك من
أبياته أول القصة
.
- فما فعلت بعد ذلك؟
قلت له : إياك وهجاء الناس
فقال : إذا يموت عيالي جوعًا ، فهذا كسبي ومنه معاشي!
فقلت : فإياك والمقذع من القول
قال : وما المقذع ؟
قلتُ : أن تُخاير بين الناس ، فتقول فلان خير من فلان ، وآل
فلان خير من آل فلان
فقال : أنت والله أشعر مني!
- ثم ما كان بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟
- اشتريت منه أعراض المسلمين!
- وكيف ذلك؟
- أعطيته ثلاثة آلاف درهم ، وأخذتُ عليه عهدًا أن لا يهجو
مسلما .
- يا لهذا النبل يا أمير المؤمنين ، ما سمعت من قبل أحدًا
يشتري أعراض الناس
- يا بني ، إن الناس أمانة عندي ، وضعهم الله بين يدي ، وهو
ناظر ما أنا فاعل بما استأمنني عليه ، أفأدفع الجوع عن بطونهم ، ولا
أدفع الألسنة عن أعراضهم
- بلى والله تفعل ، أتذكر يا أمير المؤمنين قولي لك حين طلبتُ
أن تخبرني بهذه القصة ، فقلتُ جمعت فيها الحزم واللين
- أجل أذكر
فهذا والله الحزم واللين ، فإنك لم ترض أن يُهجى مسلم ،
وانتصرت له ، ولكنك بالمقابل اكتفيت من العقاب بما يؤدب لا بما
يُهلك ، رققت لحاله وحال عياله ، فأطلقته بعد أن رسمت له الطريق
الذي يسير عليه في شعره ، ولما عرفت أنه لا يُحسن غير هذا ،
اشتريت منه أعراض المسلمين ليكف عنهم .
- ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، فأخبرني الآن ، أما ترى أننا
أطلنا في حديثنا عن الشعر والشعراء؟
- بلى والله قد فعلنا
- فهل ما زال عندك شيء أم اكتفيت؟
- اكتفيتُ من الشعر ولم أكتف منك ، وما إن نطوي هذه
الصفحة حتى نفتح غيرها ، فهل يأذن أمير المؤمنين؟
- قد أذنت ، فقل!
- ائذن لي إذن يا أمير المؤمنين وقد خرجنا من باب الشعر أن
نطرق بابا قريبًا منه ، وهو باب العاطفة ، ومن خلال هذا أريد أن
عن مقولة قلتها لأحد رعاياك حين جاء يستأذنك في طلاق
امرأته
..
- عن أي مقولة أنت سائلي؟
- قولك : وهل كل البيوت بنيت على الحب؟! فأين المروءة
والذمة ؟!
- نعم .. هذا ما قلته آنذاك .. إذ جاء الرجل يستأذن في
طلاق زوجته ، فسألته : فيم ذلك؟ فكان جوابه أنه لا يحبها

فقلت له : أوكل البيوت بنيت على الحب؟! فأين الرعاية
والتذم؟!
- إذن فالحب ليس شرطا في استمرار الزواج ، وليس أساسًا
علاقات الزواج؟!
- ليس شرطا ، إن قوام البيوت الأمانة والذمة وحسن المعاشرة
وفهم المسؤوليات والقيام بها ، وإنما كان الزواج سكنا ورحمة ، فإن لم
يأت بذلك السكن وتلك الـرحـمـة الحب فلتـأت بهـا الإنسـانـيـة ،
والخوف من الله ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعــيـتـه ، ومن
الرعاية أن لا يُخرج رجل امرأته من بيته فقط لأنه لا يحبها ، ومن
المسؤولية أن لا يهدم الرجل بيته لأن عاطفته قاصرة عن الشعور
بامرأة صارت تحت جناحه ، والحب بين الأزواج ليس غاية في ذاته ،
إنه إن كان فمرحبًا وخير ، وإن لم يكن فلا تنهار بغيابه العلاقة التي
قامت حين قامت لمآرب أخرى ، وإن فرضنا جدلاً أن غياب الحب
يهدم البيوت ، فهل كان سيظل بيت واحد من بيوت المسلمين قائم
وعامر بأهله ؟ إن الرجل ليتزوج المرأة ولا يعرف عنها إلا ما ظهـر لـه
منها أو سمعه عنها ، وإن المرأة كذلك ، وقد يبدو هذا الفضول لمعرفة
الآخر في البداية حبًا ، ولكن المعرفة التي تأتي بها العشرة ، وتعاقب
الأيام عليهما معًا ، والمواقف بمرارتها وحلاوتها ، هي التي تكشف
للمرء ما هو عليه زوجه ، وبذلك قد يرى منه ما ينفره أو يدرك من
طباعه ما يجعله عازفًا عنه ، أو لا يعود يجد في قلبه ما كان يجده
أول الأمر ، وهذا ما يصير إليه معظم الأزواج ، فهل يكون الطلاق أم
يكون غض الطرف عن المساوئ والإبقاء على الباعث الأول للزواج ،
وهو تهذيب الغرائز ، وإنجاب الأولاد ، وتربية النشء ، وقيام الرجل
بأهل بيته ، وقيام المرأة كذلك بما هي عنه مسؤولة ، ومخافة الله من
قبل الطرفين قبل هذا في أداء ما عليه أمام الله

- ولكن الله أباح الطلاق يا أمير المؤمنين ولم يخص به أسبابًا
عن أخرى ، فهو للرجل إن لم يرغب بالمرأة ، وللمرأة كذلك الخلع إن
لم تطق الرجل ، كما حدث مع امرأة ثابت بن قيس حين أتت
النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله ، ثابت بن قيس ما أعتب عليه
خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام

فقال رسول الله ﷺ: أتردين عليه حديقته
قالت
: نعم
فقال رسول الله : أقبل الحديقة وطلقها تطليقة
أليس معنى هذا أن عدم الحب وحده يكفي للفراق بين
الزوجين؟
- الطلاق مباح نعم ، والدين أحله ، ولم أقل ذلك للرجل
مفتيًا بل ناصحًا ومنبها ، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما
توفيقي إلا بالله ، إن الدين إن سكت عن أمور فذلك لأنه يترك
للإنسان مساحة من الحرية في أن يختار على أي درجة من درجات
التقى يريد أن يكون ، لهذا جعلت الجنة درجات ، وكـان عـبـور
الصراط درجات ، وكانت النار كذلك درجات ، وإن بين الحلال
والحرام مساحة كافية لنحدد في أي درجة نريد أن نكون ، وقد
يسكت الدين عن أشياء ، ليترك المروءة تتحدث ، ويترك حسن
الخلق يتحدث ، ويترك العفو يتحدث ، ألا ترى أن الدين أباح لذوي
المقتول القصاص من القاتل ، ثم رغب في العفو بعد ذلك ، دون أن
يأمر به ، «فمن عفا وأصلح فأجره على الله» ، أما ترى أنه وضح
حقوق الناس بعضهم على بعض ، وجعل لها أحكامًا وفرائض
ولكنه قال إثر ذلك : «فمن عُفي له من أخيه شيء
فاتباع بمعروف ، إن لب الأمـر وجـوهـره ليـــس فـــي حـرمـتـه

وحلّه بل في موقف المرء حين يُترك له الخيار ، فإما أن يختار أن
يكون نبيلا فينظر في حاجة الآخرين ، فإن رأى في نفسه سموا
ترك ما له لأن فيه ضررًاً لغيره ، وإلا تصرف بما يحل له دون أن ينظر
في ما قد يلحق بغيره من أذى ، فلم ينقص ذلك من دينه شيئًا ،
غير أنه نقص من مروءته ، ثم إن عدم الحب لا يعني الكراهية ، إن
لم يكن ثمة كراهية فالتعايش سهل وممكن ، وإن لم يكن ثمة
كراهية ولم يكن ثمة حب أيضاً فليكن التحبب .
- التحبب!
أجل يا بني ، تحبب المرأة لزوجها من حسن التبعل الذي
أُمرت به ، كما أمر الرجل بحسن العشرة والإمساك بالمعروف ، وهو
مما يُحقق المودة والرحمة في البيوت ، فالمرأة التي لا تجد في قلبها
شيئًا لزوجها يحق له عليها أن تتظاهر كأن قلبها راض ومحب له ،
فلا تظهر النفور منه والسخط عليه لأن ذلك أدعى للفرقة ونشر
الشحناء في البيت ، ولا يحقق الغاية التي من أجلها كان الزواج
فلا يجد الرجل في المرأة إن هي أظهرت منه نفورا غـيــر شــعــوره
بالعداوة إزاء تصرفها ذاك ، فتخرج من كونها رفيقة له إلى كونها
عدوة، وتتبدد بذلك الألفة ، والسكينة ، ولا يعود في قلب أي
منهما رحمة ولا توقـيـر للآخر ، ومن ذلك خـبـر ابـن أبـي عـزرة
الدولي ، وكان في خلافتي قد أكثر من طلاق النساء اللاتي
يتزوجهن ، فطار له في الناس من ذلك أحدوثة فكرهها ، فلما علم
بذلك ، قام بعبد الله بن الأرقم حتى أدخله بيته ، فقال لامرأته ،
وابن الأرقم يسمع
: أنشدك بالله ، هل تبغضينني؟
فقالت امرأته : لا تناشدني
قال : بلی

الكاتب أدهم الشرقاوي
الناقلة (رهف الجميلي)
صوتوا حبايبي

عندما ألتقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه الكاتب أدهم الشرقاوي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن