في فناء المدرسة الصغير، كان التلاميذ مجتمعين في حلقات صغيرة، يتهامسون ويلقون نظرات خاطفة نحو جيمين، الفتى الجديد الذي انتقل حديثًا. كانت السماء صافية، لكن التوتر خيم على الأجواء.
همس أحد التلاميذ بخفوت وهو يراقب جيمين:
"سمعت أنه كان في السجن... ستة أشهر على الأقل! بسبب أصدقاء سيئين."رفعت تلميذة حاجبيها بدهشة وهمست:
"حقًا؟ لا عجب أنه يبدو منعزلًا. ربما يكون خطرًا!"تدخل آخر بسخرية مشوبة بالخوف:
"هل تعتقدون أنه قاتل؟"كان جيمين يقف على مقربة، يحمل كتبه بصمت، لكن كلماتهم اخترقت صدره كالسكاكين. توقف لوهلة، ثم استدار ببطء، وعيناه تحملان مزيجًا من الصدمة والخوف، وكأن عالمه الداخلي قد انهار.
على الجانب الآخر من الفناء، كانت إيلا جالسة تحت شجرة قريبة، منغمسة في قراءة كتاب. عندما سمعت تلك الهمسات، رفعت رأسها وحدقت في المجموعة. وقفت بغضب مفاجئ، واتجهت نحوهم بخطوات ثابتة كعاصفة تقترب.
قالت بصوت غاضب:
"ما مشكلتكم؟ حياتكم مملة لدرجة أنكم تجدون متعة في الحديث عن الآخرين؟"تلعثم أحدهم محاولًا التبرير:
"لكن... نحن فقط..."قاطعته بحدة:
"فقط ماذا؟ تحكمون على الآخرين دون أن تعرفوهم؟ أنتم لستم أفضل منه!"كان جيمين يراقب الموقف من بعيد، يزداد انزعاجًا وخوفًا مع كل لحظة. لم يكن يريد أن يُكشف ماضيه، وخصوصًا أمام إيلا. وفجأة، استدار وركض نحو بوابة المدرسة، هاربًا من النظرات والكلمات الجارحة.
لاحظت إيلا هروبه، فصرخت:
"انتظر! إلى أين تذهب؟!"ركضت إيلا خلفه دون تردد، تتبع خطواته الحائرة التي تركت أثرًا شاحبًا على الأرض.
قادها الطريق إلى ضفة النهر، حيث كان جيمين جالسًا على صخرة مهترئة. رأسه بين يديه وصدره يرتفع ويهبط بأنفاس متقطعة، وكأنه يحاول سحق التوتر الذي يلتف حول روحه.اقتربت بخطوات بطيئة، تخشى أن تزعجه، والتقطت أنفاسها التي أثقلها الجري والخوف. وقفت على مسافة قصيرة، ثم قالت بصوت خافت يحمل القلق:
"لماذا هربت؟ ماذا حدث؟"رفع رأسه ببطء. كانت عيناه تحملان ضبابًا من الألم والانكسار، وصوته خرج بالكاد مسموعًا، لكنه ثقيل بالمعاني:
"لماذا تلحقين بي؟ ألم تسمعي ما قالوه؟ أنا... أنا شخص سيئ. كنت في السجن.انا مجرم"توقفت إيلا للحظة، وكأن كلماته أوقفت الزمن من حولها. شعرت بوقعها، لكنها تماسكت بسرعة، وأجابته بنبرة ثابتة مفعمة بالدفء:
"وأين المشكلة؟ الجميع يرتكب الأخطاء. أنا متأكدة أن لديك أسبابك."ضحك بمرارة، ضحكة تحمل وزنًا أثقل من صدى الكلمات، ثم همهم:
"لماذا تفعلين هذا؟ ألم أخبرك أن تبتعدي؟ أنا لست شخصًا جيدًا."نظرت إليه بثبات وقالت:
"أنا لا أعتقد... لا أعتقد أنك شخص سيئ."تسللت نبرته إلى الغضب، وصوته ارتفع قليلًا:
"وما الذي تعرفينه عني؟!"ابتسمت إيلا، تلك الابتسامة التي تحمل قوة الكلمات التي جاءت بعدها:
"لا أعرف الكثير، لذا عليك أن تخبرني. أعدك أنني لست ممن يحكمون على الأشخاص فقط بسبب شيء واحد من ماضيهم. أنت تستحق الدعم، ولن أتركك تواجه هذا وحدك. لذا، سأبقى هنا، سواء أخبرتني أم لا... الأمر متروك لك."مر الوقت ببطء، الصوت الوحيد الذي كسر الصمت كان الحجارة الصغيرة التي ترميها إيلا في الماء، وكأنها تحاول تخفيف السكون الذي يخيم عليهما.
تنهد جيمين بعمق، وكأنما كان يبحث عن القوة ليستجمع كلماته. بدأ يتكلم بصوت خافت، الكلمات خرجت بصعوبة، وكأنها تعود إلى ذاكرته بعد فترة طويلة من الصمت:
"كان الأمر مجرد مشاجرة عابرة، لكن... لم أتوقع أن تنقلب حياتي بسببها."رفع عينيه نحوها، مليئتين بالندم، وكأن روحه تبحث عن مغفرة:
"صديقي كان يتعرض للضرب من رجل أكبر منه. كان ينزف بشدة وفي موقف حرج، فحاولت أن أبعده عن المشاجرة. لكن الأمور خرجت عن السيطرة. دفعت الرجل الذي هاجمه، فسقط... لم أعتقد أنه سيتعرض لتلك الإصابة. اصطدم رأسه بالأرض، وكانت حالته خطيرة جدًا لدرجة تم نقله إلى المستشفى."توقف لحظة، ويده تمر على شعره بتوتر، وكأن ما سيقوله الآن يثقل عليه:
"الرجل الذي أصيب بسببي كان يحتاج إلى علاج مكلف. أمي... أمي فعلت المستحيل لتساعدني. باعت كل ما نملك، اقترضت المال، وأنا... انتهى بي الأمر في السجن. ستة أشهر كاملة كنت خلف القضبان، بينما كانت أمي تكافح لتخرجني."كانت إيلا تراقبه بصمت، تلاحظ كيف كان يتجنب النظر إليها، وكأن الكلمات نفسها كانت تجرحه. استمر في حديثه، بصوت أكثر ضعفًا:
"وعندما خرجت... صديقي الذي كنت أحاول حمايته؟ تخلى عني. توقف عن الحديث معي، وكأنني أصبحت عارًا عليه. و زملائي في المدرسة؟ كانوا ينظرون إليّ وكأنني وحش. كانوا يخافون مني، يتهامسون خلف ظهري. لذلك قررت أمي أن نغادر. انتقلنا إلى هنا، بعيدًا عن كل تلك الذكريات."هز رأسه ببطء، وكأنه لا يستطيع أن يصدق كيف انتهى كل شيء:
"والآن... الجميع عرفوا. عائلتي ستعاني بسببي مجددًا."بعد أن أنهى كلماته، شعر بيد صغيرة تمسك بيده. رفع عينيه ليرى إيلا تبتسم له، ابتسامة دافئة اخترقت ظلامه.
قالت بصوت واثق مليء بالصدق:
"لقد حاولت حماية شخص تهتم به، وهذا لا يجعلك شخصًا سيئًا. بالعكس... أنت بطل. الناس يخافون مما لا يفهمونه، لكن ذلك لا يعني أنهم على حق. بالنسبة لي... أنت شخص جيد، وأعتقد أن أي شخص سيكون محظوظًا بامتلاك صديق مثلك."بقي جيمين صامتًا، وكأن كلماتها لامست شيئًا عميقًا داخله. ألقى نظرة نحو النهر، حيث كان التيار يحمل معه بعضًا من أعبائه.
جلسا معًا في هدوء، يشاهدان المياه تتراقص تحت وهج الشمس الغاربة. وعندما بدأت الشمس تنحني نحو الأفق، نهضا معًا، خطواتهما تحمل شعورًا جديدًا... شعورًا بالأمل.
... يتبع ...
ما رايكم في الفصل و ما هي توقعاتكم للفصل السابع غدا باذن الله ❤️❤️
أنت تقرأ
أحلام سندريلا
Fanfictionإيلا فتاة تطمح للهروب من حياة الفقر في قريتها المتواضعة عبر الزواج من شاب ثري، ودائمًا تلقي اللوم على والدها بسبب صعوبة حياتها. في أحد الأيام، يقرر والدها الزواج، فتظن إيلا أن حياتها ستتغير للأفضل. لكن المفاجأة أن زوجته الجديدة هي والدة جيمين، ليصبح...