ذكرى

20 5 0
                                    

✨️

*"منتصف الليل كان دائماً رفيقها الأصدق. في ظلاله، تجد نفسها عارية أمام ذاكرتها، بلا أقنعة، بلا محاولات يائسة للهرب. كل شيء يعود، كأن الزمن يتآمر معها ليعيدها إلى تلك اللحظة التي حاولت دفنها مرارًا.

الألم لم يكن مجرد ذكرى؛ كان نبضًا خافتًا يرفض أن يموت. تشعر به في كل زاوية من روحها، كجمر تحت الرماد. كيف يمكن لشيء حدث منذ زمن أن يبقى حيًا بهذا الشكل؟ تساءلت وهي تمسك أطراف نافذتها، كأنها تبحث عن إجابة بين النجوم الصامتة.

كانت تلك الذكرى أشبه بشبح يسكنها، لا يتحدث، لا يظهر وجهه، لكنه موجود دائمًا، يثقل صدرها بأنفاسه الباردة. كلما حاولت الهروب، تجد نفسها مقيدة بحبال خفية من الشعور بالخذلان، بالحزن الذي لا ينطفئ.

'كيف يمكن لشيء أن يستهلكك بهذا الشكل؟' فكرت، وعيناها تتوه في الظلام الممتد. لم يكن الألم عدوها الوحيد؛ بل الفراغ الذي تركه الحدث، الفراغ الذي لا يمتلئ بشيء، ولا يرحل."*


*"لا تعلم كم مر من الوقت وهي عالقة في أفكارها. كان الليل طويلاً، أثقل مما تستطيع احتماله. ظلت جالسة على حافة السرير، تراقب الظلام وكأنه مرآة تعكس حطام روحها. كل دقيقة تمضي كانت تشعرها وكأنها تغرق أكثر في دوامة الذكرى.

لكن مع أول خيوط الفجر، بدأ الليل يتراجع، وكأن الظلام الذي كان يحتضنها طوال الليل لم يعد يجد مكانًا بين الضوء. صوت طَرقٍ خافت على باب غرفتها أيقظها من شرودها. صوت مألوف، دافئ، لكنه بدا وكأنه ينتمي لعالم آخر، عالم بعيد عن دوامة مشاعرها.

"استيقظي، حان وقت النهوض."
كان صوت والدتها، مليئًا بذلك المزيج المعتاد من الحنان والحزم. رفعت رأسها ببطء، لتجد الشمس قد بدأت تغزو غرفتها، نابذة بقايا الليل الذي كان شاهدًا على صراعها.

لم ترد. اكتفت بالنظر إلى السقف للحظة، تحاول جمع شتات نفسها. بدا الاستيقاظ من النوم وكأنه طلب مستحيل، رغم أنها لم تنم أصلاً. شعرت بثقل جسدها، كأن الليل ترك داخله عبئًا جديدًا، عبئًا لا يراه أحد سواها.

طرق الباب مرة أخرى، وهذه المرة، فتحته والدتها بهدوء.

"أنتِ بخير؟"
لم تجب فورًا. نظرت إلى والدتها، وابتسمت ابتسامة خافتة، بالكاد تصل إلى عينيها.

"نعم، بخير."
لكنها تعلم، وهي تقول ذلك، أن الصباح لن يمحو ما تركه الليل خلفه."*






*"كانت قد أنهت ارتداء ملابسها، وبخطوات بطيئة تقدمت نحو المرآة. انعكس وجهها عليها كصورة باهتة لشخص لم تعد تعرفه تمامًا. عيناها تحملان ظلالًا من الإرهاق، وخطوطًا خفية من قصص لم تُروَ.

سرمديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن