⭐
في غرفتها الهادئة، حيث كانت الستائر الثقيلة تحجب أشعة الشمس، جلست إيزابيل على حافة السرير. الهواء في الغرفة كان مشحونًا بالحزن والصمت. كانت الوسادة بين ذراعيها، تضغطها إلى صدرها وكأنها تبحث عن عزاء مفقود. دموعها لم تتوقف عن الانهمار، تتساقط واحدة تلو الأخرى على القماش الأبيض الناعم، تاركة بقعًا باهتة تروي قصص ألمها.
على السرير بجانبها، كان أرنبها الصغير "روز" يقفز بخفة، وكأنه يحاول لفت انتباهها، لكن إيزابيل لم تستطع رفع رأسها. دفنت وجهها في الوسادة، وتركَت شهقاتها تنطلق بحرية. كل شهقة كانت تحمل عبء مشاعر مختلطة: ألم، ندم، وخوف. كانت أكتافها ترتجف من ثقل ما تحمله داخلها، ويدها الأخرى كانت تلامس فرو "روز" بنعومة، وكأنها تبحث عن لمسة تهدئ عاصفتها الداخلية.
الجو في الغرفة كان دافئًا، لكنه لم يمنحها أي شعور بالراحة. الكتب المصفوفة بعناية على الرفوف، السجادة الفاخرة التي تغطي الأرضية، وحتى الزهور الذابلة في المزهرية على الطاولة القريبة، كلها بدت وكأنها تشاركها هذا الحزن الصامت. كانت الغرفة مكانًا يحمل ذكريات كثيرة، لكنها الآن تبدو كقوقعة خانقة لا تستطيع الخروج منها.
صوت خفيف صدر عن "روز" وهو يحرك أذنيه، اقترب منها ببطء حتى لامس بقدمه الصغيرة ذراعها، وكأنه يقول: "أنا هنا." رفعت رأسها قليلاً، عيناها متورمتان من البكاء، ونظرت إليه. كان ينظر إليها بنظرة بريئة، تلك النظرة التي لا تحمل أي حكم أو توقع، فقط حب غير مشروط. "أوه، روز..." تمتمت بصوت مبحوح، ثم التقطته بين يديها وضغطته إلى صدرها، كما لو كان هو الشيء الوحيد الذي يبقيها متماسكة.
كانت كلمات أليكسي لا تزال ترن في رأسها، نبرته الباردة وصوته الذي حمل تناقضًا غريبًا بين الحماية والسيطرة. تذكرت وجه هانري، ملامحه المتعبة والجروح التي تملأ جسده. شعرت بتمزق داخلي. كيف يمكنها أن تُبعد هذا الشعور بالذنب الذي ينهش قلبها؟
همست بصوت متقطع، كأنها تحاول إقناع نفسها: "سيتعافى... سيكون بخير... لقد وعدني أليكسي بطبيب." لكنها في أعماقها لم تكن متأكدة. أغلقت عينيها مجددًا، دموعها تتساقط على فرو "روز" الأبيض، الذي بدا وكأنه وسيلتها الوحيدة للتعبير عن مشاعرها دون كلمات.
مرت الساعات، والليل بدأ يغزو الغرفة بصمته وسواده. لكن بالنسبة لإيزابيل، الزمن كان متوقفًا، وكأن كل لحظة تمر تزيد من ثقل الحزن الذي تحمله.
في البداية، ترددت إيزابيل بالخروج من غرفتها. كانت قد احتضنت ألمها طويلاً داخل تلك الجدران، لكن الجوع بدأ يُثقل عليها، يدفعها بخطوات مترددة نحو الباب. فتحت الباب ببطء، صوت المفصلات كان صدى في الممر الهادئ. خرجت ترتدي ثوبًا بسيطًا بلون الكريما، وشعرها الأشقر الطويل كان قد فقد ترتيبه المعتاد، يتناثر حول وجهها المتعب.
خطت خطواتها الأولى في الممر، وكانت الأرضية الرخامية باردة تحت قدميها الحافيتين. حاولت ألا تُصدر أي صوت، وكأنها تخشى أن تُوقظ وحشًا نائمًا. الممرات كانت شبه مظلمة، إلا من ضوء الشموع التي تذبذب وهجها على الجدران المزخرفة. كل شيء كان يبدو هادئًا بشكل مريب.
لكن عندما وصلت إلى قاعة الطعام، توقفت فجأة، وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها. هناك، في نهاية القاعة، كان يقف أليكسي. شكله جعل الدماء تتجمد في عروقها. كان يبدو كوحش خرج لتوه من ساحة معركة. قميصه الأبيض المعتاد كان مغطى ببقع داكنة من الدم، بعضها جفّ وتحول إلى لون بني قاتم، وبعضها لا يزال حديثًا، يقطر على الأرضية الرخامية، مُخلفًا آثارًا مظلمة وراءه.
وجهه، الذي كان دائمًا يتمتع بجاذبية مرعبة، بدا الآن أقرب إلى كابوس. الدم كان يلطخ خده الأيسر، ويداه ملوثتان كما لو أنه أنهى للتو عملًا قذرًا بيديه العاريتين. عيناه الزرقاوان كانتا تلتمعان بحدة، وكأنهما تخفيان بركانًا داخليًا يغلي. نظرة واحدة منه كانت كفيلة بأن تُخمد أي محاولة منها للهرب أو المواجهة.
إيزابيل توقفت في مكانها، أنفاسها محبوسة. حاولت التراجع خطوة إلى الخلف، لكن صوتها ارتجف عندما همست: "أ... أليكسي؟"
رفع رأسه ببطء نحوها، وكأنه لم يلاحظ وجودها في البداية. ثم انفرجت شفتاه بابتسامة باردة جعلت قلبها يغرق أكثر في الخوف. "بطتي الصغيرة... هل خرجتِ أخيرًا؟"
كلماته كانت ناعمة، لكنها حملت تحتها وزنًا مرعبًا. اقترب منها بخطوات هادئة، لكن كل خطوة كان لها صدى كأنها تُعلن عن اقتراب الخطر. إيزابيل شعرت أنها محاصرة، كفأر صغير في قفص مغلق. حاولت أن تنظر بعيدًا عن الدماء التي تغطيه، لكن الرائحة كانت قد وصلت إليها الآن، تلك الرائحة المعدنية الثقيلة التي لا تخطئها الأنف.
"أنت... ماذا فعلت؟" تمتمت بصوت خافت، وكأنها تخشى الإجابة.
توقف أمامها، على بعد خطوات قليلة فقط. انحنى قليلاً لينظر في عينيها مباشرة، ثم همس بصوت منخفض كأنه يحاول تهدئتها: "لا شيء عليك أن تقلقي بشأنه. لقد كنت فقط أُرتب بعض الأمور... لصالحنا."
شعرت بيديه تحيط بكتفيها، ولم تستطع منع جسدها من الارتعاش تحت لمسته. "لماذا تبدين خائفة، بطتي؟" سألها، وعيناه الزرقاوان تتغلغلان في أعماقها.
إيزابيل لم تستطع أن تتحمل أكثر. كل شيء حولها بدا وكأنه ينهار في دوامة من الظلام والرعب. رائحة الدم، منظر بقعه المتناثرة على قميص أليكسي، نظراته الزرقاء التي كانت حادة كالسكين، وصوته الهادئ الذي حمل نبرة لا تعرف إن كانت تهديدًا أو طمأنة. كل هذه التفاصيل ضربتها بقوة، ودفعتها إلى حافة الانهيار.شعرت بدوار شديد، قدماها فقدتا القدرة على حملها. حاولت أن تأخذ نفسًا عميقًا، لكنها لم تستطع؛ كأن الهواء أصبح ثقيلاً، مختلطًا برائحة الحديد التي زادت من شعورها بالغثيان. تراجعت خطوة إلى الخلف، يدها تتشبث بالجدار البارد خلفها، عيناها تبحثان عن أي مخرج، لكن لا شيء سوى الظلام يحيط بها.