داهمنِي الإعياء وأثقل جفوني وأنا أهبط لتناول الفطور. لكنني كنتُ أسيرة عاداتي، فرغم أن كارميلّا وأنا لم نعُد حتى ما بعد منتصف الليل بحين ، استيقظتُ باكرًا وانتزعتُ نفسي من الفراش.كان والدي جالسًا وحيدًا إلى المائدة. ابتسم عند دخولي لكن القلق خطَّ جبينه. "صباح الخير يا لورا. كيف حالكِ؟"
"مُنهكة. خرجتُ أنا وكارميلّا في نزهةٍ ليلية، وعُدنا متأخرتين عن موعدنا المقصود." تواريتُ بجواره، فهرولت امرأةٌ ترتدي ثيابًا بسيطة لتضع أمامي طبقًا يفوح بروائح شهية لم يكن لنفسي المؤرقة رغبةٌ فيها. "لكنني بخير."
وبينما كنتُ أعبث بطعامي، والإرهاق يُخمد شهيتي، قال والدي، "حدثت وفاةٌ الليلة الماضية، في منزل أحد خدمنا."
وضعتُ الشوكة جانبًا و قد أعترى القلق قلبِي. "حقًا؟"
"لم يسبقهُ نذيرٌ أو علامة مرض، سوى بضعة أيام من الإرهاق. كانت الفتاة في الخامسة عشرة ، آيةً للصحة كما تقول أمها. لكنني استدعيتُ الطبيب ليفحص كل من كان على اتصالٍ بالفتاة خلال الأيام الماضية. لم تكن تخدمُ في القصر، وتلك نعمة." لكن قلقه لم يتبدد. "أأنتِ متأكدة أنكِ بخير؟"
أومأتُ برأسي. "سأرى الطبيب إن كان هذا يُطمئن بالك يا أبي. لكنني أُقسم بعد قيلولة أو ليلة نومٍ هانئة، سأكون بخير."
"تقولين إنكِ كنتِ مع كارميلّا؟"
جاهدتُ لابتلاع أول لقمةٍ مترددة. نحيّت الطبق بعيدًا، وقلت،"نعم. كانت قوتها في أوجها، ورغبت في استغلال عافيتها والتنزه خارجًا."
"يُبهجني سماع ذلك،" قال أبي، وقد لاحت على شفتيه بشائِر ابتسامة. "لقد كانت خيرًا عليكِ."
"مالذي تعنيه؟"
صمت لحظة، وخصلات شيبه تتلألأ في ضياء الصباح الوّضاح وهو ينظر نحو النافذة. "حين رحلت والدتكِ، أقسمتُ أن أكون كافيًا لكِ، وأن أتأكد أنكِ لا تفتقرين لشيء، حتى بدون حب أمكِ. لديكِ عقلٌ متوقد؛ أقبلتِ على الكتب كما يُقبل الأطفال على الحلوى. حاولتُ أن أمنحكِ كل شيء، لكن وحدتكِ لم تكن شيئًا يمكن للمال إصلاحه. كنتُ محطم القلب، نيابةً عنكِ وعن الجنرال، حين توفيت الآنسة راينفلدت، لكن يبدو أن كارميلّا كانت المعجزة التي احتجتِها. لقد جعلتكِ تبتسمين مجددًا."
"إنها صديقة رائعة،" اعترفتُ، لكن القلق ملأنِي عند نطق هذه الكلمات.
"حين تعود والدتها، سأمد بالتأكيد عرض استضافة الفتاة العزيزة مرة أخرى ، ربما الصيف القادم، بافتراض أن لا أنتِ ولا هي تزوجتما."
سترحل كارميلّا يومًا ما، وكاد قلبي ينفطر لمجرّد هذه الفكرة. أكان الأمر كما قال والدي، أنني كنتُ أعاني وحدةٌ لا تُطاق؟ تذكرتُ قول كارميلّا، أن سيدًا كان يسعى وراءها في حفلٍ تنكري. لم أرَ امرأةً أجمل من كارميلّا قط، وحتمًا يُشاركني الآخرون بنفس الشعور.
بقلبها الرومانسي، حتمًا لديها شخصٌ ينتظرها. ربما أحبته أيضًا. أحرقني تصوّر ذلك، أنّ تتزوج ولا تعود ترغب في رؤيتي.
"سيكون ذلك رائعًا،" قلتُ بهدوء، لكن أبي عاد يقطب جبينه. "ما الذي يقلقكِ؟"
هززتُ رأسي.
"لورا-""أنا-" قطعتُ كلماتي، أجاهد للتعبير عن تحفظاتي. "أظن أنه يجرح قلبي مجرد التفكير في أنها قد تتزوج وتنسانِي."
ضحكَ والدي، لكنه أمسك يدي بحنان. "لا يفقد المرء أصدقاءه حين يتزوج. إن كان لديها زوج، فسنستضيفهما معًا إن كان هذا يُهدئ قلبكِ القلِق." ضغط على يدي، ثم تركها وهمس، "قلبي الأبوي يفضّل نسيان هذا، لكنكِ في سن الزواج. آمل أن تُبقي ذهنكِ منفتحًا لأي خُطّاب قد يأتون."
"خُطّاب؟" سخرتُ. "لا أعرف أي رجال، ناهيك عن من سيأتي لخطبتي."
تردد لحظةً أطول من اللازم. تلاشى مرحي. "مَن؟""لورا العزيزة، ليس أمرًا يجب أن تقلقي بشأنه-"
"لم تكن لتُثير هذا الموضوع دون سبب."
شبك والدي يديه فوق المائدة. "لم يُقرر شيء بعد. لن أسمح لأحدٍ أن يقرر مصيركِ سواكِ، يا لورا، لكن هناك رجلٌ كنتُ أراسله أعرف أنه شريف وطيب. ولن أقول أكثر من ذلك حتى يَـ-"
"هل أعرفه حتى؟" سألتُ، وحقيقة مستقبلي المتغير تتسلل ببطء إلى جلدي، فيغدو باردًا كالثلج. "لا أعرف أي رجالٍ متاحين، يا أبي، ولا يمكنني الزواج من شخصٍ لم ألتقِه حتى."
"لقد التقيتِه."
"لكن مَن إذن-" توقفت كلماتي فجأة، والإدراك يستقر مع الحقيقة. رفعتُ يدي من صدري إلى فمي، ورئتاي تجمدتا فجأة. "الجنرال سبيلسدورف؟"
بتنهيدةٍ مستسلمة، أومأ والدي. "كانَ هذا الغرض من زيارته هو وبيرثا. كنتِ ستعلمين أن بيرثا كانت على وشك الزواج والرحيل إلى باريس في الأشهر القادمة، ولذا اقترحتُ أن يُفكر-"
"أنت اقترحت هذا؟" بدت الكلمات كخيانة. "أبي، إنه عجوز."
"إنهُ أصغرَ مني، ولورا، لن أكون موجودًا إلى الأبد."
علمتُ أنه على حق. صحة والدي المتدهورة ستأخذهُ مني يومًا ما. مع ذلك، بدا الوقت فجأة سريعًا جدًا؛ انفجرت فقاعة الركود، دافعةً إياي إلى المُستقبل المجهول.
"إنه أرمل،" تابعَ والدي، وصوتهُ أكثر نعومة الآن. "توفيت زوجته وهي تضع بكرهما، الذي مات بعد أيامٍ قليلة. كانت بيرثا ابنة أخته التي أخذها إلى منزله حين توفيت أختُه بُعيد ولادتها. لورا، إنه رجلٌ طيب وسيكون أبًا رائعًا لأطفالكِ."
كانت حياةً مباركة كأي ما تتمناه امرأة.
"إن قلتِ له لا، سأحترم قراركِ،" قال والدي. "أنتِ حكيمة تفوقين سنكِ، في نواحٍ كثيرة. لكنني أطلب منكِ أن تمنحيه فرصة ليُقدم نفسه."