بارت(2)

933 18 0
                                    

وقيل : بل تذاكر فرعون وجلساؤه معا ما وعد الله - عز وجل - إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا ، فقال بعضهم : إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ، وقد كانوا يظنونه يوسف بن يعقوب ، فلما هلك قالوا : ليس هكذا وعد الله إبراهيم . فقال فرعون : كيف [ ص: 152 ] ترون ؟ فأجمعوا على أن يبعث رجالا يقتلون كل مولود في بني إسرائيل ، وقال للقبط : انظروا مماليككم الذين يعملون خارجا فأدخلوهم واجعلوا بني إسرائيل يلون ذلك ، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم ، فذلك حين يقول الله - عز وجل - : إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ، فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح وكان يأمر بتعذيب الحبالى حتى يضعن ، فكان يشق القصب ويوقف المرأة عليه فيقطع أقدامهن ، وكانت المرأة تضع فتتقي بولدها القصب ، وقذف الله الموت في مشيخة بني إسرائيل ، فدخل رءوس القبط على فرعون وكلموه ، وقالوا : إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا ، تذبح الصغار وتفني الكبار ، فلو أنك كتبت تبقي من أولادهم ، فأمرهم أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة ، فلما كان في تلك السنة التي تركوا فيها ولد هارون ، وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها ، وهي السنة المقبلة . فلما أرادت أمه وضعه حزنت من شأنه ، فأوحى الله إليها ، أي ألهمها : أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم - وهو النيل - ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين .

فلما وضعته أرضعته ثم دعت نجارا فجعل له تابوتا ، وجعل مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه وألقته في اليم ، فلما توارى عنها أتاها إبليس ، فقالت في نفسها : ما الذي صنعت بنفسي ! لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابه . فلما ألقته قالت لأخته - واسمها مريم - قصيه - يعني قصي أثره - فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون أنها أخته ، فأقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة ويخفضه أخرى حتى أدخله بين أشجار عند دور فرعون ، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدن التابوت فأدخلنه إلى آسية ، وظنن أن فيه مالا ، فلما فتح ونظرت إليه آسية وقعت عليها رحمته وأحبته ، فلما أخبرت به فرعون ، وأتته به قالت : قرة عين لي ولك لا تقتلوه . فقال فرعون : يكون لك ، وأما أنا فلا حاجة لي فيه .

[ ص: 153 ] قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت لهداه الله كما هداها .

وأراد أن يذبحه فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها وقال : إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا ، فذلك قوله - عز وجل - : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا . وأرادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء ، فذلك قوله : وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت - أخته مريم - هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فأخذوها ، وقالوا : ما يدريك ما نصحهم له ؟ هل يعرفونه ؟ حتى شكوا في ذلك . فقالت : نصحهم له ، وشفقتهم عليه ، ورغبتهم في قضاء حاجة الملك ، ورجاء منفعته . فانطلقت إلى أمه فأخبرتها الخبر ، فجاءت أمه ، فلما أعطته ثديها أخذه منها ، فكادت تقول : هذا ابني ، فعصمها الله .

قصة  نبي الله موسى - عليه السلام ـ وفرعونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن