لعلك تظن في مكانك هذا (ربما في متجر الكتب أو في المكتبة أو في منزلك)، بينما تقرأ هذه الصفحة، أن هذا الكتاب والورق المطبوع عليه والأحرف المطبوعة على الصفحة ، او ما تقرأه على جهازك كلها حقيقية، ولعلك تظن أنك لا تحلم بأنك تمسك بهذا الكتاب وتقرأ هذه الجملة، بل إنك تفعل ذلك بالفعل، والأرجح أنك تعتقد أنك أنت نفسك حقيقي، ولستَ من صنع مخيلة أحدهم (مثلما كانت أليس من صنع مخيلة المَلِك الأحمر) يحلم بشخص يقرأ كتابًا عن الحقيقة ، وهذا يعكس توجُّهًا نفسيًّا صحيًّا؛ فمعظم الناس لا يَعتَقِدون أنهم يحلمون معظم الوقت (والقليلون للغاية يعتقدون أنهم يحلمون في الوقت الذي يحلمون فيه بالفعل)، ولا يفترضون أن الأشياء المادية المحيطة بهم ليست موجودة في الحقيقة، ولا يصدقون أنهم شخصيات في رواية شخص آخَر.إلا أن عدم شَكِّك ولو للحظة واحدة في أن الأشياء قد لا تكون على هذا النحو يعكس افتقارَك للخيال الفلسفي.
تجربة مرعبة :
___________ذاتَ ليلة، استيقظ عالِم الحيوان الفرنسي إيف ديلاج على طَرَقَات الباب، كان الطارق هو حارس البيت يُخبِره أن يستيقظ لأن صديقًا له باغَتَه المرض، قام ديلاج من فراشه وارتدى ملابسه وتوجَّه مسرعًا إلى دورة المياه ليَغسِل وجهَه بإسفنجة مبلَّلة. أيقظَه إحساس الماء البارد على وجهه؛ كان في الحقيقة لا يَزَال مُستَلْقِيًا في الفراش بملابس النوم، ولم يكن ثمة أحد يطرق الباب، كانت التجربة كلها حلمًا.
بعد دقائق، سمع طَرَقَات أخرى على الباب، قال الحارس: «سيدي، ألن تأتي؟» رَدَّ ديلاج: «يا إلهي! إذن فهذا حقيقي بالفعل! اعتقدتُ أني أحلم.»
ردَّ الحارس: «إطلاقًا، أرجوك أن تُسرِع، فالجميع ينتظرك!» استيقظ ديلاج وارتدى ملابسه، وأسرع إلى دورة المياه ليغسل وجهه. عندما لامَسَتِ الإسفنجة وجهه، استيقظ، ووجد نفسه بملابس النوم في الفراش.بعد برهة قصيرة، سمع طَرَقَات أخرى على الباب، ومرة أخرى كان الحارس يقول: «سيدي ...»
قيل لنا إن هذه الأحداث كررتْ نفسَها أربعَ مرات قبل أن يستيقظ ديلاج في النهاية في العالم الواقعي.
مرَّ ديلاج بظاهرة «الاستيقاظ الزائف» غير المعتادة ولكن غير النادرة أيضًا؛ إذ استيقظ فيما اعتقد أنه العالَم الواقعي، ليكتشف أن هذا أيضًا كان حلمًا. وعندما استيقظ ثانية، اكتشف أنه لا يزال في حلم لم يستيقظ منه بعدُ.!
إن عدد المستويات التي يمر بها النائم قبل أن يستيقظ في النهاية قد يكون كبيرًا للغاية، وغالبًا ما يجد الأشخاص الذين يمرون بتجربة الاستيقاظ الزائف العملية كلها شديدة الإحباط.
ثمة سببان رئيسيان لذلك؛ أولهما: هو رعب الاستمرار في حلقة تكرار أبدي للأحداث نفسها، أما السبب الثاني: فهو الشك الذي يُراوِدنا من جرَّاء الاستيقاظ الزائف حِيَالَ حقيقة الاستيقاظ الفعلي.
كان الاستيقاظ من حلم إلى حلم، أو على الأحرى «الخروج من مستوًى إلى مستوًى أدنى»، حقيقيًّا ومقنِعًا تمامًا؛ إذن كيف نَعرِف ان تجربة اليقظة التي مررنا بها هذا الصباح قبل ان ننهض من الفراش كانت يقظة حقيقية؟ كيف تَعرِف أنك لم تستيقظ في حلم آخر، حلم يضم كل التجارب التي تمر بها الآن، وأنك بعد برهة قصيرة ستستيقظ مرة أخرى في عالم اليقظة، أو ربما في حلم آخَر؟___________________________
من كتاب الحقيقة / يان فيسترهوف
أنت تقرأ
بِك الكَون يَتَجلَّى
Non-Fiction《للعقلاء》 《أتَزعُمُ أنّكَ جُرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ》 •................................................................................• مواضيع مختلفة ومنوعة وعلمية. هدفها الاول : انت ايها الانسان.