{55}

3.9K 207 287
                                    










تعالى صوت بكاء إيميلي الصغيرة في أرجاء القصر الكبير, فأخذت سمارا تحاول تهدئتها بشتى الطرق لكن الطفلة أبت أن تتجاوب معها
إستبد الخوف و القلق بكيانها فهي لا تعرف ماذا حدث لها فجأة, ربتت على ظهرها و ظلت تدور بها بالصالة لعلها تهدئ و تصمت
لكن بكائها بقي مستمرً و دموعها بللت خدها وجنتيها
حضرت الخادمة تريسا راكضة نحوها ثم تحدثت بتوتر وقلق بينما وقفت بإحترام
-سيدتي ! , لعل الطفلة مريضة, لنأخذها للطبيب
خافت الأخرى بشدة ما أن سمعت كلمات تريسا, فـ حدقت فيها بملامح شاحبة وهي لاتزال تربت على ظهر إيميلي الباكية
-إلهي الرحيم قلتِ مريضة!, لقد كانت تلعب و تضحك قبل وهلة وجيزة
تنهدت سمارا بإضطراب فأكملت كلامها لتريسا بينما تعدل وضع الطفله بين ذراعيها
-حسناً إذن, إجلبي معطفي و إطلبي من جيروم أن يجهز السيارة, ستأتين معي أيضاً يا تريسا
أومأت الخادمة بطاعة ثم ركضت سريعاً تجلب معطفها حيث أخذت سمارا خطواتها الرزينة نحو بوابة القصر الرئيسية تسبق تريسا التي ذهبت لجلب المعطف
و بعد أن جلبت الخادمة معطفها إرتدته على عجل و خرجت من القصر تنزل عتبات الدرج الصغير و الطفله بين يديها
شقت طريقها عبر حديقة القصر متجهة للسيارة التي تنتظرها و جيروم السائق يقف بكل إحترام ينتظرها...
فَتح الباب الخلفي سريعاً عندما رأى سمارا و تريسا تتقدمان نحوه و القلق عنوان ملامحهما
لكن بتلك اللحظة وصلت سيارة أيفان و الفتيات للقصر حيث تم فتح البوابة لتدخل السيارتين بكل وقار لوسط الساحة الداخليه الواسعه للقصر و التي تقبع بمنتصفها مجَسم لنفافورة على شكل نسر جارح
أوقف أيفان سيارته بجانب سيارة جيروم بمجرد أن لمح سمارا تستعد للركوب, ترجل خارجها من فوره حيث تبسم وجه الاخرى حنما لمحته يقبل نحوها و كأن روحها بردت ببرودة لطيفة
هتف بإستغراب بعد أن وقف مقابلها رافعاً إحدى حاجبيه
-تستعدين للخروج ؟
أجابت سمارا بسرعه وهي تزدري لعابها بإرتباك كبير
-أيفان حبيبي, أنها إيميلي لا أعرف ماذا حصل معها, تبكي منذ فترة ولا تريد أن تهدئ, لهذا فكرت بأخذها للطبيب ربما تعاني من خطب ما
إرتعب قلب الأخر فور إنصاته لما قالته والدته, فهو لن يحتمل فكرة أن يحدث لطفلته مكروهاً, فـ قلبه المحروم و الضائع متعلق بهذه الطفلة لحد الجنون
أخذ إيميلي من بين ذراعيها ثم ضمها لصدره بينما تمسكت الطفلة به تبكي بو تنتحب شكل قطع صميم روحه عليها
ربت على ظهرها بهدوء و حنان و أخذ يدندن بصوت ناعم لامس مسامعها ليبدأ بكائها يخفت شيئاً فشيئا, وماهي إلا لحظات حتى إستسلمت للنوم بين أحضانه واضعة رأسها على كتفه تستشعر حضن الأب الذي حُرمت منه
مد أنامله يمسح الدموع التي بللت خدها و وجهها المحمر بينما شعر بداخله بالحزن و الشفقه لكونها تحتاج لوالدتها بهذا السن الصغير
بقيت سمارا و تريسا متأثرات بهذا المشهد اللطيف وما لبث أن أطرقت الأولى رأسها بحزن طاغي لحال إيمي فيما إستأذن كلاً من تريسا و جيروم للعودة لآعمالهم
تنهد إيفان بخفوت و بهمس خفيض حتى لا يوقظها قال
-لا أعلم لما كُتب على هذه الطفلة المسكينة الحرمان, ليت كل هذا لم يحدث و أن هارلين لم تُقتل, لكن مهما أسرفتُ في أمنياتي الهائمة لن يغير من الحقيقة شيء
مسحت سمارا وجهها بكف يدها فـ رفعت نظرها تحدق بإبنها بعبوس و كيف البؤس و القهر غلفت نبرة صوته
نهرته بلطف ترسم إبتسامة مغصوبة
-لعل كل هذا خير يا بني, هارلين و تونيو تركا إبنتهما الوحيده لكْ, لكي تهتم بها و تراعيها فأنت بالمثل حُرمت من عائلتكْ, كلاكما تقاطعت أقداركما و ستعوضان بعضكما بالمقابل
لم يعلق على ما قالته سمارا له بل أكتفى بأن ألقى نظرة صامته لطفلته التي تغط بنوم عميق
تمتم بعد صمت قصير
-سأتصل بالطبيب لكي يحضر, حتى نطمئن أن كل شيء بخير, و أنها لا تعاني من أي مرض
أومأت سمارا بتفهم وهي تشعر بأن الخوف و القلق الذي كانت تشعر به قبل لحظات قد إنزاح عن صدرها, و حل مكانه راحة بال لطيفه تنم عن شعورها بالطمآنينة و الإمتنان لظهور أيفان بالوقت المناسب
لآن إيميلي متعلقة فيه بشكل كبير فهي تعتقده والدها الحقيقي لكونه من إهتم بها منذ وفاة والداها و إنهيار خالها رافاييل
قال بشكل مفاجئ بينما نظر مباشرة لعينا الأخرى
-في الحقيقة, هناك ما أريد التحدث به معكِ
قطبت سمارا حاجبيها فأردفت بحيرة
-أنا منصته, قُل ما لديكْ
هز رأسه بالرفض فتجهم وجهه قليلاً ليغير نبرته لنوع من الجدية
-لندخل أولاً, لا يمكنني التحدث معكِ بالخارج هكذا, و بهذا الجو البارد و الطفلة معي
تذكرت إيميلي النائمة فقالت موبخة نفسها
-اللعنة علي, لقد نسيت تماماً , هيا تعال لندخل يا بني
إبتسم أيفان إبتسامة طفيفة حينما سمعها توبخ نفسها بتلك الطريقة فهذه عادت لديها, نظر بعدها للخلف ثم أمر ليون أن يطلب من الفتيات النزول من السيارة و يدخلن للقصر
إندهشت سمارا ما أن سمعته يقول الفتيات و شعرت بالإرتباك و القلق يطوقان قلبها و روحها
فصاحت بعدم تصديق تحاول أن تستفهم
-قلتْ فتيات ؟!, أيفان ما الذي يجري ؟, و من هن هؤلاء الفتيات اللاتي أحضرتهن للقصر
قال مجيباً بهدوء و روية
-ستعرفين من هُن عندما أتحدث معكِ يا أمي, فقط ثقي بي رجاءً, و لا تسأليني عن شيء الأن
صمتت مغتاضه من رده و لكنها بنفس الوقت أرادت الثقة كلماته فهي قد قامت بتربيته جيداً, و إحضاره لفتيات للقصر لا يعني بالضرورة أنه شاب لعوب و ذو حركات منحرفة
إنتبهت أعينها لثلاث فتيات في مقتبل العمر يقفن بجانب بعضهن بخجل و توتر غير قادرات على النظر نحوها
لمحت التشابه فيما بينهن وخمنت أنهن شقيقات و خاصة التوأم فـ الشبه لا يمكن تصديقه
لاحظت الحزن و الشحوب الذي يغلف محياهن فإنتابها نوع من الإشفاق على حالتهن فـ رُق قلبها الحنون !
كان أورلوف الواقف بسكون ينظر بعيداً و بطرف أبصاره يسرق نظرات خاطفة نحو كيتي التي إتخذت الأرض مهرباً لقزحيتيها و بقيت تتأمله بفر اغ
أمسك أيفان ذراع سمارا ثم قادها للداخل و بالمثل سارت من خلفه الفتيات بكل لباقه و هدوء, بمجرد أن دخلوا للقصر حتى طلب من الخدم و بالأخص تريسا التي يثق بها أن تهتم بضيافة الفتيات حتى ينتهي
بعد أن طلب منهن الجلوس بصالة الإستقبال الرئيسية, فعلت تريسا ما طلبه سيدها و صعد هو برفقة سمارا لجناحه الخاص ليقوم بوضع إيميلي على سريره العاجي ثم جلس بجانبها بكل أريحية فـ همومه فعلاً بدأت تثقل صدره الضيق
مد يده يتلمس خد ايمي بنعومه بينما إبتسامه جميلة زينت شفتيه دون شعور منه, أما سمارا فقد أغلقت الباب بهدوء و إتجهت للجلوس بقرب إيفان الذي عدل جلسته من فوره بكل رزانة
صمتت قليلاً تحدق للأرض بعدها همست بتوتر وهي تفرك يداها ببعضها متسائلة
-من أولئك الفتيات يا أيفان ؟, و لما هُن بالقصر
ظَل الأخر يراقب وجه معشوقته الصغيرة النائمة, وجهها المشبع بالحمرة و شفتاها المضمومتان, بعدها حول زرقة قزحيتيه لوالدته التي تنتظر رده لسؤالها بأعصاب تالفة
أخذ نفس عميق مجيباً بلكنته الإنجليزية
-هؤلاء الفتيات سيبقين بالقصر معكِ, لا أعلم لكم من الوقت, لكن أريدكِ أن تهتمي بهن كأم لهُن
إستنكرت سمارا ما يقوله فأعقبت بحدة مريبة
-ما الذي تتفوه به بحق الجحيم !, تأتي بفتيات غريبات للقصر, ثم تطلب مني الاهتمام بهن !, أي نوع من الهراء السخيف هذا
أكملت بتحذير كبير وهي ترفع إصبعها لغضبها الشديد من غموض أيفان الذي لم تعد تطيقه
-إسمع لدي كل الحق لآعرف من هُن, هل فهمت أيفان, و إلا أقسم بأنني لن أبقى دقيقة واحده بالقصر
دُهش أيفان من حديث سمارا و تهديدها له بترك القصر اذا لم يخبرها عن حقيقة هوية الفتيات, فلم يشعر بنفسه إلا وهو يزفر هواء حار بضجر و مسد شعره الفاحم للخلف هاتفاً بجدية
-ما باكِ غاضبة هكذا الان !, لقد قلتُ لكِ سوف أخبركِ بكل شيء, فقط دعيني ألتقط أنفاسي حباً بالله
وقفت الأخرى تدور بالغرفه بتوتر و قد أتلفت أعصابها قائله بإرتباك شديد
-كلي أذانٌ صاغيه أيفان, إبدء بالنطق
صمت قليلاً يحاول أن يعرف من أين يبدء الحديث معها , أخذ يهز قدميه بحده و توتر
فقال بعد برهة يمسح على وجهه بكف يده
-حسناً إسمعيني جيداً و لا تقاطعيني حتى أنتهي, إتفقنا ؟
أومأت بالموافقه دون أن تنطق بحرف واحد, و أخذ أيفان بعدها يحكي لها كل شيء من معرفته بكلوديا و علاقته بالفتيات حيث أخبرها أنهن يكونون بنات عم الفتاة التي وقع يحبها
تغافل عن أمور كثيرة, لم يخبرها بحقيقة بعض الاشياء لمصلحتها و أيضاً لكي لا يسبب لها المشاكل هي في غنى عنها
هتفت سمارا و الدموع أغرقت عينيها حزناً و شفقه عليهن
-إلهي الرحيم, كل هذا يحدث لهن, لا يمكنني تصديق ان هناك قلوب بهذه البشاعة
أمسك أيفان يدها بين كفيه الدافئين قائلاً برجاء
-لهذا أريدكِ أن تهتمي بهن حتى أعيد كلوديا, ليس لديهم أي شخص غيرنا لحمايتهن يا أمي
رفعت يده لفمها حيث قامت بتقبيلها بحنان و أمومه طاغية, بعدها وضعت يدها على خده هاتفه بصدق
-لا توصيني ببناتِ أيفان, سأفرش لهن قلبي و أعيني, لن أدع شيء يصيبهن ما دمت أرى و أسمع
شعر بالامتنان لوجود أم رائعة مثلها بحياته ,فلم يمنع نفسه بأن يمد ذراعيه يطوقها بحب كبير بينما هي بادلته الحضن بحب لا يوصف, قلب لا يحب إلا إبنها الوحيد و المالك لكيانها
إبتعد عنها بعد فترة وهو يقول بهمس طفيف
-سأتصل بالطبيب لمعاينه إيميلي, و أنتِ بهذا الوقت إذهبي لتتعرفي على الفتيات, أؤكِد لكِ أنكِ ستحبينهن
ضحك سمارا ضحكاتها الرنانه و الرزينه حيث أعقبت بعدها قائلة بمرح
-ما دمت أنتْ قد أحببت أبنة عمهن, فأنا سأعشق العائلة كلها بلا ريب
غمزت له بخفه حيث قهقه ملئ ثغره ثم بعدها خرجت سمارا من الغرفه و نزلت للفتيات
عاد أيفان يجلس بجانب طفلته ليبتسم بغموض و شحوب هامساً
-ماذا ستقولين يا ترى حينما تعرفين أنني عشقت حفيدة عدوي الأزلي, و التي لا تمتُ للفتيات بصلة قرابة من الأساس !, بل ماذا سيحدث إن عرفتِ أنني سأقصد وكرهم لكي أعيدها و أنها باتت بيد المافيا الروسية!, آه يا أمي سامحيني على كذبي رجاءً
بعثر شعره بضيق فهو لا يعرف لما دائماً عليه أن يخفي الكثير عن والدته , لما لا يرغب بأن يطلعها عما يختلج صدره, لما عساه يستخدم معها التلاعب بالحقائق و يتعمد ألا يطلِعها بكل شيء
دلك جبينه بإغتضاب ليقوم بعدها بإخراج هاتفه يتصل على طبيب العائله حيث أخبره أن يأتي للقصر من فوره
و بعد أن أنهى المكالمه سمح لنفسه بالتمدد بجانب إيمي و أخذ يتأمل السقف بشرود وهو يلعب بمقدمة شعره الكثيف
خُيل إليه لوهلة أنه لمح وجه كلوديا يبتسم إليه بخجلها المعهود و حركت شفتيها بكلمات مبهمه, جعلت أيفان يبتسم بفراغ كبير و روح ضائعه لا تعرف أين السبيل دون ملكة قلبه النابض
قال بلسان ثقيل يحدث نفسه دون وعي
-فقط إنتظري يا قمر مسائي, سأحرركِ من محبسك, حتى و أن كنتِ تحت الأرض السابعة
مال برأسه جهة إيميلي ليقوم بدفن رأسه بعنقها يشتم رائحتها الجميلة بأعين مغمضة تهيم بعذوبه ملمس عنق طفلته
سمح لنفسه بأن يستمتع بهذه اللحظات معها و التي لا يمكن أن تشترى بأموال العالم كله.

"روايـة الصِـراع"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن