*حتي أقتل بسمة تمردك*ج2
الحلقة (2):
إنتظرت لثوان ، ثم قالت بإصرار:
-انا عايزة اتطلق.
لم تبدو الدهشة علي وجه"عز الدين"،بل أنه أومأ رأسه ، ثم سألها:
-عايزة تطلقي ليه يا عبير ؟؟
نظرت إليه نظرة تائهة ، و كأنها فقدت كل إحتكاك بالواقع ، بينما حدق بها و رأي أنها علي وشك الإنهيار ، فعاد يسألها بهدوء و لطف:
-ماردتيش عليا يعني يا عبير ! عايزة تطلقي ليه ؟؟
إذردت ريقها بصعوبة ، ثم أجابته:
-مش مرتاحة .. و خالد كمان مش مرتاح.
-طب ايه السبب ؟؟
سألها مستفسرا ، فقضمت شفتها ثم أجابته بمرارة:
-شكله مش قادر ينسي اللي حصل.
ثم تابعت بصوت مرتجف:
-ده غير ان جوازنا مالوش لازمة اصلا.
-مالوش لازمة ؟ ازاي يعني ؟؟
سألها مقطبا ، فأجابته بتوتر و هي تشعر بالبرودة تحتلها:
-يعني من يوم ما اتجوزنا .. هو في اوضة و انا في اوضة.
تدارك"عز الدين"الأمر ، فأومأ رأسه مرارا ، ثم صمت قليلا و تنهد قائلا في هدوء:
-طيب .. خلينا نناقش الموضوع ده بعدين و دلوقتي انزلي يلا معايا عشان نفطر كلنا سوا.
لوهلة أرادت أن تمتنع ، و لكن شوقها لمجالسة أخويها غلب علي شعورها بالرفض ، فإبتسمت إبتسامة لم تصل إلي عينيها ، ثم أومأت رأسها و تبعت شقيقها إلي الأسفل ، و عندما كانا يهبطان الدرج ، وجدا"داليا"و كانت تقف تعاتب"عمر"و"ياسمين"علي الفوضي التي أحدثاها بالبهو ، بينما"عدنان"مستند برأسه علي كتف أمه هادئا يتابع ما يجري حوله في صمت .. :
-في ايه تاني ؟؟
قال"عز الدين"متسائلا ، حينما وصل إليهم ، فإلتفتت"داليا"إليه ، ثم أجابته عابسة و هي تشير نحو البهو:
-ادخل شوف كده ايه اللي حصل جوا !!
أومأ"عز الدين"راسه قائلا:
-شفت.
-و الله يا داليا انا حذرت اختك و قولتلها بلاش .. بس هي اصرت.
قال"عمر"ذلك محاولا تعزيز موقفه ، ثم تابع منهيا للحديث:
-و بعدين خلاص بقي دي حاجة بسيطة يعني خلاص .. هاتي عدنان هاتيه.
إبتعدت"داليا"خطوة إلي الوراء و هي تتمسك بإبنها قائلة:
-لأ .. عايز تمسكه و انت بالشكل ده ؟! اطلع استحمي الاول.
نظر"عمر"إلي يديه الملطختان بالسخام ، ثم قال:
-اه صح عندك حق.
ثم تركهم منسحبا إلي غرفته ، بينما حولت"داليا"نظرها إلي شقيقتها قائلة:
-و انتي كمان اطلعي يلا نضفي نفسك.
أومأت"ياسمين"رأسها في إستحياء ، ثم لحقت بـ"عمر"إلي الطابق العلوي حيث توجد الغرف ..
فيما إنتبهت"داليا"إلي وجود"عبير"فتطلعت إليها باسمة ، و قالت:
-عبير .. ازيك يا حبيبتي عاملة ايه ؟؟
-الحمدلله يا داليا كويسة.
أجابتها"عبير"باسمة ، ثم تابعت:
-انتي عاملة ايه ؟ و عدنان حبيبي القمر اخباره ايه ؟؟
-طول ما هو كويس اكيد انا هكون كويسة.
قالت"داليا"باسمة ، بينما إنحنت"عبير"نحو"عدنان"ذا العينين الخضراوين الصافيتين ، و داعبت بأناملها خديه البارزين الحمراوين قائلة:
-ربنا يخليهولك.
فيما مد"عدنان"ذراعيه إلي"عبير"منتظر أن تحمله ، فضحكت"عبير"و لم تخيب ظنه ، إذ تناولته بين ذراعيها بعفوية ، ثم حدثته باسمة:
-يا حبيبي .. انت بقيت جميل كده ليه ؟ ما شاء الله .. ازيك ؟؟
و ما كادت تكمل مداعابة للطفل ، حتي دخل"خالد"في تلك اللحظة .. ظهر فجأة أمامها ، فلم تجد الوقت لتفر أو تختبيء .. :
-طب لما قررتي تيجي هنا .. ليه ماقولتليش قبل ما تمشي و تسيبي البيت ؟؟
كان صوته يتسم بالقلق ، كما كانت ملامحه أيضا ، فرأت"عبير"نفسها تتجه و تحتمي بـ"عز الدين"تلقائيا ، بينما ساد الصمت للحظات ، فقطعه شقيقها و هو يوجه إليها سؤاله مقطبا:
-انتي جيتي منغير ما تقوليله ؟؟
تطلعت إليه"عبير"متوجسة ، ثم أومأت رأسها إيجابا ببطء ، فسألها حانقا:
-ازاي تعملي كده ؟؟
لم تجد ما تقوله ، فلاذت بالصمت ، بينما حول"عز الدين"نظره إلي"خالد"متسائلا:
-طيب ماتصلتش بيا او بيها ليه ؟؟
أجابه"خالد"عابسا:
-هي ماكنتش بترد عليا و مارضتش اكلمك الا لما الاقيها الاول .. ماحبتش اقلقك قلت يمكن ماتكونش جت هنا.
ثم نظر إليها متابعا:
-و بعدين لاقيت دولابها فاضي .. فقلقت اكتر.
ثم وجه سؤاله لها شخصيا بعتاب منفعل:
-ليه عملتي كده يا عبير ؟؟
أجابته بالصمت ، بينما همهم"عز الدين"ثم وجه نظره إلي"داليا"و أمرها بموافاته إلي الغرفة ، تاركا"خالد"مع"عبير"علي حدة ، وفجأة شعرت"عبير"أنها سقطت بمازق ، و لتعزز موقفها ، تصرفت بطبيعية حيث دعت"خالد"إلي حجرة الجلوس .. :
-ممكن اعرف ليه مشيتي و سيبتي البيت بالطريقة دي ؟؟
قال"خالد"ذلك متسائلا بعد أن جلس بمقعد قبالتها ، بينما إدردت ريقها بتوتر و هي تشعر بتسارع نبضات قلبها ، ثم أخيرا أجابته:
-انا .. انا عايزة اتطلق يا خالد.
ران صمت ثقيل عليهما ، كما بدا عليه الشحوب فجأة ، فقال بتمتمة غير مصدق:
-عايزاني اطلقك يا عبير ؟؟
عضت"عبير"علي شفتها بقوة ، ثم أومأت رأسها قائلة:
-ايوه .. عايزاك تطلقني يا خالد.
لا زالت الصدمة مؤثرة علي حواسه ، فصمت قليلا ، ثم عاد يسألها:
-ليه ؟؟
أجابته بإبتسامة ساخرة:
-ايه اللي هيفرق معاك يا خالد ؟ احنا مش متجوزين اصلا.
أدرك"خالد"مقصدها ، فضغط علي شفتيه ، ثم سألها مستفسرا:
-يعني لو طلقتك الموضوع هيفرق معاكي انتي ؟ هتعملي ايه بعد ما اطلقك ؟؟
هزت كتفيها و أجابته ببساطة:
-هكمل دراستي.
رمقها مستنكرا ، فأكدت بقولها:
-انت عارف طبعا اني ماقدرتش ادخل الامتحانات السنة اللي فاتت بسبب الظروف اللي حصلت .. لكن انهاردة الصبح قبل ما اجي علي هنا روحت الجامعة و قدمت طلب اعادة و من الاسبوع الجاي هبدأ اكمل دراستي و انزل الجامعة من تاني.
بدا مشدوها لدي إنتهائها من الحديث ، فعاد يسألها:
-عز الدين عنده خبر بقراراتك دي ؟؟
أومأت رأسها ، و أحابته:
-اه .. عنده خبر بموضوع الطلاق .. اما موضوع الدراسة لأ .. لسا ماقلتلوش.
-و كان رأيه ايه في موضوع الطلاق ؟؟
-لسا ما كملناش كلام فيه .. بس هو ماعرضش.
-و كمان ماوافقش.
-قصدك ايه ؟؟
منحها إبتسامة باردة ، ثم فجأة هب واقفا وقال:
-اسمعي يا عبير .. انا عايزك تشيلي فكرة الطلاق دي من دماغك خالص .. انا ماتجوزتكيش عشان اطلقك بعد كده .. و سواء لو عز الدين وافق أو رفض موضوع الطلاق انا مش هطلقك .. اما عن موضوع دراستك ده شيء انا ماقدرش اعترض عليه و عموما انا هسيبك هنا فترة لحد ما تهدي اعصابك خالص و بعد كده اكيد هترجعي معايا البيت.
-لأ يا خالد.
هتفت معترضة ، ثم تابعت بحزم:
-مافيش حاجة بينا نرجع نكملها تاني .. مافيش حاجة خالص .. انا مش هرجع معاك البيت انا هفضل هنا .. ده بيتي و هنا حياتي اللي هرجع اكملها تاني.
ضم قبضتيه بعصبية ، ثم قال قبل أن يدير ظهره لها و يرحل:
-انا هعتبر نفسي ماسمعتش حاجة .. و هرجعلك تاني عشان نتكلم .. تكون اعصابك هديت شوية .. سلام.
ثم غادر مسرعا ، فتنهدت"عبير"متألمة و هي تفكر بمستقبلها المجهول ...
***************************************************************
مر إسبوع و الأوضاع نوعا ما مستقيمة و متماسكة بمنزل الـ"نصار" .. فمجيء"عبير"المفاجيء ، و مكوثها الغير متوقع بالقصر أحدث إضطرابا نسبيا بين أفراد الأسرة ، غير أن"خالد"فضل أن يُطبق ما قاله و أن يترك"عبير"لفترة كي تستطيع أن تفكر بعمق و تنظر بدقة في علاقتهم ، و لهذا لم يُفاتح"عز الدين"بأمر الطلاق الذي إقترحته"عبير"و أصرت عليه ، كما أن"عز الدين"أحب ألا يتدخل بينهما ، رأي أنهما يستطيعان أن يتناقشا و أن يتوصلا إلي حل دون تدخله ، و ربما مباشرة الدراسة ساعدتها قليلا في التخلص من غيمة الكآبة التي غلفت حياتها مؤخرا ...
كان الطقس مشمس ذلك النهار ، حيث أدفأ الأمواج الشتوية الباردة التي كست الأجواء بدرجة مناسبة ، فيما كانت"عبير"تجلس قبالة صديقتها"ريم"إلي طاولة خشبية بحديقة القصر:
-بصي يا ستي .. دي المحاضرات اللي فاتتك من اول السنة .. و دي مراجع .. رغم اني خلصت و اتخرجت بس نزلت جمعتلك كل حاجة من الطلبة و الدكاترة.
قالت"ريم"ذلك بعد أن ناولت"عبير"بعض المجلدات و الأوراق ، بينما إبتسمت"عبير"بخفة و شكرتها قائلة:
-شكرا يا ريم .. بجد مش عارفة اقولك ايه ؟ شكرا.
-شكرا علي ايه يا بيرو ؟ ده انتي اختي.
منحتها"عبير"إبتسامة مفعمة بالإمتنان ، ثم قالت:
-ربنا يخليكي ليا.
-و يخليكي لينا كلنا يا بيرو.
قالت باسمة ، ثم تابعت متسائلة:
-بس انتي مش ناوية ترجعي بيتك بقي ؟ معقول هتفضلي قاعدة هنا كتير كده ؟؟
أجابتها"عبير"في إستنكار متجهمة:
-انا مش ناوية اقعد هنا كتير .. انا ناوية اقعد هنا علطول.
-ليه كده بس يا عبير ؟؟
سألتها"ريم"معاتبة ، فتنفست"عبير"بعمق ، ثم قالت:
-البيت ده مش بيتي يا ريم .. ده بيت خالد .. انا كنت مجرد ضيفة فيه و جه الوقت بقي اني امشي و اسيبله مجال ياخد راحته فيه و يتصرف زي ما هو عايز.
-ايه اللي بتقوليه ده !!
هتفت مستنكرة ، ثم تابعت:
-انا اعرفك من سنين طويلة يا عبير .. و عارفة كويس خالد بيحبك اد ايه .. و بعدين ماتنسيش ان هو الوحيد اللي وقف جنبك في ازمتك و متخلاش عنك و كان هيضيع نفسه عشانك.
-عارفة يا ريم .. عارفة انه بيحبني .. بس هو مش قادر ينسي اللي حصل .. مافيش حاجة بينا .. حياتنا كانت ماشية علي روتين يومي واحد مافيش جديد .. لا هو مرتاح و لا انا مرتاحة .. يبقي ننهي اللي بينا و كل واحد يدور علي راحته بنفسه انما كده ماينفعش .. الحياة دي مستحيلة و انا عندي طاقة تحمل زي كل البشر و خلاص مابقتش قادرة استحمل و اجي علي نفسي اكتر من كده و اقول انا غلطانة و استحق اكتر من كده .. انا تعبت .. بجد تعبت اوي.
رمقتها"ريم"بشفقة ، و أدركت مدي عمق جرحها ، فلانت ملامحها ، و قالت بلطف:
-انا عارفة انتي عانيتي اد ايه يا حبيبتي .. و عارفة ان من حقك ترتاحي بقي و تكملي حياتك .. بس بردو كنت بقول لو تديله فرصة تانية يا عبير يمكن آا ...
-مافيش فايدة يا ريم.
قاطعتها"عبير"بحزم ، ثم تابعت بمرارة:
-بقالي سنة و اكتر عماله اديله فرص و مافيش فايدة.
ثم أضافت بإصرار:
-هنتطلق .. مافيش حل تاني .. و انا علاقتي بإخواتي رجعت كويسة تاني زي الاول الحمدلله .. هرجع بقي اعيش في وسطهم و اكمل حياتي و انا معاهم .. و خالد انسان كويس جدا علي فكرة و يستاهل واحدة احسن مني تقكر تفرحه و تخليه مبسوط .. انا ماكنتش انفعله من الاول اصلا .. و مابقتش انفعله و لا بقيت انفع لحد خالص.
-ايه يا عبير التشاؤم ده ؟!!
-هي دي الحقيقة.
قالت ذلك و هي تحدق براحتيها ، و سرعان ما تلألأت الدموع بعينيها ، فسارعت"ريم"إلي القول:
-خلاص الله يخليكي .. بلاش تفتكري اللي فات .. خلاص يا عبير اعملي اللي يريحك .. اهم حاجة تبقي مرتاحة.
أومأت"عبير"رأسها مرارا ، ثم إبتسمت و الدموع تبرق بعينيها ...