{44}

1.3K 139 16
                                    

[ منزل سيون و السيّدة أوليفيا ]

تصرخ بإنزِعاجٍ  مناديةً لعمتها وهي بشكلٍ فوضوي فبِجامتها غير مرتبة و كثيرة التجعدات لكثرة حركتها أثناء النوم و شعرها الأسود بقصر طوله قد أصبح أشعثٌ بالكامل أثر استيقاظها لتو من النوم " عمتي!! " تكرر صراخها مرارًا و تكرارًا متأملة بأن تسمعها السيّدة أوليفيا و لكن ما من مجيب فدخلت سيون غرفة عمتها بحثًا عنها لتستنكر عدم وجودها قائلة بتذمر " يا إلهي أين اختفت هل ابتلعتها الأرض أم ماذا " و عندما قصدت الخروج من الغرفة شد انتباهها صورةً ملقاة على الأرض بجانب السرير فلاحظت بأنها صورة لطفلين بعمر الرابعة و اقتربت بفضول حتى تعلم ما أمر هذه الصورة و من هما هاذان الطفلان لتلتقط تلك الصورة باستغراب و فوجئت حينما ركزت بملامح الطفلة و قالت بصدمة " هذه أنا ! " وجهت بصرها ناحية ذلك الطفل بغير تصديق و هي تنظر لملامحه المشابهة لها حيث أنه يمتلك بياض البشرة و سواد الشعر مثلها إلا أنه مختلفٌ بلون حدقتيه فهو أزرق العينين بينما هي ذات حدقتين سوداء معتمة ، جلست القرنفصاء بعدم استيعاب أثناء تحديقها المستمر للصورة وعقلها مليئ بالتساؤلات فهمست وهي تشعر بالاختناق " هل من الممكن بأن يكون أخي " بدأت بذرف الدموع بحالة صدمة جراء اكتشافها للموضوع لتبدأ بعضٌ من ذكريات ماضيها المظلم بالانكشاف لها ثم رَمَت الصورة فجأةً بانفعال محتضنةً ذاتها وهي على الأرض تبكي بأنهيار فدخلت السيّدة أوليفيا بصدمة حينما سمعت بكائها قائلة بخوف " سيون مابكِ يا عزيزتي ما الأمر ! " لتلمح الصورة ملقاة أمام سيون فعرفت السبب و اقتربت لطفلتها بملامحٍ هلعة على حالتها و هي تحاول احتضانها لتستقيم سيون بشكلٍ مفاجئ مبتعدةً عنها وهي تصرخ بأعصابٍ تكاد أن تتفجر من العصبية و الانفعال قائلةً بكلام متقطع أثر شهقاتها المتتالية " مم..ما هذا الهـ..هراء ببـ بحق الإله لـ..لما لم تخبريني ببـ..بهذا من قبل " بالكاد تأخذ نَفَسًا أثر صدمتها و بسبب تفاجئ عقلها بكل هذه الحقائق و الذكريات التي كان مغلقٌ عليها بإحكامٍ في إحدى زوايا العقل المظلمة ثم أكملت و هي تحاول جمع شتاتها و استيعاب الوضع " بل الأهم من ذلك لما لم أكن اتذكر أيٌ من هذا " فقالت السيّدة أوليفيا و الدموع بعينيها " سيون يا حبيبتي أرجوكِ اهدئي و سأخبرك بكل شيء فقط لا تتلفي أعصابك و ترهقين ذاتك " بدأت سيون بالتنفس بسرعة حيث أن نَفَسها قد أصبح قصيرًا جدًا ثم قالت بيأس و حدقتيها العاتمتين قد غرقت بدموعها " فقط أخبريني أهو حي أم ميت " و لكنها قد سقطت على الأرض مغمًا عليها قبل أن تنطق السيّدة أوليفيا و تجيبها بأي شيء .

[ المشفى عند فرانس و أدريان ]

بعدما إنتهى فرانس من محادثة كِلا من الممرضة و الدكتور آيدن ذهب لغرفة أدريان و دخل عليه بعدما طرق الباب ليهمس أدريان بغيظ " لما تطرق الباب حتى " فقال فرانس بمرح رافعًا إحدى حاجبية " ماذا قلت ؟ " ابتسم بزيف و قال " لا شيء لا تهتم " ليجلس فرانس على الكرسي و هو يضحك على عدم نضج هذا الطفل بنظره ثم خاطبه باهتمام " كيف تشعر الآن " أدار أدريان عينيه بضجر قائلًا " بربك ألم تسأم من هذا السؤال لقد سألتني إياه للمرة المئة " فتنهد فرانس بحزن حينما تذكر لقطاتٍ من تلك الحادثة عاضًا شفتيه بندمٍ ظاهر و هو يحاول منع دموعه من النزول ليقول بصوتٍ شبه مختنق " جيد أَنَّكَ بخير " استقام بوقفته بشكلٍ سريع و صد عنه بظهره قاصدًا الخروج تحت أنظار أدريان المستغربة لحالته فخرج و أغلق الباب خلفه ليبتعد عن الغرفة عدة خطوات و هو يتكئ على الحائط حتى إنهار باكيًا بينما يغطي عينيه بإحدى يديه و الأخرى تساعدة  بالاتّكاء على الجدار فهو بالكاد يقف حيث أن جسده بالكامل يرتجف لشدة نحيبه بينما أدريان لم يرتح لوضع فرانس و أحس بأن هنالك أمر ما به و أنه ليس على طبيعته فهمس لذاته " حالته لا تعجبني و أكره هذا الشعور المزعج لذا سأذهب لأرى ما به " نهض من السرير مسرعًا و فتح الباب ليخرج و لكنه ذعر حينما وجد فرانس بهذه الحالة فـذهب إليه بخُطًا سريعة و الخوف قد اعتراه بالكامل ليمسك بعضده حتى يلفه ناحيته قائلًا بصدمة بعدما رأى وجه فرانس المُبْتَلّ بالدمع " ما بك ؟ " جفل فرانس لمجيئه و مسح وجهه بكلتا يديه و قال بعدما ابتلع ريقه بصعوبة " لا تقلق إنه لا شيء " و من ثم أمسك بكتف أدريان و أكمل حديثه بـ " هيا عد لغرفتك يجب أن تستريح فما زلت متعبًا " أنزل أدريان يد فرانس من كتفه بغضبٍ عارم ليقول بإنزعاج " و ماذا عنك ؟ أنت لست بخير البته " فابتسم فرانس بتعب قائلًا " لا تقلق سأكون بخير " مشى بعكس اتِّجاه أدريان راحلًا لمكتبه بالطابق السابع و لكن لم يهدأ بال أدريان و لم يستطع بأن يتركه يذهب هكذا فحسب ليمسك بيده و يسحبه نحو غرفته حتى أدخله معه فأغلق الباب و وقف عند الباب مكتفًا يديه ثم قال أثناء تحديقه بذلك المقعد " إذهب و اجلس " ذهب فرانس و جلس مطيعًا إياه لأنه يعلم بأن ليس هنالك أملٌ بالتغلب على عناد أدريان بينما أدريان قد أحس بالرضى بعدما أجبره على عدم الرحيل و جلس أمامه قائلًا بحزم " لن تخرج من هذه الغرفة حتى تخبرني بما يضايقك " نظر فرانس بطرف عينه نحو ذلك الطفولي الغاضب ليدفعه بخفة و هو يقول " أغرب عن وجهي لست بمزاجٍ جيد " فاستقام أدريان بكل اندفاع وقال " و لهذا السبب أنا هنا استجوبك ! " حملق فرانس به بصدمة تجاة رده الغير متوقع و البراءة تلمع بعينيه الزرقاوين ليكمل أدريان حديثه بانزعاج " أنا هنا لأنك لست بمزاجٍ جيد و يجب معالجة هذا الأمر فورًا " فـوجّه فرانس بصره للجهة الأخرى مستغربًا من مدى لطافته المفاجئة ليقول أدريان مبررًا حديثه "  لأنه لا يجب عليك الانزعاج إلا بسببي غير ذلك أنا أرفض " فنظر فرانس نحوه بغيظ قائلًا بغير تصديق " وااه ألا يمكنك أن تكمل جميلك و تصبح مهذبًا لمرة ؟ " ليبتسم أدريان بمكر و هو يقول بغرور " و لا أسمح لك بأن تنزعج من شيء آخر غيري و لن أسمح لأي شخصٍ بأن يزعجك عداي " سحب أدريان كرسيًا و وضعه أمام فرانس ليقلبه و يجلس عليه بشكلٍ معكوس ثم قال بنبرةٍ هادئة  " إذًا ما الأمر ؟ " فتنهد فرانس بضيق و قبل أن يبدأ بالحديث وضع أدريان كفه على فم فرانس و هو ينظر بحدقتيه العشبية المشعة لخاصة فرانس السماوية قائلًا " لا مزيد من الأعذار أو الإنكار فقط أخبر صديقك ما الذي يضايقك ليساعدك " حينما قال آخر جملة تأثر فرانس بشدة و قد لامست قلبه فـغلفت عينيه بطبقةٍ لامعة من الدموع متأثرًا و هو عابس الوجه و الآخر يحملق بعينيه بكل ثبات مركزًا بتلك الحدقتين المشتعلة بزرقتها كأنها قد احتوت عواصف البحر و السماء أجمع بثورانها فقال فرانس بتوتر و هو يهز رجليه و يمزق شفتيه بأسنانه " في الواقع حينما سقطت مختنقًا ذكرني هذا الموقف بشيء ما قد أزعجني و أربكني " تنفس بعمق بعدما برر أسبابه و سكت فاستنكر أدريان السبب ليقول مستدرجًا إياه " إذًا الموضوع هو أن سبب انزعاجك كان تعبي المفاجئ ؟ " فـرد عليه فرانس بـنَفي " ليس كذلك ! الموضوع هو " سكت زامًا شفتيه و هو ينظر للأسفل محاولًا منع ظهور دموعه بينما خصلاته الذهبية قد غطت عينيه فقال أدريان و هو يدنو مقتربًا من فرانس " الموضوع هو ؟ " ثم قام أدريان بأبعاد شعره الأشقر عن وجهه رافعًا إياه و هو يقول " لا بأس بالبكاء ما دام السبب يستحق ذلك " إنهمرت دموعه تلقائيًا سامحًا لها بالاندفاع خارج مقلتيه المليئة بكل ذلك الألم قائلًا بشهقاتٍ خفيفة " لقد فقدت والديَّ في سن السابعة حينما احترق منزلنا و قد ماتوا مختنقين لشدة الدخان " بدأ صدره بالعلو و الهبوط لشدة بكائه فنهض أدريان مسرعًا من كرسيه ليحتوي صديقه المتألم بحضنه بينما الآخر قد انفجر باكيًا بعدما قال بصوتٍ متحسر " لقد ماتوا أمامي و أنا بقيت متفرجًا للحظات احتضارهم " .

يولاند (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن