* الفصل الحادي عشر *

260 39 0
                                    

فجأة قطع الصمت السائد عليهما صوت "حسام" قائلاً:
-يبقى ما فيش قدمنا دلوقتي غير اننا ناخد  العينات ونحللها
-ما انا كنت مكلمك عشان كدة
قالها وهو يلتقط سيجارة من علبة سجائره ويشعلها ويمد يده بالعلبة لحسام ليلتقط هو الأخر واحدة ويشعلها ناطقًا بحماسة:
-يبقى خلاص لازم نبدأ من دلوقتي
نفث غيث عدة أنفاس من سيجارته بضيق، ثم أجاب بتفكير:
-عشان ناخد عينات من كل اللي شغالين في الشركة ومن أهله محتاجين وقت، ومش هنستفيد حاجة لما ناخد عينات منهم كلهم من غير فايدة
قاطعه حسام بدون فهم:
-يعني ايه؟!
-يعني هنمشي واحدة واحدة يمكن نلاقي العينة المطابقة من اول او من تاني مرة
-ماشي حلو.. بس هنبدأ بمين؟
-بعنان طبعًا
نظر له بريب قائلاً:
-شاكك فيها؟
-لا.. مش بشك بس مش بستبعد.. وشايف نبدأ بيها، لأن ممكن برضه تكون كانت خناقة عادية بينهم بحكم أنهم مخطوبين ومالهاش علاقة بقتله يعني
شرد حسام ولم يجيب، فأضاف:
-بس قبل ما ناخد منها عينة او اي حاجة هسألها على موضوع الخناقة ده الاول واشوف رد فعلها هيكون ايه؟
اومأ له صامتًا بفهم، فالتقط غيث هاتفه المحمول وطلب رقم ما، ثم وضع الهاتف على اذنه وبعد لحظات تحدث:
-ازيك يا انسة عنان 
التفت حسام له في تلك اللحظة باهتمام، وغيث يواصل:
-طب انا عاوز اخد منك كلمتين.. تمام.. خلاص في انتظارك.. مع السلامة
انهى المكالمة واغلق هاتفه وهو يحدق بحسام الذي يرمقه باهتمام، ثم تحدث بتعجب:
-في حاجة يا حسام؟
-هه لا لا.. ما فيش
قالها بتوتر، فرمقه غيث بتعجب وصمت.. تحدث حسام بعدم تركيز في تلك اللحظة:
-كنت سرحان.. مش عارف.. المهم قالت لك ايه؟
خرج غيث عن صمته ناطقًا:
-جاية طبعًا.. ما تقدرش تقول لا
صمت الاثنان، ثم تحدث غيث بعد لحظات بأهمية قائلاً:
-هتاخدها يا حسام على طول للمستشفى تاخد منها العينة بعد ما اتكلم معاها
هتف حسام باندفاع:
-انا؟
-أيوة انت.. ايه المشكلة يعني!
قالها بتعجب فأجاب حسام بتوتر:
-هه.. لا ما فيش مشكلة.. انا بسأل عادي
-طيب
-هاخدها طبعًا يا فندم.. حضرتك تؤمر
نظر له غيث بريبة وصمت ممسكًا بملف القضية ليتفحصه.
                           * * * *
-رايحة فين؟
قالتها كندا عندما نهضت عنان من مقعدها، وأخذت حقيبتها وهاتفها المحمول لتغادر المكتب.
أجابت عنان بعجل وهي تتجه لباب المكتب:
-العميد اللي ماسك قضية عاصم كلمني وقال لي عاوزني.. ما المكالمة كانت قدامك يا كندا
ردت كندا بفضول:
-عايز منك ايه يعني؟
-قال لي عايز اعرف منك حاجات.. يمكن وصلوا لحاجة.. سيبيني اروح له بقى مش عاوزة اتأخر
خرجت من المكتب فور انتهاءها من هذه الجملة.
ركضت كندا خلفها هاتفة:
-ابقي طمنيني طيب
اومأت بالموافقة وهي تنزل الدرج مسرعة متجهة إلى خارج المشفى.
دلفت أول تاكسي فور خروجها من المشفى قاصدة قسم الشرطة.
                            * * * *
تتفقد حقيبتها بعبوس وتوتر، ثم تركتها بعد وقت بيأس ووضعت كفيها فوق وجهها لتخفي دموعها، فتحدث هو بعدم فهم:
-طب فهميني في ايه؟، وكنتي بتدوري على ايه؟
لم تجيب وازدادت في البكاء.. امسك كفيها بيديه وأبعدهمها عن وجهها عنوة عنها، وتحدث بصدمة بعدما رأى دموعها:
-ايه ده!! انتِ بتعيطي كمان؟ ليييه!.. فهميني
نظرت له بحرج ولم تجيب.. ابتسم وقتها بحنان وهو يضم رأسها إلى صدره ويتحدث بلين:
-قوليلي مالك.. في حاجة ضاعت منك طيب؟
في تلك اللحظة تحدثت بضعف:
-محفظتي ضاعت
-يا روحي.. بنوتي رقيقة اوي ما ينفعش كدة.. عشان محفظتك ضاعت تعيطي كدة؟
لم تجيب، فتساءل هو:
-طب محفظتك كان فيها فلوس صح؟
-آه
قالتها بصوت خفيض فواصل مستفسرًا:
-كام يعني.. كان فيها كام؟
لم تجيب، فسألها مرة أخرى حتى تحدثت بحرج:
-خمسين جنيه
-يا جزمة.. ومموتة نفسك عشان خمسين جنيه.. اموتك انا يعني دلوقتي
فلتها من أحضانه، ونظر لها بحب قائلاً:
-انا جنبك ما تخافيش
قالها وهو يقترب من وجهها ويطبع قبله على جبينها بحُب، ثم واصل:
-تعالي معايا
قبض على كفها بحنان وهو يسير بجوارها، ولم يجيبها كلما تساءلت عن المكان الذي يقصده، حتى وصلا عند أحد محلات الإكسسوار.. اصطحابها للداخل ليأتي لها بمحفظة جديدة ولم يلتفت لرفضها، وقبل ان يذهب ليدفع حسابها تركها واقفه بعيدًا عنه قليلاً لتنتظره، ثم انتهى وخرجا الاثنان، واعطاها اياها وهو يتحدث بحُب:
-انت لو ضاعت منك الدنيا كلها هجيبها لِك.. ممكن بس ما اشوفش دموعك أبدا تاني؟
نظرت للأرض باستيحاء وهو يكمل:
-انتِ روحي وعمري ودموعك تقتلني.. فاهمه؟
اومأت ثم نظرت له مبتسمة وتحدثت بسعادة:
-ربنا يخليك ليا
انتهى اليوم بعدما اصطحابها للتنزه، ثم ذهب معها قرب منزلها حتى يطمئن عليها، وبعدما تيقن من وصولها عاد على الفور إلى منزله.

جلست تتناول العشاء بعدما بدلت ملابسها وهي تستمع لأحد اغاني المطربة "اليسا" الحديثة التي صدرت في تلك الآونة.
انتهت من الطعام واعادت اطباق العشاء إلى المطبخ، ثم ذهبت إلى غرفتها بترنح وهي تردد مع الأغنية بسعادة وغرام:
-"قربني حبيبي كمان.. انا شوقي إليك ولهان.. املالي الدنيا حنان نسيني معاك كل الاحزان.. عشقاك وانا مهما اقول.. انا روحي معاك على طول.. ده انا قلبي كتير مشغول يا حبيب العمر بقاله زمان".
جلست على فراشها، ثم التقطت حقيبتها من فوق الفراش.. اخرجت منها المحفظة وتفقدتها بسعادة واعجاب، وفجأة جمدت ملامحها وهي تنظر داخلها بتعجُب.. أخرجت ما تحويه المحفظة وهي تتفحصه وتتحدث بتعجُب:
-ايه الفلوس دي!
صمتت لحظات، ثم نهضت تبحث عن هاتفها المحمول حتى عثرت عليه، وعلى الفور طلبت رقما ما وانتظرته يجيب حتى أتاها صوته:
-ايه يا روحي
أجابت بانفعال:
-ايه اللي انت عملته ده؟
-عملت ايه؟
قالها باصطناع عدم الفهم، فردت بنفس نبرة الانفعال قائلة:
-ايه الفلوس دي!
-فلوس ايه؟
-الفلوس اللي في المحفظة.. ال ٢٠٠ جنية
انفلتت منه ضحكة وهو يجيب:
-ايه ده ٢٠٠ جنية!.. جم منين دول؟
-ما تعملش نفسك مش فاهم.. انا لاقيتهم في المحفظة
-هو الراجل اللي حاسبني حط الفلوس في المحفظة بدال الدرج ولا ايه!
قالها بضحك فانفعلت اكثر هاتفة:
-انت حتيطهُم لي عشان فلوسي ضاعت صح.. انا مش بحبك ومرتبطة بيك عشان تصرف عليا وتخلص فلوسك عليا.. انا كنت هطلب من بابا فلوس وكان هيبعت لي
-والله يا هبله؟
قالها بتهكم، ثم واصل:
-وهو ايه الفرق بيني وبينه؟.. هو مش المفروض ان انا برضه بابا؟
هدأت في تلك اللحظة نتيجة كلماته، ثم أجابت بهدوء:
-آه
-اومال ايه بقى؟ وبعدين بابا في السعودية يعني عشان يبعت لك فلوس عايز يومين على الاقل.. هتقعدي يومين من غير فلوس؟
لم تجيب، وهو يكمل:
-انا بحبك وانتِ بنتي.. احنا بقالنا اكتر من سنه مع بعض، ومن يوم ما حبيتك وانا بعتبرك مسؤوليتي.. فاهمة؟
لم تجيب، ولكنها ابتسمت بسعادة، ثم أضاف هو ثانية:
-انا مسؤول عنك
بترت صمتها وهتفت بهدوء مليء بالسعادة:
-بحبك
                           * * * *
نظر حسام للباب بشغف عندما سمع طرقاته، ثم سمح غيث للطارق بالدخول.. دلف العسكري إلى المكتب هاتفًا:
-في واحدة برة عاوزة تقابل سيادتك وبتقول ان في ميعاد
اجاب غيث بتأكيد:
-اسمها عنان؟
-ايوة يا فندم
-خليها تدخل
-تمام يا فندم
القى التحية وخرج على الفور، ثم سمح "لعنان" بالدخول.. دلفت إلى المكتب وتحدثت وهي تغلق الباب قائلة:
-خير يا فندم؟
-اتفضلي اقعدي يا انسة عنان.. أن شاء الله خير
قالها غيث وهو يشير لعنان بالجلوس على المقعد المقابل لحسام.. جلست ثم نظرت لحسام وتحدثت بتوتر:
-ازي حضرتك يا دكتور حسام
-الحمد لله يا انسه عنان.. حضرتك عاملة ايه دلوقتي؟
قالها بربكة فأجابت على عجل، ثم نظرت لغيث الذي نطق على الفور:
-بخير
-خلينا في المهم
- اتفضل يا فندم
قالتها عنان بينما حسام مسيطر عليه الصمت وهو يتابع حديثهما:
-انا عاوز اسألك على حاجة كدة
-خير يا فندم؟
-عاصم الله يرحمه اتخانق مع حد قبل ما يتقتل بيومين تقريبًا.. ما تعرفيش اتخانق مع مين؟
بدى على وجهها عدم الفهم، ثم أجابت:
-لا ما اعرفش.. بس حضرتك عرفت منين؟
-في علامات بتدل على كدة في رقبته
صامتة هي، ثم واصل غيث:
-يعني متأكدة انه ما قالكيش اي حاجة عن موضوع الخناقة دة؟
-والله أبدًا
قالتها بصدق، فتساءل غيث ثانية:
-طب ما حصلش خناقة بينك وبينه وناسية؟
-لا
صمتا الاثنان، ثم انتهى كاتب الاقوال الذي كان يجلس بجوار غيث قبل وصول عنان بدقائق من كتابة أقوال عنان، وثم مضت هي عليها بعدما أمرها غيث، وتحدث:
-احنا هنضطر ناخد من كل الناس اللي تعرفه عينات.. وانا اسف يا انسة انتِ هتكوني اولهم
نظرت له بصدمة وهو مستمر في حديثه:
-دي اجراءات روتينية ولازم تحصل
-اللي تشوفه يا فندم.. انا ما عنديش اي مشاكل
قالتها باستسلام، فتحدث بجدية:
-تمام.. انتِ هتروحي دلوقتي مع الدكتور حسام للمستشفى عشان ياخدوا منك العينة ويحللوها
صُدمت بعد سماع جملته ولم تجيب.
نهض حسام على الفور من مقعده وهو ينظر لها قائلاً:
-اتفضلي يا انسة عنان.. ومش هأخر حضرتك
همت واقفة بتوتر وصمت وملامحها متجمدة، وحسام يهتف ناظرًا لغيث:
-بعد اذنك يا فندم
-اتفضلوا يا دكتور
اتجه حسام لباب المكتبة وفتحه، ثم خرج وعنان تتبعه.. سارا الاثنان في صمت حتى خرجا من القسم متوجهان نحو سيارة حسام.. وفور وصولهما امامها فتح حسام الباب المجاور لمقعده وتحدث ناظرًا لها:
-اتفضلي
دلفت السيارة في صمت، ثم أغلق حسام الباب واسرع نحو الباب الاخر.. فتحه واستقر على مقعده بهدوء وتحدث بصوت خفيض:
-لو متوترة وعاوزة تروحي اي مكان تهدي شوية قبل ما نروح المستشفى ما عنديش مشكلة
لم تجيبه وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه ناظرة خارج السيارة من النافذة المجاورة لها.. تنحنح بحرج ثم وضع المفتاح في مكانه وادار المحرك، وشرع في السير بعيدًا عن القسم بقيادة هادئة موليًا شطره نحو المشفى.
                            * * * *
-طب اهدي عشان خاطري
قالها وهو يربت على كتفها بحنان وهي مستمرة في البكاء وكفيها وساقيها يرتعشان، ويواصل هو محاولاً تهدئتها:
-مش هينفع كده.. احنا رايحين نعمل تحليل بسيط.. مش محتاجة كل اللي انتِ عملاه في نفسك ده
نظرت له في تلك اللحظة باندفاع، وهتفت بلوعة:
-بسيط! ازاي بسيط؟ ده كانسر "cancer"..
........

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن