الفصل الأول

508 0 0
                                    

كانت الايام تجري ببطئ على وقع المخاطر والتحديات ، لم يكن لدي ادنى فرصة لأنجو بنفسي مما يحدث ، الحروب قائمة على قدم وساق وفي كل مكان والجثث تملئ الشوارع والأرصفة لا تجد من يحصيها أو يكرمها بالدفن دموع الثكالى وصياح الأطفال الفاقدين لأخوتهم او لأمهاتهم او حتى لِلا أحد البكاء على أشده في كل زقاق وبيت الرعب وماذا أقص لكم عن الرعب كأفلام الاكشن التي نراها على التلفاز وندعي انها كذبة او تمثيل او كما يقول البعض مونتاج ، رائحة البارود واصوات صليل الصاوريخ مع طقس ماطر يصحبه البرق والرعد وكان الدنيا تنذرنا بخرابها ، ثمة شي وحيد ضغى على جوارحي وعواطفي شيئ جعلني منعزل تماما عما يجري لن أكترث وقتها لأصوات التفجيرات ولا للغبار الصادر عن هبوط المباني وسقوط أعمدت الأنارة ، رحت اجري بهستيريا نحو الصوت المجهول نحو المناجاة ونحو الأنين لن أأبه لنتيجة ما سيحصل وقتها ولم انتبه لتصرفي الطفولي البريئ في حين كل الذين أراهم كانوا يهرولون نحو الطريق المختصر المؤدي إلى خاج القرية الفقيرة البائسة وانا الوحيد الذي كان يقتحم الغبار متوغلا إلى الداخل نحو الصوت الذي لم أكن اسمع وقتها سواه في حين كان صوت الطائرات يعلو أكثر فأكثر وأصوات المباني تتساقط واحدة تلو الأخرى كأوراق شجرة حان خريفها وهزها الريح ، عندما وصلت إلى مصدر الصوت كانت الصاعقة الكبرى تنتظرني والمشهد المفزع يطغو على بصري ...
كانت طفلة في ربيعها الثامن تصرخ وتناجي من بين الأنقاض أخرجوني أكاد أن اختنق ، اخرجوني كرمة لله ، وعندها تكبلت يداي وزاغ نظري ولم يكن امامي سوى المجازفة بنفسي لأنقد هذه الروح البريئة وما ان استجمعت قواي وبدأت بطمئنة الطفلة بأني اسمع صوتها وسأساعدها بالخروج من بئر الاسمنت الذي أغرقها وما ان بدأت برفع كتل الأسمنت المحطمة صغيرة الحجم وإذ بشخص تشير ملامحه بأنه بالخامسة والعشرون من عمره وقد وضع خوذة فولاذية على رأسه لتحميه قليلا من أي خطأ يرتكبه قائد المروحيه الذي امطر القرية بالصاوريخ الفراغية شديدة الانفجار وضع سلاحة بين كتفي حيث كنت منهمك وبسرعة جنونية بأغاثة الطفلة التي تناجي المارة فوقفت متسمرا مكاني لا احرك ساكنا حينها اتضحت لي نهايتي وبات موتي قريب جدا وبدأت اسحب أخر انفاسي التي ستتوقف عند أول ضغطة من سبابة الجندي على سلاحه القابع بين كفيه السمراوتين المغبرتين ..
_ قال لي بصوت يعلوه التكبر : دعها و سر بطريقك وإلا افرغت مخزون سلاحي هذا في رأسك واشار إلى سلاحه بكل ثقة .
_ أجبته خائفا مرتعدا : بالله عليك دعني انقذها ونذهب سويا وبعدها اعدك بألا ترانا في كل هذه القرية حتى ولو انصلحت الامور وعم السلام .
_ قلت لك دعها وإلا ؟؟؟
_ اتوسل إليك ياقائد إنها طفلة ، يبدو ان عائلتها كلهم تحت الركام ولم يبق منهم ناجي إلا هي اتوسل إليك .
بكل عنجهية وتذمر سمح لي الجندي ذو البزة العسكرية المكسوة بالغبار بأن ابذل جهدي واكمل ما بدات به في حين كان الطفلة تزيد في صراخها من شدة الالم وضيق التنفس ...
___________بعد ان انقذتها___________
_ ما أسمكِ ؟
= جوى ..!
_ وكم عمرك ؟
= خمسة عشر عاما ...
_ أروي لي ماذا جرى إن كنتي تستطيعين التعبير .
= دعني من هذا كله اريد ماء ..
_ هيا لنشرب من السبيل ومن ثم نذهب مع الذين ذهبوا وبعد ما تستعيدين توازنك سنتكلم عن كلشي
= اتفقنا ...
________
كان الجنود يقتحمون المنازل بكل عنف وشراسة ويعتقلون المارة من شيوخ وشباب ونساء واطفال ايضا إلى أماكن مجهولة لا يعلمها سواهم ، بينما كان هناك فصيل منهم مختص بسرقة الأثاث المنزلي ونقل ممتكات الناس المهجرين إلى ملكية قائدهم الجشع ، كانت الشاحنات تخرج من القرية على رتل واحد محملة بالأثاث المنزلي وخزانات الخشب وكل مايخطر ع بال بشر من ادوات كهربائية ، وكانت إحدى الشاحنات محملة بالفرش و الوسائد والحصر ، إنها السرقة المشرعة المحللة تحت أسم الغنائم بينما كان الناس ينظر إلى ممتلكاتهم وهي تسرق وإلى بيوتهم وهي تنهب نظرة الضعيف الخائف المرتعد من هول مايرى فلا يحلو لهم مايروه ولا يستطيعون المطالبة بحاجياتهم التي سرقت خوفا من ردة فعل عنيفة من السارقين او ربما خوفا من الموت المفاجئ بأسحتهم ..
__________
_ كيف تشعرين الان ؟
= عظامي تؤلمني واشعر بضيق شديد في صدري يكاد ان يكتم انفاسي .
_ أين هم أهلك ، وماذا جرى لهم ؟
= لا أعلم ؛ وبالمناسبة من أنت وهل تعرفني من قبل ؟
_ لا أبدا ، انا لا اعرفك ولكن كان صوتك واضح جدا عندما كنتي تستنجدين بالمارة لكي يخرجوكي من بيت الركام فكبحت كل مخاوفي وجبني واستجمعت كل شجاعتي و قواي لأفعل ماكان يجب على ان افعله في سبيل انقاذ روح بشرية تناجي خالقها ..
=ماهو أسمك ؟
_ أنا هادي أكبركِ بخمس سنوات فقط ، كنت اعمل بالنجارة في قريتكم ولا أعلم شيئ عن أهلي منذ ولادتي ، عشت في منزل جدتي الصغير حيث كنت اتلقى الرعاية في كنفها ومن مدخراتها إلى حين أصبحت في الرابعة عشر وبضع أشهر توفيت عن عمر تخطى الثمانون وبعدما انتهت مراسم العزاء ببضع أيام اختلف وارثوها على بيتها وممتلكاتها إلى ان انتهو ببيعه وتقسيم ثمنه فيما بينهم بالتراضي ، وبعدها لم القى الرعاية المطلوبة في منزل خالي إذ كانت زوجته تعاملني معاملة السيدة لخادمتها في حين كنت اتجاهل إذلالها لي ومعاملتها الجشعة معي إلى ان رأيتها ذات مرة تتكلم مع أحد الجيران القاطنين في البناء ذاته ، غير منتبهة لوجودي كانت تبتسم ل شادي وهو يخاطبها قائلا "سأشتاق إليكي كثيرا" وقتها كان ردها " لن اجعلك تنتظر كثيرا ، لنا ملتقى قريب " ، وما إن التفتت لتدخل وتغلق ورائها الباب تفاجئت بوجودي خلفها حينها امعنت النظر فيني لمدة وكان واضح على ملامحها انها ستعمل على اقصائي من منزلها بعدما اصبحت اهدد استقرار عيشها مع خالي ....
= هكذا إذاً ، لم أرك في قريتنا قط ، في حين أنا اعمل في مصنع صغير للحلويات المحلية وأعرف كل المارة غرباء كانو أم من قاطني القرية المؤسسين ، لذا استغربت من كونك تعمل في القرية كل هذه المدة ولم يصدف ان رأيتك ؟؟
_ انا مقيم في الورشة التي اعمل بها ، هي ليست بورشة كما خُيل لكِ ، هي عبارة عن نصف صالة ويتخللها مطبخ صغير وغرفة منامة لا تتجاوز المترين للعمال المقيمين .... هلا أخبرتيني عنك قليلاً ؟
= قصتي طويلة لا أعرف بدايتها ، ولكن كل الذي أعرفه أن لا أهل لي ولا عائلة ، في حين بدأت طفولتي وفي سن الرابعة كنت لا اعرف مامعنى العائلة كانت السيدة جورجيت تعتني بي ، تطعمني وتسقيني وهي أيضا من علمتني القراءة واشكال الحروف مع طفليها التوأم داني وروي كانو اكبر مني بعامين شديدي الجمال والبراءة رائعين بحضورهم حين يلعبون لعبة التخفي سويا ، كنت اشعر بالغربة بينهم ، اجد نفسي مكسورة لا اعرف ما الذي يجبر كسري ، وفي كل مرة اسأل بها السيدة جورجيت عن أبوّي وعائلي تجيبني بجملتها الشهيرة ( نحن عائلتك) في حين لاشيئ في كلامها يدفعني إلى تصديق ماتقوله رغم انها كانت حقا كوالدتي التي لم ارها قط ، اختفى زوجها وانا في التاسعة من عمري حين كان يملك مصنع الحلويات الذي سبق ورويت لك انني اعمل فيه مع السيدة جورجيت ، ولم يعود منذ ذالك الحين ، ست سنوات ولا أحد يعرف أين هو ولا اي خبر عنه
           
                  ...... يتبع الفصل الثاني ....

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 19, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

جاري البحث حيث تعيش القصص. اكتشف الآن