انتهت .

675 90 45
                                    


هكذا تمضي جمعة بعد اخرىٰ .. ليلة الجُمعة هي للبكاء على الحسين اما فجر الجمعة فهو لندب بقيّة الحسين
كتبت لهُ في احدىٰ الجمعات رسالةٍ والقتها في النهر عند المقام جاء فيها:
جُمعة بعد أخرى
يكادُ الصبر أن ينفد ، أيُ بِقاع الارض
التي كان لها الشرف ان تطأها قدماك
ليتني حبةُ رملٍ علِقت بنعلك
علني بذلك ارافقك حتى اموت
قُل لي أينك ؟؟ أفـي كربلاء؟؟أم في النجف
أو ربمّا تكون في الشام !! او لعلك فـي طوس
تساؤلات غيابك اهلكت عقلي
اخشى ان تكون عند قبر امك فاطمه
غائبٌ عند غائب
فتزداد بذلك حيرتي وحسرتي
أيُ عذابٍ هذا سيدي .

اسبوعٌ بعد اسبوع ولا تزال رقية تسعى لكربلاء باحثةً عن روحها الغائبة المتمثلة بذاك الصاحِب
انقضين سبعةٌ وثلاثين جُمعةٍ واجهتها خلالهن الكثير من معوقات الذهاب لكربلاء ولكنهن قضّن
في الجمعة الثامنة والثلاثين بات الامر اصعب بكثير اذ قامت مظاهرات شديدة في البلاد واصبحت الاوضاع خَطِرة مما جعل ام ايمن توقف حملات الزيارة في كل اسبوع .. ذُهِلت رقية مما سمعتها واخذت تبكي وتبكي فجاءها اخيها علي يواسيها ويطبطب على قلبها وقال لها انهُ من سيأخذها في ما تبقى لديها من جمعات ، كان كلامه اشبه بأعادة الروح بعد موتها لرقية فأخذت تشكره بعينٍ دامعة ، اخذها علي في الجمعة الثامنة والثلاثين والتاسعة والثلاثين وفي الجمعة الاربعون كانت رقية تكاد روحها ان تغادر جسدها بهجةً بقرب لقاء الحبيب فتراها تطير في المنزل ڪ حمامةٍ قد اطلقوا سراحها الا ان بهجتها لم تدم الا ساعاتٍ فسرعان ما اذاعوا في نشرة الاخبار ان الاوضاع ساءت جداً وبات الوضع خطيراً الى ابعد حد مما ادّىٰ الى اغلاق منافذ كربلاء ومنع الدخول والخروج منها واليها حاولوا بشتّى الطرق ان يذهبوا هذه الجمعة لكربلاء ولكن شاءت الاقدار ان رقية تقضي جمعتها الاخيرة في منزلها بقلبٍ محزون وخاطرٍ مكسور قضّت ليلتها تأن وتأن وتدعوا وتبكي
وتناجي صاحب الزمان وتتوسله وتقسم عليه بفاطمٍ والحسين ان يعطف عليها بنظرةٍ ولقاء وكانت تقول له:
ايامي قليلة سيدي كيف بي ان ارتحلت دون ان القاك ؟
ما حالي ان لم ارى عيناك ، اتترك حسرةً في
قلب رقيتك التي هذّبها حبّك وانفقت كل سني حياتها في هواك ؟
اي ذنبٍ اقترفته سيدي لأنال هذا البعد والفراق ، ان كنت
لا استحق وصالك فعلى الاقل ليس لأجلي بل لأني كنت ابكي الحسين معك كنت انعاه بقلبٍ مفجوع في كل ليلة ،
وحقك ما بارحت الحزن عليه وكل ايامي كانت عاشراً

لم تنم ليلة الجمعة تِلك
في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل المصادف الواحد والعشرين من شهر رجب ذهبت وجددت وضوئها وصلّت صلاة الليل من جلوس اذ حاولت النهوض ثلاث مرات واذا بها ترتجف وتكاد ان تسقط  فصلتها وهي جالسةً وبعد الصلاة والدعاء كعادته تبكي الحسين وتتخيل انها ليلة الحادي عشر من المحرم وكيف بزينب بأبي هي وامي تصلي الليل من جلوس وجثة اخيها مقطعةً في الفلوات فأخذت تبكي وتردد هذا البيت عن لسان حال السيدة زينب :
أبد متروح من بالي انة بذكراك منغرسة ..
واريد الليلة تعذرني اذا صليت من جلسة !
تمرُ الدقائق بثقلٍ على روح رقية وكأنها تحتضر .. اخر ساعةٍ قبل الفجر كانت صامتة لا تقول شيء ولم تدعوا كانت فقط تسكب الدمع الحارق وتردد (كان يجب ان التقيك هذه الليلة يا حبيبي)
بعد صلاة الفجر جلست تقرأ النُدبة كعادتها ، كانت ندبة هذه الجمعة مختلفة ، كان هنالك شعور غريب حين القراءة حتى انّها كانت تشم رائحة عطرٍ نرجسي في دارها لا تعلم من اين يصدر ، اكملت النُدبة وسجدت باكيةً وهي تقول:
(هذا حدَّ صبري يا مهدي ..
الى هُنا قد نفِذ كل ما بالروح والقلب من تصبّر
فها انا اكاد ان اموت ولم القاك ، يوسف قد تحنن
على زُليخة بعد سنينٍ عجاف ، ما بال سنيني
لا يأتيها غيث اللقاء ، لمَ يا مولاي لِمَ ؟ ...
كيف وأين القاك ؟.. أين انتَ الآن بل أين أنا)
بينما هي لا زالت ساجدة وبعد ان قالت جملتها الاخيرة
ازدادت شدة العطر في تلك الدار واذا بحجرتها تمتلىء بنور وضياءٍ شديد يغشى البصر ولا يمكن النظر إليه وقبل ان ترفع رأسها من السجود جاءها صوت عذب منبعث من امام موقِع سجودها ويقول
(أنا هنا)
رفعت رأسها واذا بها ترى صاحب الطلعةِ المحمدية والهيّبة العلوية ذو الروح الفاطمية واقفاً امامها والنور يحجب العين عن رؤيته .. صارت ترتجف بشدة وتردد بشكلٍ مستمر"ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم" وكان النور يخفت شيئاً فشيئاً مع كل مرة تردد فيها الذكر حتى بانت صورة وملامح الواقف امامها كرر كلمته مرةً اخرى(أنا هُنا .. كُنت دائماً هُنا) ليت الكوكب يتوقف عن الدوران في تلك اللحضة ويتجمد الوقت في مكانه ، "يا صَديقي بعض الأمور والتفاصيل يجب ان تبقىٰ سرّاً لا يُباح فهي كطلسمٍ إن وصِفَ لَم يُفهم حتىٰ يُعاش ...ٰ"

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 05, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

 ذبيحة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن