~الفصل الخامس والعشرون~

941 34 31
                                    

    ~الفصل الخامس والعشرون~

         غموض الأدهم
                   بقلم/ نعيم محمد

{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتٰبًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِۦ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْءَاخِرَةِ نُؤْتِهِۦ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِى الشّٰكِرِينَ }
[ سورة آل عمران : 145 ]

صوت نحيب يصدح بالمكان ، صرخات روح ،وآاهات قلبٍ يُضرب بسياط ، عينان من دمعها تعبأ آبار، تجرف وديان ..
قلوبٌ على حال الباكين تناشد بأن يرأف بهم الرحمن ..

طرقت باب الغرفة ودخلت ..

قالت من بين دموعها وصوتها المتهدج يجاهد للخروج من حنجرتها التي أضعفها النواح وأحبالها الصوتية تراخت ..

_مرام لو سمحت اطلعي برا وسيبيني لوحدي ..

اقتربت منها وجلست جوارها على الأرض جانب سريرها الوردي ..

اهدي يا نرمين مش كدة ، بالله عليكي قومي ، الستات قاعدة برا من الصبح جم يعزوا ووليد قاعد تحت مع الرجالة اللي جت تعزي ، وإنت وأختك كل واحدة قافلة على روحها أوضتها وبتعيط .

قالت من بين دموعها وشهقاته
ماتت يا مرام ، أمي ماتت وسابتني لوحدي ، كانت كويسة مبارح مفهاش حاجة نامت مقامتش ..
خلاص راحت وسابتني زي بابا .
دا مكانش لينا غيرها من بعد بابا ، والله مزعلانة منها قوليلها ترجع وأنا  مش هزعلها مني تاني ..أبدًا .

وأجهشت في بكاء مرير ، روحها تخرج مع كل شهقة ، وترد صافعة جسدها مع كل دمعة ..

مرام ودمعها على وجنتيها كعدوى أصابتها : اهدي مش كدة ، ربنا يرحمها راحت للي خلقها ،كلنا عارفين إنها كانت تعبانة ، ادعيلها يا حببتي ..ادعيلها .

خرجت كلماتها من جوفها : مش قادرة والله مقادرة ..
مش متخيلة حياتي من غير وجودها .. كنت ماسكة نفسي بالعافية لما غسلوها ، كان نفسي أغسلها بإيدي وأشم ريحتها بحضني أبوسها وأحضنها قبل متتدفن ، بس منعوني ، منعوني أودع أمي ..
منعوني إني أخدها بحضني وأقولها آسفة حقك عليا ، آسفة على الجلطة اللي جاتلك بسببي وبسبب شغلي.
اللي ضعفوا قلبك الحنين اللي هتوحشني حنيته عليا أوي ..

اطلعي للناس اللي برا قوليلهم يمشوا مش قادرة أشوف حد ..

انفجرت في البكاء : مش هينفع يا نرمين ، إنت الكبيرة اللي لازم تطبطب على نور ، إنت الأم والأب ليها دلوقتي ، طول عمرك قوية ومش بتهزك المواقف ..
خليكي قوية وقومي نشوف نور ونقعد في الصالة ..

_سيبيني يا مرام بالله عليكي ، القوية خلاص وقعت مرة لما أبوها مات ودلوقتي ماتت بموت أمها ..
مفهاش حيل تشيل نفسها ..
أطبطب على نور ، وأنا مين يطبطب على قلبي ?! اللي كانت بتداوي جروحي لما أقع راحت ..
وبابا اللي كان سندي وظهري راح .
و ...
وأردفت ببسمة ساخرة تزينها قطرات دمعها : واللي قولت هيبقا سندي من بعده، مات بعد مجرحني وصدمني ،لما اكتشفت إنه قاتل وقاسي ومفيش في قلبه رحمة أصلاً عشان يداويني ..
ودلوقتي ...دلوقتي راحت اللي كانت فاضلالي ، اللي عايشة عشانها عايشة بحبها ..

غمووووض الأدهم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن