أسفة أنني تأخرت عليك كثيرا و أبقيتك منتظرا و أنا أحضر الشاي ، أنا أعتذر فقط لأنني مأدبة ، فلو دققة في الفكرة ليس خطأي أن الماء لم يغلي بسرعة ، فكما تعلم أنا لست الفرن الذي وضعت فيه الإبريق.
لنعد إلى حكايتنا ، أين كنت ؟ أه نعم .الثانوية ، سأزعجك بالحديث عن هذه الفترة بالتحديد لأنها نوعا ما كانت الفارق الحقيقي في ما ألت إليه حياتي .
بعيدا عن شكلي و الشخصية التي كنت عليها أن ذاك ، و بعيدا عن أنني كنت أبدو قوية للجميع ، لكنني في الحقيقة لم أتغير قط ، ضللت حساسة ، بل الأسوء أنني أصبحت أكثر حساسية ،أصبحت أصغر المشاكل تجعلني كئيبة ، و أصبحت أبكي على أتفه الأسباب .
تعرفت على شخص بالصدفة ، أو بمعنى أخر كنت معجبة به ، لكن لم يكن لي الشجاعة الكافية لكي أتودد إليه ، فبساطة تركت الأمر على ما هو ، و لم أحاول حتى .
حتى جاء يوم ، رأيت فيه فتاة تدرس في القسم المجاور تتعرض للتنمر من قبل فتاة كنت أمقتها و لا أقوى على رؤيتها ، ربما كنت أشعر بالغيرة لأنها أجمل ؟ أو بالمعنى الأصح أنحف ..
لم أستطع أن أقف مكتوفة الأيدي و تدخلت ، دافعت عن تلك الفتاة ، لا لم أضرب المتنمرة ، لأنه بطبعي لا أحب العنف الجسدي ، ليس لأنني ضعيفة ، أو لأنني أكره العنف إجمالا ، فقط أنا أكسل من أن أعتدي على شخص ، سمه غباءا ، سميه ما تريد أن تسميه ، لكنه من منضوري مجرد قاعدة لحفظ الطاقة .
من يومها أصبحت تلك الفتاة ، صديقتي ، لم تعجبني تصرفاتها قط ، لكن لا دخل لي في تصرفات أحد مادامت لا أتأثر بها .
أعلم أنك فضولي ، و أعلم أيضا أنك تريد أن تعرف كيف كانت هذه الفتاة ، حسنا ، بما أنك مصر سأشرح لك .
تعرف ذلك النوع من الفتياة اللواتي يستغلون الجميع من أجل أن يحصلو على ما يريدون ؟ أنا أسميهم "pick me girls " ، بمعنى أنهن جاهزات لفعل كل شيئ ، و أي شيئ ما أجل رجل ، و كانت تلك الفتاة تفعل هاذا فقط لكي تحصل على حبيب ، أو فرقة من الأحباء ، يدفعون لها مقابل الولاء ، و كأنها حقا جارية ، الفرق الوحيد بينها و بين الجارية هو أن الجارية تفعل ذلك رغما عنها .
كانت سرين ، أو الجارية بالإختيار، نوعا ما طيبة معي ،أو عطوفة ، و بما أنني لا أستطيع قول لا لأحد ، أصبحنا صديقتان مقربتان.
كان من المقدر أن سرين تعرف ذلك الفتى الذي كنت معجبة به ، و كانت هي و مجموعة من الأشخاص يتسكعون معا ، فبدون أن أشعر ، أصبحت أمضي أغلب وقت فراغي معهم .
كان ياسير عكس ما كنت أتوقعه تماما ، رغم أن هيئته كانت مبهمة و عميقة ، لكنه كان نوعا ما إنسانا سطحيا ، أصبحت أمضي وقتي ، أغلبه في الحقيقة معه ، نتسكع ، نشاهد الأنمي مع بعض ، فبدون أن أشعر حتى أصبح صديقي المفضل .
ترى هذا العقد الذي ألبسه الأن ؟ هو يمتلك نصفه الثاني ، كان هو حقا أخي الأكبر الذي لم تلده أمي .
رغم ذلك ، لا أستطيع أن أنكر أنه علمني الكثير من الصفات السيئة ، أو بالأحرى علمني صفة واحدة أدخلتي لعالم من الصفاة السيئة .
تعلمت كيف أدخن ، و أصبحت مدمنة على السجائر ، رغم أن رائحتها تشعرني بالغثيان ، إلا أنها كفيلة لجعلي أهدأ و لو قليلا .
أنت الأن تتساءل أين سرين صحيح ؟ دعني أقل لك شيئ ، لا أعلم ، و صدقني أخر همي أن أعلم ، حتى إنني لا أريد أن أذكر لماذا إنتهت صداقتنا أنا و تلك الجارية ، لكن ليست هي أول من خانني ، و لا أخر من سيفعل .
في ضل كل الدراما التي كنت أعيشها ، و الألم و المعناة ، كنت دائما أتسائل لماذا ؟ لماذا أنا من بين كل الناس ؟ ماذا فعلت لكي أعيش هكذا ؟ ما كا دنبي لكي أعاني ؟ هل أخطأت في شيئ ما ؟ هل يمكنني إصلاحه ؟
طبعا أنت تقول الأن أنني أبالغ في ردة فعلي ، و أنني أعطي هذه الأمور أكبر من حجمها ، لكنني لن ألومك ، لن ألوم شخصا لازلت أمه تطبخ غدائه ، و تغسل ملابسه الداخلية ، و تنضف غرفته ، لن ألومك لأنك تملك كل شيئ .
كانت حياتي جحيما ، بل سوادا ، و في ضل كل هذا السواد ، ضهر بصيص أمل صغير ، أحببت شخص للمرة الأولى ، و أصبح هو سندي ، و كل ما أملك ، أبتسم فقط عندما أتدكره ، و أشعر من الخجل فقط عند تذكر إسمه ، حتى إنني لم أقوى قط على رؤية صوره لأنني كنت أخجل كثيرا منه ، كان هو الشخص الوحيد الذي لم يحكم علي من أخطائي ، و كان يشبهني جدا ، لدرجة أنني كنت لا أستطيع التفكير في حياتي من دونه .
رغم أنني لم ألتقك قط ،لكنك كنت كل شيئ املك ، سبب سعادتي ، و سبب للعيش ، كان ألمك يقتلني ، و سعادتك تشعرني بالرضى ،" رغم أنني ضغطت عليك أكثر مما يجب لكنك كنت كل ما أردت يوما ، كنت كل ما أفكر فيه ، و كل ما أردته ، كانت طاقتك الروحية ترضي نفسي ، تجعلني أحلق من السعادة ، لا أستطيع أن اذكر عدد المرات التي أردت أن أعانقك و أخنقك و أجعلك ملكي للأبد ، و كم من مرة أردت أن أبكي على صدرك ، أعلم أنك لا تحبني الأن ، لكنني لن أنساك مهما طال الزمن ، و لن أحب أحدا بقدر ما أحببتك ، كل شيئ تفعله ، وجودك ، كل شيئ فيك يجعلك أفضل شيئ كنت أنتمي إليه يوما ، أكره نفسي لأنني جعلتك تتألم ، و أعترف أنني لا أستحقك ، و أنت تستحق الأفضل ، لطالما كنت طفولية في تصرفاتي ، لكن كانت تلك صرختي لطلب المساعدة ، و أنت لم تفهم قط ، لكني لا ألومك أبدا على ذلك ، كان ّ ذلك خطأي ، و أرجو أن تسامحني على كل مرة جعلتك تعاني ، لكن لم أعني ذلك قط ، أتمنى لك السعادة ، النجاح ، و الشفاء و الحماية و أتمنى لك الحب ، الحياة الطويلة ، أتمنى أن تحقق كل الأحلام التي لطالما أردت تحقيقها ، سأكون سعيدة يومها ، يوم أنت تكون في المكان الذي تنتمي إليه ، فوق ، في القمة " "