إلى أمي الدافئة ...
يصكُ البرد أسنانه على أطراف روحي
يمدّ مخالبه حتى يطال الطفل بداخلي
قلتي لي يوما :
سيسقط الظلم ذات ليلة ولن يستيقظ
فسقط سقف أماني
سقطت دموعي العزيزة
سقطت أحلامي
وسقطت حكايات كثيرة
شرفات، وأصص ريحان تيبّسَ،
وأعشاش طيور رائعة ماتت روعًا،
ولم يسقط الظلم بعد !
ها هو موسم البرد مرة أخرى يهدد وحدتي
وأسراب الطيور المهاجرة تناديني للرحيل
أريدُ أن أرحَلَ في يومٍ ماطِر
لا في يومٍ ربيعيّ،
ولا في يومٍ تتفتّح فيه الأزهار
أُريدُ أن أرحَلَ في يومٍ تنادينني فيه
عندما يبلُغُ شَوقي إليكِ من الحزنِ أعماقَ كينونتي
اليوم الذي تضجرين فيه من التنسُّك في عزلتِك
حينها،
دفِّئيني بعباءتك الرَّحبة
أو بيديك اللتين هُما الآن عُشب الموت النضِر
يديكِ المتّشحتين بِظلالِه،
ودعينا نحمِلُ معنا سُمْرةَ الجبل
ومدىً ترجُفُ فيه شمسُ الغروب.
دعينا نأخذ معنا خُفوتَ الفَجْر
ومساءاتٍ باهتة.
نأخذُ كلّ ما لا يعبأ به الأحياء:
الجُدران الضاجّة بصرخاتِ أعوامٍ مضَت،
وبيوت حينا القديم البالية
دعينا نَرْهَنُ أحلامَنا
في سبيلِ أن نحظى بذكرى تركناها هناك
وهي لا تزال خفّاقةً في داخلنا.
لأُشارِككِ كينونتي
ونُصبِحُ معًا جدولًا يشقُّ طريقَهُ بلا عودة،
عندَها،
ما أجمَلَ أن نكونَ أحرارًا من جديدٍ ...
كما في العدَم!